Untitled Document

عدد المشاهدات : 246

الحلقة (496) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات (64) و (65) و(66) من سورة "الأنْفًال" (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ ……

الحلقة رقم (496)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات (64) و (65) و(66) من سورة "الأنْفًال" ص 185

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٦٤﴾ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ﴿٦٥﴾ ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿٦٦﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٦٤﴾
(حَسۡبُكَ ٱللَّهُ) يعنى يكفيك الله، عندما نقول "حسبنا الله ونعم الوكيل" يعنى يكفينا الله.
نعم نقول في التعبير الدارج "أنا حسبت على فلان" أو "حسبي الله ونعم الوكيل في فلان" يعنى: يكفينى الله في مواجهة فلان.
فقول الله تعالى
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ) يعنى يكفيك الله في مواجهة أعدائك.
(حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) يعنى ويكفيك من اتبعك مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ.
مهما كانت أعدادهم قليلة، فهم يكفونك أعدائك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل أن المعنى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ) يعنى يكفيك الله.
(وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) وحسب من اتبعك من المؤمنين الله.
يعنى: حسبك أنت وهم الله، يكفيك أنت وهم الله.
قال بعض العلماء: الآية تعنى الوجهين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل إن هذه الآية نزلت في البيداء، يعنى  في الصحراء، والرسول ﷺ في طريقه الى بدر. 
وقيل أنها نزلت في اسلام عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ، ولم يكن قد آمن بالرسول ﷺ الا ثَلاثَةٌ وَثَلاثُونَ رَجُلاً، وَسِتُّ من النساء ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ، فأصبح عدد المسلمون بعد خمسة سنوات من الدعوة، أربعون رجلًا وامرأة، فنزل قول الله تعالى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) 
وهذه من  أعظم مناقب عمر -رضى الله عنه- أنه بعد أن أسلم، نزل قوله تعالى (حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وأيا كان سبب نزول الآية الكريمة، فالآية عامة فى كل حركة من حركات المسلم في الحياة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ) يعنى حثهم وشجعهم عَلَى ٱلۡقِتَالِ في سبيل الله.
وهكذا كان يفعل النبي ﷺ أنه كان يحرض الجيش قبل القتال، في غزوة بدر مثلًا، بعض أن اصطف الجيشان قال الرسول ﷺ لأصحابه "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" فقال أحد الصحابة وهو "عمير بن حمام": عرضها السماوات والأرض؟ قال الرسول ﷺ: نعم، فقال "عمير بن حمام": أرجو أن أكون من أهلها يا رسول الله، فقال ﷺ: انك من أهلها، فتقدم "عمير بن حمام" فكسر جَفْن سيفه، ثم أخرج تمرات فجعل يأكل منها ليتقوي على القتال، ثم ألقاها من يده وقال: لئن أنا حييت حتى آكلهن، انها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل -رضى الله عنه-


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَة يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ)
اذن العدد الذي حدده الله تعالى هو أن المسلم يقاتل وحده عشرة من الكفار وينتصر عليهم. 
ثم يقول تعالى
(بِأَنَّهُمۡ قَوۡم لَّا يَفۡقَهُونَ) 
يعنى السبب في أن المسلم يتفوق ويغلب وحده عشرة مقاتلين أن هؤلاء الكفار (لَّا يَفۡقَهُونَ) 
ما معنى: لَّا يَفۡقَهُونَ؟ 
الفقه لغة هو الفهم، يقول تعالى
(يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ) 
فمعنى قوله تعالى: (بِأَنَّهُمۡ قَوۡم لَّا يَفۡقَهُونَ) يعنى: لأنهم لا يفهمون.
لَّا يفهمون ماذا؟
لا يفهمون حقيقة الحياة،  ولا يفهمون أن هناك آخرة، وأن هناك حياة أخري أبدية بعد الحياة الدنيا، ولذلك فان هدفه الأول في القتال هو أن يحافظ على حياته، حتى لو أدي ذلك الى هزيمة جيشه، أما المؤمن فهو يقبل على القتال اقبال من يريد الموت وليس الحياة، ولذلك كانت الرسالة المزلزلة التي كان يرسلها "خالد بن الوليد" حين يقاتل الفرس أو الروم: أتيتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة. ولذلك يقول تعالى في سورة التوبة
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ) اما أن أنتصر وأنال ثواب الجهاد، وهو ثواب عظيم، وذروة سنام الإسلام، واما أن أموت شهيدًا وأكون في أعلى درجة في الجنة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الآية فيها حكم شرعي، وفيها وعد من الله تعالى.
الحكم الشرعي انه لا يجوز للمسلم أن ينسحب من أمام عشرة أو أقل من عشرة.
أما الوعد من الله تعالى فهو أن جيش المسلمون يستطيع أن يتغلب على عشرة أضعاف عدده.

لأن الله تعالى لا ينزل حكمًا الا اذا كان في استطاعة المكلف، قال تعالى
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) طالما كلفك، يبقي هذا التكلف في وسعك، وفي حدود طاقتك.
طالما كلفك الله تعالى بان تقاتل وحدك عشرة مقاتلين، فلابد أنك تستطيع أن تقاتل وحدك عشرة مقاتلين، وأن تتغلب عليهم.
ولكن بشرط ماذا؟
بشرط الصبر في القتال
قال تعالى
(إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ) وبشرط أن يكون صبرك أشد من صبر عدوك، لأن عدوك عنده صبر في القتال، المطلوب أن يكون صبرك اشد من صبر عدوك، (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) وصابروا يعنى أن يكون صبرك أقوي من صبر عدوك.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿٦٦﴾
خفف الله تعالى الحكم في هذه الآية: فبدلًا من عدم جواز انسحاب المسلم الا اذا كان يقاتل أكثر من عشرة ، أصبح عدم جواز انسحاب المسلم الا اذا كان عدوهم اكثر من الضعف.
ولكن التخفيف جاء وفيه الحث على عدم الأخذ بهذا التخفيف.
كأنه بيقولك هوه ده الحكم، بس يا ريت ما تخدش بيه.
قال تعالى
(ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ) 
طالما خَفَّفَ عَنكُمۡ، يعنى تقدرون أن تأخذوا بالعزيمة.
عندما تعطي أحدهم شيئًا وتقول له: هذه خفيفة عليك، معنى ذلك أنه يستطيع أن يحمل الأثقل منها.
اذن عندما يقول تعالى أنه قد خَفَّفَ عَنكُمۡ، يعنى أنتم تستطيعون أن تتحملوا الحكم الأشد.
يعنى هذه رخصة من الله تعالى لكم ولكن الأفضل أن تأخذوا بالعزيمة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قالها تعالى بمنتهي الوضوح (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفاۚ) يعنى الذي يأخذ بهذا الحكم -وهو التخفيف- هذا بسبب ضعفه.
يعنى هذا الحكم يمكن أن يؤخذ به في حالات الضعف فقط، سواء ضعف بدني، أو ضعف في العتاد، أو ضعف في التدريب، أما في حالة القوة فلا تأخذ بهذا الحكم. 
وقد فقد فهم المسلمون هذه المعاني من الله تعالى، ففي كل معارك المسلمين كان أعدائهم أكثر من الضعف، ومع ذلك لم يكن المسلمون ينسحبون أبدًا من أمام عدوهم، بل كانوا المسلمون يثبتون ويقاتلون وينتصرون.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
•    في معركة اليرموك سنة 15 هـ عدد المسلمون 36.000 والرومان 240.000 أي حوالى سبعة أضعاف، وانتصر المسلمون، بقيادة خالد بن الوليد.
•    في نفس العام 15 هـ في معركة القادسية: عدد المسلمون 30.000 وعدد الفرس 200.000 يعنى -أيضًا- حوالى سبعة أضعاف، وانتصر المسلمون بعد أربعة ايام من القتال.
•    سنة 21 هـ معركة "نهاوند" بين المسلمين والفرس: عدد المسلمون 30.000 وعدد الفرس 150.000 وانتصر المسمون انتصارًا كبيرًا.
•    في سنة 92 هـ في عهد الدولة الأموية معركة "وادي لكة": عدد المسلمون 12.000 وجيش القوط الغربيين 100.000 يعنى أكثر من ثمانية أضعاف المسلمين، وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا، وسقطت دولة القوط الغربيين
•    في معركة ملاذ كرد سنة 463 هـ كان عدد المسلمون 20.000 وعدد الروم 200.000 يعنى عشرة أضعاف، وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا، بقيادة "ألب أرسللان" واسر في هذه المعركة امبراطور الدولة البيزنطية.
•    معركة "حطين" 583 هـ المسلمون 25.000 والصليبيين 63.000 يعنى حوالى ثلاثة أضعاف، وانتصر المسلمون واستعادوا بيت المقدس.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
•    في زمن الرسول  في السنة الثامنة من الهجرة، كانت معركة "مؤتة" بين المسلمون وبين الدولة الرومانية، وكان عدد المسلمون 3000 وعدد الروم 200.000 يعني 66 ضعف، يعنى كل مسلم كان المفروض أن يقاتل 66 مقاتل محترف، وتشاور المسلمون قبل القتال، وانتهوا الى أن يدخلوا المعركة، واستمرت المعركة ثلاثة أيام، ثم انسحب المسلمون بعد الثلاثة ايام، وعدد الشهداء من المسلمون 14 فقط، وعدد القتلي من الروم 3000


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

اذن لم يأخذ المسلمون بهذا التخفيف في معاركهم، لأن الله تعالى قد وصف من يأخذ بهذا التخفيف بالضعف.
اذن هذه الآية الكريمة ليست ناسخة للآية السابقة، بل هي مكملة للآية السابقة.
فالآية الأولى قالت أن المسلم القوي الإيمان يمكن أن يتغلب على عشرة، والآية الثانية قالت أن المسلم الضعيف، سواء ضعيف البنية، أو ضعيف الإيمان، أو ضعيف في التدريب، أو ضعيف الجلد، أو غير ذلك من صور الضعف، هذا المسلم الضعيف ومهما بلغ ضعفه يمكن أن يتغلب على اثنين، ولا يجوز للمسلم أن ينسحب الا اذا كان عدد أعدائه أكثر من الضعف، لكن اذا كان العدد الضعف أو أقل من الضعف ثم انسحب يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر، وهي كبيرة "الفرار يوم الزحف" 
اذن الآيتين الأولى والثانية مكملتين بعضهما البعض، وتعطي مساحة للمسلمين في الاقبال أو الإدبار عن العدو، على حسب قوة المسلمين أو ضعفهم، لأن أحوال المسلمون تختلف من وقت الى آخر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ)
يعنى بمعونة الله وتوفيق الله.
 (وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ)
التذييل يعطي السر في انتصار أعداد المسلمون القليلة على أعداد الكافرين الكثيرة، وهو أن الله تعالى معهم.
ويقول لهم في نفس الوقت أن المطلوب منكم حتى تحققوا معية الله تعالى لكم: الصبر والجلد في القتال.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇