Untitled Document

عدد المشاهدات : 81

الحلقة (559) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات (87) و(88) و(89) من سورة "يُونُس"- (وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ ….

الحلقة رقم (559)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات (87) و(88) و(89) من سورة "يُونُس"- ص 218
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٨٧﴾ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةٗ وَأَمۡوَٰلٗا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ﴿٨٨﴾ قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٨٩﴾ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتا) 
(وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ) يعنى: وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ هارون.
وهذا يعنى أن الوحي كان يأتي هارون كما كان يأتي موسي، لأن "هارون" كان رسولًا، كما كان "موسي" رسولًا، ولهذا يقال أن أعظم شفاعة في التاريخ، هي شفاعة موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأخيه هارون، وأعظم منة أخ على أخيه هي منة موسى على هارون، لأن هارون رزق النبوة، بدعوة أخيه موسي، قال موسي
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتا) 
(تَبَوَّءَا)
يعنى اتخذا  واجعلا.
يعنى أن يتخذا لقومهما بُيُوتا، وهذا يدل على أن بنى اسرائيل، أو أن معظمهم، لم يكن لهم بيوت خاصة بهم، لماذا؟ لأن شعب بنى اسرائيل -والذين كانوا في مصر في ذلك الوقت- كانوا عبيدًا عند المصريين، وكانوا يستخدمونهم في الأعمال الشاقة، فكانت بيوت بنى اسرائيل هي بيوت أسيادهم، والذي يعمل في الزراعة او البناء أو الصناعة، له مكان يأوي اليه بجوار حقله أو عمله أو مصنعه.
اذن لم تكن لبنى اسرائيل بيوت خاصة بهم، أو كانت بيوتهم متفرقة في أرض مصر.
فأمر الله -تعالى- موسي وهارون، أن تكون لبنى اسرائيل بيوتًا خاصة بهم، وأن تكون هذه البيوت في منطقة واحدة، بحيث اذا أمرهم موسي بالخروج من مصر -كما حدث بعد ذلك بالفعل - يتجمعون بسرعة، ودون أن يلفتوا اليهم النظر، خصوصًا أن أعداد بنى إسرائيل حين خرجوا من مصر، على حسب التوراة، كان قد وصل الى ستمائة ألف.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتا)
وكلمة (تَبَوَّءَا) يعنى اختارا مكان هذه البيوت بعناية.
كما قال تعالى
(تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ)
وتوجه الخطاب لموسى وهارون، يعنى اختيار أماكن هذه البيوت اصبح هو مسئولية موسى وهارون.
لأنهما سيختارا مكان بحيث اذا تحركوا للخروج من مصر، لا يشعر المصريون بخروجهم، الا بعد تحركهم بمسافة مريحة بالنسبة لبنى اسرائيل.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة) 
قال العلماء أن بنى اسرائيل، وغيرهم من الأمم السابقة لم تكون صلاتهم الا في معابد خاصة بالصلاة، مثل المساجد عندنا.
بدليل أن الرسول ﷺ قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي (يعنى أشياء لم تكن لأي رسول قبل النبي ﷺ، ولم تكن في أي أمة من الأمم السابقة) وذكر من هذه الخمسة: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فإيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل"، اذن الصلاة في غير المسجد ليست الا عند المسلمون فقط.
يعنى بنو اسرائيل -كما ذكرنا- لم تكن صلاتهم الا في معابدهم، ولذلك بنى "بنو اسرائيل" لأنفسهم معابد حتى يصلوا فيها، فما كان من فرعون الا أن خرب معابدهم، ومنعهم من الصلاة، أو أنه نكل بمن يذهب للصلاة، فأمر الله -تعالى- بنو اسرائيل ألا يتركوا الصلاة بسبب ذلك، وانما يصلون سرًا في بيوتهم، بعيدًا عن أعين فرعون وجنوده، فقال تعالى:
(وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة) مساجد للصلاة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن جاء الأمر بالصلاة في البيوت، بهذا التعبير القرآني الفريد، قال تعالى: (وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة)
والقبلة هي الجهة التى نصلى اليها، وقيل أن قبلتهم كانت الى بيت المقدس، وقيل انها كانت جهة الكعبة.
اذن أمر الله تعالى
(وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة) يعنى أن تكون البيوت في اتجاه القبلة، بمعنى اذا دخلت من باب البيت تكون القبلة في مواجهة باب البيت مباشرة.
مثل المساجد الآن، أي مسجد الآن اذا دخلت من الباب الرئيسي للمسجد، تجد القبلة في مواجهتك مباشرة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا هذا الأمر من الله -تعالى- أن تكون البيوت في اتجاه القبلة؟
حتى لا يشعر بنو اسرائيل بالوحشة عند الصلاة في بيوتهم، فاذا صلى في بيته فكأنه صلى في المسجد.
لأنهم في دينهم -كما ذكرنا- الصلاة لا تكون الا في المساجد، فاذا صلى في غير المسجد ربما يشعر بأنه مقصر.
فجعل الله -تعالى- البيت كأنه مسجد، حتى لا يشعر الواحد منهم بالوحشة في الصلاة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ)
يعنى ولا تفوتوا الصلاة، وحافظوا عليها، يعنى ليس معنى أن فرعون منعكم من الصلاة في المساجد، أن تتركوا الصلاة أو تهملوها، أو تتركوا الخشوع فيها.
لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، فاذا ترك العبد الصلاة، فكأنه قطع هذه الصلة بينه وبين ربه.

(وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ)
وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ بالنصر على أعدائهم.
. عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله، فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أُعْطِيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لَأُبْصِر المدائن، وأُبْصِر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أُعْطيتُ مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد. ولما بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهذه البشريات قال المنافقون: إن محمداً يعدنا بكنوز كسرى وقيصر، ولا يأمن أحدنا أن يخرج إلى قضاء حاجته.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قول الله تعالى (تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة) 
أمر الله تعالى أن يكون لبنى اسرائيل بيوت خاصة بهم، حتى اذا أمرهم -تعالى- بالخروج من مصر، يكونوا متجمعين في مكان واحد، فيستقبلوا الأمر في وقت واحد، ويكون خروجهم دفعة واحدة.
وكلف الله -تعالى- موسي وهارون تكليفًا خاصًا بأن يختارا مكان هذه البيوت، بحيث اذا صدر الأمر بالخروج، لا يشعر بهم فرعون وجنوده الا بعد أن يقطعوا مسافة كبيرة نسبيًا في طريق خروجهم من مصر.
ثم أمرهم تعالى بأن تكون بيوتهم في اتجاه القبلة، لأن فرعون منعهم من الصلاة في المساجد، فاذا كانت بيوتهم في اتجاه القبلة، فكأن كل بيت اصبح مسجدًا للصلاة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وانظر الى تنوع الخطاب في الآية: 
توجه بالخطاب أولًا الى موسي وهارون:
(وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتا) لأن اختيار مكان البيوت -هذا قرار استراتيجي- وهو مسئولية موسي وهارون.
ثم قال تعالى
(وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَة) هنا توجه بالخطاب الى بنى اسرائيل، لأن موسي لن يقوم ببناء كل بيت بنفسه، ولكن كل واحد مسئول عن بناء بيته في اتجاه القبلة كما أمر تعالى.
ثم قال
(وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ) الخطاب لا زال لكل بنى اسرائيل. 
ثم عاد الخطاب، ولكن هذه المرة الى موسي وحده فقال (وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) لأن موسي هو الأصيل في الرسالة، وجاء هارون ليشد عضده.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة وَأَمۡوَٰلا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ﴿٨٨﴾
بعد أن استمر موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- يدعو فرعون وَمَلئه سنوات طويلة، وقلنا أن دعوة موسي لفرعون هو أنه دعاه الى عبادة الله وحده، فاذا رفض ذلك فانه لا يلح في الدعوة، أنت وشأنك، ولكن أترك بنى اسرائيل حتى أخرج بهم من مصر، وجاء موسي بالمعجزات الكثيرة التي تدل على صدق دعوته، ولكن فرعون أصر على الكفر، وعلى منع بنى اسرائيل من الخروج من مصر، وعلى إيذاء المؤمنين وتعذيبهم وفتنتهم عن دينهم، فما كان من موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- بعد سنوات طويلة من دعوة فرعون وَمَلَأَهُۥ، الى أن دعا هذا الدعاء، قال تعالى: 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة وَأَمۡوَٰلا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) 
والزينة هو ما يتزين به الإنسان سواء في الملابس أو وسائل الركوب أو البيوت أوغير ذلك من صور الرفاهية.
فـ
(ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة): يعنى أعطيتهم كل وسائل الرفاهية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَمۡوَٰلا) يعنى فوق هذه الزينة أموال، مثل الآن رجل يسكن في قصر وعنده سيارات وعنده شاليه وطائرة خاصة ويخت، وعنده كل شي، وفوق ذلك عندك رصيد في البنوك بالملايين، معنى ذلك أنه امتلك كل ما يحقق له الرفاهية، ثم عنده فوق ذلك اموال فوق ما يحقق له الرفاهية.
اذن هناك
(زِينَة) وهي وسائل الرفاهية، (وَأَمۡوَٰلا) فوق ما يحتاج من وسائل الرفاهية. 
فكان الفراعنة عندهم هذا وذاك، وذلك وجد علماء الآثار أن الفراعنة كانوا يسرفون في استخدام الذهب، حتى الأسلحة الحربية كان يتم تصنيعها من الذهب.

(وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة وَأَمۡوَٰلا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) 
يعنى أعطيتهم ما يحقق لهم أقصى درجة من درجات الرفاهية، وأعطيتهم فوق ذلك أموال زائدة عن الرفاهية.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

هنا قال موسي (رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة وَأَمۡوَٰلا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا)
لماذا قال موسي (فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) ؟
يعنى موسي يقول أنا لم أقل يا رب (إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة وَأَمۡوَٰلا) انبهارًا بهذه الزينة والأموال، أو اعجابًا بها، أو طلبًا لها، أو تمنيًا أن يكون عنده مثلها.
ولكن هذه الزينة والأموال محتقرة عنده، ولا قيمة لها عندي، بدليل أنها زِينَة وَأَمۡوَٰلا في الحياة الدنيا، يعنى مصيرها هو الزوال، يعنى لا قيمة لها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ)
قيل أن اللام في قوله (لِيُضِلُّواْ) هي لام العاقبة، أو لام الصيروة.
وهي مثل قوله تعالى
(فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) 
لم يلتقطه آل فرعون حتى يكون لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً، ولكن التقطه آل فِرْعَوْنَ، (قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ) فكان عاقبة ذلك أنه أصبح لهم عَدُوّاً وَحَزَناً.
اذن معنى (
رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ)
يعنى يا رب أنت أعطيتهم كذا وكذا وكذا، وكان المفروض أن يقابلوا هذه النعم بالشكر، ولكن كانت عاقبة هذا العطاء هو أنهم ضلوا عَن سَبِيلِكَ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أو أن اللام في (لِيُضِلُّواْ) هي لام التعليل، ويطلق عليها "لام كي"
يعنى أعطيت فِرْعَوْنَ وملئه زِينَة وَأَمۡوَٰلا استدراجًا لهم كي يزدادوا طغيانا على طغيانهم، ثم تأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وهي مثل قوله تعالى
(لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً. لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) اذن: أسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً كي نَفْتِنَهُمْ فِيهِ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومنهم من قال أن اللام لام الدعاء.
(رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَة وَأَمۡوَٰلا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ)
يعنى: يا رب ليثبتوا على ضلالهم، ويزدادوا ضلالًا على ضلالهم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الأقوال الثلاثة كلها تعبر عن شدة غضب موسي من فِرْعَوْنَ وملئه، لأنهم أولًا أصروا على الكفر برغم المعجزات الكثيرة التي جاء بها موسي، وأصروا على استعباد بنى إسرائيل، وعدم السماح لهم بالخروج من مصر، ولأنهم كانوا يعذبون المؤمنين من قومه، ويفتنونهم عن دينهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول موسي: (رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰالِهِمۡ) 
الطمس هو اهلاك الشيء ومحو أثره. 
فدعاء موسي
(رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰالِهِمۡ) يعنى يا رب أن تهلكها وتمحقها وتزيلها من أيديهم، لأنهم يستخدمون هذه الأموال في إيذاء المؤمنين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ)
الشد هو الربط، والربط على الشيء يعنى لا يخرج منه ما هو بداخله، ولا يدخل فيه ما هو خارج منه.
فلا يخرج من قلوبهم الكفر، ولا يدخل فيها الإيمان.
ثم أكد هذا الدعاء فقال
(فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ)
يعنى يظلوا على الكفر حتى ينزل بهم الموت، وطالما نزل بهم الموت، يبدأوا رحلة العذاب التى لا نهاية لها.
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا الدعاء هو أشد دعاء يمكن أن يدعيه أي أحد.
لأنه دعاء بأن يموت على الكفر، يعنى دعاء بالخلود في جهنم.
ولذلك فليس هناك دعاء أشد من هذا الدعاء.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهنا تتعجب، كيف يدعو موسي النبي على قومه بعدم الإيمان؟ المفروض ان يدعو الله تعالي لهم بالهداية.
عندما شج الرسول ﷺ يوم أحد، جعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول (اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون) فنزل قول الله ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
وبعد رحلة الطائف، يأتي الى الرسول ﷺ ملك الجبال ويقول: يا محمد إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ، فقالَ لَهُ الرسولُ ﷺ: بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فكيف يدعو موسي النبي على قومه بعدم الهداية بدلًا من أن يدعو لهم بالهداية؟
لإن معصية فرعون لم تكن معصية عادية، ولا حتى ظلمه ظلم عادي، قال تعالى (وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَال فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ) بعنى مسرفًا في الظلم والبغي والإستبداد.
وقال عن قوم فرعون (وَكَانُواْ قَوۡما مُّجۡرِمِينَ) يعنى راسخين في الإجرام.
هناك فرق بين انسان ظالم، وانسان مسرف في الظلم.
وهناك فرق بين المجرم، وبين الراسخ في الإجرام.
وضربنا مثال بابي جهل (فرعون هذه الأمة) بعد أن هاجر الرسول ﷺ وترك مكة، ذهب أبو جهل ومعه مجموعة من كفار قريش الى بيت ابي بكر، ففتحت له السيدة أسماء الباب، فسأل عن ابي بكر فقالت لا أعلم فلطمها لطمة شديدة، أطارت القرط من أذنها، فلما انصرفوا، قال "أبو جهل" لمن معه "أكتموها علىَّ لا تتحدث العرب أني قد لطمت امرأة"
قارن بين ظلم "أبو جهل" وبين ظلم "فرعون" وجنوده 
عندما آمن السحرة، أمر فرعون بقتلهم، وليس قتلهم فقط ولكن أن تقطع أيديهم وأرجلهم، وأن يصلبوا في جذوع النخل.
وماشطة ابنة فرعون، حين علم بايمانها، كان يمكن أن يقتلها، ولكن قتل أولادها حرقًا أمام عينها، ثم حرقها.
فرعون كان يبتكر أساليب جديدة في التعذيب، قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) قيل أنه كان يشد ضحاياه من ايديهم وأرجلهم بالإوتاد، ثم يتركهم هكذا حتى يموتوا.
وليس فرعون فقط، ولكن كل حاشيته واركان دولته وجنوده كانوا مجرمين، قال تعالى (وَكَانُواْ قَوۡما مُّجۡرِمِينَ) يعنى راسخين في الإجرام.
فكيف يتصور موسي، وكيف يتقبل المؤمنون أن فرعون الذي كان يذبح الأطفال، وكان يغتصب النساء، كيف بعد كل ذلك، يغفر الله له ويدخل معهم الجنة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن دعاء موسي على فرعون وملئه (فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ) يعنى يظلوا على الكفر، ولا يوفقوا للهداية، حتى ينزل بهم الموت، 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل أن هذا الدعاء كان باذن الله تعالى، لأنه ليس لنبي أن يدعو على قومه الا باذن الله تعالى.
لأن دعاء النبي على قومه، يعنى نزول النقمة والعذاب بهم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية الكريمة أخذ منها العلماء جواز الدعاء على الظالم بقدر ظلمه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٨٩﴾
الذي كان يدعو هو موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأن الآية تقول (وَقَالَ مُوسَىٰ) ومع ذلك قال تعالى (قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا)
لأن موسي كان يدعو وهارون كان يؤمن، يعنى كان يقول "آمين" وكلمة "آمين" يعنى "اللهم استجب" ولذلك بعد أن يقرا الإمام الفاتحة في الصلاة الجهرية، نقول "آمين" يعنى "اللهم استجب" لأن سورة الفاتحة: دعاء.
وهذه الآية أخذ منها العالماء أن "المؤمِّن داعٍ" يعنى اذا دعا الإمام وقلت "آمين" فكأنك تدعو الله -تعالى- معه.

(فَٱسۡتَقِيمَا) يعنى فَٱثبتا على الطاعة، حتى ينزل بهم العذاب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أن فرعون مكث بعد دعوة موسي عليه أربعون سنة
ولذلك قال بعدها
(وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ) يعنى ولا تكونا مثل الذين يستعجلون قضاء الله تعالى.
ولذلك قالوا من آداب الدعاء ألاَّ يستعجلَ الدعاء ويستبطئ الإجابةَ.
وَعَنْ أبي هريرة أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ:
"يُسْتجَابُ لأَحَدِكُم مَا لَم يعْجلْ: يقُولُ قَد دَعوتُ رَبِّي، فَلم يسْتَجبْ لِي"
متفقٌ عَلَيْهِ.
اذن الله -تعالى- استجاب لدعاء موسي وهارون
(قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا) ولكن موعد تحقق الدعاء، هذا أمر بقدر الله تعالى وقضائه.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇