Untitled Document

عدد المشاهدات : 108

الحلقة (566) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات (3) و(4) و(5) من سورة "هًود"- (وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ….

الحلقة رقم (566)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

تفسير وتدبر الآيات (3) و(4) و(5) من سورة "هًود"- ص 221
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ ﴿٣﴾ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴿٤﴾ أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿٥﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ ﴿٣﴾
الاستغفار هو طلب المغفرة من الذنوب.
والتوبة: الإِقلاع عن الذنب.
ولذلك قال تعالى (وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ) لأن العبد اذا وقع في الذنب، فانه يستغفر من الذنب أولًا ثم يتوب من هذا الذنب.
ولكن اذا استغفر من الذنب، دون التوبة من هذا الذنب، يعنى دون ان ينوي الإقلاع عن الذنب، فاستغفاره غير مقبول ، وهو كالمستهزيء بربه تعالى.
كما قال العلماء: الإٍستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ) فان ان فعلتم (يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى) يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا في الدنيا (إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى) إِلَىٰٓ انتهاء آجالكم.
وهذا مثل قوله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
وفي سورة طه (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ)
ليس معنى هذا أن المؤمن لا يصاب بالشدائد، المؤمن يصاب بالشدائد والمصائب والإبتلاءات.
ولكن المؤمن يعلم أن كل مصيبة في الدنيا، بل الشوكة يشاكها -كما قال الرسول ﷺ- له عليها أجر، وذلك فهو يستقبل قضاء الله بنفس راضية.
والمؤمن يعلم أن هذه الحياة الدنيا قصيرة، وهي دار ممر وليس دار مقر، وهي عنده محتقرة لا قيمة لها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هب ان رجلًا فقيرًا كثير العيال، لا يجد ما يطعم به عياله، أو يعالجهم، أو يدخلهم مدارس، يسكن في غرفة ضيقة ليس فيها شيء، وبينما هو جالس في بيته، واضعًا يده على خده، وجد من يطرق عليه الباب، ويقول له ان عمك الغنى الذي في البرازيل مات وأنته وريثه الوحيد، وقد ورثت عنه مليار دولار، كيف ستكون فرحة هذا الرجل، واذا قيل ان اجراءات الميراث ستستغرق حتى يتسلم هذه الأموال فقط ستة أشهر، كيف ستكون حياة هذا الرجل في خلال الستة أشهر، ستختلف تمامًا عن حياته قبل أن يعرف أن هذه الأموال ستؤل اليه، ربما لا يعرف أن ينام من فرط السعادة، لن يزعجه أنه سينام جائعًا لأنه يعلم أنه بعد ستة أشهر سيأتي بالطعام الذي يريده، ربما بطائرة خاصة من فرنسا.
ان حال المؤمن المبتلى في الدنيا كحال هذا الرجل، هو يعيش في ضيق، ولكنه ينتظر ثواباً عظيماً خالداً من الله سبحانه وتعالى، ونعيمًا أعظم كثيرًا من أي نعيم في الدنيا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن فالمؤمن حين يصاب بمصيبة من مصائب الدنيا، فانه يستحضر ثواب الصبر عليها، ولذلك نجد البعض حين تأتيه مصيبة مصائب الدنيا يحمد الله عليها، بل ويسجد لله شكرًا، لأنه يستحضر ما سيأتيه من الخير والثواب حين يصبر على هذه المصيبة.
بعدما أصاب المسلمون الهزيمة في أحد، وقتل سبعون من صحابة رسول الله، منهم "حمزة" أسد الله وأسد رسوله، ويقف الرسول ﷺ "ما وقفت موقفًا أغيظ عى من هذا" ويصلى الرسول ﷺ صلاة الظهر قاعدًا من الجراح التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعودا، وبعد انقضاء الصلاة، يقول الرسول ﷺ "استووا حتى أثني على ربي ـ عز وجل" ويبدأ ثنائه فيقل: "اللهم لك الحمد كلُّه، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لما هديت، ولا معطى لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مُقرِّب لما بعدت"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعض الأخوة ذهبوا لزبارة أخ لهم في الله مريض، وهو ملازم الفراش منذ سنوات، ولا ينتظر أن يشفي هذا المرض، ففوجئوا بأنه يستقبلهم وهو مبتسم، ولا يتوقف لسانه عن الحمد، متفائل جدًا، مع أنه ليس هناك شيء في مرضه بدعو للتفائل، ولكنه متفائل لأنه مستحضر ثواب الصبر على ما هو فيه من البلاء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يروي لنا أحد الأطباء أن رجلًا مسنًا دخل المستشفي وهو مصاب بمرض مميت، وكان عصبيًا جدًا، لا يتوقف عن الصراخ وكان يشتم ويسب كل من يدخل عليه لمتابعة حالته الصحية فكان يشتم الممرضات وعمال النظافة والأطباء، حتى كانوا يكرهون الدخول عليه، ثم مات هذا الرجل، ودخل الغرفة بعده رجلًا مسنًا آخر، مصاب بنفس المرض، ولكنه كان على النقيض، هادئًا، اذا تألم لا يصرخ، وانما يطلب العلاج أو المسكن برفق، ويبتسم في وجه كل من يدخل عليه، ويدعو لهم، ويعتذر اليهم لأنه يتعبهم ويثقل عليهم، ويغدق من أمواله على عمال النظافة، فكانوا جميعًا يحبون أن يدخلون الى غرفته، ثم مات هذا الرجل.
ما الفرق بين الرجل الأول والثاني، الإثنين عانا من نفس المرض ونفس الآلام، ونفس مرارة انتظار الموت.
ولكن الأول لم يكن مؤمنًا، فكانت الحياة عنده هي كل شيء، ولذلك كثير من الملحدين أو ضعيفي الإيمان، عندما يصاب بمرض قاتل، يقدم على الإنتحار.
أما الرجل الثاني فهو مؤمن، ويعلم أن الحياة كده كده قصيرة، كده كده حتنتهي، وأنه مقبل على حياة أبدية، وجنة عرضها السماوات والأرض، وكل ألم يشعر به في صحيفة حسناته، ومغفرة لذنوبه، وترفع درجته في الجنة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إذن فالمؤمن الذي يعيش في منهج الله -تعالى- فهو يستحضر في كل أمر مؤلم، أن له جزاءً على ما يناله من الألم.
اذن (وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى)
(يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا) كما جاء في تفسير النكت والعيون للماوردي: الرضا بالميسور، والصبر على المقدور .

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اجتمع اثنين من الأولياء في موسم الحج، وهما شقيق البلخي وابراهيم بن أدهم، ففال ابراهيم بن أدهم لشقيق: كيف حالكم في بلادكم أيها الفقراء؟
يقصد بالفقراء العباد الزهاد، فقال شقيق: أنا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا، قال له ابراهيم: كذلك تفعل الكلاب يا شقيق، فقال له شقيق: فكيف حالكم أنتم؟
قال ابراهيم بن أدهم : نحن إذا رُزقنا آثرنا، وإذا مُنعنا شكرنا وحمدنا، فقال له شقيق: يا أستاذ، أنت أستاذنا. (لأن الحمد يكون على النعمة، وهم ينظرون الى هذا المنع على انه نعمة)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك معنى آخر أن الإستغفار له علاقة بسعة الرزق: (وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا)
قال أحدهم للإمام الحسن البصري: يا إمام إنّا نشْكو قحْط السماء، فقال: اسْتَغفروا الله، فجاءه رجل آخر: وقال: يا إمام إنِّي أشْكو الفقر، فقال: اسْتغفر الله، وجاء رجلٌ ثالث فقال، إنَّ زوجتي لا تُنْجب فقال: اسْتغفرا الله، فقال بعض من حضر هذا الكلام: يا إمام أو كُلَّما جاءك رجلٌ وشكا لك همَّه تقول له : اسْتغفر الله ؟! فقال له اقرأ قوله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12) ﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك قصص كثيرة لا حصر لها عن بركة الإستغفار.
كنت سويت درس "قصص عن الإستغفار" كانت في قناة الفتح، ساضع الرابط.
ولكن هناك ناس كثيرة حلت مشاكلها كلها بالإستغفار، هناك شباب تفوقوا ونجحوا في حياتهم بالإستغفار، هناك بنات تزوجوا بالإستغفار، هناك من أنجب بالإستغفار.
فتاة تأخر زواجها، دوامت على الإستغفار، في خلال شهرين تزوجت شاب، فتى أحلامها كما يقولون، ثم تأخرت في الإنجاب، فداومت على الإستغفار، في خلال شهور كانت حامل، ثم كانت قلقة من الولادة، وآلام الولادة، فداومت على الإستغفار فكانت الولادة سهلة، تقول مكثت في غرفة العمليات ربع ساعة، وكانت الولادة تمت.
رجل كانت زوجته لا تنجب، فداوم هو وزوجته على الإستغفار حملت زوجته، ورزقا بمولود، ثم أرادا ولد آخر، فاخذا يستغفر، وكلما أرادا ولد يستغفران، حتى رزقا باربعة من الأولاد، ثم قال لزوجته نريد بنت، نستفغر بنية أن نرزق ببنت، ففعلا فرزقا ببنت.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول إبليس –لعنه الله- : أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥ) يعنى ويعطي كل صاحب عمل صالح، جزاء عمله .
(وَيُؤۡتِ) يعني يعطي (كُلَّ ذِي فَضۡلٖ) لكل صاحب عمل صالح (فَضۡلَهُۥ) فضل الله -سبحانه وتعالى- وهو الثواب الجزيل على هذا العمل يوم القيامة.
وقال بعضهم: المُطلَق على إطلاقه، وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُ في الدنيا والآخرة، إذا فعلتَ الخير في الدنيا تلقاه في الدنيا والآخرة، لذلك من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ)
(وَإِن تَوَلَّوۡاْ) وان رفضوا الإيمان وأصرواعلى الكفر
(فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ) وهو يوم القيامة.
وسمي يوم القيامة.بيَوۡمٖ كَبِير لكبر وعظم ما فيه. لأن فيه أهوالا شديدة;

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن هناك وعد وهناك وعيد
الوعد (يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ ، والوعيد: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴿٤﴾
المرجع هو الرجوع الذي لا مفر منه.
وهذا تحذير آخر، بعد التحذير السابق.
يعنى الى الله -وحده- رجوعكم، مهما طالت حياتكم، وسيحاسبكم على اعمالكم، ويجازيكم عليها، 
وهو -تعالى- عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ، لا يعجزه أمر، ولا يحول بينه وبين نفاذ إرادته حائل.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿٥﴾
نزلت في جماعة من المشركين، كانوا لشدة عداوتهم وكراهيتهم للرسولَ الله ﷺ وللقرآن، اذا مروا به بالرسول ﷺ وهو يقرأ القرآن، يحنون ظهورهم، ويضعون ثيابهم على رؤسهم حتى لا يسمعوا شيًا من القرآن.
وهم في ذلك مثل قوم نوح، قال تعالى 
(وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوله تعالى (يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ) يحنون ظهورهم، لأن الإنسان اذا حنى ظهره فانه يثنى صدره.
لمذا هذا التعبير (يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ) ولم يقل يحنون ظهورهم؟
لأن من معاني ثنى الصدر، هو الميل بالصدر الى ناحية أخري.
فكأنهم حين يمرون على الرسول ﷺ وهو يقرأ القرآن، من شدة نفورهم من القرآن، يحنون ظهورهم، ويميلون بصدورهم الى الجهة الأخري.
وليس هناك تعبير يمكن أن يصور هذه الفعل أو الحركة النافرة من أجسامهم الا هذا التعبير (أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن بلاغة القرآن أنه لم يقل أنهم يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ، ولكن لما قالت الآية (أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ) علم أنهم يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ، يعنى يغطون وجوههم بثيابهم.
اقرأ الآية (أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقوله تعالى (لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُ) الإنسان يستخفي من شيء يخاف منه، كأنهم يخافون من عرض القرآن على عقولهم، يهربون من هذه المواجهة مع القرآن.
وهذا مثل قوله تعالى في سورة فصلت (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) كانوا اذا قرأ الرسول ﷺ القرآن غلوشوا عليه حتى لا يسمع أحد القرآن.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ)
والله مطلع على ما في نفوسهم، والله يعلم ما يسرُّون وما يعلنون.
هذا من التهديد لهم، لأن هؤلاء  المشركين كانوا غير مدركين لصفات الله تعالى، ولا يعلمون أن الله -تعالى- (سميع بصير) يسمع ويري : دَبيب "النّملة" السَوداء، على الصّخرةِ الصمّاء ، في اللّيلةِ الظلمَاء .
(عليم) (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا) يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه، ويعلم كم انقلبت ظهرا لبطن إلى أن سقطت على الأرض.
المشركون لا يدركون هذه الصفات لله تعالى، ولذلك فالله تعالى يقول لهم .(أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ)
وذات الصدر هو الأمر الذي لم يخرج خارج الصدر أبداً، يعنى سر تخفيه عن الجميع، يعنى لم تقله حتى لأقرب الناس إليك.
هذا هو "ذات الصدر"
(ذَاتِ ٱلصُّدُورِ) هي المشاعر التى في قلبك ولا يطع عليها احد أبدًا.
    أي أنه تعالى عليم بأسرار القلوب.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇