Untitled Document

عدد المشاهدات : 1357

خطبة: كيف نستقبل رمضان

كيف نستقبل رمضان

الخطيب: وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 23 شعبان 1430- 14 أغسطس 2009

المكان: مسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 25 دقيقة

 

عناصر الخطبة

1.     مقدمة

2.     خصائص الصوم

3.     أحاديث في استقبال شهر رمضان

4.     كيف نستقبل رمضان

5.     يوم في حياة صائم

 

أما بعد،،،

 

تحتفل الأمة كلها الأسبوع القادم بقدوم شهر رمضان المعظم، وقد فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، و "رمضان" اسم مشتق من "الرمضاء" وهي الحجارة المحماة، وقيل أنه سمى بذلك لأنه "يرمض الذنوب" أي يحرقها00

*         *         *

والصوم عبادة لها خصائص ليست لغيرها من العبادات

·   أول هذه الخصائص: أن الصيام ربع الإيمان، بمقتضى قول رسول الله "الصوم نصف الصبر" ثم قال "الصبر نصف الإيمان" وهكذا يكون الصوم وحده ربع الإيمان

 

·   من خصائص الصوم أيضاً أن ثواب الصيام جاوز قانون التقدير والحساب، والسبب هو الحديث الذي ذكرناه أن الصوم نصف الصبر، وقد قال تعالى في كتابه الكريم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) أي أن أجر الصابرون جاوز التقدير والحساب، ولأن الصوم نصف الصبر فقد جاوز أجر الصيام كذلك قانون التقدير والحساب

 

·        من خصائص الصوم أيضا أن الحق سبحانه وتعالى أضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات، حيث قال في حديثه القدسي " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" والحديث متفق عليه

·   وهنا يتساءل البعض أليس كل الأعمال لله سبحانه وتعالى، وأليس الله تعالى هو الذي يجازي على جميع الطاعات، فما معنى "إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"

·   نقوم أن هذه الإضافة، والنسبة إلى الله تعالى، إضافة تشريف، كما أضاف الله تعالى الكعبة إلى نفسه فقال إنها بيته، مع أن كل بيوت الأرض بيوته، بل الأرض كلها والكون ملك له تعالى ولكنه تعالى ذكر أن الكعبة بيته تشريفا لها

·        طب لماذا اختص الله تعالى الصيام بهذه المكانة وبذلك التشريف ؟ يقول العلماء أن لذلك سببين:

1.  لأن جميع أنواع الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يراه إلا الله تعالى، لأن الصوم كف وترك، وهو لذلك سر ليس فيه عمل يشاهد

2.  أنه قهر لعدو الله تعالى الشيطان، لأن وسيلة الشيطان في إغواء بنى آدم هي الشهوات، والشهوات إنما تقوى بالأكل والشرب، يقول الرسول "إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع"  متفق عليه

فلما كان الصوم –على الخصوص- قمعاً للشيطان، وسدا لمسالكه، تضييقا لمجاريه، استحق هذه المكانة من الله تعالى، لأن قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وتعالى

*         *         *

o       عن أنس بن مالك قال " كان رسول الله  إذا دخل رجب قال "اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان"

ما معنى "بلغنا رمضان" يعني اللهم مد في عمرى حتى دخول رمضان، وهنا نلاحظ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم-  لم يدع بطول العمر الا في هذا الدعاء، عمر ما نبيك دعا بطول العمر الا في هذا الحديث، الرسول - صلى الله عليه وسلم-  يقول: يارب طالما أحييتني حتى رجب وشعبان مد في عمرى حتى رمضان، لأن الرسول يعلم ما في رمضان من الخير الجزيل والثواب العظيم

 

o   وعن أبي هريرة –رضى الله عنه قال: قال رسول الله  "إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة" رواه البخارى

 

o   عن سلمان الفارسى –رضى الله عنه- قال: خطب رسول الله  في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة ، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم . فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار

رواه البيهقي وابن حبان

 

وهذا الترتيب " أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" ترتيب له حكمة عظيمة، لماذا ؟ لأننا ندخل رمضان بذنوب كثيرة ومعاصى، فلابد أن ينظر لك الله تعالى بعين الرحمة، فإذا رحمك غفر لك، فاذا غفر لك أعتقك من الله

ولذلك يجب علينا أن نجتهد في جميع رمضان، لأن الذي يجتهد في اول رمضان، ويتكاسل بعد ذلك يكون قد حصل الرحمة، ولكن لم يغفر له، ولم تعتق رقبته من النار، الذي يجتهد في العشرون يوماً الأوائل من رمضان، ثم يتكاسل يكون قد فاته العتق من النار، الذي يتكاسل في العشرون الأوائل ثم يجتهد في العشر الأواخر، كيف ستعتق رقبتك من النار وأنت لم يغفر لَكَ

*         *         *

 

 

كيف نستقبل رمضان

تعددت مذاهب الناس، وتنوعت مشاربهم في استقبال شهر رمضان

-         فمنهم من يستقبله بالنوم والكسل والبطالة

-    ومنهم من يستقبله بالإسراف في الطعام والشراب والتفنن في ذلك، وكأن رمضان هو شهر الطعام وليس شهر تىمتناع عن الطعام

-         ومنهم من يستقبله بالتفرغ لمطالعة الشاشات، واللهث وراء القنوات والمسلسلات وبرامج المنوعات

-    ومنهم من يستقبله باضاعة الوقت في السهر، والذهاب الى السواق، وما يطلق عليه السهرات الرمضانية، والدورات الرمضانية وما الى ذلك

أما الموفقون والذين اراد الله تعالى بهم خيراً، وأنار بصائرهم لرؤية الحق، فانهم يستقبلون شهر رمضان بالفرح والسرور والبشر والحبور، لأنهم رأوا فيه فرصة لمغفرة الذنوب، واقالة العثرات

ونحن نريد أن نكون من هذا النوع الأخير، النوع الذي أراد الله تعالى به خيرا

كيف نكون من هذا النوع، ألخص لكم ذلك في أمرين:

الأول: التوبة

نستقبل رمضان بالتوبة، فالتوبة واجبة في كل وقت وحين، ولكنها في رمضان أوجب، فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له" مامعنى "رغم أنف عبد" يعني اتمرمغت أنفه في التراب، برضه يعني ايه، هذا تعبير عربي يعني "خسر خسراناً مبيناً" الذي يدرك رمضان ولا يغفر له يكون قد خسر حسراناً عظيماً

يبقي أول حاجة تستقبل بها رمضان هي التوبة، كل منا مقارف لذنب معين، وكل منا يعرف هذا الذنب، هناك من ينظر الى ما حرم الله، أو يدخن السجائر، أو قاطع لرحمه، أو عاق لوالديه، وهكذا، فيجب عليك قبل دخول شهر رمضان المعظم أن تتوب عن هذا الذنب

وقد قلنا قديماً أن التوبة ثلاثة أمور: ترك وندم وعزم، ترك للذنب في الحال، وندم على ارتكابه في الماضى، وعزم على عدم العودة اليه في المستقبل

الأمر الثاني الذي تستقبل به رمضان هو: حفظ الوقت واستثماره في الطاعات

فالوقت نفيس، ومن نفاسته أن الذي مضى منه لا يعود، يقول الإمام "أبي حامد الغزالي" رحمه الله: الوقت هو رأس مال العبد، فاذا اضاع العبد وقته فقد أضاع راس ماله

ومن هنا بالغ السلف الصالح من هذه الأمة في حفظ أعمارهم ورعاية أوقاتهم

قال أحدهم الى "سعيد بن عبد العزيز": ارى لسانك لا يفتر من ذكر الله عز وجل، فكم تسبح كل يوم ؟ قال: مائة الف الا أن تخطىء الأصابع

وقال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك قال: فأمسك الشمس

 

 

الخطبة الثانية

 

أما بعد

يوم في حياة صائم

 

 

كيف يكون يوم الصائم

 يوم الصائم يوم ملىء بالطاعة والعبادات، حافل بالأعمال والإنجازات، خال من المعاصى والمنكرات

في عجالة نقول "يوم في حياة صائم"

o   يبدأ الصائم يومه بصلاة الفجر جماعة في المسجد، وصلاة الفجر في رمضان هي أهم ما في اليوم، لأن من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، والحديث الصحيح الذي رواه البخارى "من قام رمضان ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" فاذا حافظت على صلاة الفجر في جماعة طوال رمضان، فكأنك قمت ليل رمضان كله، وكان ذلك مغفرة لجميع ذنوبك، ما تقدم يعني ايه ؟ يعني كل اللي انته عملته قبل كده

o   بعد صلاة الفجر تقول أذكار الصباح، ويستحب أن تظل في مصلاك الذي صليت فيه الفجر حتى بعد طلوع الشمس بحوالي ربع ساعة فتذكر الله تعالى وتستغفره وتقرا القرآن الكريم، ثم تصلى ركعتين سنة الضحى، يقول الرسول  "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتىتطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" رواه الترمذي وصححه الألباني

o    بعد ذلك تحافظ على الصلاة في جماعة طوال اليوم: الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالطبع، يقول الرسول  "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" رواه البخارى، وخلي بالك ان الثواب في رمضان مضاعف، واحنا ذكرنا الحديث "من أدي فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه" فعندك الحسنة بعشر أمثالها، اضرب عشرة في سبعين، يعني سبعمائة، أضرب في سبعة وعشرين درجة، تبقي حوالي عشرون ألف، وهم خمسة صلوات في اليوم، يعني حوالي مائة الف حسنة ودرجة بمحافظتتك على صلاة الجماعة في يوم واحد في رمضان

o    أما ما بين الصلوات ما بين الصبح الى الظهر ومما بين الظهر الى العصر وما بين العصر الى المغرب، فهذا يحتلف باختلاف ظروف كل شخص، فالعامل يذهب الى عمله، الموظف يذهب الى مكتبه، ولكن يجب على العامل أن يتقن عمله ويحتسب ذلك عند الله تعالى، الموظف يحسن معاملة الجمهور، ويسعي في قضاء مصالحهم ويحتسب ذلك عند الله تعالى، ومن الناس من ينام في بعض هذه الأوقات حتى يتقوى على العبادة في الليل،  وهؤلاء يكون نومهم عبادة، ايضا تستثمر هذه الأوقات في أنواع العبادات المطلقة مثل

-    قراءة القرآن الكريم، فيكون لك في رمضان ختمة أو أثنين أو ثلاثة أو خمسة، وتجعل لذلك أوقاتا مخصوصة لا تخلفها مثل بعد صلاة الصبح أو بعد العصر أو بعد العشاء، وهكذا

-         الصدقة، فقد كان رسول الله  أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان

-         تفطير الصائم: " فمن فطر صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره"

-         عيادة المريض، اتباع الجنائز، الإصلاح بين الناس، صلة الرحم، بر الوالدين، الإحسان الى الجيران

وهكذا تضرب بكل عمل صالح بسهم، ولا توفتن على نفسك شيء من الخير، فان الله تعالى اذا أحب عبد استعمله في الأوقات الفاضة بفواضل الأعمال، واذا بغض عبدا –والعياذ بالله- استعمله في الأوقات الفاضلة بسيء الأعمال

o       وأخيراً صلاة التراويح يقول الرسول  "من قام رمضان ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه

وتتخي رالإمام الذي يطيل القراءة، يقول السائب بمن يزيد "كان القارىء يقرأ بالمئين –أي بمئات الآيات- حتى كنا نعتمد علىالعصى من طول القيام، وما كانوا ينصرفون الا عند الفجر"

نسأل الله تعالى أن ييسرنا لليسرى، وأن ينفعنا بالذكرى، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه