Untitled Document

عدد المشاهدات : 164

الحلقة (557) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (71) الى (74) من سورة "يُونُس"- (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ ….

الحلقة رقم (557)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

        

تفسير وتدبر الآيات من (71) الى (74) من سورة "يُونُس"- ص 217
        

(۞ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿٧١﴾ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ﴿٧٢﴾ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ خَلَٰٓئِفَ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِينَ ﴿٧٣﴾ ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ﴿٧٤﴾

        

(۞ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ ...... ﴿٧١﴾
تبدأ السورة الكريمة في ذكر لقطات من قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، فتتحدث السورة عن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- وعن موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- وعن يونس -عَلَيْهِ السَّلامُ-
اذن ذكرت السورة نموذجين من الأمم التي كذبت رسلها، وهم قوم نوح وقوم فرعون، فكانت عاقبتهم هي الهلاك والعذاب، ونموذج لأمة نفعها ايمانها، وهم قوم يونس. 
وذكر هذه القصص فيه العبرة والتحذير والتخويف لمشركي قريش إذا أصروا على الكفر وعلى تكذيب الرسول ﷺ

        

وتبدأ الآيات في ذكر هذه اللقطة من قصة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- 
وَكَانَ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ- حَلِيمًا، صَبُورًا، قال العلماء: 

لَمْ يَلْقَ نَبِيًّ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْبَلاءِ أَكْثَرَ مِمَّا لَقِيَ نُوحٌ من قومه.
ليس لطول مدة دعوته فقط -ألف سنة الا خمسين عامًا كما ذكر القرآن الكريم- ولكن لأن قوم نوح كانوا هم أسوا جيل عرفته البشرية منذ آدم حتى قيام الساعة.. لماذا؟
لأن كل الشرور التي في العالم الآن، هي بعد أن طهر الله -تعالى- البشرية بطوفان نوح.
أو بأسلوب علمي: هذه الشرور التي في العالم، بعد أن طهر الله -تعالى- الجينات البشرية بإهلاك الأشرار من قوم نوح.
فلك أن تتخيل كمية الشر التي كانت في قوم نوح.
وقد أشار القرآن الى هذا الأمر، فقال تعالى بعد أن ذكر الكفار من قوم عاد وثمود
(وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ) أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ من من؟ من الكفار من قوم عاد وثمود.
ولذلك كان طوفان نوح هو رحمة من الله -تعالى- للبشر.

        

الشاهد أن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- عاش وواجه هذا الجيل الشرير الذي ليس له مثيل في تاريخ البشرية.
ليس هذا فحسب فان نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- تعاقب عليه ثلاثة أجيال، وكل جيل كان أسوأ من الجيل الذي قبله، لأن كل جيل كان يربي أبناءه على كراهية نوح وعلى عداوته وعلى ايذائه.

        

البعض يتساءل ماهي معجزة نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ- يعنى نحن نعلم أن معجزة موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- العصا واليد، ومعجزة عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- أنه يبرأ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، ومعجزة صالح الناقة، وهكذا.. 
فماذا كانت معجزة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-؟
قيل إن معجزة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- هي العمر الطويل، فروي ان نوح -عَلَيْهِ السَّلام- بًعِثَ وعمره مائتان وخمسون عامًا، ولبث في قومه يدعوهم -كما ذكر القرآن الكريم- ألف سنة الا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان مائتان وخمسون عامًا أخري، وهكذا عاش نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- ألف وأربعمائة وخمسون عامًا.
فهل كان هذا العمر الطويل جدًا خاص بنوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- أم أن كل الذين كانوا في عصره كانت أعمارهم طويلة؟
الحقيقة أن أعمار البشر في ذلك الوقت كانت طويلة -وكان ذلك بسبب عدم وجود ملوثات في هذا الوقت- ولكن لم تكن طويلة جدًا مثل نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-
لكن كانت أعمار البشر في حدود أربعمائة سنة أو خمسمائة، ولكن لم تكن تمتد الأعمار الى ألف سنة، أو ألف وأربعمائة وخمسون عامًا مثل نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- ولذلك يعتبر أن نوح هو أطول البشر عمرًا، ولذلك قيل إن عمر نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- الطويل، كان هو معجزة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-.
وقيل إن معجزة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- أنه تحدي قومه أن يقتلوه فلم يجرؤ أحد على قتله، وهذه المعجزة أشارت اليها هذه الآية الكريمة.


        

يقول تعالى (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ) يعنى وقص على قومك قصة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- مع قومه، والنَبَأَ تطلق على الخبر الهام.
يقول تعالى
(وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ)
هذا القول لنوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه، أو أن هذه المواجهة بين نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- وقومه كانت في آخر مرحلة من مراحل دعوة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه، وهذه المرحلة قبل أن يدعو الله -تعالى- على قومه بالهلاك.
ولم يدع نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- على قومه بالهلاك الا بعد ان أخبره الله -تعالى- بأنه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ، قال تعالي
(وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (لا تَبْتَئِسْ) يعنى لا تحزن، لأن اليأس إحدى الراحتين، قالوا إن الرَّاحَة راحتان: الأولى: الْوُصُول إِلَى الْمَطْلُوب، وَالثَّانيَة: اليأس مِنْهُ.

        

وهذا الإخبار من الله -تعالى- لنوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- بأنه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِه إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ، بعد أن استمر نوح يدعو قومه الى عبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأصنام تسعمائة وخمسون سنة 
قال تعالى في سورة نوح
(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا) لم أتوقف عن الدعوة لحظة واحدة.
(وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا)
وهم مجتمعين يمكن يشجعوا بعض.
(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) سواء في العلن أو السر، يمكن حد يريد ان يؤمن السر خوفًا من قومه.
بعد تسعمائة وخمسون سنة يوحي الله تعالى لنوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-
(أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ)
كأن الله تعلى يقول لنوح كفاية عليك شغل كده.. بقالك 950 سنة عمل في الدعوة لا تتوقف لحظة واحدة، كفاية عليك كده، لأنه محدش حيؤمن جديد.

        

فلما أوحي الله -تعالى- الى نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ، دعا نوح ربه أن يهلكهم (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) يعنى ساكني ديار.
ثم قال
(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) 
يعنى هو لم يدع عليهم بالهلاك انتقامًا منهم، ولكن لأنهم لن يؤمنوا ووجودهم فيه إيذاء للمؤمنين ويفتنونهم عن دينهم، وفوق ذلك كل طفل سيأتون به سيكون من أهل النار، لأنهم يربونه على الكفر، يعنى من حلم نوح أنه مشفق على أولادهم.

        

قبل أن يدعو نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- على قومه، كانت هذه المواجهة الأخيرة مع قومه:
يقول تعالى
(۞ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ)
(كَبُرَ عَلَيۡكُم) يعنى شق عليكم، وثقل عليكم. (مَّقَامِي) طول مكثي معكم.
(أصبحت ثقيلًا عليكم)

(وَتَذۡكِيرِي بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) وَتَذۡكِيرِي لكم بِ‍َٔايَٰاتِ ٱللَّهِ، الدالة على وجوده -تعالى- ووحدانيته.
لا شك أن الكفار من قوم نوح، كانوا قد استثقلوا وجوده، وكانوا يتمنون هلاكه، ولكن الذي كان يحدث هو العكس، كانت تتعاقب عليه الأجيال وهو لا يزال حيًا، حتى تعاقبت على نوح ثلاثة أجيال -كما ذكرنا- من قومه.

(إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ)
(فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ) 

هنا التحدي، يعنى أنا مستمر في دعوتي، لن أتوقف عنها، وأنا متوكل على الله ومفوض أمري الى الله تعالى في ذلك.
وأنتم في المقابل:

(فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ)
يعنى افعلوا أقصى ما تستطيعون فعله في مواجهتي.
(كما يقول المثل أعلى ما في خيلكم أركبوه)

(فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ) أجمع على أمر، يعنى عزم عليه عزمًا لا تردد فيه، كما نقول: عزم على السفر، يعنى قرر السفر، وفي سورة يوسف (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم)
(وَشُرَكَآءَكُمۡ) يعنى وهاتوا معاكم أيضًا شُرَكَآءَكُمۡ، وهي الأصنام التي يشركونها مع الله في العبادة، لأنهم يعتقدون لأن هذه الأصنام تستطيع أن تنصرهم، وأنهم مصادر قوة.
كأنه يقول لهم أنا توكلت وفوضت أمري الى ربي، وأنتم في المقابل استعينوا بآلهتكم.

(ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّة)
الغُمَّة تأتي بمعني عدم وضوح الرؤية، وهي من الغمام، يقول الرسول "فان غم عليكم الشهر" يعنى لم تروا الهلال.
والمعنى: لَا تترددوا في تنفيذ ما عزمتم عليه.

(ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ)
هناك فرق بين قضى عليه وقضي اليه.
قضى عليه، يعنى أصدر حكم، ولكن وارد الجكم لا ينفذ.
انما قضى اليه، يعنى نفذ الحكم.
فقول نوح (ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ)
يعنى: نفذوا ما عزمتم عليه.

(وَلَا تُنظِرُونِ)
يعنى ولا تتأخروا في تنفيذ الحكم.
اذن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- يتحدى قومه على كثرتهم وقوتهم، والذين كانوا هم جميع أهل الأرض، يعنى نوح يتحدى العالم، ويعلن لهم أنه مستمر في دعوته، ولن يتوقف عنها، وأنتم في المقابل أفعلوا أقصي ما تستطيعون فعله في مواجهتي.
فنوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- قدوة لكل داعية ولكل صاحب رسالة، في أن يستمر في دعوته ولا يتوقف عنها مهما كانت العقبات.

        

ويشبه موقف نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- موقف الرسول ﷺ عندما جاء سادة قريش الى عمه "أبو طالب" وقالوا له ان أحمد يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا فانهه عنا" فقال أبو طالب: يا عقيل ائتني بمحمد، فذهبت عقيل وجاء بالرسول ﷺ (الذي يقص هذه القصة وهي في البخاري هو عقيل بن أبي طالب -رضى الله عنه-)
فقال أبو طالب (وسادة قريش جلوس): يا ابن أخي إن بني عمِّك يقولون إنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم فانتَهِ عن ذلك، فقال الرسول ﷺ
"يا عماه، والله لوْ وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركتُه، حتى يُظهره الله أو أهلك فيه " 
وفي رواية أخري وهي رواية صحيحة -وربما في موقف آخر- أن النبي ﷺ نظر الى السماء، وقال: أَترَون هذهِ الشَّمس؟ قالوا: نعم، قال: ما أنا بَأَقدرَ على أن أَدَعَ لكُم ذلك، مِنْ أن تُشْعِلوا لي منها شُعْلة (يعني لو أحضرتم لى من الشمس شعلة لن أتوقف عن الدعوة الى دين الله)
فقال أبو طالب: "ما كَذَبنَا ابنُ أخي قط فامضوا"
ثم التفت الى النبي ﷺ وقال أبياتًا وصلت لمسامع كل قريش:
 
    واللَّهِ لَنْ يَصِلوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى    أُوَسَّدَ في التُرَابِ دَفِينا
    فامْضِي لأَمْرِك ما عَلَيْكَ غَضَاضة   أَبْشِرْ وَقِرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيونا

        

اذن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- تحدي قومه أن يستطيع أحد منهم أن يوقفه، وقيل أن هذا التحدي أن يستطيع أحد ان يقتله، وهذه معجزة لنوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-
هو -أيضًا- يثبت لهم بأن آلهتهم لا تضر ولا تنفع، لأن نوح يقول لهم أنا -فرد واحد- ومتوكل على ربي، وأنا بكثرتكم وقوتكم، ومعكم آلهتكم ولن تستطيعوا أن توقفي دعوتي ولن تستطيعوا قتلى.
وقلنا أن هذا التحدي قبل أن يدعوا عليهم بالهلاك، وبعد أن ظل ألف سنة الا خمسين عامًا يدعوهم الى ترك عبادة الأصنام وعبادة الله وحده.

        

(فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ﴿٧٢﴾
(فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ) فَإِن رفضتم الإيمان، وأصلها ولاه ظهره.
(فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍ) يعنى لم أطلب منكم مقابل على دعوتي. 
(إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ) يعنى مقابل عملي آخذه من الله وليس منكم.
اذن أنا ليس عندي أي مشكلة في أنكم تَوَلَّيۡتُمۡ ورفضتم الإيمان، لأنني لا آخذ أجر منكم، ولكنى آخذ أجري من الله، وحتى أجري من الله لا آخذه مقابل ايمانكم، وانما آخذه مقابل قيامي بواجب الدعوة، سواء استجبتم وآمنتم أم لم تستجيبوا.
وهذا ليس الا لأصحاب الأهداف الأخروية فقط.
فأصحاب الأهداف الدنيوية يمكن أن يبذل كل جهده، وأن يضيع كل عمره دون ان يصل الى هدفه.
أما أصحاب الأهداف الأخروية، وهو هدف أن تأخذ الأجر والثواب من الله تعالى، فليس عندهم أي مشكلة في هذا، لإن كده كده سيأخذ الثواب.
مثل نوح، سواء آمنتم أم لم تؤمنوا أنا واخد الثواب.


        

قصة

عالم كبير جلس في يلقي درسًا، وأمامه آلاف المستمعين.
ويعد انتهاء الدرس وهو جالس مع أحبابه، جاء رجل وسلم عليه.
وقال بأسي لقد جئت من سفر بعيد حتى أسمع الدرس، ولكن تأخرت وفاتنى، قدر الله وماشاء فعل.
قال له العالم: اجلس سأقول لك الدرس، وجلس الرجل وقال العالم الدرس لهذا الرجل بالكامل.
فتعجب الناس من ذلك، فقال لهم: أتعجبون! أنا كده كده واخد الثواب، سواء أمامي ألف انسان، أو اماني انسان واحد هوه نفس الثواب.

        

قصة أخري

شيخ له تلاميذ صغار في سن المراهقة، كان يصلى بهم في المسجد، والمفروض بعد الصلاة يكون الدرس، فلما انتهت الصلاة هرب الأولاد واختبأوا، فما كان من الشيخ الا أن جلس وأخذ يلقي الدرس وليس أمامه شخص واحد، والأولاد يراقبونه من بعيد، فجاؤا اليه، وقالوا في عجب: ماذا تفعل يا أستاذ؟ فابتسم وقال لهم: سواء جلستم واستمتعم أو لم يجلس أحد فان أحجار هذا المسجد ستشهد لى.
(وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ) 
يقول ابن عباس: (مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ) يعنى: مِنَ ٱلۡمُوحدين. 
و
(مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ) يعنى مِنَ ٱلۡمُسۡتسلِمِينَ لأمر الله تعالى.

        

وهذه نأخذ منها أن الإسلام هو دين كل الأنبياء من آدم الى محمد.
يقول نوح في هذه الآية
(وأمرت أن أكون من المسلمين) 
قال تعالى عن إبراهيم (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)
وقال يوسف (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) 
وقال موسى (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) 
وقال السحرة (ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) 
وقالت بلقيس (رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين)
وقال تعالى (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) 
اذن فالإسلام هو دين كل الأنبياء 
وان تنوعت شرائع الأنبياء على حسب الزمان، قال تعالى "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"
يعنى مثلًا في شريعة آدم يجوز أن يتزوج الرجل أخته، لأن جميع الرجال والنساء في ذلك الوقت أخوة، فلما كثر الناس، حرم ذلك في الشرائع بعد آدم.

        

(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ خَلَٰٓئِفَ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِينَ ﴿٧٣﴾
(فَكَذَّبُوهُ) فكذب قوم نوح نبيهم، وأصروا على تكذيبه.
(فَنَجَّيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ) فنجينا نوح وَمَن مَّعَهُ من المؤمنين، وقيل كان عددهم ثمانون، أربعين رجلاً وأربعين امرأة، وقيل أقل من ذلك، قال تعالى (وما آمن معه الا قليل)
(فِي ٱلۡفُلۡكِ) يعنى فِي السفينة   
(وَجَعَلۡنَٰهُمۡ خَلَٰٓئِفَ) 
(خَلَٰٓائِفَ) جمع "خليفة" 
يعنى وجعلنا هؤلاء الناجين، خلفاء للذين هلكوا بالغرق.
أصبحوا هم سكان الأرض، وأصبحت الأرض ملكًا لهم بعد أن كانت ملكًا للذين هلكوا بالغرق.

(فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين) يعنى: فانظر نظر اعتبار كيف كانت نهاية هؤلاء المنذرين.
وهذا فيه تحذير لمن أنذرهم الرسول ولم يستجيبوا له.
يقول المفسرون أن الآية بدأت بذكر تنجية المؤمنين واستخلافهم على اغراق المكذبين، إشارة الى أن الرحمة مقدمة على العذاب.


        

(ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ﴿٧٤﴾
(ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ) أي ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِ نوح -عليه السلام- رُسُلًا إِلَىٰ أقَوۡامِهِمۡ. 
(فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ) فَجَآءُوا أقوامهم بالدلائل الواضحة على صدق نبوتهم، ساء هذه الدلائل معجزات أو حجج وأدلة وبراهين. 
(فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُ) 
يعنى فما كان الكفار من أي أمة لِيُؤۡمِنُواْ بالذي كَذَّبُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُ.
لأن قلوب الكفار متشابهة، فكأن الكفار من كل أمة هم أنفسهم الكفار من قوم نوح.
كما يقولون "التاريخ يعيد نفسه"

(كَذَٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِينَ) 
يعنى من سنن الله تعالى، أن يطبع عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِينَ.
والطبع هو الغلق فلا يدخل فيها ايمان ولا يخرج منها كفر.
والاعتداء هو تجاوز الحد، وهو هنا بمعنى الكفر والتكذيب.
 فالكفر والتكذيب كان منهم أولًا، ثم كان عقوبة الكفر والتكذيب أن يطبع الله على قلوبهم. 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇