Untitled Document

عدد المشاهدات : 79

الحلقة (562) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (99) الى (103) من سورة "يُونُس"- (وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ ….

الحلقة رقم (562)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (99) الى (103) من سورة "يُونُس"- ص 220
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ﴿٩٩﴾ وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ ﴿١٠٠﴾ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡم لَّا يُؤۡمِنُونَ ﴿١٠١﴾ فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ ﴿١٠٢﴾ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿١٠٣﴾ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ﴿٩٩﴾
كان الرسول ﷺ عنده حرص شديد على ايمان جميع ٱلنَّاسَ.
فيقول تعالى في هذه الآية الكريمة:

(وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ يا محمد.  
(لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًا) لآمن كل مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ رغمًا عنهم.
وكلمة
(جَمِيعًا) للتأكيد، كما قال تعالى في سورة النحل (لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ) 
(لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًا) لآمن كل مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ لن يتخلف عن الإيمان به -تعالى- أي أحد.
ولكن الله تعالى لا يريد ايمان الإجبار، وانما يريد ايمان الاختيار.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل في سبب نزولها أنها نزلت في "أبي طالب" عم الرسول ﷺ، لأن الرسول ﷺ كان شديد الحرص على ايمان عمه "أبو طالب"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ) 
يعنى من شدة حرصك -يا محمد- على ايمان ٱلنَّاسَ، كأنك تريد أن تجبر ٱلنَّاسَ على الإيمان.
مثل تاجر يلح على زبونه حتى يشتري منه بضاعة معينة، فمن كثرة الحاحه يقول له الزبون "هل ستجعلنى اشتري هذا الشيء رغمًا عنى"angry
أو رجل يلح على صديقه أن يخرج معه في سفر، وصديقه لا يريد السفر، فيقول له هذا الصديق: "هل ستجعلنى أسافر رغمًا عنى" 
فهذا سؤال استنكاري لكثرة الإلحاح.
فالله تعالى يعاتب رسوله ﷺ على شدة حرصه على ايمان الكفار المصرين على الكفر.
مع ان الطبيعي أن يكون كل رسول عنده حرص شديد على ايمان قومه، انظر الى نوح -عليه السلام-
(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
والرسول ذكر أحد الأنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وَجْهِهِ، ويقولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ. 
وهذا مثل قول الله تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) وفي سورة الشعراء (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) وفي سورة الكهف (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) يعنى ستهلك نفسك، وتقتل نفسك بسبب عدم ايمان هؤلاء.
أنت تريد يا محمد ان يكون كل الناس على الإيمان، وإذا مرت بك جنازة يهودي تبكي، ونقول نفس تفلتت منى الى النار، والله -تعالى- لم يقدر ذلك، ولو أراد -تعالى- أن يكون كل ٱلنَّاسَ على الإيمان، لخلقهم -مثل الملائكة- مخلوقات طائعة لا اختيار لها، قال تعالى في سورة الأنعام
(ولو شاء الله ما أشركوا) وقال تعالى في سورة هود (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)
ولكن الله تعالى أراد أن يخلق الإنسان مخلوقًا مختارًا، ان شاء آمن وان شاء كفر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ ﴿١٠٠﴾
(وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ) يعنى لن تُؤۡمِنَ نفس الا إذا أذن الله -تعالى- وشاء لها الإيمان، ووفقها الى الإيمان.
(وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ) 
(وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ) وهو الكفر وهو العذاب.
(عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ) ٱلَّذِينَ لَا عقل لهم.
‏ لأن الذي يختار الكفر على الإيمان لا عقل له.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه تتمة للآية السابقة، كأن الله تعالى يقول: لا تجهد نفسك -يا محمد- في طلب هداية هؤلاء الكفار المصرين على الكفر، ولكن بلغهم ما أمرك الله به أن تبلغهم، ثم اتركهم، فان هداهم بيد الله الذي خلقهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡم لَّا يُؤۡمِنُونَ ﴿١٠١﴾
فال المفسرون أن المشركين كانوا يسألون الرسول ﷺ عن الأدلة على وحدانية الله تعالى، فقال تعالي: 
(قُلِ ٱنظُرُواْ) قُلِ -يا محمد- لهؤلاء المشركين (ٱنظُرُواْ) نظر تدبر واعتبار 
(مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ) مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰاوَٰاتِ من شمس وقمر وكواكب ونجوم وأجرام، لا نهاية لها.
(وَمَاذَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ) وَمَاذَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ من أنواع المخلوقات التي لا تعد ولا تحصي.
فهذه كل أدلة على وجود الله تعالى، وعلمه ونفاذ قدرته، وأنه -وحده- المستحق للطاعة والعبادة.
وهي دليل أيضًا على وحدانية الله -تعالى- لأن هذه المخلوقات الكثيرة التي في الكون والتي لا تعد ولا تحصي كلها متكاملة، بحيث لو غاب نوع من الأنواع، لاختل نظام الأحياء كلها. (وهذا باب كبير في علم الأحياء اسمه العلاقات بين الكائنات الحية)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡم لَّا يُؤۡمِنُونَ)
(ٱلۡأٓيَٰتُ) المقصود بها الآيات الكونية، والمعجزات، والآيات المنزلة في كتبه تعالى.
(وَٱلنُّذُرُ) جمع "نذير" فٱلنُّذُرُ هم أنبياء الله ورسله.
 (وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ)
(مَا) هنا، نافية، يعنى (لا تُغۡنِي) يعنى لا فائدة، من الآيات أو من ارسال الرسل (عَن قَوۡم لَّا يُؤۡمِنُونَ) لقوم كتب الله في علمه أنهم لن يُؤۡمِنُونَ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ ﴿١٠٢﴾
وكلمة (أَيَّامِ) تطلق على الوقائع والأحداث الهامة والملفتة، فكانت العرب تقول: يوم بُعَاث" و"يوم أوطاس"، أو تقول "فلان عالم بأيام العرب" يعنى عالم بالوقائع والأحداث الهامة في تاريخ العرب، وهناك كتاب مشهور أسمه "أيام العرب في الجاهلية"
فقوله تعالى
(فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡ)
يعنى ماذا يتوقع هؤلاء المكذبون لك الا أن يصيبهم مثل ما أصاب المكذبين لرسلهم من الأمم السابقة.
(ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ) ٱلَّذِينَ مضوا من الأمم السابقة الكافرة، مثل أقوام نوح وعاد وثمود.

(قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ) 
يعنى اذا كنتم متوقعين شيء بخلاف ذلك، فانتظروا وسأنتظر معكم، وسنري اذا كان سيتحقق ما توعدتكم به أم ألا.
ولذلك فان
(فَٱنتَظِرُوٓاْ) فيه تهديد لهم، و (إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ) فيه بشارة للرسول ﷺ وللمؤمنين بالنصر

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿١٠٣﴾
هذه تتمة للآية السابقة، ولذلك بدأ الاية بحرف العطف
(ثُمَّ)
يعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين المعاندين، انتظروا مثل أيام الذين خلوا من قبلكم الذين هلكوا بعذاب الله، فاذا وقع عليهم هذا العذاب، نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ، ولا يقع الهلاك الا على الكفار فقط.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
واذا كانت تتمة للآية السابقة عليها، فلماذا جائت في آية منفصلة ولم تأت ضمن الآية السابقة؟
جاءت هذه الآية منفصلة للدلالة على أن هذه الآية سنة من سنن الله تعالى التي لا تتغير، وهي هلاك المكذبين ونجاة المؤمنين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالي (كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) 
يقول ابن عباس وغيره (حَقًّا عَلَيۡنَا) يعنى واجب عَلَيۡنَا.
والله -تعالى- لا يجب عليه شيء.
يقول ابن كثير في تفسيره:
هو حق أوجبه الله على نفسه الكريمة كقوله
(كتب ربكم على نفسه الرحمة) وكما جاء في الصحيحين أن الرسول ﷺ: قال "إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال البعض أن معنى الوجوب هنا أن الله -تعالى- أخبر بذلك، ولأن الله تعالى لا يخف وعده، فما أخبر به -تعالى- فهو واجب.
اذن هو حق بسبب الوعد، وليس حق بسبب الاستحقاق، لأن العبد لا يستحق على خالقه شيئا.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇