Untitled Document

عدد المشاهدات : 4071

الحلقة (12) من (تدبر القُرْآن العَظِيم) تدبر الأية (2) من سورة البقرة، قول الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة  الثانية عشر
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 تدبر الآيات رقم (2) من سورة البقرة 

قول الله تعالى ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 في هذه الآية نري ثلاثة نقاط، وهي ما يطلق عليها "علامة تعانق الوقف" كما يطلق عليها "وقف التجاذب" وهي احدي علامات الوقف في القرآن 

وهي تعنى أن يقف القاريء على أحد الموضعين، أو لا يقف الا عند نهاية الآية
وعلى هذا تكون للآية الواحدة ثلاثة قراءات
القراءة الأولى: ذلك الكتاب لَا رَيْبَ *  فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
القراءة الثانية" ذلك الكتاب لَا رَيْبَ فِيهِ * هدي للمتقين
القراءة الثالثة" ذلك الكتاب لَا رَيْبَ فِيهِ هدي للمتقين


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (ذَلِكَ الْكِتَابُ) 

(ذَلِكَ) اسم اشارة، و(الْكِتَابُ) هو "القرآن العظيم"
ولكن (ذَلِكَ) اسم اشارة للبعيد
كما أن "هذا" اسم اشارة للقريب
فلماذا استعمل "ذَلِكَ" وهو اسم اشارة للبعيد، ولم يستعمل "هذا" مع أن القرآن الذي يتحدث عنه هو بين يدي من يقرأ القرآن ؟
الْإِشَارَةُ فِي الْآيَةِ بِاسْتِعْمَالِ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلْبَعِيدِ: 
لِإِظْهَارِ رِفْعَةِ شَأْنِ الْقُرْآنِ، وسمو منزلته، وعلو مَرْتَبَتِهِ 
كما يقول أحد الخطباء "ذلك الرجل" أو "هؤلاء الأفذاذ" 
وهذا يذكرني في بعد البلاد في جنوب شرق آسيا اعتاد المسلمون أن يضعوا القرآن على رفٍ عالٍ، توقيرًا للقرآن وتعظيمًا وتقديسُا له

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وأيضًا لما ذكر الحروف المقطعة في الآية الأولى بقوله تعالى (ألم) وتحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن بالرغم من أن القرآن مكون من نفس الحروف والكلمات التى يستخدمونها في لغتهم، استعمل بعد ذلك اسم الإشارة "ذَلِكَ" للبعيد، يعنى أن هذا القرآن بعيد المنال عن تَنَاوُلِهِمْ إِيَّاهُ بِالْمُعَارَضَةِ

اذن (ذَلِكَ الْكِتَابُ) يعنى "هذا الْكِتَابُ" واستخدم الله تعالى " ذَلِكَ" اسم الإشارة للبعيد لِإِظْهَارِ رِفْعَةِ شَأْنِ الْقُرْآنِ، وأنه بعيد المنال عن تَنَاوُلِهِمْ إِيَّاهُ بِالْمُعَارَضَةِ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 لا ريب فيه: الريب: هو الشك المصحوب بقلق

ولذلك في آية أخري ((وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا)) يعنى ان كنتم من شك أن الرسول قد جاء بالقرآن من عند نفسه، فاتوا بسورة واحدة من القرآن 
وفي الحديث "دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ"  يعنى اترك ما تشك انه حرام الى مالا تشك في أنه حلال
اذن ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ)): يعنى هذا القرآن الكريم لا شك في أنه من عند الله تعالى  
وهناك معنى آخر: خبر يفيد النهي، بمعنى لا ترتابوا في هذا القرآن
أي كتاب تقرأه، فانك لا تُسَلِّم لكل ما في هذا الكتاب من قضايا، بل ستقول هناك تناقض في هذا الموضع، أو هناك تعصب في هذه الفكرة، أو هناك مبالغة في هذا الأمر، وهكذا
وهناك الناقد الأدبي، يمكن أن يضع كتاب كامل يمكن أن يكون أكبر من الكتاب الأصلى في نقد أحد الكتب، وهناك رسائل دكتوراه كاملة في نقد أعمال كاتب معين، وهكذا
أما القرآن فليس فيه شيء من هذا، بل على العكس القرآن فيه طمئنينة وسكينة ويقين، كما قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث طويل متفق عليه "تلك السكينة تنزلت لتلاوة القرآن"
يقول ابن رجب الحنبلي:"ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 ووضع هذه الآية في صدر المصحف، كأنها قاعدة يضعها صاحب الكتاب وهو الله – تعالى- لكل من يقرأ كتاب الله، ألا تقرأ كتاب الله –كما يقولون الآن- "قراءة نقدية" لأنك لو فعلت فستتحمل عناء البحث، وتتجشم مشقة التفتيش، وفي النهاية لن تجد شيئًا 

بل على العكس ما يطرحه بعض أعداء الإسلام، الذين وقفوا حياتهم في محاولة الطعن في القرآن العظيم، هذا الطرح عند مناقشته يكون دليلًا جديدًا على اعجاز هذا القرآن وعلى أنه كتاب الله تعالى وليس صناعة بشرية

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هذه الثقة في القاء هذا الخبر في بداية المصحف، بأنك لن تجد أي خطأ في هذا الكتاب الذي يتكون من 6236 آية، استوقف أحدهم، وأسلم بمجرد أن فتح المصحف، وقرأ هذه الآية في الصفحة الثانية من كتاب الله وقال:

- لقد جرت عادة المؤلفين أن يعتذروا في أوائل كتبهم عن أي خلل أو سهو أو خطأ، وأحيانًا يضع بعضهم عنوانه ويقول من يجد أي خطأ فليرسل لى على هذا العنوان، ويتدارك في كل طبعة جديدة الأخطاء التى وقعت في الطبعة السابقة وهكذا، أما هذا الكتاب ففي أوله يعلن صاحبه عن كماله وأنه لا خطأ فيه ولا خلل، فعلمت أنه ليس من صنع البشر وانما هو من عند الله تعالى 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قلنا من قبل أن الله تعالى أنزل مائة وأربعة كتاب، كل هذه الكتب غير موجود الآن، باستثناء: التوراة والإنجيل، وقد اعتري التوراة والإنجيل كثر من التحريف 

لذلك (لا ريب فيه) تفيد التعريض بما بين يدي أهل الكتاب من الكتب، لأن هذه الكتب قد اعتراها التحريف، فهناك شك في كل كلمة تقرأها في التوراة والإنجيل، هل هذه الآية وهذه الكلمة هي من عند الله، أم من صنع البشر
لذلك قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  "لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُم" 
لأنك يمكن ان تصدقه في أمر قد اعتراه التحريف، ويمكن أن تكذبه في أمر لم يعتريه التحريف
أما القرآن العظيم فلا ريب فيه ولاشك، لأن الله تعالى هو الذي تعهد بحفظه، فقال ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  ( فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)

ما معنى التقوي
كلمة التقوي مأخوذة من اتِّقَاءِ الْمَكْرُوهِ، يعنى تجعل بينك وبين المكروه حاجزًا
ونحن نقول في لغتنا الدارجة "عندي وقاية" يعنى حاجزًا بين وبين المرض 
فالتقوي أن تجعل بينك وبين عذاب الله تعالى حاجزًا
يقول الْحَسَنِ : مَا زَالَتِ التَّقْوَى بِالْمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيرًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ . 
 يقول قَتَادَةَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي . قَالَتْ : طُوبَى لِلْمُتَّقِينَ .
 ويقول مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ : الْقِيَامَةُ عُرْسُ الْمُتَّقِينَ . 
وَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  عَنِ التَّقْوَى; فَقَالَ: هَلْ أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ  قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهِ ؟ قَالَ: تَشَمَّرْتُ وَحَذِرْتُ; قَالَ: فَذَاكَ التَّقْوَى . 
وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَنَظَمَهُ : 
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا                   وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ                 ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تُحَقِرَنَّ صَغِيرَةً                      إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) الهدي هو الدلالة الموصلة الى الغاية

ولذلك الهدي من أسماء النهار، لأن في النهار تستطيع أن تصل الى غايتك
والهدي مقابله الضلالة، كما قال تعالى ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ))
الهدي في القرآن له معنيان
يقول الله تعالى مخاطبًا رسوله الكريم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) فأثبت الله تعالى لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهداية
وفي موضع آخر يخاطب نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول ((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ  وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) فنفي عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهداية وأثبتها فقط لله تعالى 
المعنى الأول للهدي هو: هدى الدلالة، وهو معناه الدَّلَالَةُ وَالدَّعْوَةُ وَالتَّنْبِيهُ وايضاح الحق، والإرشاد إِلَى الْحَقِّ ، سَوَاءٌ حَصَلَ الِاهْتِدَاءُ أَوْ لَا .  وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ، كما قال تعالى ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) أو قوله تعالى ((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )) 
وكذلك قول الله تعالى ((وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)) فالله تعالى أرشدهم عن طريق رسله الى طريق الحق، ولكنهم رفضوا سلوك هذاالطريق
المعنى الثاني للهدي، هو المعونة الخاصة، والأخذ باليد، وخلق الإيمان في قلب المؤمن، فيحببه في الطاعة ويكره له المعصية، وهذا النوع من الهدي تفرد به سبحانه وتعالى، وهذا هو قول الله تعالى ((وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) وقوله تعالى ((أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ)) وقوله تعالى ((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه))

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 اذن المقصود بـ (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) الهداية الخاصة 

لأن المتقون هم الذين ينتفعوا بالقرآن
فالقرآن هدي ولكن لا ينتفع به الا الأبرار المتقون
فالتقوي في القلب هي التى تؤهل للإنتفاع بالقرآن العظيم
وفي موضع آخر يقول تعالى ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ)) وهذه الهداية العامة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 اذن قول الله تعالى ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)

يعنى هذا القرآن العظيم لا شك أنه من عند الله تعالى، وهو ليس كغيره من الكتب السابقة التى أنزلها الله تعالى لأن الله تعالى قد تعهد بحفظه
وهذا الكتاب فيه الهدايه والنور للمتقين، لأن التقوي هي التى تَفْتَحُ مَغَالِيقَ الْقَلْبِ للقرآن فَيَدْخُلُ وَيُؤَدِّي دَوْرَهُ في القلب

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

 *********************************