Untitled Document

عدد المشاهدات : 2752

الفصل الثاني والعشرون بعد المائة: معركة أحد- الجزء الخامس- انتصار المسلمون في الجزء الأول من المعركة

   أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجُزْءُ التاسع: معركة أحد

الفصل الثاني والعشرون بعد المائة
*********************************
معركة أحد- الجزء الخامس
انتصار المسلمون
في الجزء الأول من المعركة
 *********************************

 *********************************
وقود المعركة والمبارزة الفردية
وقعت معركة أحد في السابع من شوال من السنة الثالثة من الهجرة
في صباح هذا اليوم تقارب الجيشان، وأصبحت المعركة على الأبواب، فكان أول وقود للمعركة حين خرج "طلحة بن أبي طلحة" يدعو الى المبارزة وهو راكب على جمل، وكان من أقوي فرسان قريش وحامل لوائهم، فلم يخرج اليه أحد وساد صمت شديد
ثم خرج اليه "الزبير بن العوام" وكان شجاعًا طويلًا، فلم يمهله "الزبير" بل وثب عليه وثبة، واقتتلا فوق البعير، فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : 
- الذي يلي حضيض الأرض مقتول
فوقع المشرك، فوثب عليه الزبير وذبحه بسيفه، وكَبَّرَ "الزبير" وكَبَّرَ الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
القتال حول لواء المشركين
بسقوط "طلحة بن أبي طلحة" قتيلًا وتكبير المسلمين، بدأ القتال بين الفريقين، واشتعلت نيران المعركة في كل نقطة من ميدان القتال
وانطلق المسلمون خلال جنود المشركين كالسيل، وهم يصيحون "أَمِتْ أَمِتْ" وكان هذا هو شعارهم يوم أحد، وهو دعاء لله تعالى بانزال الموت في صفوف الكفار، بينما كان شعار المشركين وصياحهم "يا للعزى يا لهبل"

انطلق المسلمون خلال جنود المشركين كالسيل
قاتل المسلمون بقوة وضراوة وشراسة، وكان ثقل المعركة في أولها يدور حول لواء المشركين، والذي كان يحمله بنو عبد الدار: 
- فبعد سقوط قائدهم "طلحة بن أبي طلحة" في المبارزة، سقط اللواء  فحمله أخوه "عثمان بن أبي طلحة" فحمل عليه "حمزة بن عبد المطلب" وضربه ضربة بترت يده مع كتفه حتى وصلت الى سرته، فرجع حمزة وهو يقول: "أنا ابن ساقي الحجيج" يعني عبد المطلب
- ثم رفع اللواء "أبو سعد بن أبي طلحة" فرماه "سعد بن أبي وقاص" بسهم أصاب حنجرته، فمات من فوره
- ثم رفع اللواء "مُسَافع بن طلحة بن أبي طلحة" ، فرماه "عاصم بن ثابت" بسهم فقتله
- ثم رفع اللواء "كِلاَب بن طلحة بن أبي طلحة" ، فانقض عليه "الزبير بن العوام" وقاتله حتى قتله
- ثم حمل اللواء أخوهما "الجُلاَس بن طلحة بن أبي طلحة" ، فقاتله "طلحة بن عبيد الله" حتى قتله
هكذا مات ستة أخوة من "بنى عبد الدار" حول لواء المشركين، ثم حمله من "بنى عبد الدار" أيضًا:
- أرطاة بن شُرَحْبِيل ، فقتله على بن أبي طالب
- ثم حمله شُرَيح بن قارظ فقتله قُزْمَان
- ثم حمله أبو زيد عمرو بن عبد مناف العبدري ، فقتله قُزْمَان أيضاً
- ثم حمله ابن لشرحبيل بن هاشم فقتله قُزْمَان أيضا
هكذا مات عشرة من "بنى عبد الدار" ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء، فتقدم غلام لهم حبشي، اسمه "صُوَاب" فقاتل عن اللواء حتى مات
هكذا سقط لواء المشركين على الأرض، ولم يبق أحد يحمله، فبقي ساقطًا، واستبشر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستبشر المسلمون، بينما خارت عزائم أبطالهم، وانهارت معنويات الجيش، وتفرقوا في كتائب متباعدة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"أبو دجانة" صاحب العصابة الحمراء
كان من أبرز المقاتلين في ذلك اليوم الفارس القوي "أبو دجانة" الذي أخذ سيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "من يأخذ هذا السيف بحقه" فقام اليه رجالًا ليأخذوه منهم: على بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب، فلم يعطهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السيف، حتى قام اليه "أبو دجانة" وقال وما حقه يا رسول الله ‏؟‏ قال‏:‏ ‏" ‏أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني"‏‏ .‏ قال‏:‏ أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه 
فلما بدأت المعركة، أنطلق "أبو دجانة" في صفوف المشركين كالثور الهائج، يقتل هذا ويطيح رأس هذا
يقول الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السيف فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة، وقلت في نفسي:‏ أنا ابن صفية عمته، ومن قريش، وقد طلبته قبله فآتاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع ‏؟‏ فاتبعته، فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار:‏ أخرج أبو دجانة عصابة الموت، فلما بدأ القتال جعل لا يلقي أحد الا قتله، وكان اذا كل السيف، حده بالحجارة، فلم يزل يضرب به العدو حتى انحنى كأنه منجل
ثم أمعن في الصفوف حتى خلص الى نسوة قريش، وفيهم "هند بن عتبة" تحمس الجيش، وهو لا يدري بها، فلما حمل عليها بالسيف وأصبح عند مفرق راسها قالت: يا ويلاه، فانصرف عنها "أبو دجانة" فلما سأل "أبو دجانة" عن ذلك بعد هذا قال: 
- أكرمت سيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أضرب به امرأة

أكرمت سيف رسول الله أن أضرب به امرأة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من أبطال أحد: على بن أبي طالب
وكان من أبطال هذا اليوم أيضًا "على بن أبي طالب" وقتل كثير من المشركين، وبعد المعركة أعطي سيفه لزوجته السيدة فاطمة بنت الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال لها اغسليه من الدماء فقد صدقني اليوم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سقوط "حمزة"
وكان أبرز أبطال هذا اليوم أيضًا أسد الله وأسد رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "حمزة بن عبد المطلب" والذي اندفع في قلب جيش المشركين كالأسد الهائج، يقاتل بسيفين، والدخول في قلب جيش العدو مغامرة منقطعة النظير، وكان "حمزة" مثل "بدر" يعلم نفسه بريشة نعامة يضعها على صدره، وكان يدعو أبطال قريش لقتاله فيفرون منه

كان "حمزة" يعلم نفسه بريشة نعامة يضعها على صدره
ولكن في معمة القتال سقط "حمزة بن عبد المطلب" شهيدًا وقد قلنا أن هناك عبد حبشى خرج فقط ليقتل "حمزة" وقد وعده سيده "جبير بن مطعم" أن يعتقه ان نجح في قتل حمزة، وقلنا أنه قد اختار "وحشى" لأن عنده مهارة خاصة جدًا في رمي الحراب، ولأنه يعلم أنه لا يستطيع أحد أن يقتل "حمزة" في مبارزة، ولا يمكن أن يقتل الا اذا رمي بحربة من مكان بعيد
يقول وحشي: 
- خَرَجْتُ يَوْمَئِذٍ مَا أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ أَحَدًا إِلا حَمْزَةَ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِحَمْزَةَ كَأَنَّهُ جمل أَوْرَقُ، -يعنى ضخم بين الناس كأنه جمل، وأروق يعنى الجمل الرمادي اللون، والمقصود بذلك كثرة ما حول حمزة من غبار- 
يقول وحشي:
- يهد الناس بسيفه هدًا، ما يقوم له أحد الا قَمَعَهُ بِالسَّيْفِ، فَهِبْتُهُ، وسمعت حمزة يقول لأحدهم: هلم إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، وكان رجل أمه تختتن النساء في مكة، فَشَدَّ عَلَيْهِ حمزة فَقَتَلَهُ، وَجَعَلْتُ أنا أَلُوذُ مِنْهُ، فَلُذْتُ بِشَجَرَةٍ وَمَعِي حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، أَرْسَلْتُهَا، فَوَقَعَتْ في بطنه وخرجت من ظهره، وَذَهَبَ لَيَقُومَ نحوي فَلَمْ يَسْتَطِعْ 
يقول وحشي:
- فلما مات أتيته وأخذت حربتى، ثم رجعت الى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق ، فلما قدمت مكة عتقت
وظل "وحشي" بعد ذلك نادمًا طوال حياته على قتل "حمزة" فلما كانت حروب الردة اشترك فيها، وقتل "مسيلمة الكذاب" وقال "قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ وَشَرَّ النَّاسِ"

حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، أَرْسَلْتُهَا، فَوَقَعَتْ في بطنه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نجاح الرماة في صد هجوم فرسان "قريش"
برغم سقوط "حمزة" وخسارة المسلمين بسقوطه، الا أن المسلمين كانوا مسيطرين على المعركة، ومتفوقين على جيش مكة، وقد قامت الفصيلة التي عينها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جبل الرماة، بدورها المطلوب منها في صد هجوم الفرسان، حيث حاولت كتيبة فرسان قريش بقيادة "خالد بن الوليد" و"عكرمة بن ابي جهل" أن تتسلل الى ظهر المسلمين، وقامت بثلاثة هجمات ولكن في كل مرة كان فريق الرماة يرمونهم بالسهام، حتى فشلت هجماتهم الثلاث، وظلت كتيبة الفرسان بقيادة "خالد" و"عكرمة" بلا أي دور تقريبًا طوال المعركة 

ظلت كتيبة الفرسان بلا أي دور طوال المعركة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انسحاب "قريش" وفرارهم
بدا واضحًا أن سيناريو "بدر" يتكرر، وأن المسلمون مقبلون على نصر ساحق آخر على قريش لا يقل روعة عن نصر بدر، وأخذت صفوف قريش تتبدد، وبدأت تتراجع وتنسحب، يقول الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 
- وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبَهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ مَا دُونَ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ 
وبدأ المسلمون يتتبعون المشركين، يقتلونهم ويجمعون الغنائم‏

بدأ المسلمون يتتبعون المشركين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خطأ الرماة القاتل
وهنا وقعت أغلبية فصيلة الرماة في غلطة فظيعة قلبت الوضع تمامًا، فقد قلنا أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أصدر أوامر مشدد، وكرر الأمر أكثر مرة لفصيلة الرماة بعدم ترك أماكنهم تحت أي ظرف، سواء تحقق النصر للمسلمين أو الهزيمة وقال لهم:
- إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرســـــــــــل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم‏
فلما تحقق النصر للمسلمين قالوا لبعضهم البعض:
- الغنيمة، الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون ‏؟‏
ولكن قائدهم "عبد الله بن جبير" ذكرهم بأوامر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدم ترك أماكنهم، ولكن لم يستجب لعبد الله بن جبير الا تسعة فقط، بينما ترك الأربعون الآخرون مواقعهم من الجبل، ونزلوا الى أرض المعركة ليشاركوا بقية الجيش في جمع الغنائم 
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
استغلال "خالد" لخطأ الرماة
كان "خالد بن الوليد" لا يزال على فرسه في ارض المعركة، وشاهد الرماة الذين ردوا هجوم فرسانه ثلاثة مرات قد تركوا أماكنهم، فانتهز الفرصة السانحة، وأخذ قراره السريع فهاجم بكتيبته من بقي من الرماة فقتلهم جميعًا مع أميرهم "عبدالله بن جبير" ودار بفرسانه خلف جبل الرماة، وأحاط بالمسلمين وانقض عليهم من خلفهم، وأخذ فرسان المشركين ينادون بقية الجيش بشعارهم: يا للعزى يا لهبل وشعر المشركون المنهزمون بالتطور الجديد، فقاموا بهجوم مضاد ضد المسملين، وهكذا أحيط بالمسلمين من الأمام والخلف، ووقعوا بين شقي رحي، وجائت امرأة من المشركين فرفعت لواء قريش من التراب مرة أخري، وتجمع جيش قريش مرة أخري حول لوائهم

شاهد "خالد" الرماة قد تركوا أماكنهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تشتت المسلمون وحصار بعضهم
تركز القتال بعد ذلك في ساحة المعركة في نقطتين:
النقطة الأول حيث جيش المسلمين المحاصر أمام جبل أحد، وقد سادت الفوضى والإرتباك والإضطراب في الجيش، حتى تاهوا وسط المشركين
ومن المواقف التى حدثت أن "اليمان" والد "حذيفة بن اليمان" و"ثابت بن وقس" كانا في المدينة لأنهما كانا شيخين كبيرين، ثم قالا: 
- ماذا ننتظر، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل الله يرزقنا الشهادة
فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في المعركة من جهة المشركين، فقتل المشركون "ثابت" وأحاط المسلمون باليمان يقاتلونه وهم يعتقدون أنه من المشركين، فصاح حذيفة 
- أي عباد الله أبي أبي، انه أبي
ولكنهم لم يسمعوه وقتلوه، فلما علم قاتلوه بذلك غشيهم الحزن والوجوم، فقال لهم حذيفة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، ثم انطلق بسيفه واستكمل القتال
وكان المكان الثاني الذي تركز فيه القتال كان حول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 57 عام وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مكانه في مؤخرة الجيش، وحوله مجموعة من الصحابة لحراسته، عددهم تسعة، ووجدت القريش أن هذه هي الفرصة السانحة لتحقيق حلمهم والهدف من غزوتهم وهو قتل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
ما الذي حدث بعد ذلك ؟ هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى
 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************