Untitled Document

عدد المشاهدات : 23

الحلقة (585) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (110) الى (115) من سورة "هًود" )وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ.......

الحلقة رقم (585)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (110) الى (115) من سورة "هًود"- ص 234
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَة سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّ مِّنۡهُ مُرِيب ﴿١١٠﴾ وَإِنَّ كُلّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِير ﴿١١١﴾ فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير ﴿١١٢﴾ وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴿١١٣﴾ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ﴿١١٤﴾ وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿١١٥﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَة سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّ مِّنۡهُ مُرِيب ﴿١١٠﴾
يبين تعالى أن اختلاف الناس في الحق أمر طبيعي موجود في الأمم السابقة، 
فيقول تعالى:
(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ)
يعنى: لا تحزن - يا محمد- ولا يعظم عليك اختلاف قومك في القرآن الكريم، 
وقولهم بانك قد جئت بهذا القرآن من عند نفسك، فهذه هي سيرة الأمم من قبلك، 
فقد جاء موسي قومه بالكتاب وهو التوراة،
(فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ) 
فمنهم من آمن به -من قومه- وقبله، ومنهم من كفر به وأنكره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَلَوۡلَا كَلِمَة سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّ مِّنۡهُ مُرِيب)
الكلام هنا على امة النبي ﷺ.
يعنى: لَوۡلَا أن الله -تعالى- قد حكم بأن يؤخر عذاب المكذبين من أمتك الى يوم القيامة.

(لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ) لكان قد قضى الله وحكم في أمرهم، وأنزل عليهم عذاب الاستئصال في الدنيا.
(وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّ مِّنۡهُ مُرِيب) يعنى مشركي قومك في شك من القرآن، 
لأنهم يكفرون بالقرآن، وفي نفس الوقت يعترفون بأن هذا ليس بكلام بشر.
وكلمة
(مُرِيب) يعنى هذا الشك أوقعهم في الحيرة والإضراب والتخبط.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنَّ كُلّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِير ﴿١١١﴾
يعنى كل فريق من هؤلاء، سينال جزاء عمله يوم القيامة كاملًا، لا ينقص من شيء،
لأن الإيفاء هو اعطاء الحق كاملًا، كما نقول استوفي الموضوع، يعنى تناوله من جميع جوانبه.

(إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِير) أن الله بما يعمل العباد (خَبِير) لا يخفي عليه شيء من أعمالهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الفخر الرازي في تفسيره: سمعت بعض الأفاضل يقول إن قوله تعالى 
(وَإِنَّ كُلّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡ) فيه سبعة أنواع من التأكيدات:
كلمة
(إِنَّ) تفيد التأكيد.
(كُلاّ) تفيد التأكيد.
حرف اللام في
(لَّمَّا) تفيد التأكيد.
حرف الميم في
(لَّمَّا) يفيد التأكيد.
القسم المضمر لأن تقدير الكلام: "وَإِنَّ كُلّا والله لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡ"
اللام في كلمة
(لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ) تفيد التأكيد.
النون في كلمة
(لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ) تفيد التأكيد.
وهناك تأكيد ثامن، وهو قول الله تعالي: (إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِير) 
لأن ايفاء جزاء العمل كاملًا يحتاج الى عليم خبير لا يخفي عليه شيء من أعمالهم.
كل هذه التأكيدات في هذه الجملة، لأن السورة نزلت في فترة حرجة من فترات الدعوة الإسلامية، 
وهي بعد رحلة الإسراء والمعراج وقبل الهجرة، وكانت هناك حاجة لتثبيت قلوب المؤمنين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير ﴿١١٢﴾
(فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ) يعنى فاستقم يا محمد على أُمِرۡ ربك، وقيل فَٱسۡتَقِمۡ على القرآن، والمعنى واحد.
ومعنى الاستقامة يعنى الاستقامة على أوامر الله ونواهيه.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب.
ونحن نقول: فلان شخص مستقيم، يعنى ملتزم، لا يرتكب المحرمات.
والاستقامة هي الطريق الموصل للجنة.
وفى صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: 

"قلت، يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال قل آمنت بالله ثم استقم".
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَن تَابَ مَعَكَ) يعنى وَمَن تَابَ من الشرك والكفر، وآمن مَعَكَ، وهم الصحابة الكرام، 
ومن بعدهم من أمته الى قيام الساعة.
يعنى: وليستقيموا هم أيضاً على ما أُمروا به

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَطۡغَوۡاْ) الطغيان تجاوز الحد، ومنه قول الله تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ)
فقوله تعالى (وَلَا تَطۡغَوۡاْ) لا تتجاوزوا حدود الله، بارتكاب المعاصي.
وقيل في معناه: ولا تطغيكم النعم.
وقيل: لا تتجبروا على أحد، حتى لو كان كافرًا.
وهذه كلها معاني قريبة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير)
يعنى: لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
يقول ابن عباس: لا تخفى عليه أعمال بني آدم، علم قبل أن يعملوا ما هم عاملون.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

عن الحسن البصري أنه قال، لما نزلت قول الله تعالى (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ) 
قال ﷺ
"شمروا شمروا" وما رؤى بعد ضاحكًا.
 وعن ابن عباس قال: ": ما نزلت على رسول الله ﷺ في جميع القرآن آية كانت أشدّ ولا أشقّ عليه من هذه الآية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وروي أنّ بعض الصحابة قالوا للرسول ﷺ: لقد أسرع فيك الشيب يا رسول الله، فقال ﷺ: "شيبتني هود وأخواتها".
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي عن أبو عليّ السَّرِيَّ، وهو أحدِ الصّوفيّة أنه قال: رَأَيتُ النَّبِيَّ ﷺ في النوم، 
فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رُوِيَ عَنكَ أَنَّكَ قُلت: "شَيَّبَتنِي هُودٌ" قَالَ ﷺ: "نَعَم"، 
فَقُلتُ: مَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنهُ؟ قَالَ ﷺ: قولُهُ (فَاستَقِم كَمَا أُمِرتَ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقالوا أيضًا أن الاستقامة هي عين الكرامة.
يعنى الكرامة التي تكون لأولياء الله ليست هي المشيء الماء، أو الطيران في الهواء، او غير ذلك.
ولكن الكرامة أن يوفق العبد الى الاستقامة على امر الله تعالى ونهيه.
قال رجل لأحد أصحاب شيخ صوفي معروف: يا سيدي أنك صحبت الشيخ فلان، وأتباعه يذكرون له كثير من الكرامات، فأخبرني بما رأيت منه، فقال له:
رأيت منه كرامة واحدة هي الاستقامة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كتب احدهم يقول: قوله تعالى (فاستقم كَمَا أُمِرْتَ) هو دستور للمسلم، يلتزم به في شؤون حياته كافة، فينطلق في حركته من خلاله، ويعيش على ضوء مشكاته، ويموت في سبيله.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ولَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴿١١٣﴾
(ولَا تَرۡكَنُوٓاْ) الركون الى الشيء هو الميل اليه.
والمعنى: واحذوا -أيها المؤمنون- أن تميلوا الى الظالمين، أو أن ترضوا بظلمهم.

(فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ) كأن هذا الظالم في ٱلنَّارِ يعذب فيها، فاذا اقتربت منه ستتعدى اليك النار، وسيصيبك لفح ٱلنَّارِ.
المثل يقول: "من جاور السعيد يسعد، ومن جاور الحداد يتكوي بناره"

(وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ) يعنى عندما تركن الى الظالم، 
وتكون ولايتك له، وتعتمد عليه، فانت تفقد ولاية الله لك.
اما تعتمد على الله، او تعتمد على هذا الظالم، أنت اخترت الاعتماد على الظالم.

(ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) ستكون النتيجة أنك لن تنصر، النتيجة هي الخسران.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
آية مهمة جدًا، وفيها تحذير من مجرد الميل القلبي للظلمة.
وحكي أنّ المُوَفَّقْ الأمير العباسي الشهير صلى خلف امام قرأ بهذه الآية فغشي عليه، 
فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في آية سابقة مر بنا قول الله تعالى عن فرعون (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) 
يعنى يتقدم فرعون جنوده وأتباعه وحاشيته يوم القيامة، فيدخل النار 
ويدخلون معه في النار، أنهم كانوا أعوانًا له في ظلمه.
في هذه الآية: الميل القلبي للظالم، أو مداهنته، أو تبرير ظلمه، 
أو الرضا بظلمه، كل ذلك موجب للعذاب
(فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ)
يقول الحسن البصري، رحمه تعالى: "من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه"
وسأل أحدهم سفيان الثوري، قال: أنا أخيط للظلمة، فهل أنا ممن يركن إليهم؟ 
فقال له سفيان: لا يا هذا، أنت منهم، ولكن الذي يبيعك الإبر لتخيط لهم هو من الراكنين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا الميل للظالم له أسباب نفسية، فقد يكون هذا الذي يميل للظالم شريرًا مثله، 
ولذلك فهو يركن اليه ويميل اليه ويحبه.
وقد يميل اليه خوفًا منه، إذا كان الظالم هو الطرف الأقوى،
 فيميل اليه لأن وجوده في معسكره يجعله يشعر بالاطمئنان.
وفي كلا الحالتين يكون مستحقًا للعذاب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك شدد كثير من العلماء في التحذير من مخالطة الحكام بصفة عامة،
يقول الفضيل بن عياض:
«كم من عالم يدخل على الملك ومعه دينه، ويخرج وليس معه منه شيء"
وقد كان سفيان الثوري يَقُول: ((مَا أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم))،
وقال سفيان:
في جهنم واد لا يسكنه إلا العلماء الزائرون للملوك.
وعن الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور أميرًا.
وعن محمد بن مسلمة: ا
لذباب على العذرة، أحسن من عالم على باب هؤلاء.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وذهب البعض الى جواز مصاحبة الحاكم الظالم، إذا كانت النية من ذلك هي النصح والأرشاد، 
وإذا ينصلح الحاكم، فاذا انصلح الحاكم ترتب على ذلك خير عظيم.
مثلًا الشيخ أحمد كفتارو مفتي سوريا السابق -رحمه الله- كان مقربًا للسلطة، 
واستطاع أن يحقق بذلك بعض المكاسب لدعوته.
ولكن أغلب العلماء العاملون يرون عدم مصاحبة الحاكم الظالم على أي حال، 
وأن ما يخسره العالم في ذلك أضعاف ما يربحه.

يقول سفيان الثوري:
"إياك والأمراء والدنو منهم ومخالطتهم، وإياك أن تُخدع فيقال لك: تشفع فترد عن مظلوم، أو ترفع مظلمة؛ فإن تلك خدعة إبليس، وإنما اتخذها فُجّار العلماء سُلَّمًا"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولما خالط ابن شهاب الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك: أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه، واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت وأخفّ ما احتملت: أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي، حين أدنوك اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يُدخلون الشكّ بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك، فداو دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، والسلام.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ﴿١١٤﴾
(وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ)
طرف الشيء أوله وآخره، فطَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ، أول النهار وآخر النهار.
أما الصلاة التي في اول النهار فهي صلاة الصبح.
والصلاة التي في آخر النهار هي صلاتي الظهر والعصر.
حد يقول أنا أفهم أن الصلاة التي في طرف النهار الأول هي صلاة الصبح، 
ولكن كيف تكون صلاتي الظهر والعصر في طرف النهار الثاني؟
نقول إذا قسمنا النهار الى قسمين، فيكون هناك قسم قبل الزوال، وقسم بعد الزوال، 
وكلمة الزوال من زوال الظل، وهذا يكون قبل صلاة الظهر بحوالي خمسة دقائق، 
يعنى حوالي الساعة الثانية عشر ظهرَا، هذا هو نصف اليوم.
فطرف النهار الأول هو قبل الزوال، وطرف النهار الثاني بعد الزوال.
ولذلك نقول إن الصلاة في طرف النهار الأول هو صلاة الصبح، 
والصلاة في طرف النهار الثاني هما صلاتي الظهر والعصر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِ)
"الزَلف" هو القرب، كانت العرب تقول: أزلفنى فلان منه: أي قربني،
 ومنها "المزدلفة" لأنّ الناس يقتربون فيها من منى، 
ومنه قول الله تعالى
(وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ) يعنى قربت منهم
فقوله تعالى (وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِ) يعنى قربًا من أول الليل، أو قربًا من آخر النهار، 
وهما صلاتي المغرب والعشاء.
اذن هو امر بإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال تعالى (إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ)
يعنى يمحو الله -سبحانه وتعالى- السيئات بالحسنات.
روري في سبب نزول هذه الآية الكريمة، أن رجلًا من أهل المدينة كان يبيع تمرًا فأتته امرأة لتشتري منه، فقال لها ان في الداخل تمرًا أجود منه، فلما دخلت معه ضمها وقبلها، فدفعته المرأة وقالت له: "اتق الله" فندم الرجل، وجاء الى الرسول ﷺ وأخبره بما فعل، وقال: يا رسول الله افعل بي ما شئت، فأطرق الرسول ﷺ ولم يرد عليه ومضي الرجل، ثم رفع الرسول ﷺ بصره، وقال ردوه عليه، فعاد الرجل، فقرأ عليه الرسول ﷺ (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔات)
يعنى تب الى الله -وهو جاء تائبًا- وأكثر من الحسنات، حتى تمحو هذه الخطيئة.
فقال عمر وقيل معاذ: -
يا رسول الله، أله وحده أم للناس كافة؟ فقال ﷺ: بل للناس كافة.
قال العلماء أن الرسول ﷺ عندما اطرق اما انه قد أوحي اليه بهذه الآية، 
أو أن الآية قد نزلت قبل ذلك واستعملها الرسول ﷺ مع هذا الرجل.
وكان الإمام على يقول إن هذه الآية هي أرجي آية في القرآن الكريم كله.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ)
ذهب كثير من المفسرين الى أنَّ المقصود بٱلۡحَسَنَٰاتِ اللاتي يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ هي الصلوات الخمس
وفي الحديث:
“إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر"
لأن الكبائر تلزمها توبة.
عن أبي عثمان النهدي قال، كنت مع سلمان تحت شجرة، فأخذ غصنا من أغصانها يابسًا فهزَّه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: هكذا فعل رسول الله ﷺ كنت معه تحت شجرة، فأخذ غصنًا من أغصانها يابسًا فهزه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: ألا تسألني لم أفعل هذا يا سلمان؟ فقلت: ولم تفعله يا رسول الله؟ فقال ﷺ: 
إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلَّى الصلوات الخمس، تحاتّت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق.
ثم تلا ﷺ هذه الآية (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والذي يظهر أن لفظ الآية لفظ عام في جميع الحسنات، فالله تعالى من فضله يمحو السيئات بالحسنات، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ وَيُشَدِّدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ: "أَيْ رَبِّ مَا لِيَ عِنْدَكَ؟، قَالَ تعالى: النَّارُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ ، فَأَيْنَ عِبَادَتِي وَاجْتِهَادِي؟ ، فَيَقُولُ تعالى: "إِنَّكَ كُنْتَ تُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَتِي فِي الدُّنْيَا، فَأَنَا أُقَنِّطُكَ الْيَوْمَ مِنْ رَحْمَتِي "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ)
يعنى إقامة الصلاة فيها الموعظة لمن يتعظ.
"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"
أو أن الإخبار بأن الحسنات يذهبن السيئات، هذه الذكرى تحض على الحسنات.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿١١٥﴾
ثم يختم -تعالى - هذه التوجيهات الحكيمة بقوله (وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)
أى : واصبر أيها الرسول الكريم أنت ومن معك من المؤمنين على التكاليف التى كلفكم الله - تعالى - بها ، فإنه - سبحانه - لا يضيع أجر من أحسن عملا ، بل موفى الصابرين أجرهم بغير حساب .

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونختم أن من بلاغة القرآن، وهي أن الأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي ﷺ َ وإِن كانت عامة في المعنى قال تعالى (فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ) (وَأَقِمِ الصلاة) (واصبر)
وفي المنهيات الخطاب للأمة كلها (وَلاَ تَطْغَوْاْ) (وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ)
وهذا من عظيم مكانة الرسول ﷺ عند الله تعالى.

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

الملِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇