Untitled Document

عدد المشاهدات : 52

الحلقة (578) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (50) الى (60) من سورة "هًود" (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُوداۚ ….

الحلقة رقم (578)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
        

تفسير وتدبر الآيات من (50) الى (60) من سورة "هًود"- ص 227
        

(وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُوداۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ ﴿٥٠﴾ يَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴿٥١﴾ وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ ﴿٥٢﴾ قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَة وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ ﴿٥٣﴾ إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓء قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ﴿٥٤﴾ مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿٥٥﴾ إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيم ﴿٥٦﴾ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡ‍ًٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظ ﴿٥٧﴾  وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَة مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظ ﴿٥٨﴾ وَتِلۡكَ عَاد جَحَدُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد ﴿٥٩﴾ وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَة وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدا لِّعَاد قَوۡمِ هُود ﴿٦٠﴾

        

تحدثت الآيات السابقة عن هلاك الكفار من قوم نوح، وقلنا إن سفينة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- رست كما ذكر القرآن الكريم- على جبل الجودي وهو جبل موجود في أقصى جنوب تركيا، وعلى بعد حوالي 8 كم من شمال العراق.  
وقلنا إن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- انتقل هو والمؤمنون معه بعد ذلك من أقصى جنوب تركيا الآن الى حيث الكعبة المشرفة، وعاش نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- عند الكعبة المشرفة حتى مات ودفن هناك.
وكثر الناس -بعد ذلك- في هذه المنطقة، فلما ضاق بهم المكان، أو ضاقت عليهم الموارد الطبيعية في هذا المكان، تحرك بعضهم الى الجنوب، حتى وصلوا الى منطقة في جنوب الجزيرة العربية، أطلق عليها –بعد ذلك- الأحقاف، (والأحقاف شكل معين من أشكال الرمال) وأطلق عليها أيضًا بعد ذلك "الربع الخالي" وهي منطقة كبيرة، حوالي ألف كيلو متر مربع، وهي الآن من أكثر الأماكن جفافًا وكحولة في العالم، ويكاد لا يوجد فيها أي نوع من أنواع الحياة.
ولكن هذه المنطقة في ذلك الوقت لم تكن جافة كما هي الآن، بل على العكس كان فيها أنهار وبحيرات وبساتين وغابات، وزروع وثمار ونعيم ليس له مثيل على وجه الأرض في ذلك الوقت.


        

وهؤلاء الذين هاجروا الى منطقة "الأحقاف" أطلق عليهم قوم "عاد" وقد أطلق عليهم قوم "عاد" نسبة الى جدهم: عاد بن عُوص بن أرَم ابن سام بن نوح
وتفرق قوم (عَادٍ) بعد ذلك الى ثلاثة عشرة قبيلة سكنوا في هذه المنطقة الغنية الخصبة، والتي امتدت من عمان الى اليمن.
وكان قوم "عاد" على التوحيد في أول أمرهم، ثم عبدوا الأصنام بعد ذلك، فكان عندهم صَنَمٌ اسمه صُدَاءٌ؛ وصنم اسمه صُمُودٌ، وَصَنَمٌ اسمه الْهَبَاءُ.
وكان قوم "عاد" طوال القامة، أقوياء الأجساد، كثيري الأعداد، فكانت قبائلهم هم أقوي شعوب الأرض في ذلك الوقت، ولكنهم أفسدوا في الأرض، وقهروا جيرانهم والشعوب المجاورة لهم بفضل قوتهم.
 وقد جاء في القرآن العظيم ما يدل على ما كان لهم من قوة وجبروت وبطش، فقال تعالى في سورة الشعراء (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ويقول تعالى في سورة فصلت (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)
فلما زاد قوم عاد في كفرهم وطغيانهم بعَثَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إليهم هُود -عَلَيْهِ السَّلامُ- فَأَمَرَهُمْ أَنْ يتركوا عبادة الأصنام، وأن يعبدوا الله وحده، وأن يكفوا عن ظلمهم، وكان ذلك في حدود سنة 3000 قبل الميلاد، يعنى من حوالي 5000 سنة من الآن.

        

وهود -عَلَيْهِ السَّلامُ- هو أحد أربعة أنبياء من العرب وهم: هود، وصالح، وشعيب، ومحمد ﷺ

ورد اسم "هود" في القرآن سبع مرات، مرة في الأعراف، مرة في الشعراء، ثم خمس مرات منها في سورة "هود" التى معنا، ولعل هذه أحد أسباب تسمية السورة باسم سورة "هود"
يقول الدكتور/ عبد الرحمن النجار، في كتابه "قصص الأنبياء" القارئ لقصة هود مع قومه يراه إنسانا وقوراً رزيناً يزنُ الكلامَ قبل إلقائه.

        

يقول تعالى في الآية (50) (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُوداۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ)
(وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُوداۚ) يعنى وأرسلنا الى قوم (عَادٍ) نبي الله هود -عَلَيْهِ السَّلامُ-
وقوله تعالى (أَخَاهُمۡ هُوداۚ) يعنى كان واحدًا منهم.
يقول تعالى: (قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ) 
هذا هو أساس دعوة هود -عَلَيْهِ السَّلامُ- وهو عبادة الله وحده، وهذا اساس دعوة كل الأنبياء.
يقول الرسول ﷺ: "أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ"
ثم يقول هود (إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ)
يعنى أنتم تكذبون على الله كذبًا عظيمًا فاحشًا حين تدعون أن الله أمركم أن تشركوا معه في العبادة هذه الأصنام.


        

ثم يقول (يا يَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴿٥١﴾
(يا يَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ) يعنى أنا لا أطلب منكم مقابل على تبليغ رسالة ربي: لا أطلب لا مال ولا جاه ولا رياسة ولا أي شيء حتى تتهموني في دعوتي.

        

وكل الرسل قالوا هذه العبارة (لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) الا اثنين فقط: إبراهيم وموسى، أما إبراهيم فلأن أبيه كان داخلًا في الدعوة، فله يد على إبراهيم، فلا يصح أن يقول له: (لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) وأما موسي فلأنه تربي في قصر فرعون، ففرعون نفسه له يد على موسي، ولذلك قبل أن يقول موسي (لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) كان فرعون قد قال له: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً)
        

ثم يقول هود: (إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓ)
يعنى أنا آخذ أجري من ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓ، يعنى من ٱلَّذِي خلقنى وأرسلنى اليكم.  
وكلمة (فَطَرَنِيٓۚ) يعنى خلقنى على غير مثال سابق، يقال: فطر الشيء، يعنى أول واحد عمله.
ولذلك قال هود (ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓۚ) إشارة الى أن الله الذي أرسله هو الذي يستحق العبادة وحده، لأنه هو الذي خلق، أما هذه الأصنام فلا يصح أن تعبد لأنها لم تخلق شيئا.
(أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) 
أَفَلَا يكون عندكم عقل حتى تدركوا أن الإله الذي خلق هو الذي يستحق العبادة، وأن هذه الأصنام التي لا تخلق شيئا لا تستحق أن تعبد.
أَفَلَا يكون عندكم عقل حتى تدركوا أني إذا كنت لا أخذ أجرًا على نصيحتي، فهذا دليل على صدقي معكم.


        

ثم يقول تعالى (وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ ﴿٥٢﴾
هذا الخطاب من هود -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه كان في مرحلة متأخرة من الدعوة، يعنى بعد أن بعد أن ظل يدعو قومه سنوات طويلة، ولم يستجب له الا عدد قليل.
فعاقبهم الله تعالى بأن حبس عنهم المطر، واعقم أرحام نسائهم ثلاثة سنوات كاملة.

        

وهذا من سنن الله تعالى مع الأمم الكافرة المعاندة، أن يبتليهم بأنواع من البلايا لعلهم يتبون ويرجعون اليه تعالى.
قال تعالى في سورة السجدة (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون)
(وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ) يعنى المصائب في الدنيا (دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ) يعنى يوم القيامة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون) لَعَلَّهُمْ يتوبون ويَرْجِعُون الى الله.
وحدث هذا مع قوم فرعون، قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)
وهذا حتى مع المؤمن إذا بعد عن الطريق المستقيم، والله تعالى يحبه، فيبتليه حتى يعود اليه.

        

فحبس الله -تعالى- عن قوم عاد المطر وأعقم أرحام نسائهم لعلهم يتوبون الى الله ويرجعون اليه.
وهذا الابتلاء جاء في صميم حياتهم، لأنهم كانوا أهل زرع فكان الماء هو أهم شيء عندهم، وكانوا معتزون بقوتهم فكان انقطاع النسل يضعفهم لأنه يقلل أعدادهم.

        

هنا يوجههم هود كيف يرفع الله عنهم هذا البلاء فيقول:
(وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ) 
يعنى يرفع الله عنكم هذه الشدة بالاستغفار والتوبة.
استغفروا من الذنوب الماضية، ولا تنشأوا ذنوبًا جديدة.
والذنب هنا هو الشرك بالله فهو يأمرهم بأن يتركوا عبادة الأصنام، وأن يعبدوا الله وحده.

        

يقول تعالى (وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا)
(مِّدۡرَارا) يعنى كثيرًا متتابعًا، وهي من در اللبن في الضرع.
(يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا) يعنى يُرۡسِلِ عَلَيۡكُم المطر كثيرًا متتابعًا
(وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ) 
تزدادون قوة الى قوتكم، قيل يعنى بكثرة الأولاد.
(وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ) 
والتولي: هو الإِعراض عن الشيء بإصرار وعناد.
يعنى ولا ترفضوا الإيمان وتعرضوا عنه (مُّجْرِمِينَ) يعني: مصرّين على كفركم وإجرامكم.


        

وهذه الآية تدل على أن الاستغفار سببًا في زيادة الرزق، وسببًا في قوة البدن.
روي أن رجلًا جاء الى الحسن بن على -رضى الله عنهما- وقال له: إني رجل ذو مال ولا يولد لي، فعلمني شيئاً لعلّ الله يرزقني ولداً، فقال: عليك بالاستغفار، فكان يكثر الاستغفار حتى ولد له عشرة بنين، فعاد الرجل وسأل الحسن ممَّ قلت ذلك، فقال له: ألم تسمع قول هود عليه السلام (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ) وقول نوح عليه السلام (وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ)

        

أرسل شاب سؤالًا الى أحد مواقع الفتاوي، يقول أنا شاب أمارس رياضة كمال الأجسام، فهل إذا داومت على الاستغفار هل هذا يعطيني قوة في جسدي تساعدني على ممارسة هذه الرياضة.
وكانت الإجابة هي نعم الإستغفار يزيد الإنسان قوة، واستشهدوا بهذه الاية الكريمة التى معنا: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ)

        

وذكروا ما قاله ابن القيم في "الوابل الصيب" قال:
أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في مشيته وكلامه وإقدامه وكتابته أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة - يعني في أسبوع – أو أكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرا عظيما.
ثم يقول: وقد علم النبي ﷺ ابنته فاطمة وعليا -رضي الله عنهما- عندما سألته خادمًا، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين، ويحمدا ثلاثا وثلاثين، ويكبرا أربعا وثلاثين، وقال: (إنه خير لكما من خادم) فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في بدنه مغنية عن خادم" انتهى

        

سيدة شابة أم لأطفال تقول: أنا جسمي هزيل جدا وضعيفة جدا ولا أتحمل الصيام أبدا رغم أني شابه، وعندما اكون صائمة لا أستطيع أن أتحرك من فراشي بعد العصر، وبعد الفطور لا أستطيع أن أصلى التراويح، وروحت اى أطباء كثيرين وكل طبيب يقول شيء، ويطلبون تحليلات، ويصرفون لي أدوية وفيتامينات. 
حتى قرأت عن فضل الإستغفار، فبدأت استغفر بعد كل صلاة 200 استغفار، واستغفر ايضًا في كل وقت. 
والآن ما شاء الله، أنا أصوم ومحتفظة بقوتي حتى قبل الأذان، وأنا الذي أعمل الفطور، واشتريت ملابس العيد لأولادي قبل الفطور في رمضان، وأصلى التراويح والتهجد أيضًا.

        

سيدة مطلقة تعول ثلاثة أطفال صغار، تقول طليقي لا ينفق علينا، وأنا لا أستطيع أن أعمل لأن أطفالي صغار، وتقول إن مصدر دخلي الوحيد هو الاستغفار، يأتيني رزقي ممن أعرف ومن لا أعرف، حتى أني أعيش في مستوي يعتبر مرتفعًا نوعًا ما، وذلك بفضل الاستغفار.
        

رجل يقص أنه مر بأزمة مالية، واحتاج الى مبلغ 20.000 ريال، ويقول الأصدقاء المخلصين حولي، ولكن خجلت أن أطلب من أحد منهم، يقول فأكثرت من الاستغفار، وبعد خمسة أيام وجدت عملي السابق والذي تركته منذ سنتين يتصل بي، وقالوا لي: حصل خطأ في تصفية حقوقك، طبعًا اعتقدت أنهم سيقولون صرفنا لك زيادة، ونريد الفرق، قلت: خير، قالوا: لقد بقي لك مبلغ 52.000 ريال، تعال في أي وقت واستلم الشيك.


        

لماذا هذه الأسرار العجيبة للاستغفار.
البعض وضع تفسيرات مادية لأثر الأستغفار، فقال عندما تستغفر تشعر بطمئنية في النفس، لأنك تشعر ان ذنبك لن تعاقب عليه من الله، وبالتالى هذه السكينة في النفس، يكون لها أثر ايجابي على جسم الإنسان.
ونقول اذا كان الأمر كذلك، فما علاقة الإستغفار مثلًا بزيادة الأمطار أو سداد الديون.
دعنى أقول لك التفسير الصحيح لاسرار الإستغفار.
لأن كل ما يصيب الإنسان من صعوبات أو شدائد سواء في جسده أو ماله أو اي شيء هو بسبب الذنوب
قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )
وقال تعالي (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)
فاذا استغفر العبد، تمحي هذه الذنوب التي هي سبب الشدائد، فترفع هذه الشدائد.

        

(قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَة وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ ﴿٥٣﴾
قالوا: يا هود أنت لم تأتينا بحجة واضحة تقنعنا بها، ولم تأت بدليل على صدق كلامك، ولم تأت بمعجزة تدل على صدق نبوتك.
(وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ) يعنى لن نترك آلهتنا لمجرد كلامك الذي ليس فيه أي دليل.
ثم أكدوا إصرارهم على كفرهم، وقالوا (وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ) لن نصدق أبدًا ما تدعيه من أنك رسول.

        

(إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءۗ .......)
هنا تبدأ الدعاية الكاذبة ضد هود -عليه السلام- فقالوا: (إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓء)
يعنى عاقبتك الآلهة لأنك ترفض عبادتها بأن اصابتك بالخبل والجنون، وهذا الذي جعلك تقول هذا الكلام.
وهذا الاتهام بالجنون يوجه الى كل رسول، كما اتهموا نوح -عليه السلام- وكما اتهموا الرسول ﷺ مع أن رسل الله هم أكمل الخلق عقلًا.

        ❇ط

(قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ﴿٥٤﴾ مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿٥٥﴾
يقول هود أنه يتبرء من شركهم ومن عبادتهم للإصنام، ويوثق هذه البراءة باشهاد الله -تعالى- واشهادهم، ثم يتحداهم بهذا الإشهاد، حتى يثبت عجز آلهتهم.
وهذا مثل رجل يتحدي خصمه ويقول هل أنا قلت فيك كذا وكذا وفعلت كذا وكذا.. فافعل ما بدا لك.
فهود -عليه السلام- يقول لهم متحديًا حتى يثبت عجز آلهتهم :
أنا أشهد الله وأشهدكم أني بريء من شرككم ومن عبادتكم لهذه الأصنام.
(فَكِيدُونِي جَمِيعا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ)
فاتحدوا جميعًا واستعينوا بآلهتكم، واتحداكم أن تستطيعوا قتلى أو الحاق الضرر بي.
والكيد هو التدبير بخفاء، فكأنه يقول لهم أنتم لا تستطيعون مواجهتي، ولكان احتالوا في الحقا الضرر بي ولن تنجحوا في ذلك.
(ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ) يعنى لا يؤجلوا هذا الأمر وافعلوه الآن.
وهذا امعان في التحدي.
يقول الزمخشري في تفسيره "الكشاف": وهذا من أعظم الآيات، أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه، يرمونه عن قوس واحدة وذلك لثقته بربه، وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم. 

        

(إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيم ﴿٥٦﴾
يبين هود سبب قوته وسبب ضعفهم وعدم مبالاته بهم، فيقول: (إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ)
يعنى أنا اعتمدت وفوضت أمري لله الذي هو مالك أمري ومالك أمركم.
(مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآ)
يعنى كل مخلوق على وجه الأرض تحت إرادة الله وقهره وسلطانه.

        

التعبير (ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآ)
الأخذ هو تناول الشيء عن طريق الغلبة والقهر.
والناصية هي مقدم الرأس.
كانت العرب تقول: ناصية فلان بيد فلان، يعنى خاضع وذليل له.
وكانوا إذا أسروا أسير وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره.
فقوله تعالى (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآ)
يعنى أنتم مهما بلغتم من القوة والبطش، فما أنتم إلا دواب خاضعين لله مقهورين له. 
ثم يقول: (إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
يعنى إِنَّ رَبِّي لا يقضى الا بالحق والعدل، وما دام الأمر كذلك فلن يسلطكم علىَّ، لأنه حاشاه أن يسلط من كان متمسكًا بالباطل من أعدائه على من كان متمسكًا بالحق من أوليائه.


        

ولم يقل هود هنا: إِنَّ رَبِّي وربكم على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وانما قال (إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
اشارة إلى أن لطفه -تعالى – سيشمله هو وحده دونهم.

        

يقول الفخر الرازي
أنه تعالى لما قال (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآ) أشعر ذلك بقدرة عالية وقهر عظيم فأتبعه بقوله:(إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) أي أنه وإن كان قادرا عليهم لكنه لا يظلمهم ولا يفعل بهم إلا ما هو الحق والعدل والصواب.

        

اذن هود بكلمات رزينة رصينة يقول لهم أنا فوضت أمري لله، والله تعالى الذي فوضت أمري اليه -شئتم أن أبيتم- هو مالك أمري وأمركم، وليس هناك مخلوق على وجه الأرض الا تحت قهره وسلطانه ومشيئته، وهو تعالى لا يحكم الا بالحق والعدل، ومن أجل ذلك فأنا لا أبالي بكم، وأثق من أنه تعالى- سينصرني عليكم.
        

وهذه من أعظم الدروس في قصة هود، وهي شجاعة أهل الحق في مواجهة اهل الباطل، فهود رجل واحد، يواجه بمفرده امة، هي من أكثر الأمم غلظة وبطشًا وطغيانًا.


        

(فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡ‍ًٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظ ﴿٥٧﴾
يحذر هود -عليه السلام- قومه من سوء عاقبة اصرارهم على الكفر، فيقول: (فَإِن تَوَلَّوۡاْ) يعنى: فَإِن تتَوَلَّوۡاْ، فان رفضتم الإيمان، وأصررتم على الكفر.
(فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡ)  
فقل لهم: قد أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡ من ربكم كاملًا، وقامت وثبتت عليكم الحجة.
(وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ) وسيهلككم رَبِّي، ويأتي بقوم آخرين. 
(وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡ‍ًٔاۚ) يعنى ان أهلككم لن تقدروا على ان تضروا الله بأي شيء.
(إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظ) 
يعنى حفيظ لأعمالكم وسيجازيكم عليها.
وهو الذي يحفظني من أن تنالوني بسوء.

        

(وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَة مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظ ﴿٥٨﴾
(وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا) وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا بإهلاك قوم عاد.
(نَجَّيۡنَا هُودا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ) قيل إن عددهم كان أربعة آلاف، وقيل أن هود اعتزل وما معه من المؤمنين في مكان فلم تصبهم الريح كما اصابت قومهم.
(بِرَحۡمَة مِّنَّا) يعنى بِرَحۡمَة مِّنّ الله، لأن الله هو الذي وفقهم للإيمان وعصمهم من الكفر.
أو أن القصد هو ان النجاة لا تكون الا برحمة الله لا بعمل العبد.
ومنه قول الرسول ﷺ: لا يدخل أحد الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمته. والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

        

(وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظ) أي نجينا المؤمنين مِّنۡ عَذَابٍ شديد، وهو العذاب الذي نزل على الكافرين من قوم عاد.
وقيل: العذاب الغليظ هو العذاب يوم القيامة.
اذن وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظ، وهو ما استحقه قوم عاد من عذاب في الدنيا والآخرة‏.
ووصف العذاب بأنه غَلِيظ، ليتناسب مع جو القصة، وما عرف عن قوم هود من ضخامة الأجسام، ومن بطشهم بأعدائهم.

        

وقد كان عذاب قوم عاد بالريح الباردة الشديدة العاتية التي سخرها الله عليهم لا تتوقف ولا تفتر لمدة ثمانية أيام كاملة.
قال تعال في سورة الأحقاف (فلما رأواه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا * بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم)
وقال تعالى (وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)
وهذه الريح من شدتها هدمت مساكنهم وطمرتها بالرمال، وكان تحمل الرجل منهم فترفعه حتى تلقيه على الأرض.
وهذه من سنن الله في كونه أن يهلك أكثر الناس طغاينًا بأقل جنوده شأنًا.
فأهلك قوم عاد الذين كانوا يقولون (من أشد منا قوة) وأهلك قوم نوح وقوم فرعون بالماء، أهلك قوم ثمود بصيحة.
نجد رجل يدخل الى مكان عمله فيقيم الدنيا ولا يقعدها، ثم يقضى عليه ويلقيه في فراشه فيروس لا يري بالعين المجردة
وننوه الى أن ما ينشر على صفحات الانترنت من صور لمدينة (ارم) أو صور لهياكل عظمية عملاقة، هذه الصور غير حقيقية.


        

يقول تعالى (وَتِلۡكَ عَاد جَحَدُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد ﴿٥٩﴾ 
(تِلۡكَ) اسم إشارة للبعيد، تحقيرًا لهم، وتهوينًا من شأنهم 
كما نقول: هذا الذي كان يفعل كذا وكذا.
يقول تعالى (جَحَدُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ) 
والجحود هو الانكار للحق الواضح.
فهؤلاء كذبوا بآيات رَبِّهِمۡ وهو الحج والبراهين الواضحة التي جاء بها نبيهم.
(وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُ)  
يعنى وَعَصَوْاْ نبيهم هود -عليه السلام- 
وقال تعالى (رُسُلَهُ) لأن من كذب رسولًا كأنه كذب كل الرسل، لأنهم جاءوا جميعًا برسالة واحدة، وهي عبادة الله وحده، وهذا للتشنيع عليهم، كأنهم لم يعصوا رسولًا واحدًا، ولكنهم عصوا كل رسل الله.
(وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد) 
يعنى وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ رؤسائهم وسادتهم من أهل التكبر والعناد.
ويقال جبار لأنه يجبر الناس على ما يريد.
والعنيد هو الذي لا يقبل الحق وان عرفه.
وكان التجبر والعناد من خلق قوم عاد لقوتهم، واغتراراهم بقوتهم.

        

(وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَة وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدا لِّعَاد قَوۡمِ هُود ﴿٦٠﴾
هذه هي ختام قصة قوم "عاد" مع نبيهم "هود" -عليه السلام- 
(وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَة وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ)
يعنى هلكوا وهم مشيعين ومتبوعين بلعنة وغضب وسخط من الله تعالى، ولهم يوم القيامة مثلها
وقيل في هذه الاية: لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ بَعْدَ عادا إِلَّا لُعِنَتْ عَادٌ عَلَى لِسَانِهِ.

        

(أَلَآ إِنَّ عَادا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡ) 
يعنى: كَفَرُواْ برَبَّهُمۡ
ويقول ابن عباس: كفروا بما كانوا فيه من نعيم.
والكفر بالنعمة هو أن تستخدم نعم الله في معصية الله بدلًا من أن تستخدم في طاعته.
(أَلَا بُعۡدا لِّعَاد قَوۡمِ هُود) 
يعنى أبعدهم الله من الخير.

        

وقصة نبي الله "هود" مع قومه "عاد" من الإعجاز الغيبي في القرآن، لأن قصة نبي الله "هود" مع قومه "عاد" وكذلك قوم "ثمود" الذين جاءوا بعد قوم عاد، لم يأت لهم ذكرهم لا في التوراة ولا في غير ذلك من كتب البوذيين أوالهندوس.
وهذا فيه الرد على الذين ادعوا أن الرسول ﷺ قد نقل قصص الأنبياء من الكتب السابقة.
ويأتي العلم الحديث ليثبت كل ما ذكره القرآن الكريم من قصة قبيلة "عاد"


        

والقصة أن بعض المفكرين والسياسيين قالوا أن الحروب القادمة ستكون حروب على المياه، لأن كمية المياه ثابتة وعدد البشر يزداد، فلابد أن يقتتل الناس على الماء في النهاية، فبدأ الأمريكان يهتموا بالبحث عن المياه، وأرسلت وكالة "ناسا" الفضائية مكوك فضاء خاص للبحث عن المياه في أماكن كثيرة من العالم، فوجدوا تحت رمال الربع الخالي -وهي كما ذكرنا من أكثر المناطق جفافًا في العالم- وجدوا فيها مجريين لنهريين جافين، وهذان النهران يصبان في بحيرة عملاقة، وأن هذه المناطق كانت خصبة جدًا، وكانت مغطاة بالخضرة، بل وجدوا فيها رسوم لأسود مما دل على وجود غابات في جبال هذه المنطقة، وقدر العلماء عدد الذين عاشوا في هذه المنطقة بـ 200.000 شخص وهو عدد كبير جدًا بالنسبة لهذا الوقت من تاريخ العالم، وقال البحث أن هناك آثار في هذه المنطقة لحضارة هي من أعظم وأغني الحضارات القديمة. 
        

واستعانت وكالة "ناسا" بعلماء التاريخ وعلماء الآثار وعلماء الجيلوجيا وعلماء الدين، للبحث عن إجابة لسؤال هو: ماذا يمكن أن تمثل هذه الآثار ؟ فأجمعوا على أنها آثار قوم عاد الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم. لأن قوم "عاد" كما ذكرنا لم يأت ذكرهم في أي كتاب من الكتب السابقة.
ثم كتبوا تقريرًا بعنوان "الرحلة عبر الجزيرة العربية" 
وتحت هذا العنوان كتبوا ما بين قوسين:"ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها في البلاد" وهذه هي الآيتين 7 و8 من سورة الفجر.

        

والأعجب أن التقرير ذكر أن هذه الحضارة العظيمة طمرتها عاصفة رملية غير عادية، وأن العلم لا يستطيع أن يفسر لنا من أين جاء هذا الكم الهائل من الرمال في الربع الخالي، والذي يمثل 1000 كم مربع من الرمال شديدة النعومة والتي يتراوح سمكها من 4 أمتار الى 20 متر.
وهذا يتطابق مع ما جاء في القرآن العظيم، من أن قوم عاد أهلكوا بريح قوية عاتية، سخرها الله -تعالى- عليهم ثمانية أيام، قال تعالى (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَة)

        

ولكن الأمر السيء، أن التقرير ذكر في نهايته أن هناك عدد من العلماء يزيد عددهم عن ثلاثين عالمًا، قد كلفوا بالبحث عن المدينة صاحبة هذه الحضارة والتى ذكرت في القرآن العظيم.
وعندما اطلع الدكتور الفاضل والعالم الكبير/ زغلول النجار على أسماء هذه القائمة من الباحثين، وجد أنهم كلهم من اليهود، فارسل الى السلطات السعودية يحذرهم من السماح لهذا الفريق بالقيام بالبحث في صحراء الربع الخالي، وبالفعل استجابت السلطات السعودية ومنعتهم من الدخول.
ولكن لم ييأس هؤلاء اليهود، فلجئوا الى سلطنة "عمان" وللأسف استجابت لهم السلطات في "عمان"   وبدأوا يتحركوا عن طريق سلطنة عمان، خصوصًا أن الحدود بين السعودية وعمان في هذه المنطقة مفتوحة لأنها منطقة خالية ولا فائدة منها، وبدأت البعثة في العمل، وهي تعمل في هذا المكان منذ أكثر من 20 سنة، والملفت للنظر أنه ليس عندهم أي أبحاث منشورة عن اكتشافاتهم الا مقالين أو ثلاثة في بعض الجرائد، وهذا يدل على أن ما يتم التوصل اليه لا يتم الاعلان عنه، لأن الكشف عن مدينة عاد هو دليل واضح جدًا على صدق القرآن وعلى ضياع أصول التوراة والانجيل. 
وفي النهاية نرجو ان يتولى المسلمون بأنفسهم البحث عن آثار حضارة قوم عاد، ومدينة (ارم ذات العماد) والتي أطلق عليها المدينة المفقودة او المدينة الضائعة، لأن هذا الأمر يعنينا نحن كمسلمون، والآثار في بلادنا، ولا سيما أن البحث عن هذه الآثار لا يحتاج الى تقنيات متقدمة. 

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇