Untitled Document

عدد المشاهدات : 259

الحلقة (515) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (53) الى (59) من سورة "التَوْبًة" )قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا ……

الحلقة رقم (515)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

تفسير وتدبر الآيات من (53) الى (59) من سورة "التوبة" ص 195
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡها لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡما فَٰسِقِينَ ﴿٥٣﴾ وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ ﴿٥٤﴾ فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ ﴿٥٥﴾ وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡم  يَفۡرَقُونَ ﴿٥٦﴾ لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَ‍ًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ ﴿٥٧﴾ وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ ﴿٥٨﴾ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ ﴿٥٩﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

لا زالت الآيات تتحدث عن المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج مع الرسول ﷺ في غزوة "تبوك" وهؤلاء المنافقون جائوا واعتذروا الى الرسول ﷺ عن الخروج، ومن هؤلاء المنافقون من جاء الى الرسول ﷺ وقال له: أقعد ولكن أعينك بمالى، فقال تعالى: (قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡها لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡما فَٰسِقِينَ ﴿٥٣﴾ 
(قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا) يعنى ان أنفقتم بإرادتكم، دون التزام عليكم، كما دعا الرسول ﷺ الى تجهيز الجيش الذي سيخرج الى "تبوك" من غير الزام على أحد.
(أَوۡ كَرۡها) يعنى غصبًا عنكم، وهي الزكاة المفروضة، وقال (كَرۡها) لأنهم منافقون فكان اخراجها على كره منهم.
فالمعنى: سواء أنفقتم بارادتكم أو رغمًا عنكم فلن يتقبل الله تعالى منكم هذه النفقة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن هل المنافق ينفق تطوعًا منه؟ نقول نعم كان من المنافقين من ينفق، حتى يستتر بذلك ولا ينكشف نفاقه، كما كان بعضهم يحرص على الصلاة في الصف الأول حتى لا يفتضح نفاقه.  
فيقول تعالى سواء ما أنفقتم من أموال تطوعًا منكم، أو كانت زكاة مفروضة عليكم، فهذه النفقات لن يتقبلها الله تعالى منكم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا؟ (إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡما فَٰسِقِينَ) يعنى لأنكم قَوۡما فَٰاسِقِينَ.
والفسق هنا بمعنى الكفر.
لأن الفسق لغة هو الخروج لغرض الإفساد، ولذلك سميت الفأرة "فويسقة" لأنها نخرج من جحرها فتفسد، وقالوا "فسقت الرطبة" يعنى خرجت عن قشرتها، لأنها إذا خرجت عن قشرتها تفسد. ولذلك الفسق يمكن أن يأتي بمعنى المعصية يعنى الخروج عن طاعة الله، ويمكن أن يأتي بمعنى الكفر يعنى الخروج عن منهج الله.
هنا الفسق يعنى الكفر، يعنى لم تقبل أعمالكم لأنكم كافرين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ ﴿٥٤﴾
(وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ -يعنى صدقاتهم- إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)
هنا حدد الفسق الذي في الآية السابقة بأنه فسق الكفر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 انظر الى هذا التعبير القرآني الفريد، قال تعالى (وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ) 
التقدير: وَمَا مَنَعَ من أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ، ولكن الله -تعالى- قال (وَمَا مَنَعَهُمۡ) ليشير الى أن المنع لا يقع ضرره الا عليهم هم وحدهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك تقدير آخر لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ) يعنى: وَمَا مَنَعَ الله أَن يقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰاتُهُمۡ.
ولكن الله تعالى منزه من أن يمنعه أحد
، ولذلك جائت الآية بهذا الأسلوب الفريد: (وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ)  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهنا تحدث العلماء، هل الكافر مهما عمل من أعمال حسنة، ليس له اي ثواب في الآخرة؟
نقول نعم ليس له ثواب في الآخرة، لأنه لم يعمل لله، فيكف يرجوا ثواب من الله.

ومع ذلك الكافر .. أو غير المسلم .. الذي يعمل أعمال حسنة .. تخفف عنه العذاب يوم القيامة.. 
بدليل أن أقل الناس عذابًا يوم القيامة هو "أبو طالب" لدفاعه عن الرسول ﷺ.
وعموم الكفار يوم القيامة ليسوا مثل فرعون وأبو جهل مثلًا.
فكما أن الجنة درجات، فالنار دركات أيضًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقالوا إن الرجل اذا أسلم تكتب له أعمال البر التي قام بها وهو على غير الإسلام.
وهذا من كرم الله تعالى، لأن الرجل إذا أسلم تمحي عنه جميع الخطايا التي ارتكبها قبل الإسلام "الإسلام يجب ما قبله" انما العكس غير صحيح، تكتب له أعمال البر التي قام بها قبل الإسلام.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ) 
اذن من علامات النفاق أداء الصلاة بتكاسل وتثاقل، وهذا يعنى أنه يجب عليك أداء الصلاة بإقبال ونشاط،
وقال بعض المفسرون: المعنى أنه إن كان في جماعة صلى، وإن كان وحده لم يصل.
يقول تعالى
(وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ)
يعنى من علامات النفاق –أيضًا- أداء الزكاة وهو كاره لها
وعلى العكس من صفة المؤمن أن تكون النفس طيبة عند أداء الزكاة، يقول الرسول ﷺ " و أدُّوا زكاةَ أموالِكم، طَيِّبَةً بها أنفسُكم" 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والآية لا نقول أن من يقوم الى الصلاة متكاسلًا هو منافق، ولا من ينفق وهو كاره -لأنه انسان بخيل- هو منافق، ولكن تقول -تنفيرًا من هذه الأحوال- أن هذه من صفات المنافقين.
كما نقول صفة المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، واذا أؤتمن خان" ليس معنى أن الكذاب منافق، ولكن هذه صفة من صفات المنافقين، تنفيرًا من هذه الصفة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ ﴿٥٥﴾
يقول تعالى في سورة الكهف (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) والغريب أن الناس تذكر الآية في معرض المدح للأموال والأولاد ، نقول له: قال تعالى: (زينة الحياة الدنيا) وطالما زينة يعنى شيء يخدعك ويراك تري الأشياء على غير حقيقتها.
فالمال والبنون وغيرها من حطام الدنيا، تجعلك تري الدنيا على غير حقيقتها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا يقول تعالى (فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) 
يعنى لَا تُعۡجِبۡكَ يا محمد -والخطاب لكل المؤمنين- َلا تُعۡجِبۡكَ ولا تغتر بأَمۡوَٰال المنافقين وبأَوۡلَٰادُهُمۡۚ، لأن الله تعالى أعطاهم هذه النعم استدراجًا منه -تعالى- لهم حتى يعذبهم بهذه النعم في الدنيا قبل الآخرة.
نري مثلًا صاحب سيارة فارهة، عمل بها أو عمل ابنه بها حادثة، وظل قعيدًا طوال عمره، تحولت النعمة الى نقمة.
صاحب منصب، كان منصبه سبب في تورطه في قضية ودخل السجن.
صاحب أموال كانت سبب في ادمان ابنه.
وهكذا الأمثلة كثيرة جدًا.

اذن هو يتعب ويشقي بجمع الأموال وفي تنشئة الأولاد -وهذا عذاب في حد ذاته- ثم تكون هذه الأموال والأولاد هي عين النقمة وعين العذاب بعد ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن المصائب في الأموال أو الأولاد أو غير ذلك، أمر مقدر على كل الناس سواء المؤمن او الكافر، فهل هي عذاب للكافر وليست عذبًا للمؤمن. نقول هي بالنسبة للكافر عذاب، لأنه لا يؤجر عليها، أما بالنسبة للمؤمن فهي ليست عذاب لأنه يؤجر عليها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى: (فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ)
كانت العرب تقول: "زهق السهم"‏ إذا خرج عن الهدف‏.
فقوله تعالى
(وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ) يعنى وتخرج أرواحهم من أجسادهم (وَهُمۡ كَٰفِرُونَ) يعنى يظلوا مستدرجين بهذه النعم، وملتهين بهذه النعم، الى ان يموتوا على الكفر.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡم  يَفۡرَقُونَ ﴿٥٦﴾
يعنى ومن صفة هؤلاء المنافقون أنهم يكثرون الحلف بِٱللَّهِ (إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ) يعنى على دينكم.
 المثل العربي يقول "كاد المريب أن يقول خذوني"

(وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ) يعنى على دينكم 
(وَمَا هُم مِّنكُمۡ) يعنى وهم في الحقيقة ليسوا على الإسلام، بل هم أهل شك وكفر ونفاق.  
(وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡم  يَفۡرَقُونَ) الفرق هو شدة الخوف، "رجل فروقة" وهو الشديد الخوف.
 يعنى هم يدعون الإسلام لأنهم يخافون منكم، والخوف من صفة المنافقين، كما قال تعالى (يحسبون كل صيحة عليهم)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَ‍ًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ ﴿٥٧﴾
(لَوۡ يَجِدُونَ) يعنى لَوۡ يجد هؤلاء المنافقون عند بدأ القتال مع الأعداء. مَلۡجَ‍ًٔا أَوۡ مَغَٰارَٰاتٍ أَوۡ مُدَّخَلا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ 
(مَلۡجَ‍ًٔا) "الملجأ" هو المكان الذي يلجأ اليه الخائف حتى يحتمي به، ولذلك في الدول التي تكون في حالة حرب توفر الدولة للمدنيين ملاجيء يحتمون فيها في حالة حدوث غارة أو ما شابه ذلك. 
(أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ) المغارة هي النقب في الجبل.
وسميت بذلك لأن الإنسان يدخل فيه فيغور، يعنى يختفي.
ومنه غار الماء في الأرض، ومنه في اللغة الدارجة "غور" 

❇ ❇ ❇❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أَوۡ مُدَّخَلا) المدخل هو النفق أو السرداب في الأرض الذي يدخل فيه بصعوبة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ) يعنى جروا وهربوا الى في هذه الأماكن.
لأن التولى هو الهروب دون الالتفات الى أي شيء آخر.
ولذلك قال تعالى في سورة آل عمران (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ)

(وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ) والجماح هو أن ينطلق الفرس بحيث يفقد الفارس الذي يركبه السيطرة عليه، وحين يقال هذا على الإنسان، يعنى ينطلق بسرعة بحيث لا يستطيع أحد منعه، وإذا تعرض له أحد يدفعه لينطلق في طريقه سريعًا

والمعنى أن هؤلاء المنافقون من شدة جبنهم إذا كانوا في أي معركة، فبمجرد أن يبدأ القتال، يبحثون عن أي مكان يختبئون فيه من القتال، سواء كان ملجأ أو مغارة أو حتى سرداب في الأرض ينحشرون فيه حتى لا يقاتلوا.
فاذا انتهت المعركة خرجوا من مخابئهم وانضموا الى صفوف المسلمين.
وهذا شيء طبيعي لأنهم لا يؤمنون بالله، فكيف يعرضون حياتهم للخطر من أجل شيء لا يؤمنون به.

وهذا الذي حدث في غزوة "حنين" بمجرد بدأ المعركة، وتعرض المسلمون لهجوم مباغت، فر المنافقون، وكان ذلك سببًا في حدوث الاضطراب في الجيش كله، وكاد أن يؤدي الى هزيمة منكرة للمسملين 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ ﴿٥٨﴾
يعنى من أقوال المنافقين المنكرة ، أنهم كانوا يطعنون على الرسول ﷺ في توزيع الصدقات، ويقولون إن الرسول ﷺ لا يراعي العدل في توزيع الصدقات، وأنه يؤثر أقاربه وأهل مودته.
وذكر المفسرون بعض الروايات في سبب نزول هاتين الايتين:
 من ذلك ما أخرجه البخارى والنسائى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْسِمُ قَسْمًا إِذْ جَاءَهُ المقداد ابْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ ﷺ : وَيْحَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ 

وعن ابن مسعود أن النبى ﷺ قسم غنائم فقال رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فسمعه الرسول ﷺ فقال: رحم الله أخي موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر، يقول ابن مسعود فنزلت هذه الاية.
وروي أن الرسول ﷺ قسم الصدقة، ولم يعط رجل اسمه "أبو الخواص" فقال أبو الخواص: ألا ترون إلى صاحبكم، إنما يقسم صدقاتكم في رعاء الغنم، وهو يزعم أنه يعدل، فقال النبي ﷺ: لا أبالك، أما كان موسى راعيا، أما كان داود راعيا.
وهناك روايات أخري في سبب نزول الآية الكريمة، وهذا يدل على أن كثير من المنافقين كانوا يعيبون على النبي ﷺ ويطعنون عليه، ويتهمونه بعدم العدل والمحاباة في توزيع الصدقات والغنائم، 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمِنۡهُم) أي من المنافقين 
(مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ)  
اللمز لغة هو الطعن، يعنى الانتقاد، يعنى ينتقدون الرسول ﷺ ويعيبون عليه في توزيع الصدقات.
(فإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ) 
يعنى هم يقولون هذا ليس من أجل احقاق الحق كما يدعون، بدليل أنك اذا أعطيتهم رضوا وفرحوا، واذا لم تعطهم سخطوا عليك وعابوا فيك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول أهل المعاني أن هذه الآية تدل على أن من دناءة الطباع وركاكة الأخلاق الشره الى الصدقة


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ ﴿٥٩﴾
(وَلَوۡ أَنَّهُمۡ) يعنى وَلَوۡ أن هؤلاء الذين عابوا عليك في توزيع الصدقات.
(رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ) يعنى: قنعوا وطابت أنفسهم بما قسم الله لهم، وأعطاهم رَسُولُهُ ﷺ. 
(وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ) يعنى يكفينا ٱللَّهُ. 
(سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ وَرَسُولُهُۥٓ) سيرزقنا الله مِن فَضۡلِ خزائنه. 
(وَرَسُولُهُ) يعنى سيعطينا الرسول ﷺ في قسمة قادمة.
(إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰاغِبُونَ) إنا نرغب الى الله وحده وليس لأحد من البشر.
هنا جواب الشرط محذوف تقديره: لكان خيرًا لهم وأفضل.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة يجب ان تكون شعار المؤمن في التعامل مع حطام الدنيا، 
فالمؤمن يجب أن يكون راضيُا عن عطاء الله تعالى مهما كان قليلًا.
لأن هذا عطاء من منزه عن الخطأ، وهو عطاء من "حكيم" وطالما حكيم يعنى يضع كل شيء في موضعه.
والمؤمن لا يطلب الدنيا لذاتها، ولكن حتى يتوسل بها الى مصالح الدين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقوله تعالى (ِانَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰاغِبُونَ) يفيد الاستغراق في العبودية، لأنه لم يقل: انا الى ثواب الله راغبون 
أنه من عبد الله خوفا من ناره فهي عبادة العبيد ، ومن عبده طمعاً في جنته فهي عبادة التجار ، انما العابد من عبد الله حبّاً لله تعالى !
كلهم يعبدون من خوف نار ويرون النجاة حظًّا جزيلا 
أو بأن يدخلوا الجِنان فيَحظوا بنعيم ويَشربوا سَلسبيلا 
ليس لي في الجنان والنار حظٌّ 
أنا لا أَبتغي بحبِّي بديلا

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
البعض لا يعجبه هذا الكلام، ويقول لك أن الرسول ﷺ كان يطلب الجنة ويستعيذ من النار، نقول له المهم أن تصل الى مقام التقوي، وهو أن تأتمر باوامر الله، وتنتهي عن نواهيه، والله قدرت تصل الى هذا المقام عن طريق الخوف من النار، قدرت تصل اليه عن طريق طلب الجنة، قدرت تصل اليه عن طريق حب الله، المهم أن تصل الى مقام التقوي.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇