Untitled Document

عدد المشاهدات : 188

الحلقة (534) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآية (119) من سورة "التَوْبًة" (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ......

الحلقة رقم (534)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

تفسير وتدبر الآية (119) من سورة "التوبة" ص 206
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴿١١٩﴾ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

بعد أن تحدثت الآية السابقة عن الثلاثة الذين خلفوا والذين نفعهم صدقهم، يقول تعالى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) فهذه الآية تذييل لقصة هؤلاء الثلاثة، لأن هؤلاء الثلاثة لم يكذبوا على الرسول كما فعل المنافقون، وانما قالوا بمنتهي الصدق أنهم أخطئوا في عدم الخروج، فكان صدقهم سبب نجاتهم، وسبب توبة الله عليهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية فيها قولان:
يقول تعالى
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ)
قيل انها نزلت في أهل الكتاب، وهم اليهود والنصاري:
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) يعني يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏ بموسي وهم اليهود، و يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏ بعيسي وهم النصاري
(ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) يعنى أمنوا بمحمد ﷺ. 
(وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) وَكُونُواْ مَعَ صحابة رسول الله ﷺ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
القول الثاني: أن الخطاب للمؤمنين
يعني: يَٰٓا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
(ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) باتباع اوامره واجتناب نواهيه. 
(وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) يعنى: وَكُونُواْ مَعَ أهل الصدق في الأقوال والأفعال.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والآية تحتمل المعنيين: أن الخطاب لأهل الكتاب من اليهود والنصاري، والخطاب للمؤمنين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول الشيعة أن المقصود بقوله تعالى (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) يعنى مع "على بن أبي طالب" رضى الله عنه، ونسبوا هذه الرواية لإبن عباس ، ونحن -أهل السنة- نقول أن "على بن أبي طالب" من ضمن ٱلصَّٰادِقِينَ ، وهو -رضى الله عنه- على رأس ٱلصَّٰادِقِينَ، مع أبي بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من خيرة الصحابة -رضى الله عنهم جميعًا- 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن على افتراض صحة نسب هذه الرواية لإبن عباس، نقول أن ابن عباس حين أسقط هذه الآية الكريمة على الحدث التاريخي الذي كان موجودًا في هذا الوقت، وهو المواجهة بين على -رضى الله عنه- وبين معاوية، أول قوله تعالى (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) يعنى كُونُواْ مَعَ "على" لأن الحق كان مع "على بن أبي طالب" وهذا التأويل صحيح لإبن عباس -رضى الله عنهما- 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية فيها فضل الصدق، وكمال درجة الصدق.
ذهب رجل الى أحد العلماء أرباب السلوك -يعنى من العالماء المربين- وقال له: اني أريد أن أتوب إلا أني أحب الخمر والزنا والسرقة والكذب، ولا طاقة لي على تركها بأسرها، فامرني بترك واحدة منهم، فقال له الشيخ المربي "اترك الكذب" فلما خرج من عنده عرض له الخمر، فقال في نفسه: إن شربت وسألني الشيخ عن شربها وكذبت فقد نقضت العهد، وإن صدقت كان هذا خزي لى، فترك شرب الخمر، ثم عرض له الزنا، فجاء ذلك الخاطر فتركه، وكذا في السرقة، فعاد إلى الشيخ وقال له: ما أحسن ما فعلت، لما منعتني عن الكذب انسدت أبواب المعاصي كلها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك روي في الصحيح أن الرسول ﷺ قال "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة"
و البر كلمة جامعة لكل أوجه اخير.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسأل النبي ﷺ: يا رسول الله أيكون المؤمن جبانًا‏ ؟‏ قال نعم‏
قيل‏:‏ أيكون المؤمن بخيلاً‏؟‏ قال‏:
نعم‏. 
قيل‏:‏ أيكون المؤمن كذاباً‏؟‏ قال‏: لا‏.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت ‏"‏ما كان خلق أبغض إلى رسول الله ﷺ من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة، فما يزال في نفسه، حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة‏"‏‏.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن أسماء بنت عميس -زوجة جعفر بن أبي طالب- قالت: "كنت صاحبة عائشة التي هيأتها، فأدخلتها على النبي ﷺ في نسوة، فما وُجدنا عنده قرى إلا قدح من لبن، فتناوله فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت منه فقلت‏:‏ لا تردي يد رسول الله ﷺ ‏.‏ فأخذته فشربته، ثم قال ﷺ‏:‏ ناولي صواحبك‏،‏ فقلت‏:‏ لا نشتهيه‏، فقال ﷺ‏: لا تجمعن كذباً وجوعاً‏، فقلت‏:‏ إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي أيعدُّ ذلك كذبٍا‏؟‏ فقال ﷺ‏:‏ "إن الكذب يكتب كذباً، حتى الكذيبة تكتب كذيبة‏"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن أنس قال‏:‏ إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة يكذبها‏.
وسئل شريك بن عبد الله: يا أبا عبد الله، رجل سمعته يكذب متعمدا أأصلي خلفه ؟ قال لا .


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

أيضًا قوله تعالى: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فيها فضل الأخوة في الله، وفضل الصحبة الصالحة.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: "م
ثَلُ الجليس الصالح والسوء، كحامِل المسك ونافخ الكير؛ فحامِلُ المسك إمَّا أن يُحذِيك، وإمَّا أن تبتاعَ منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أنْ تجد ريحًا خبيثة"
اذن قوله تعالى:
(وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فيها فضل الأخوة في الله، وفضل الصحبة الصالحة، وفيها حث للمؤمن أن يسعي الى أن يعيش في بيئة مؤمنة، يكون فيها الصدق سائدا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والصدق نوعان: صدق في القول، وهو صدق الحديث، وعدم الكذب.
وصدق في الإيمان، يعنى اذا قلت انا مؤمن، لا يخالف لسانك عملك، فتكون أفعالك أفعال المؤمنين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الاية أخذ منها الفقهاء أن الإجماع حجة، لأن الله تعالى قال (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) يعنى كونوا مع الجماعة المؤمنة، فأخذوا من ذلك أن الإجماع حجة، وأن الإجماع من مصادر التشريع.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وهذه الاية الكريمة هي التى احتج بها أبو بكر الصديق يوم السقيفة، حين اختلف الصحابة بعد وفاة الرسول ﷺ في اختيار خليفة للرسول ﷺ، وأراد الأنصار أن يكون الخليفة منهم، فرفض أبو بكر وعمر، فقال الأنصار: منكم أمير ومنا أمير، فرفض -كذلك- أبو بكر وعمر وأصرا أن يكون الخليفة من المهاجرين من قريش، لأن العرب لن ترضى أن تبايع الا رجلًا من قريش، قال لهم أبو بكر: "ما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا" 
ثم قال لهم أبو بكر: يا معشر الأنصار، إن الله يقول في كتابه‏:‏ (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ثم قال لهم: ‏من هم‏؟‏ قالت الأنصار‏:‏ أنتم هم‏.
‏ قال‏:‏ فان الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)‏ فأمركم أن تكونوا معنا، ولم يأمرنا أن نكون معكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء‏، وانتهي الأمر الى بيعة أبي بكر بالخلافة.

مكان سقيفة "بنى ساعدة"

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇