Untitled Document

عدد المشاهدات : 4138

الحلقة (94) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآيتين (153) و (154) من سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الرابعة والتسعون
تدبر الآيتين (153) و (154) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)
هذه الآية مرتبطة بالآيات السابقة لأن الله تعالى تحدث في الآيات السابقة عن تحويل القبلة، وهو –كما ذكرنا- اختبار صعب للمؤمين وكان الهدف منه هو تنقية الصف المسلم
ولذلك يتحدث الله تعالى في هذه الآية عن الصبر، وكأنه تعالى يحض المؤمنين على الصبر على طاعة الله تعالى في أمره لهم بتحويل القبلة، والصبر على هجوم الأعداء عليهم بالباطل بسبب تحويل القبلة 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)
يقول تعالى لعباده المؤمنين أن أعظم ما يواجهون به الحياة ومشاكلها وصعوباتها وشدائدها هو الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ
وايضًا أعظم ما يتسعينوا به في الأمور الآخرة ودخول الجنة هو الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ
وقَدْ ذُكِرَالصبر فِي الْقُرْآنِ (102) مَرَّةً وَلَمْ تُذْكَرْ فَضِيلَةٌ أُخْرَى فِي الْقُرْآنِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ أَمْرِهِ، والسبب أنه ما مِنْ فَضِيلَةٍ إِلَّا وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْ الصبر
ومن اللطائف أن لفظ الصبر ورد في القرآن (102) مرة، وورد لفظ (الشدة) في القرآن كذلك (102) مرة. 
عَنْ عَلِيِّ زين العابدين بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ الصَّابِرُونَ، لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ قَبْلَ الْحِسَابِ. قَالَ: فَيَقُومُ جماعة مِنَ النَّاسِ، فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فَيَقُولُونَ: إِلَى أَيْنَ يَا بَنِي آدَمَ؟ فَيَقُولُونَ: إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: وَقَبْلَ الْحِسَابِ؟
قَالُوا نَعَمْ. قَالُوا: وَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: الصَّابِرُونَ قَالُوا: وَمَا كَانَ صَبْرُكُمْ؟ قَالُوا:
صَبَرْنَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَبَرْنَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، حَتَّى تَوَفَّانَا اللَّهُ. قَالُوا: أَنْتُمْ كَمَا قُلْتُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.
والصبر ثلاثة أنواع:
- صبر على الطاعة، فتؤديها كما أمر الله تعالى
- صبر عن المعصية، فتتجنبها وتتركها
- صبر على المصائب، والأقدار المؤلمة فلا تتسخطها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال الأحنف بن قيس : شكوت إلى عمي وجعا في بطني فنهرني وقال : إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه, ولكن اشك لمن ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عنك, يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها من أربعين سنة وما أخبرت امراتي بذلك ولا أحدا من أهلي
هنا يتحدث عن الصبر على المصائب، وهو ألا تتسخط، ولا تشكو الى أحد غير الله تعالى، والمنهي عنه هو كثرة الشكوي التى تدل على السخط على قدر الله، أما الشكوي اليسيرة فلا شيء فيها

امرأة فَتْحٍ المَوْصِلِيِّ، وكانت العابدات الزاهدات، عثرت وكسرت رجلها، فوجدوها تبتسم،  فقيل لها: أما تجدين الوجع؟ فقالت: إنَّ لذَّة ثوابه أنستنى مَرَارة وجعه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما توجيهه تعالى لنا بان نستعين بالصلاة، فلآن الصلاة هي أم العبادات، وهي معراج المؤمنين، ولذلك كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة، وتلا هذه الآية 
وكانت اذا حضرت الصلاة أمر بلال أن يؤذن للصلاة فيقول "أرحنا بها يا بلال"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي بالنصر، كما تقول: افعل يا فلان وأنا معك
اذن فالله تعالى يبشرك الى أنك لن تواجه الحياة ومشكلاتها ومصائبها بمفردك، ولكنك ستواجه كل ذلك وأنت في معية الله
ولأن الله تعالى سيذكر بعد ذلك صنوف من مصائب الحياة فيقول (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) فيطمئن الله تعالى بلطفه المؤمنين قبل أن يذكر لهم هذه المصائب، بأنه سيكون معهم وهم يواجهون تلك المصائب 
يقول الشيخ الشعراوي -رحمه الله- في معرض خواطره حول هذه الآية ":يقول تعالى (إِنَّ الله مَعَ الصابرين) ومادام الله سبحانه وتعالى مع الصابرين فلابد أن نعشق الصبر..وكيف لا نعشق ما يجعل الله معنا؟
وهذا مثل الحديث القدسي: "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ا أم علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده"
 يقول بعض الصالحين: اللهم إني استحي أن أسألك الشفاء والعافية حتى لا يكون ذلك زهدا في معيتي لك
إذن لابد أن نعشق الصبر لأنه يجعلنا دائماً في معية الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال بعض العلماء: ذكر الله للصابرين ثمانية أنواع من الكرامة: 
الأول: النصر والمعية، يقول تعالى (إِنَّ الله مَعَ الصابرين)
الثاني: المحية، يقول تعالى في آل عمران (والله يحب الصابرين)
والثالث: غرفات الجنة، يقول تعالى في سورة الفرقان (يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُوا)
 والرابع: الأجر الجزيل يقول تعالى في سورة الزمر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
يقول بعض العلماء: كل الحسنات لها أجر محصور من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلاّ الصبر فإنه لا يحصر أجره، لقوله تعالى:  (إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
الخامس: البشارة، يقول تعالى في الآية التالية (وَبَشِّرِ الصابرين)
السادسة والسابعة والثامنة في الآية (157) من سورة البقرة (عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
فهي الصلاة: أي المغفرة، والرحمة والهداية 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)
إن القتل هو أشد ما يمكن أن يقع على الإنسان، لأن الإنسان قد يصاب في ماله أو ولده أو صحته، ولكن حين يموت فانه يفقد كل شيء في لحظة واحدة 
والذي يبذل نفسه في سبيل الله تعالى فانه يكون قد أعطي ربه كل شيء، فيكون جزاءه عند ربه من جنس العمل، فيعطيه تعالى حياة أبدية لا تنقطع من النعيم، وتبدأ هذه الحياة بعد الحياة الدنيا مباشرة
في هذه الآية يخبرنا الله تعالى عن أحوال الشهيد في حياة البرزخ 
فقد تحدث الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن حياة البرزخ، وهي الحياة بين الدنيا والآخرة، فأخبرنا الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن المؤمن بعد أن يقبر ياتيه ملكان وهما منكر ونكير ويسألانه: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، فيكون في أحلة نومة نامها أحد، أما الكافر فيسأل ثم يقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه حتى تختلف ضلوعه فلا يزال معذبا الى يوم القيامة
أما الشهيد فله خصوصية ليست لغيره من المؤمنين فهو يتنعم في حياة البرزخ حتى يوم القيامة 
وقد وردت الأخبار ان أرواح الشهداء تكون في أجواف طيور خُضْرٍ، يَطِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا، وَيَأْكُلُونَ مِنْ الجنة حَيْثِ شَاءُوا، وتأوي هذه الطيور بالليل الى قناديلَ من نورِ معلّقةِ بالعرش
يقول تعالى في سورة آل عمران (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) وقوله تعالى (يُرْزَقُونَ ) أي يأكلون من ثمار الجنة، ويشربون من أنهارها 
ثم أخبر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله تعالى يطلع اليهم اطلاعة، فيقول: ماذا تبغون ؟ فقالوا يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى - لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله "إنى كتبت أنهم إليها لا يرجعون".
 (وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) 
بما هم فيه من النعيم والكرامة
 

(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

*********************************