Untitled Document

عدد المشاهدات : 1810

الحلقة (58) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (65) من سورة البقرة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثامنة والخمسون
تدبر الآية (65) من سورة البقرة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)

 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

هذه القصة وقعت في زمن نبى الله داود –عليه السلام- وداود –عليه السلام- هو أحد أنبياء بنى اسرائيل، جاء بعد موسى بحوالى ستمائة سنة، بالتحديد خَمْسُ مِائَةٍ وَتِسْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً 
وقعت أحداث هذه القصة في مدينة ساحلية يطلق عليها "أَيْلَةُ" كانت تطل على خليج العقبة بالبحر الأحمر، وهي مكان ميناء "العقبة" الموجود الآن  في جنوب الأردن على ساحل البحر الأحمر
 

 مدينة "أَيْلَةُ" مكان ميناء "العقبة" الموجود الآن  في جنوب الأردن 

في ذلك الوقت كان بنى اسرائيل يعيشون في مملكة، وكانت مدينة "أَيْلَةُ" الساحلية جزء من مملكة بنى اسرائيل  
كان عدد أهل هذه المدينة سبعون ألفًا، وكانت الحرفة الأساسية لأهل المدينة هي صيد الأسماك
يقول تعالى في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) يعنى التى كانت تطل على ساحل البحر
 

وكانت الحرفة الأساسية لأهل المدينة هي صيد الأسماك

وكانت شريعة اليهود تقضى بأن يتفرغوا للعبادة يوم السبت ولا يعملون فيها أي عمل
لأن بنى اسرائيل عندهم شره للدنيا والمال، فحَظَرَ الله تعالى عَلَيْهِمُ الْعَمَلَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ من الأسبوع وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الِاجْتِهَادَ فِي العبادة، إِحْيَاءً لِلشُّعُورِ الدِّينِيِّ فِي قُلُوبِهِمْ
ثم أراد الله تعالى أن يختبرهم، فجعل تعالى الأسماك تأتي يوم السبت بكثرة حتى تصل الى شاطيء البحر، ويرونها بأعينهم، حتى قيل أنه كان لا يرى الماء من كثرة الأسماك، قال تعالى في سورة الأعراف (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا) أي ظاهرة كشراع المركب، والحُوتُ لغة هو السَّمكةُ، صَغيرة كانت أو كبيرة 
واذا كان غير يوم السبت، لا تأتي الأسماك، قال تعالى في سورة الأعراف (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) 
وهذا اما بأمر الله تعالى والهامه الى تلك الأسماك، أو أن الأسماك أدركت هذا اليوم مع تكراره، كما فهم حمام مكة أن هذا المكان آمن
 

جعل تعالى الأسماك تأتي يوم السبت بكثرة حتى يرونها بأعينهم

واستمر هذا الأمر فترة طويلة، حتى بدأ البعض يتحايل على أمر الله تعالى، فبدأ البعض يرمي السنانير والشباك عشية الجمعة، ويتركها تصطاد يوم السبت، ثم لا يأخذها الا يوم الأحد
وقام البعض الآخر بحفر حفر، يطلق عليها حياض الى جانب البحر، ويجعل لها جداول أو مجاري من الماء الى البحر، ثم يفتح هذه المجاري عشية الجمعة، فاذا كان يوم السبت جائت الأسماك الى الحفرة، ثم لا تستطيع أن تخرج منها، فاذا كان يوم الأحد أخذها
ونهاهم البعض وقالوا لهم أنكم صدتموه يوم السبت 
فقالوا لهم: إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه.
واشتد الجدال، وحدث انقسام شديد في القرية
 

بدأ البعض يتحايل على أمر الله تعالى

وانقسم الناس الى ثلاثة فرق: 
- فريق العصاة وهم الذين كانوا يصطادون يوم السبت، وكانوا هم الأكثرية
- فريق الصالحين وهو الذي أمسك عن الصيد يوم السبت، ونهي عن المعصية، وكأنهم قد أخذوا درسًا من الذين عبدوا العجل، لأن الله تعالى أنزل العقوبة على الجميع، بأن يقتل بعضهم بعضًا: الذين عبدوا العجل، والذين لم يعبدوا العجل لأنهم لم ينهوهم عن عبادة العجل، وكان فريق الصالحين الذي أمسك عن الصيد ونهى عن المعصية هم  أقل الفرق الثلاثة عددًا
- وأخيرًا الفريق الثالث الذي أمسك عن الصيد يوم السبت، ولم ينه عن المعصية، بل كانوا يلومون الصالحين على نصحهم فريق العصاة 
وقص علينا القرآن العظيم في سورة الأعراف جانبًا من الجدال الذي دار، فقال الفريق الذي أمسك عن الصيد، ولم ينه عن المعصية، لفريق الصالحين الذي أمسك ونهى عن المعصية (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) فقال لهم الصالحون (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
واستمر هذا الأمر سنين، وقيل أنه تعاقب جيل بعد جيل، وكثر مال الذين كانوا يصطادون السمك يوم السبت، وقل مال الذي لا يصطادون يوم السبت.
ولكن بعد سنوات طويلة، وفجأة أصبحوا يومًا فلم يجدوا جميع الذين كانوا يصطادون في السبت، فقالوا: إن للناس لشأنا، فذهبوا اليهم في بيوتهم، فوجدوها مغلقة، ففتحوا البيوت فوجدوهم قد مسخوا الى قردة 
وقيل أن الخلاف بين الفريقين كان قد اشتد، حتى بنوا جدارًا في وسط المدينة، وسكن كل فريق في جانب وفتح له بابًا الى خارج المدينة
فخرج الفريق الذي لم يصطاد يومُا، ولم يفتح الآخرون بابهم، فلما أبطئوا، قالوا: إن للناس لشأنا، فتسوروا عليهم الحائط، فاذا هم قردة يثب بعضهم على بعض، ففتحوا عنهم الباب
 

خرج الفريق الذي لم يصطاد يومُا، ولم يفتح الآخرون بابهم

فلما دخلوا عليهم، لم يعرف الإنس أقاربهم من القردة، وعرفت القردة أقاربهم من الأنس، فجعلت القردة تأتي نسيبها من الأنس تشم ثيابه وتبكي، وجعلوا يقولون لهم" يا فلان، ألم أنهك" فيقول برأسه: نعم
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هذه الآية مجرد تذكير بالقصة، وذكر الله تعالى قصتهم بشيء من التفصيل في سورة الأعراف فقال تعالى : (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) الأعراف/163-166 .

 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) أي عرفتم، فالقصة معروفة ومعلومة ومتواترة عند بنى اسرائيل، قصها الأجداد للآباء والآباء للأبناء والأبناء للأحفاد

(الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ) والاعتداء هو تجاوز الحد (فِي السَّبْتِ) أي فِي يوم السَّبْتِ وأصل "السَّبْتِ" هو الهدوء والسكون، وكانت العرب تقول للنائم "مسبوت" قال تعالى في سورة "النبأ" (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) 
(فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا) هذا أمر من الله تعالى، كما قال تعالى (إنما أمرنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)  (قِرَدَةً خَاسِئِينَ) أي أذلاء
 

(فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواقِرَدَةً خَاسِئِينَ)

 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وظلوا كذلك ثلاثة أيام، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناسلون، ثم ماتوا بعد ذلك، يقول  الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هذه الآيات جائت مرتبطة بالآيات السابقة، لأن الله تعالى قال في الآية السابقة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)

فكانت قصة القرية مثال على نقض الميثاق
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وهذه الآيات تخويف ليهود المدينة وغيرهم من اليهود الموجودون في عهد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما بعده، أن ينزل عليهم العذاب بسبب تمردهم وعنادهم وتكذيبهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة، ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم 

كما قال تعالى في سورة النساء (يأيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها)
كما أن الآيات تهديدًا وتخويفًا لهم بألا يغتروا بامهال الله المدود لهم، فقد يكون هذا الإمهال استدراجًا لهم، لأن الله تعالى لم يعجل لأصحاب السبت العذاب، وانما أمهلهم –كما قلنا- سنوات وسنوات، بل قيل –كما ذكرنا- أنه جاء جيل بعد جيل
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

 لماذا مسخوا قردة ؟

أولًا مسخوا حيوانات لأن الحيوان لا ارادة له أمام شهواته، وكذلك العاصى لا ارادة له أمام المعصية
ومسخوا قردة لأن القرد هو أشبه الحيوانات بالإنسان
وكذلك من يتحايل على شرع الله وأحكامه، يحاول أن يتشبه بالحقيقة، فيكون عمله كالمسخ بالنسبة للحقيقة 
فمن يتحايل على شرع الله، يكون عمله بالنسبة للحقيقة، مثل القرد بالنسبة للإنسان
وهكذا جعل الله تعالى جزاوءهم من جنس عملهم
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قصة أصحاب السبت جائت في ثلاثة سور كريمة من سور القرآن الكريم: البقرة والنساء والأعراف، اذن هناك اهتمام من القرآن  العظيم بقصة أصحاب السبت

لأن قصة أصحاب السبت هي تحذير من ذنب عظيم يقع فيه الكثير، وهي التحايل على اسقاط  أحكام الله تعالى
- لي صديق صاحب شركة قال لي أنا أعطي العمال عندي من زكاة المال، لأن هؤلاء العمال من الفقراء، فمرتب كل واحد مثلًا 1000 جنيه، وأنا أعطيه من زكاة المال 500 جنيه، وقلت له أنت كذلك تدفع مرتبات العمال من زكاة مالك، فقال لي أن العمال مستحقين للزكاة، فهل أعطي ناس آخرين أنا غير متأكد من استحقاقهم، وأترك ناس أنا متأكد من استحقاقهم وظروفهم، وهذا تحايل على حكم الله لأنه في النهاية يدفع مرتبات العمال من زكاة المال، ولو ترك هذا العامل عمله فلن يدفع له
- سيدة طلب منها أخيها أنا تساعد ابنه في دفع مصاريف الأكاديمية البحرية، وهي محرجة منه، فدفعت له المصاريف من زكاة المال 
- رجل أقرض آخر مبلغًا من المال، ثم تعذر هذا الرجل في السداد، فاعتبر هذا المبلغ زكاة مال
- رجل كل ذريته بنات ولا يريد أن يدخل أخوته في الميراث، فكتب كل أملاكه باسم البنات 

 *********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

 *********************************