Untitled Document

عدد المشاهدات : 6145

الحلقة (110) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآية (185) من سورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَو

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة العاشرة بعد المائة
تدبر الآية (185) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 
 شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(شَهْرُ رَمَضَانَ) كلمة "شَهْرُ" مأخوذة من الشهرة، والشهرة هي الظهور، فكانت العرب تقول: شهر سيفه أي أخرجه من غمده وأظهره، ونحن الآن نقول: انسان مشهور، وأمر مشهور، ونقول الشهر العقاري، يعنى: نُعْلِم بوجود صفقة حتى لا تأتي صفقة أخري عليها
فسميت هذه الفترة الزمنية شهرًا، لأن دخول الشهر أمر معروف يعلمه كل الناس اذا رأوا الهلال في السماء 
أما كلمة "رَمَضَانَ" فان مادة الراء والميم والضاد تدل على الحرارة الشديدة، فكانت العرب تقول: الرمضاء أي الحجارة المحماة، وكانت تقول: أرض رمضاء، أي أرض حميت من شدة وقع الشمس عليها، وفي السيرة أن قريش كانت تعذب بلال وضعفاء المسلمين في "رمضاء مكة"، وكانوا يقولون "رمضت الابل" أي أن الحرارة أصاب خفها فبركت ولم تعد تقوي أن تضع رجلها على الأرض
وفي الأمثال العربية "كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بِالنَّارِ" يُضرب لمن يَفِرُّ من شَرٍّ فيقع فيما هو شَرٌّ منه، ويقولون: رَأَيْتُهُ يَتَمَلْمَلُ كَأَنَّما يَتَقَلَّبُ على الرَّمْضاءِ . . وهكذا
فلما كانت العرب تضع أسماء الشهور، جاءت تسمية رمضان في وقت كانت الحرارة شديدة، فسموه رمضان، كما جاءت تسمية "ربيع الأول" و"ربيع الآخر" في وقت الربيع، وعندما سموا "جمادي الأول" و"جمادى الآخرة" كانت الجو باردًا والماء يجمد
كأن الله تعالى قد وفق الى تسمية شهر رمضان بهذا الإسم، حتى يدل على المشقة التى تعتري الصائم في هذا الشهر
وقيل أنه سمي بذلك الأسم لأنه يرمض الذنوب  أي يحرقها بالأعمال الصالحة
يقول أهل اللغة أن جمع "رَمَضَان" "رمضانات" و"أرمضاء" 
 (الْقُرْآَنُ) ومعنى القرآن أي المقروء، كما نقول على المشروب شرابًا
وقيل أن أصله القرء هو الجمع، فكانت العرب تقول "قريت الماء" أي جمعته في الحوض، فسمي القرآن قرآنًا لأن الله تعالى جمع فيه كل العلوم ، وكل ما يحتاجه الانسان في حياته وآخرته في هذا الكتاب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ) ما معنى ان القرآن العظيم نزل في شهر رمضان، ونحن نعلم أن القرآن العظيم نزل مفرقًا طوال فترة الدعوة الاسلامية، وهي ثلاثة وعشرون سنة
المعنى أن القرآن العظيم نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ، إِلَى بَيْتٍ فِي السَّمَاءِ الدنيا يُقَالُ لَهُ بَيْتُ الْعِزَّةِ، وكان ذلك في ليلة من ليالي في شهر رمضان أطلق عليها "ليلة القدر" ، وسميت بذلك لأنها ليلة ذات قدر أي شرف
وكذلك بداية نزول القرآن العظيم من بَيْتُ الْعِزَّةِ في السماء الدنيا، على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – في ليلة القدر في شهر رمضان
اذن قول الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ) وكذلك قوله في سورة القدر (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله تعالى في سورة الدخان (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) تعنى أمرين: تعنى نزول القرآن دفعة واحدة من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا
والذي يؤكد هذا المعنى أن كلمة (أُنْزِلَ) تجدها دائما منسوبة الى الله تعالى، أما (نَزّل) فتنسب الى غير الله تعالى 
فمثلًا يقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر) وحين يتحدث عن جبريل يقول (نَزَلَ بِهِ الروح الأمين) وحين يتحدث عن الملائكة يقول (تَنَزَّلُ الملائكة) 
وفي سورة الإسراء (وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ) في الأولي قال تعالى (أَنْزَلْنَاهُ) لأنها من الحق، والثانية (نَزَلَ) لأن الذي نزل به هو جبريل
اذن قوله تعالى (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ) يعنى الانزال من الله تعالى من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا
وقد روي أن جميع الكتب المساوية نزلت في رمضان، وقد كانت كل الكتب السماوية تنزل جملة واحدة، فصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ نَزَّلَت فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَت التَّوْرَاةَ في الليلة السادسة مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ الإِنْجِيلَ في الليلة الثالثة عشر، وَأَنْزَلَ الزَّبُورَ في الليلة الثامنة عشر، ثم أَنْزَلَ الْقُرْآنُ في ليلة القدر جملة واحدة كذلك من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا، ثم نزل بعد نزل متفرقًا على قلب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم –
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا التشريف لشهر رمضان هو لنزول القرآن العظيم في شهر رمضان، ونحن نصوم شهر رمضان، شكرًا لله تعالى على نزول القرآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) 
كلمة  (هُدًى) معناها: الشيء الموصل للغاية بأقصر طريق، فحين نضع إشارات في الطرق الملتبسة، فمعنى ذلك أننا نريد للسالك أن يصل إلى هدفه بأيسر جهد، وحين نقول أن هذا القرآن العظيم هُدًى لِلنَّاسِ، معنى ذلك أن الله تعالى وضع في هذا القرآن العظيم العلامات التى توصلنا وتأخذ بأيدينا الى الجنة 
فقوله تعالى (هُدًى لِلنَّاسِ) أي: نزل هذا القرآن العظيم هداية لِلنَّاسِ من الضلالة الى طريق الحق
(وَبَيِّنَاتٍ) بَيِّنَاتٍ: صفة لموصوف محذوف، تقديره: وآيات القرآن آيات بَيِّنَاتٍ، أي أن آيات واضحات 
يقولون بان الشيء أي وضح
(وَالْفُرْقَانِ) أي: الفرق والفصل بين الحق والباطل، وبين الخير والشر؛ وبين النافع والضار
فهناك أمور يلتبس فيها الحق والباطل، فجاء التنزيل الحكيم ففرق بين الحق والباطل
فمعنى قوله تعالى (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) أي ان هذا القرآن العظيم نزل هداية لِلنَّاسِ من الضلالة الى طريق الحق، وأن آيات هذا القرآن العظيم واضحة في دلالتها الى الحق، وفي تفريقها بين الحق والباطل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد تكررت كلمة الْهُدَى تأكيداً لدور القرآن الرئيس في حياة كل مسلم، وهو انه هداية الى الطريق الحق
وقوله تعالى  (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) اشارة الى وضوح آيات القرآن العظيم لأن الكتب السماوية السابقة كانت كثير من آياتها كَالْأَلْغَازِ وَالرُّمُوزِ لَا تفْهَمُ إِلَّا بِعَنَاءٍ
أما القرآن العظيم، فقد تميز بوضوح آياته فلم ينقل أن أحد الصحابة أو حتى عُلَمَاءَ السَّلَفِ قد حَارُوا فِي شَيْءٍ من آيات القرآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) أي أن من دخل عليه شهرُ رمضان وهو صحيحٌ مقيم عاقلٌ بالغٌ فعليه صومه، وهذه الآية التى أوجبت صيام رمضان بعد أن كان تطوعًا قبل ذلك، وكما فهمنا من الآية السابقة (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) من كان مريضًا أو مسافرًا فيرخص له في الفطر، ولكن يصوم بدل الأيام التى افطرها أيامًا أخري مساوية لها في العدد، وقوله تعالى (أُخَرَ) هي جمع أخري
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهنا أعاد الله تعالى الرخصة للمريض والمسافر، بالرغم من أن الآية السابقة ذكر الله تعالى هذه الرخصة للمريض والمسافر، والسبب أن الاية السابقة –كما تحدثنا في الحلقة السابقة- لها معنى محكم ومعنى منسوخ، فأعاد الله تعالى ذكر الرخصة للمريض والمسافر حتى لا يلتبس الأمر على أحد فيعتقد أن  هذا الحكم قد نسخ
وفي ذلك عناية بأمر الرخصة وأنها محبوبة له - تعالى - .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والمقصود بالمرض هنا، هو المرض الذي يشعر المكلف معه أنه لا يستطيع الصوم، أو لأنه يحتاج الى أدوية في خلال النهار، أو الطبيب المسلم الحاذق يقول له أن الصيام سيضره أو يؤخر شفاءه 
ومسافة السفر التى تبيح الفطر هي ثمانين كيلو متر 
والثابت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أفطر في السفر وصام في السفر أيضًا، وكان الصحابة يسافرون مع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان البعض يصوم والبعض يفطر
روى الشيخان عن أنس بن مالك قال : كنا نسافر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) يريد الله أي يحب الله أن يخفف عليكم، وأن ييسر لكم (وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي لا يريد بكم المشقة والشدة
ولذلك أولى الرأيين عندي هو الفطر في حال المرض وحال السفر، اذا كان هناك مشقة شديدة في الصيام حال  المرض أو السفر، لأن الله تعالى علل الرخصة بقوله (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فاذا كانت هناك مشقة شديدة في الصيام حال  المرض أو السفر وأفطرت لذلك فقد وافقت ارادة الله تعالى، واذا كانت هناك مشقة شديدة في الصيام حال  المرض أو السفر ,أصررت على الصيام فقد خالفت ارادة الله تعالى في قوله (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)
ولذلك روي عن قتادة في قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) قال: فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم.
وسأل ابن عباس عن الصوم في السفر، فقال: يُسرٌ وعُسرٌ، فخذ بيسر الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أي لتكملوا عدد أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم في مرضكم أوسفركم
(وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) يعنى: التَّكْبِيرُ في يوم الفطر، و التَّكْبِيرُ يبدأ منذ رؤية الهلال في ليلة الفطر حتى صلاة العيد
 والمشروع في هذا التكبير أن يقول الإنسان: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"
(عَلَى مَا هَدَاكُمْ) يعني عَلَى مَا هَدَاكُمْ من صيام شهر رمضان، وعلى جميع ما هدانا إليه من دينه .
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) اشارة الى أن صيام شهر رمضان –كما ذكرنا- هو لشكر الله تعالى على نعمة نزول القرآن في هذا الشهر العظيم 
وقال تعالى (وَلَعَلَّكُمْ) والتى تفيد الرجاء، لأن ليس كل من صام رمضان قد شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة وهي نزول القرآن، وانما الذي يشكر الله تعالى هو من يقتدي بالقرآن في شهر القرآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 
وأسأل الله تعالى وقد اجتمعنا على طاعته أن يظلنا تحت ظل عرشه يوم القيامة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته