Untitled Document

عدد المشاهدات : 9231

الفصل الثامن: زواج "عبد الله بن عبد المطلب" من آمنة بنت وهب

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الأول: أحداث قبل مولد وبعثة الرسول –صلى الله عليه وسلم-

الفصل الثامن

زواج "عبد الله بن عبد المطلب" من "آمنة بنت وهب"

 

ذكرنا عندما تحدثنا عن الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي –صلى الله عليه وسلم أن العرب كان فيهم التفاخر الذي لا حد له بالأنساب

ولذلك فالحق –سبحانه وتعالى- هيأ للنبي –صلى الله عليه وسلم- شرف النسب ليكون مساعدًا له على التفاف الناس حوله، ولو لم يكن للرسول –صلى الله عليه وسلم- هذا النسب لأنف كثير من العرب الإنضواء تحت لواءه

فالجد الرابع للنبي –صلى الله عليه وسلم- هو "قصى بن كلاب" والذي عاش من سنة 400الى 480 ميلادية، ويعتبر أشهر رئيس لقريش، لأنه الذي انتصر لقريش على خزاعة، وطردهم من مكة، وجعل سكن مكة خاصة لقريش

وقد ذكر الإمام البخاري نسب النبي –صلى الله عليه وسلم- في باب مبعث النبي فقال "محمد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارَ بْنِ مَعَدَّ بْنِ عَدْنَانَ

و عَدْنَانَ هو من نسل اسماعيل بن ابراهيم –على نبينا وعليهما الصلاة والسلام- أي أن "عَدْنَانَ" ليس ولد مباشر من اسماعيل، لأن الفترة –كما ذكرنا- من الرسول –صلى الله عليه وسلم- وحتى ابراهيم ألفان وثمانمائة سنة، ولكن لا خلاف من أن عَدْنَانَ" من نسل اسماعيل بن ابراهيم –عليهما السلام-

وكل اسم من هذه الأسماء التى ذكرناها في نسبه –صلى الله عليه وسلم- في حديث البخاري له تاريخ ومناقب عظيمة تعرفها العرب جيدًا

 

شجرة نسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى عدنان

وقد قلنا أن "عبد المطلب" عندما حفر زمزم، خاصمته قريش في زمزم، وقالوا له: يا عبد المطلب هذا بئر أبينا اسماعيل، وان لنا فيه حقًا، فأشركنا معك فيه، ورفض عبد المطلب وقال: هذا أمر قد خصصت به من دونكم، وأعطيته من بينكم، وأصرت قريش على رأيها، حتى قال لهم عبد المطلب: أجعلوا بينى وبينكم من شئتم يحكم بيننا، فاختاروا كاهنة موجودة بأطراف الشام، وهي كاهنة "سعد بن هذيم"

وقلنا أن "عبد المطلب" حين خاصمته قريش في "زمزم" شعر أن قريشًا قد استضعفته لأنه ليس له الا ولد واحد هو "حارثة" فدعا الله تعالى أن يرزقه عشرة من الولد، ونذر ان رزق عشرًا من الولد أن يذبح أحدهم قربانًا لله تعالى

رزق "عبد المطلب" بالفعل بعشرة من الولد، وأراد أن يفي بنذره ويذبح أحدهم، وقد قلنا من قبل أن العالم كله والجزيرة العربية وقت مبعث النبي –صلى الله عليه وسلم- كانت تعيش حالة انحلال خلقي، ولكن مع ذلك كان العرب يتصفون ببعض الصفات الطيبة، من ذلك الوفاء بالعهد وأداء النذر، ولذلك وبرغم الصعوبة الشديدة جدًا لنذر "عبد المطلب" فانه قرر الوفاء بعهده مع الله وأداء نذره، فجمع "عبد المطلب" أبناءه وأخبرهم بنذره فوافقوه، والآباء قبل الاسلام كان لهم قدسية، ولذلك كان من أكبر المعوقات أمام الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنه قد جاء لهم بدين ليس هو دين آبائهم

المهم أن أبناء "عبد المطلب" وافقوه على أن يذبح أحدهم، فاقترع "عبد المطلب" على أيهم يكون الذبح، فخرجت القرعة على "عبد الله" أبو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكان "عبد الله" أحسن ابناء عبد المطلب خُلقًا وأحبهم اليه، وكان محبوبًا في قريش، فلما أراد أن يذبح "عبد الله" وعلمت قريش بذلك، حزنت كل قريش، وضجت بالبكاء، حتى أن أحدهم قال لعبد المطلب: ليتنى اذبح مكان "عبد الله" فقال عبد المطلب: وما أفعل بنذري

فأشاروا عليه أن يأتي عرافة بالمدينة تدعي "سجاح" فركب اليها "عبد المطلب" وقص عليها الخبر، فقالت: كم الدية فيكم ؟ (يعنى عندما يقتل أحد آخر كم تعطوا أهل القتيل حتى يرضى؟) قالوا: عشرة من الأبل، قالت: فارجعوا الى بلدكم، ثم قربوا صاحبكم (أي عبد الله) وقربوا عشرا من الابل, ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الابل حتى يرضى ربكم

فلما فعلوا ذلك خرجت القداح على "عبد الله" فزادوا الأبل عشرا، فخرجت على "عبد الله" فلم يزالوا كذلك حتى بلغت الابل مائة، فنحروا هذه الإبل المائة ونجي "عبد الله"

ولذلك يطلق على "عبد الله" اسماعيل الثاني، يعنى كما أن الله تعالى فدي اسماعيل عليه السلام بكبش عظيم، فدي "عبد الله بن عبد المطلب" بمائة من الإبل، وروي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال "أنا ابن الذبيحين" وروي أن أعرابيًا قال للرسول –صلى الله عليه وسلم- يا ابن الذبيحين، فتبسم النبي –صلى الله عليه وسلم-

لا شك أن فرحة "عبد المطلب" بنجاة ابنه كانت عظيمة، وأراد "عبد المطلب" أن يزوج ابنه "عبد الله" وكان عمر "عبد الله" في ذلك الوقت ثمانية عشر عاماً، وكان عبد الله شابًا وسيمًا قويًا، وكان أكثر أبناء "عبد المطلب" شبهًا به، وكان معروفًا عنه الأخلاق الطيبة والعفة، وهو كما ذكرنا من قبل ذو نسب وشرف في قومه، ولذلك كان فتى أحلام فتيات قريش

وأختار "عبد المطلب" لإبنه "عبد الله" أفضل فتاة في قريش، وهي "آمنة بنت وهب" وهي ابنة سيد بنى زهرة، وكان يطلق عليها "زهرة قريش"

 

ويروي أن "عبد الله" قبل أن يخطب آمنة، مر بامرأة يقال لها "أم قتال بن نوفل" وهي أخت "ورقة بن نوفل" وكانت "أم قتال" قد قرأت في كتب اليهود والنصاري، وسمعت من أخيها "ورقة بن نوفل" أنه سيظهر في هذا الزمان نبي، هو خاتم الأنبياء، وأن هذا النبي سيكون مولده ومبعثه في مكة، فلما نظرت الى "عبد الله" رأت بفراستها نور النبوة في وجهه، وعلمت أنها سيكون أبًا لهذا النبي، والعرب مشهورون بالفراسة، ولهم في ذلك قصص عجيبة جدًا، حتى أن الله تعالى يقول في سورة الحجر "إن في ذلك لآيات للمتوسمين" أي أن الله تعالى وصف العرب بهذه الصفة وهي أنهم ذوي فراسة ونظر

أرادت "أم قتال" أن تتزوج من "عبد الله" ليس كما قلنا لوسامته وشرفه ووضعه في قريش، ولكن لكي تنجب وتكون أمًا لخاتم الأنبياء، فعرضت على عبد الله أن تتزوجه، ولكن "عبد الله" كان يعلم برغبة أبيه في أن يزوجه "أمنة بنت وهب" وهي سيدة نساء قومها –كما ذكرنا- فرفض هذا العرض، وقال لها: لا أستطيع خلاف أبي، وأخذت "أم قتال" تلح في طلبها على "عبد الله" حتى أنها عرضت عليه ان قبل الزواج منها أن تعطيه مائة من الإبل، وقالت له: : لك مثل الإبل التي نحرت عنك، وتتزوجنى، ولكن "عبد الله" كان يعتذر اليها بأنها لا يستطيع أن يخالف رغبة أباه في أن يتزوج "آمنة بنت وهب"

تزوج بالفعل "عبد الله بن عبد المطلب" من آمنة بنت وهب، وكان عمر "عبد الله" كما ذكرنا ثمانية عشر عام، وعمر آمنة ثلاثة عشر عامًا

بعد أن تزوج "عبد الله" من "آمنة" مر بأم قتال، فوجدها قد أعرضت عنه ولم تتلهف عليه أو تعرض عليه الزواج كما كانت تفعل من قبل، فتعجب "عبد الله" وسألها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت بالأمس، قالت له: فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس لي بك حاجة، وكأن النطفة التى كان منها الرسول –صلى الله عليه وسلم- عندما خرجت من جسد "عبد الله" واستقرت في رحم السيدة "آمنة" قد خرج معها النور الذي كان في وجه "عبد الله"

بل روي أن كاهنة كان يطلق عليها "كاهنة قريش" كانت تنظر في وجه آمنة وتقول لها: أنت النذيرة أو التى ستلد النذير

ظل "عبد الله" مع عروسه "آمنة" عشرة أيام، ثم خرج في قافلة تجارية الى "غزة" بالشام، ثم اتجه من "غزة" الى "يثرب" ليشتري تمرًا، و"يثرب" بها أخواله "بنى النجار" ولكنه مرض في "يثرب"ولم يستطع أن يعود مع القافلة الى مكة، فعادت القافلة الى "مكة" بدونه ورقد هو عند أخواله في يثرب، وأقام عندهم مريضًا شهرًا كاملًا، حتى مات هناك ودفن في مكان يطلق عليه "دار النابغة الصغري"

 

رحلة "عبد الله بن عبد المطلب" التى توفي فيها 

مات "عبد الله" والرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يزال جنينًا في بطن أمه، وترملت السيدة آمنة، وترك لها خمسة من الإبل، وبعض الغنم، وترك لها أيضًا عبدة حبشية كانت عنده يطلق عليها "بركة" والتى أطلق علها بعد ذلك "أم أيمن" وستكون بعد ذلك من أول من أسلم، وسيكون لها مواقف عظيمة في الاسلام

بالرغم من أن "عبد الله" لم يمكث مع "آمنة" الا عشرة أيام فقط الا أنها كانت قد أحبته حبًا شديدًا، ولذلك عندما بلغها موتها حزنت عليها حزنًا عظيمًا، ورثته بشعر رائع ورقيق

هذه هي قصة زواج "عبد الله بن المطلب" من "آمنة بنت وهب" وحملها بالرسول –صلى الله عليه وسلم- ثم وفاة "عبد الله"

ونتحدث في الفصل القادم عن ولادة النبي –صلى الله عليه وسلم-