Untitled Document

عدد المشاهدات : 148

الحلقة (542) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (7) الى (10) من سورة "يُونُس" (إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا….

الحلقة رقم (542)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

        

تفسير وتدبر الآيات من (7) الى (10) من سورة "يُونُس"- ص 209
        

(إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴿٧﴾ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴿٨﴾ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴿٩﴾ دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴿١٠﴾

        

تبين هذه الايات الكريمة ما أعده الله تعالى من العذاب للكافرين، ومن الثواب للمؤمنين، فيقول تعالى:
(إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴿٧﴾ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴿٨﴾ 
وصف -تعالى- هؤلاء الأشقياء، بأربعة صفات، فقال تعالى:
        

(إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا) 
ما هو الرجاء؟ الرجاء هو الرغبة الشديدة في الشيء والتطلع اليه.
وكان الظاهر ان تقول الآية: إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يؤمنون بلِقَآءَنَا، لأن الآية تتحدث عن المشركين، والمشركون كانوا لا يؤمنون بيوم القيامة.
 ولكن الله تعالى استخدم هذا التعبير
(إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا) ولم يقل (إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يؤمنون بلِقَآءَنَا) 
إشارة الى أنهم لا يؤمنون بالبعث -مع أن البعث بعد الموت أمر منطقي- لأنهم لَا يَرۡجُونَ يعنى لا يحبون لقاء الله، لأنهم يعلمون أنهم على الباطل وأنهم ليسوا على الحق.
        

أيضًا قول الله تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا) إشارة الى ان الأصل هو ان يرجوا ويتمنى العبد لقاء الله تعالى. 
جاء في الحديث الصحيح أن الرسول ﷺ قال
"من أحَبَّ لقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لقاءَه، ومَن كرِه لقاءَ اللهِ كرِه اللهُ لقاءَه"
        

اذن معنى قوله تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا) يعنى لا يؤمنون بلقاء الله -عز وجل- بعد الموت، ولا يؤمنون بالبعث ولا بيوم القيامة، ولكن استخدم تعالى هذا التعبير (لَا يَرۡجُونَ) بدل (لَا يؤمنون) لأن سبب عدم ايمانهم أنهم لَا يَرۡجُونَ لا يحبون لقاء الله بسبب ذنوبهم.


        

(وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) 
يعنى: رَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا من الآخرة، أصبح همهم محصورًا في التشبع من شهوات الدنيا ولذاتها.
قال أهل المعاني أن الآية تشير الى أن التوغل في شهوات الدنيا، يكون بمقدار البعد عن الاستعداد للحياة الآخرة.

        

(وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا) 
يعنى ركنوا وسكنوا الى الدنيا، وتطمئن قلوبهم وتفرح بزينة الحياة الدنيا، كما تطمئن قلوب المؤمنين الى ذكر الله تعالى.
عندما حج: "سليمان بن عبد الملك" الخليفة العاشر من خلفاء بنى أمية، سنة 97 هـ مر بالمدينة، وأقام بها ثلاثة ايام، فقال لرجاله: ما هاهنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا؟ فقيل له: نعم هناك رجل يقال له أبو حازم أدرك "أبو هريرة" و"عبد الله بن عمر" و"أنس بن مالك" فبعثوا اليه فجاء، فقال له سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت قال:
لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.


        

(وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰافِلُونَ) 
يعنى ولا يفكرون ولا حتى يلتفتون الى آيات الله الكونية التي تدل عليه تعالى، ولا يلتفتون أو يتدبرون آيات القرآن الكريم.
        

(أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴿٨﴾
أُوْلَٰٓئِكَ مصيرهم ونهايتهم هو دخول ٱلنَّارُ،  بسبب ما كانوا يَكۡسِبُونَ من الذنوب والآثام.

        

ثم يتحدث تعالى عن مصير المؤمنين، فيقول تعالى:
(إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴿٩﴾
(يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡ) 
يعنى: يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡ الى الجنة، يكون ِإيمَٰانِهِمۡ هو قائدهم الى الجنة.
يقول مجاهد: إن المؤمن إذا خرج من قبره يكون له نور يمشي به ويهديه الى الجنة.
وهذا مثل قوله تعالى في سورة الحديد
(يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)
جاء في تفسير هذا الحديث أن من المؤمنين من نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ، ومنهم مَن نُورُهُ فِي إِبْهَامِهِ يتَّقد مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً
في الحديث أن النَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قال:
"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُوره مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدن وَصَنْعَاءَ، فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ"


        

ويقول مجاهد وقتادة وغيرهما: أن المؤمن اذا خرج من قبره يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة، فيقول له: ما أنت؟ فيقول: أنا عملك، فيكون له نورًا وقائدًا حتى يدخله الجنة، وأما الكافر اذا خرج من قبره يصور له عمله في سورة سيئة، وريح نتنة، فينطلق به حتى يدخله النار.
        

معنى آخر: (يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡ) يعنى يزيدهم هداية، بسبب ايمانهم.
أخذوا خطوة الإيمان، وخطوة الهداية، والله تعالى يزيدهم هدي بسبب ايمانهم.
 كقوله:
(والذين اهتدوا زادهم هدى)
والآية تحمل المعنيين: يعنى أن الله تعالى يزيدهم هداية في الدنيا، ويكون الإيمان نورًا لهم يهديهم الى الجنة يوم القيامة.
        

(تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ)
وليس معنى (مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ) أنهم جالسين على الأنهار، ولكن المعنى أن ٱلۡأَنۡهَٰارُ تَجۡرِي أمامهم، وأمام قصورهم،  وهم يرونها من علو.
كما في قول تعالى
(أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) وقوله تعالى (قد جعل ربك تحتك سرياً)
وقد روي في وصف أنهار الجنة أنها تجري على وجه الأرض في غير أخدود.
وفي الحديث
(ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ ) 


        

( دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴿١٠﴾
(دَعۡوَىٰهُمۡ) يعنى دعاءهم، يعنى عبادتهم، لأن الدعاء يمكن أن يأتي بمعنى العبادة، كما في قوله تعالى (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله) يعنى: وَمَا تَعبدونَ مِن دُونِ الله.
فقوله تعالى
(دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) يعنى عبادة أهل الجنة أن يقولوا (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) 
(وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) يعنى وخاتمة عبادتهم، والتى هي التسبيح أَنِ يقولوا (ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ)  
والجنة ليس فيها تكليف، ولكنهم يلهمون هذا التسبيح، فينطقون به تلذذًا بلا مشقة ولا كلفة
يقول الرسول في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم
(يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والْحَمْدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ)
        

عن طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله ﷺ عن "سُبْحَانَ اللَّهِ"، فقال ﷺ: هو تنـزيه الله من كل سوء.
سأل عُمَرُ أَصْحَابُهُ وفيهم "على" عن "سُبْحَانَ اللَّهِ" فَقَالَ عَلِيٌّ "كَلِمَةٌ أَحَبَّهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ، وَرَضِيَهَا لِنَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تُقَالَ"

        

(وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) 
يعنى تحية الله -تعالى- لهم (سَلَامٌ) وتحية الملائكة لهم (سَلَامٌ) وتحية بعضهم بعض (سَلَامٌ)
تحية الله -تعالى- لهم (سَلَامٌ) قال تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ)
وتحية الملائكة لهم سلام: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم)
وتحيتهم بعضهم لبعض (سَلَامٌ) قال تعالى (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما)
ومعنى (سَلَامٌ) يعنى دعاء بالأمان، والسلامة من كل مكروه، والسلامة من كل ما يعكر الصفو.
وقد جاء في الصحيح أن الله لما خلق آدم، قال له اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب آدم  فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله.

        

(دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ)
وروي أن (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) هي علامة بين أهل الجنة وخدمهم.
فاذا اشتهي واحد من أهل الجنة شيئًا قال: (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) فيأتيه ما يشتهيه بين يديه.
فاذا أراد زوجاته من الحور العين، يقول: (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) فيجد الحور العين بين يديه.
واذا راي طائرًا يطير في السماء واشتهاه، قال (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) فيسقط الطائر بين يديه مشويًا.

وروي أنه اذا اشتهي الطعام قال (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) فيجد بين يديه عَشْرَةُ آلافِ خَادِمٍ، مَعَ كُلِّ خَادِمٍ صَحْفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ -والصَحْفَةٌ هو اناء الطَّعَامِ، كَبِيرُ الْحَجْمِ يُطَافُ بِهِ عَلَى الآكِلِينَ- فِيهَا طَعَامٌ لَيْسَ فِي الأُخْرَى، تقول الرواية: فَيَأْكُلُ مِنْهُنَّ جميعًا.
        

(دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) 
العلامة التى بينهم وبين خدمهم هو (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ)
فاذا قال (سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ) تأتيهم الملائكة بما يشتهوه.
(وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰم) تأتيهم الملائكة بما يشتهوه بالتحية والسلام.
(وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) فاذا أكلوا وشبعوا وأتاهم ما يشتهون قالوا (ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ)

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇