Untitled Document

عدد المشاهدات : 208

الحلقة (522) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (75) الى (78) من سورة "التَوْبًة" (وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ ……

الحلقة رقم (522)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

تفسير وتدبر الآيات من (75) الى (78) من سورة "التوبة" ص 199
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ ﴿٧٦﴾ فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ﴿٧٧﴾ أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ ﴿٧٨﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿٧٥﴾
نزلت هذه الآيات في رجل اسمه "ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ" وكان "ثَعْلَبَةَ" من الذين شهدوا بدرًا، وكان رجلًا فقيرًا فأتي النبي ﷺ وقال له: يا نبي الله ادْعُ اللَّهَ أَنْ يرزقني مالا. فَقَالَ له الرسول ﷺ: "وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ" فطلب مرة أخري، فقال له الرسول ﷺ: "أمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ؟ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ تَسِيلَ مَعِيَ الْجِبَالُ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَسَالَتْ" فقَالَ ثَعْلَبَة: "وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِيَ مَالا لأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ" فدعا النبي ﷺ وقال: "اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالا" فما لبث أن مات ابن عم له فرث منه مالًا، ثم اتخذ غَنَمًا فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، حتى ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ، فخرج الي واديًا، وجَعَلَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي الْجَمَاعَةِ وَيَتْرُكُ مَا سِوَاهُمَا، ثُمَّ نَمَتْ وكَثُرَتْ وبعد بها، حَتَّى تَرَكَ الصَّلَوَاتِ كلها إِلا الْجُمُعَةَ، ثم تَرَكَ الْجُمُعَةَ، وسأل عنه الرسول ﷺ، فلما علم أمره قال: "يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ" 
هذا الأمر يحدث مع كثير من الناس، تجد شاب محافظ على الصوات الخمس في المسجد، ويجتهد في حفظ القرآن، وفي حضور الدروس، بمجرد ان يبدأ العمل، لا تراه في المسجد أبدًا.
تجد شباب مجتمعين على عمل الخير.. زيارات لدور الأيتام وزيارات لدور المسنين.. ويسافروا الى القري توصيل مياه وبناء.. بمجرد ان يتزوج الشاب.. أو تتزوج البنت.. لا علاقة له بأي عمل خيري.
ما وقع فيه ثعلبة -للأسف- يقع فيه الكثير..


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

فلما فرضت الصدقة، بعث الرسول ﷺ رجلين على الصدقة، وكتب لهما كَيْفَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ حتى مُرَّا بِثَعْلَبَةَ ، فنظر في كتاب الرسول ﷺ فقال: مَا هَذَا إِلا أُخْتُ الْجِزْيَةِ، انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي، فأتيا النَّبِيَّ ﷺ فَلَمَّا رَآهُمَا الرسول ﷺ قَالَ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا: يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، ونزل قول الله تعالى (وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ) الى آخر الآيات الكريمة، وكان عند رسول الله ﷺ رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ فَلما سَمِعَ الآيات انطلق حَتَّى أَتَى ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: وَيْحَك يَا ثَعْلَبَةَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ  قرآن، نزل فيك كَذَا وَكَذَا، فانطلق ثَعْلَبَةُ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ صَدَقَتَهُ، فَقَال ﷺ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ، فَجَعَلَ ثَعْلَبَةَ يَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ الرَسُولُ ﷺ "قَدْ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تَطِعْنِي" 
فلما مات الرسول ﷺ واستخلف أبو بكر، جاء الى أبي بكر وطلب منه أن يقبل صدقته، فأبي أبو بكر، وقال له: لم يقبلها منك رسول الله وَأَقْبَلُهَا أَنَا! فَلَمَّا مات أبو بكر ووَلِيَ عُمَرُ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إقْبَلْ صَدَقَتِي فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلا أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ! فلما مات عمر وجاء عثمان سأل عثمان أن يبقل منه صدقته فأبي ثم مات ثَعْلَبَةُ وهو فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ بن عفان. 

قال ثعلبة: مَا هَذَا إِلا أُخْتُ الْجِزْيَةِ

وَيْحَك يَا ثَعْلَبَةَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ  قرآنًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

البعض يتعجب ويقول أن الله تعالى أخبرنا أنا باب التوبة مفتوح حتى آخر لحظة في حياة الإنسان، وهذا الرجل "ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ" جاء تائبًا الى رسول الله ﷺ فلم يقبل الله منه توبته، وجاء الى ابي بكر وعمر وعثمان، أي كان عنده إصرار على التوبة (!) 
نقول الإجابة في قوله تعالى
(فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُ) يعنى هو لم يتب في الحقيقة، لأن "التوبة ندم" كما قال الرسول ﷺ والندم عمل قلبي، يعنى التوبة عمل قلبي، والله تعالى أطلع على قلب "ثَعْلَبَةَ" ولم يجد فيه التوبة، وانما وجد في النفاق.
يقول تعالى: (فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُ) يعنى عاقبه الله تعالى بأن جعل فِي قلبه النفاق إِلَىٰ أن يلقي الله تعالى به يَوۡمِ القيامة.
أحيانًا إذا أسرف العبد على نفسه في المعاصي، أو ارتكب معصية كبيرة، مثل "ثَعْلَبَةَ": عاهد الله -تعالى- أمام الرسول ﷺ ثم نقض العهد.
فالإنسان يخشى، إذا أسرف على نفسه في الذنوب، أو ارتكب معصية كبيرة، أن يفسد قلبه، بحيث يكون غير صالح للتوبة، مثل عضو في جسم الإنسان غير قابل للعلاج، ولذلك قال تعالى (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) يقول الرسول ﷺ
(إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت) فذلك قول الله (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ان الاية فيها دروس كثيرة:
أولًا: أياك الدنيا تاخدك عن الطاعة والعبادة وصحبة الصالحين، كما حدث لثعلبة.
ثانيًا: اياك أن تغتر بالطاعة، واسأل الله -تعالى- دائمًا الثبات على الأمر، لأن "ثَعْلَبَةَ" كان من أهل بدر، ثم انتهي به الأمر الى النفاق.
ثالثًا: ارض بما قسم الله لك، وارض بما أقامك الله فيك.. بلاش يكون طموحك هو الدنيا.. اجعل طموحك هو الآخرة.. بدلًا من أن يكون حلمك أن يكون عندك فيلا في كمباوند .. اجعل طموحك أن يكون لك قصرًا في الجنة.
رابعًا: إذا عاهدت الله تعالى على أمر أو نذرت نذر، اياك أن تنقض عهدك مع الله، ومجرد أن عقدت النية هذا عهد بينكم وبين الله.
خامسًا: اياك والاسراف في الذنوب.. اياك والكبائر... يخشي لمن يسرف في الذنوب.. يخشي لمن يرتكب الكبائر أن يفسد قلبه.. ويكون قلبه غير صالح للتوبة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِ) يعنى ان وسَّعَ علينا في الرزق وآتانا مالًا كثيرًا 
(لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ) يعنى نعمل في المال عمل ٱلصَّٰالِحِينَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ ﴿٧٦﴾
(فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِ) يعنى: فَلَمَّآ أعطاهم مالًا كثيرًا كما طلبوا.
(بَخِلُواْ بِهِ) َبَخِلُواْ بهذا المال.  
(وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ) التولي هو الانصراف، والإعراض هو رفض الشيء، أصلها أن يعطي عرضه.
اذن هناك فرق بين التولي والإعراض.. تولى عن الشيء يعنى انصرف عنه.. وأعرض عنه رفض هذا الشيء. لأن من الممكن أن ينصرف عن شيء ثم يعود اليه مرة أخري.. ولكن إذا انصرف عنه وهو معرض عنه، فهذا يعنى أنه لن يعود اليه مرة أخري.  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُ) يعنى عاقبهم الله بأن جعل فِي قلوبهم النفاق إِلَىٰ أن يلقوا الله -تعالى- به يَوۡمِ القيامة.
(بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ) يعنى بسبب أنهم أخلفوا ما عاهدوا الله عليه. 
(وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ) وبسبب كذبهم، وهذا يدل على أنه كانت هناك نية مبيتة على عدم الوفاء بالعهد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ ﴿٧٨﴾
وأَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ هؤلاء المنافقون، وأَلَمۡ يَعۡلَم هؤلاء الذين حاولوا قتل الرسول ﷺ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ (سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ) يعنى الله يعلم ما يسرون في أنفسهم، يعلم ما يفكرون فيه، ويعلم ما في قلوبهم.
(وَنَجۡوَىٰهُمۡ) يعنى يعلم ما يتناجون به فيما بينهم من أقوال فاسدة.
(وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ) 
يعنى: وَأَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَم كل شيء، ولا يغيب عنه أي شيء.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇