Untitled Document

عدد المشاهدات : 2616

الحلقة (82) تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآية (124) من سورة البقرة وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثانية والثمانون
تدبر الآية من (124) من سورة البقرة
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 

(وَإِذِ ابْتَلَى) الإبتلاء هو الإختبار وهو الإمتحان
"ابتليت فلانا" يعنى اختبرته، يقول تعالى في سورة النساء (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعنى: اختبروهم، قبل أن تنقلوا اليهم أموالهم
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ) 
والفاعل في هذه الجملة هو (رَبُّهُ) والمفعول به هو (إِبْرَاهِيمَ) 
فالمبتلي هو الله؛ والمبتلى هو إبراهيم
ولذلك نقول في الاعراب: (إِبْرَاهِيمَ) مفعول مقدم؛ و(رَبُّهُ) فاعل مؤخر
والطبيعي أن يأتي الفاعل ثم المفعول به
وفي اللغة العربية قد يتقدم المفعول به على الفاعل وجوبًا، كأن يكون اسم شرط أو اسم استفهام، وقد يتقدم المفعول به على الفاعل جوازًا، كما في هذا الموضع 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (بِكَلِمَاتٍ)
هي الأوامر والتكليفات التى أمر الله تعالى بها ابراهيم –عليه السلام-
وقد قال تعالى أن هذه الأوامر منه تعالى (كَلِمَاتٍ) لأن أمره تعالى ونهيه يكون بكلمة منه تعالى: أفعل كذا ولا تفعل كذا
وهي –أيضًا- الإبتلاءات التى أبتلى بها الله تعالى ابراهيم –عليه السلام- 
وحياة ابراهيم –عليه السلام- كانت سلسلة من الإبتلاءات، وكانت قمة هذه الإبتلاءات التى ذكرها لنا القرآن العظيم هي مواجهته النمرود واقاءه في النار، ثم هجرته من وطنه وذبح ابنه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (فَأَتَمَّهُنَّ) يعنى: أدَّاهُنَّ تامّاتٍ غيَر ناقصات  
أي قام بما أوجب الله تعالى عليه من فرائض على الكمال وعلى التمام، وصبر صبرًا جميلًا على الإبتلاءات، لذلك قال تعالى في موضع آخر (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) يعنى أدي الأعمال كاملة
الطالب مثلًا ينجح في الإمتحان وتكون له درجة نجاح، فقد ينجح بنسبة 60% وقد ينجح بنسبة 80% وقد ينجح بنسبة 95% وقد ينجح بنسبة 100%
كذلك أوامر الحق –سبحانه وتعالى- وابتلاءاته –تعالى- النجاح فيها يكون بنسب
فالله أمرنا بالصلاة، قد يصلى المسلم ولكنه يصلى آخر الوقت، وهو مشغول الذهن، فهذا نجح في أداء أمر الله تعالى بالصلاة بنسبة 50%
وقد يصلى آخر فيسبغ الوضوء، ويذهب الى الصلاة في المسجد مبكرًا، ويصلى في الصف الأول على يمين الصف، ويصلى بخشوع وخضوع، ويختم الصلاة بحضور ذهن، ويصلى السنة، فهذا نجح في أداء أمر الله تعالى بالصلاة بنسبة 100% 
وبالنسبة للإبتلاءات
شاب –مثلًا- ابتلى أنه موجود في مجتمع منحل والزنا فيه سهل وميسر، قد يعصم نفسه ولا يقع في كبيرة الزنا وهذا نجاح في الإمتحان، ولكنه كان يقيم علاقات لم تصل الى الزنا، نقول نجح في الإمتحان ولكن نجح بنسبة 50% أو لم يكن يزني ولكنه كان ينظر الى ما حرم الله، نجح بنسبة 80% كان احيانًا يغض البصر وأحيانًا لا يغض البصر، نجح بنسبة 90% كان يغض البصر ونادرًا ما كان ينظر الى ما حرم الله نجح بنسبة 95% ولكن النجاح كان كاملًا
كان موجودًا في هذا المجتمع المنحل، بل ودعته من قبل أكثر من فتاة للزنا، فعصم نفسه، وعمره ما نظر الى ما حرم الله، بل بالعكس كان اذا وقع نظره على الحرام رغمًا عنه يستغفر ويذكر الله، ولم يزني حتى بفكره مرة واحدة، هذا نجح في الإمتحان بنسبة 100% ، هذا يستحق أن نقول عنه أنه (وَفَّى)
هذا الذي فعله ابراهيم- عليه السلام- أنه نجح في كل الامتحانات بنسبة 100% سواء في أداء الأوامر والتكليفات، أو في الصبر الجميل على الإبتلاءات التى ابتلى بها 
في مواجهة النمروذ الجبار الذي كان يملك الدنيا، كان ثابتًا ثبوتًا مذهلًا
عندما وثقوه ووضعوه في المنجنيق ليلقي في النار، وقبل أن يلقى في النار يأتيه جبريل ويقول له: ألك حاجة ؟ فيقول له: أما اليك فلا، وأما الى الله فعلمه بحالى يغني عن سؤاله
عندما أمر بذبح ابنه، وكان بلاءًا مركبًا، أولأ كان الأمر عن طريق الرؤيا، وثانيًا ابنه الأكبر، جاءه وهو شيخ طاعن في السن، وكان الإبتلاء كما قال تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) يعنى بدأ يذهب ويجيء مع أبيه، وهو أكثر سن يكون الولد متعلقًا بأبيه، ويكون الأب متعلقًا بابنه، وليس ولدًا عاديًا بل هو نبي، وصفته الأساسية هلى الحلم ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) وهي أكثر صفة تعلقك بأي شخص، وسيذبحهه بيده
اذن فهو ليس ابتلاءًا واحدًا ولكنه مجموعة من الإبتلاءات، ومع ذلك يقول ابراهيم لإبنه اسماعيل (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ) حتى يشرك ابنه معه في الثواب
تمثال النمرود الذي حاج ابراهيم 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) يعنى قال الله بعد أن أتم ابراهيم الكلمات: يا إبراهيم، إني مصيرك للناس إماما، يعنى قدوة
ومنه الإمام في الصلاة، لأن المصلين يقتدون به ويتبعونه، ولذلك عندما يكون هناك عالم كبير يقال له الإمام، مثل الإمام الشافعي، الإمام مالك، الإمام الغزالى، الإمام محمد عبده، الإمام الشعراوي لأنه قدوة للناس 
اذن قوله تعالى (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ قدوة ومتبوعًا
اذن امامة ابراهيم امامة عامة، وامامة مؤبدة الى يوم القيامة
فكل الأنبياء أمروا أن يتبعوا ملة ابراهيم
حتى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال له الله تعالي (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الإمام "محمد عبده" في المنار: لَمْ يَقُلْ تعالى: فَقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ، للإشارة الى أَنَّ هَذِهِ الْإِمَامَةَ وهذا الإصطفاء ليست بِسَبَبِ إِتْمَامِ الْكَلِمَاتِ، وانما هي مَحْضِ فَضْلِ اللهِ - تَعَالَى – 
"بابل" التى عاش فيها "ابراهيم"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه بشري عظيمة، لأن معنى أن يكون لكل الناس أمامًا أن كل الأعمال الصالحة التى يقوم بها الناس حتى يوم القيامة له منها –عليه السلام- نصيب في ميزان حسناته 
استقبل إبراهيم هذه البشرى من الله -كما يروي لنا القرآن العظيم (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) 
وأصل الذرية من "الذر" لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر، أي كالنمل
 (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي قال ابراهيم: فاجعل يارب مِنْ ذُرِّيَّتِي أَئِمَّةً لِلنَّاسِ مثلى يؤتم بهم ويقتدي بهم
لأن من أسايات شخصة ابراهيم –عليه السلام- هو رقة الشعور (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) حتى اسمه في اللغة السريانية (أبراهام) أي: أب رحيم
لذلك أول رد من ابراهيم عندما سمع هذه البشري العظيمة من الله تعالى، أن انصرف ذهنه الى ذريته، وطلب من الله تعالى أن تشاركه ذريته في هذا الخير العظيم
حتى في دعاء آخر قال (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي)
ولذلك كان من عناصر ابتلاءه المركب في ذبح ولده أنه لم يكن أبًا عاديًا ولكنه أب شديد الرفق بأبناءه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
(عَهْدِي) هي الإمامة، لأن ابراهيم طلب الإمامة لذريته، وهي رحمته تعالى بعبادة المؤمنين يوم القيامة، فأجابه الله تعالى أن من ذريته من سيكون ظالمًا 
كأن الله تعالى يقول لإبراهيم نعم قد أجبت دعوتك، وسأحسن الى ذريتك، بل وسأجعل كل الأنبياء من بعدك من نسلك، ولكن من ذريتك يا ابراهيم من سيكون ظالمًا 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن المعنى أن الله تعالى (ابْتَلَى) أي اختبر إِبْرَاهِيمَ –عليه السلام- (بِكَلِمَاتٍ) أي بأوامر وتكليفات وبابتلاءات (فَأَتَمَّهُنَّ) أي أداهن على التمام والكمال (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي قدوة يقتضى بها الناس في الخير، فاستقبل ابراهيم هذه البشري بأن قال (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي طلب من الله تعالى أن يكون من ذريته أَئِمَّةً لِلنَّاسِ مثله يؤتم بهم ويقتدي، فأجابه الله تعالى بقوله (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) يعنى قد أجبت دعوتك يا ابراهيم وسأحسن الى ذريتك، بل وسأجعل كل الأنبياء من بعدك من نسلك، ولكن من ذريتك يا ابراهيم من سيكون ظالمًا

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

*********************************