Untitled Document

عدد المشاهدات : 131

الحلقة (543) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (11) الى (14) من سورة "يُونُس" (وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ….

الحلقة رقم (543)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (11) الى (14) من سورة "يُونُس"- ص 209
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ﴿١١﴾ وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ يَدۡعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡمُسۡرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿١٢﴾ وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ﴿١٣﴾ ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ ﴿١٤﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(۞ وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ﴿١١﴾
هذه الآية تبين حلم الله تعالى ورحمته ولطفه بعباده، لأن المشركون كانوا يستعجلون نزول العذاب بهم، قال تعالى (يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين) وقال تعالى (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) وقال تعالى (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)
وكان "النضر بن الحارث يقول "اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" ونزل فيه قول الله تعالى (وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا الأمر ليس خاصُا بالرسول ﷺ: بل كل الأمم السابقة كانوا يستعجلوا أنبيائهم في نزول العذاب، قال تعالى في سورة الأحقاف (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
ولذلك قال تعالى في هذه الآية الكريمة (وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ) قال لِلنَّاسِ لأن هذه القضية متكررة في كل الأمم السابقة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الشاهد أن مشركوا مكة كانوا يستعجلون ويتحدون الرسول ﷺ في نزول العذاب بهم، فرد الله تعالى عليهم في هذه الآية الكريمة، والتي تظهر حلم الله تعالي، وأنه -تعالى- أرحم بعباده من أنفسهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال تعالى: (وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ)
يعنى لو استجاب الله تعالى لهؤلاء المشركون في الشر -وهو نزول العذاب بهم- كما يستعجلون الخير، ويستجيب الله لهم أحيانًا في نزول الخير.
(لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡ) لأميتوا ولأهلكوا جميعاً.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يبين تعالى الحكمة في عدم تعجيل العقوبة على هؤلاء المشركين، فقال تعالى: (فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يعنى: قد يكون من هؤلاء المشركين من يدخل في الإسلام، أما الذين يصرون على الكفر، فلن يفلتوا من عقاب الله تعالي، فيتركهم الله تعالى (فى طُغْيَانِهِمْ) يعنى في كفرهم (يَعۡمَهُونَ) يعنى يتخبطون، وسيكون امهال الله -تعالى- لهم استدراجًا لهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويدخل في الآية أيضًا أن الله -تعالى- بلطفه ورحمته بعباده لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو على أولادهم.
اذن المعنى الأول خاص بالمشركين فقط
والتفسير الثاني خاص بالجميع المؤمن والمشرك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال العلماء: ومع ذلك لا ينبغي الإكثار من ذلك، جاء فى الحديث أن النبي ﷺ قال: "لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة، فيستجيب لكم"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِما فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ يَدۡعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡمُسۡرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿١٢﴾
تذكر الآية الكريمة طبيعة الإنسان، وهي أن الإنسان قليل الصبر عند البلاء، قليل الشكر عند وجود النعمة.
فيقول تعالي:
(وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر) كلمة (مَسَّ) يعنى مهما كان هذا الضر يسير.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قوله تعالي (دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً) تشير الى أن هناك الحاح في الدعاء، لدرجة أنه يدعوا الله في كل أحواله، سواء كان (لِجَنبِهِ) يعنى مضطجع (أَوْ قَاعِداً) (أَوْ قَآئِماً) يعنى واقفًا.
أو هي صورة لكل أنواع البلاء، فهناك أنواع بلاء ثقيلة، كالمريض الذي لا يستطيع أن يتحرك من فراشه، ولذلك قال (لِجَنبِهِ) وقد تكون متوسطة فيدعو الله وهو قاعد، وقد تكون خفيفة، فيدعو الله وهو قائم.
اذن قوله تعالي
(دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً) يعنى يدعو الله بإلحاح في كل أحواله، وفي كل أنواع البلاء سواء بلاء ثقيل أو يسير.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ) 
فَلَمَّا استجبنا له وكَشَفْنَا ما به من ضر وبلاء (مَرَّ) يعنى استمر في طريقه في الحياة، وعاد الى ما كان عليه -قبل نزول البلاء به- من غفلة ومن بعد عن الله تعالى. 
(كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ) 
نسي ما كان فيه من الجهد والبلاء، ولم يشكر -حتى- الله الذي فرج عنه ما كان فيه.
(كذلك زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) يعنى زين الشيطان لهؤلاء المسرفون مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ من الإعراض عن ذكر الله تعالى.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

قال المفسرون : الآية ذم لمن يترك الدعاء فى الرخاءـ ويهرع إليه فى الشدة.
روي الترمذي والحاكم أن النبي ﷺ قال:
"من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكروب، فليكثر من الدعاء عند الرخاء ".
ويقول الرسول ﷺ: "تعرف إلى الله فى الرخاء، يعرفك فى الشدة"
 يقول أبو الدرداء: ادع الله يوم سرائك يستجيب لك يوم ضرائك
وقال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : "وقد ذم الله - تعالى - من هذه طريقته وصفته فى الدعاء، أما من رزقه الله الهداية والسداد والتوفيق والرشاد فإنه مستثنى من ذلك، لأنه يدعو الله فى الشدة والرخاء."


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ﴿١٣﴾
(ٱلۡقُرُونَ) يعنى الأمم السابقة.
القرن هي الأمة من الناس، سموا بذلك لأنهم مقترنين بعضهم ببعض.
يقول تعالى
(وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ) والخطاب لأهل مكة، وغيرهم من المشركين.
فيقول تعالى: وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا وأبدنا واستئصلنا الكثير من الأمم الكافرة السابقة عليكم.

(لَمَّا ظَلَمُواْ) لَمَّا كفروا بالله تعالى.
(وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ) وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بالآيات الواضحة التي تدل على صدق تبليغهم عن ربهم.  
(وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ) يعنى ولو لم يهلكهم الله تعالى، ومهما أبقاهم على قيد الحياة، فانهم ما كانوا سيؤمنوا.
(كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ) 
هذا تهديد ووعيد، يعنى بمثل هذا الجزاء نجزي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فى كل زمان ومكان.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ ﴿١٤﴾
خلائف جمع خليفة، وهو الذي يخلف غيره ويأتي من بعده.
والخطاب لأهل مكة وغيرهم من الأمم المكلفة باتباع الرسول ﷺ
يعنى ثم جعلناكم أيها الناس خلفاء لهذه الأمم السابقة التي أهلكها الله تعالى.
وكلمة (فِي ٱلۡأَرۡضِ) يعنى أنتم الآن المسئولون عن اصلاح الأرض.

(لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ) 
لنري كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ.
كما تقول لأحدهم: كلفت بكذا وسأري كيف ستتصرف.
قال قتادة
: صدق الله ربنا، ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيرا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أن عوف بن مالك -رضي الله عنه- وكان ذلك في خلافة أبي بكر الصديق، قال لأبي بكر رضي الله عنه: رأيتُ فيما يرى النائم كأن سببًا دُلِّي من السماء، -يعنى حبل دُلِّي- فانتزع رسول الله ﷺ ثم دُلِّي فانتزع  أبو بكر، فكان بين عمر وبين المنبر ثلاثة أذرع.
فقال عمر: دعنا من رؤياك، لا أرَبَ لنا فيها ! فلما استخلف عمر قال: يا عوف ، رؤياك! قال: وهل لك في رؤياي من حاجة؟ أو لم تنتهرني! قال عمر: ويحك! إني كرهت أن تنعَى أبي بكر  نفسه ! فقصّ عليه الرؤيا، فقص الرؤيا حتى "فكان بين عمر وبين المنبر ثلاثة أذرع".
 ثم قيل له في الرؤيا أما الثلاثة أذرع، فاحداهن أنه سيكون خليفة، وأما الثانية ، فإنه لا يخاف في الله لومة لائم.
وأما الثالثة ، فإنه شهيد.
فقال عمر: يقول الله:
 ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون، فقد استخلفت يا ابن أم عمر، فانظر كيف تعمل.
وأما قوله: "فإني لا أخاف في الله لومة لائم" فما شاء الله.
وأما قوله: "فإني شهيد" فأنَّى لعمر الشهادة، والمسلمون مُطِيفون به! ثم قال: إن الله على ما يشاء قدير.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇