Untitled Document

عدد المشاهدات : 241

الحلقة (493) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (55) الى (59) من سورة "الأنْفًال" (إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ……

الحلقة رقم (493)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (55) الى (59) من سورة "الأنْفًال" ص 184

         

(إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴿٥٥﴾ ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ ﴿٥٦﴾ فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ﴿٥٧﴾ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ ﴿٥٨﴾ وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ ﴿٥٩﴾

         

(إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴿٥٥﴾
(إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ) يعنى إِنَّ شَرَّ المخلوقات.
وأصل ٱلدَّوَآبِّ هي كل ما يدب على الأرض.
وذكرت
(إِنَّ) للتأكيد.
(إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ)
فالكافر في مرتبة أحط من الحيوانات، فهو أقل من الحيوانات المفترسة، واقل من الخنزير وأقل من الحمار، وأقل حتى من الحشرات، والديدان، وفي المقابل المؤمن في مرتبة أعلى من الملائكة.
(إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ) قال (عِندَ ٱللَّهِ) لأن هذا الكافر قد يكون ذو مكانة وذو وجاهة وذو سلطة، ومحترم بين الناس، ولكن الحقيقة أنه عند الله ليس كذلك، بل هو شر المخلوقات.
كمن يقول لصاحبه الناس لا تحترمنى، فتقول له: ولكنك عندي غير ذلك.
(فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ) يعنى مصرين على الكفر.
لأن كل الصحابة كانوا كفارًا، ثم آمنوا بعد ذلك، وهناك من تأخر ايمانه، ولكن البعض أصر على الكـفر، فهؤلاء هم (َشَرَّ َ ٱلدَّوَآبِّ)


         

(ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ ﴿٥٦﴾
يعنى من صفات هؤلاء، الذين قال الله تعالى عنهم أنهم "شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ" أنهم ينقضون عهدهم فِي كُلِّ مَرَّةٖ.

         

والآية نزلت -كما قلنا- في يهود "بنى قريظة" ذلك أن الرسول ﷺ عندما هاجر من مكة الى المدينة، عاهد يهود المدينة، وهم قبائل "بنى قينقاع" و"بنى النضير" و"بنى قريظة" على ألا يحاربوه، ولا يعينوا عليه أحد، "مسالمة" ولكن يهود "بنى قريظة" نقضوا العهد الذي بينهم وبين الرسول ﷺ وأمدوا المشركين بالسلاح في غزوة بدر، فما انتصر المسلمون اعتذروا الى النبي ﷺ وقالوا له: نسينا وأخطئنا، فعفا عنهم الرسول ﷺ وعاهدهم مرة أخري، ولكنهم عادوا ونقضوا العهد مرة الأخرى، وخرج "كعب بن الأشرف" ومعه عدد من أشراف اليهود، وأخذوا يدعون القبائل الى حر ب الرسول ﷺ ونجحوا في تحزيب الأحزاب، واجتمعت القبائل لمحاربة الرسول ﷺ في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة، ثم لما حاصرت جيوش الأحزاب المدينة وحفر المسلمون الخندق في شمال المدينة، اتفقوا يهود "بنى قريظة" مع المشركين على السماح لجيوش الأحزاب بمهاجمة المدينة من جهتهم، وهي جهة الجنوب، وكادوا ان يكونون ذلك سببًا في القضاء على الدولة الإسلامية في المدينة، لولا أن أفشل المسلمون هذا الاتفاق.
         

يقول تعالى (ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ) وهم يهود بنى قريظة، وتشمل كل من اتصف بصفتهم الى يوم القيامة.  
(ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّة) يعنى (فِي كُلِّ مَرَّة) يجب عليهم الوفاء بالعهد، وفي كل مرة يتعرضون للإختبار، فانهم ينقضون عُهُودَهُم
(وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ) يعنى َوَهُمۡ لَا يَخافون الله تعالى.
يعنى ينقضون العهد مرة بعد، وهم يعلمون أنهم ينقضون العهد مع الرسول ﷺ، دون أن يخافون عقاب الله تعالى.

         

(فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ﴿٥٧﴾
(تَثۡقَفَنَّهُمۡ) كانت العرب تقول: ثقفه يعنى وجده وتمكن منه.
فقوله تعالى:
(فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ) يعنى إن واجهتهم فِي ٱلۡحَرۡبِ وتمكنت منهم.

         

(فَشَرِّدۡ بِهِم) التشريد هو الطرد والإبعاد، ومنه طفل مشرد.
فمعنى قول الله تعالى:
(فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ) يعنى: ان قابلت هؤلاء الناقضين لعهودهم في الحرب (فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ) يعنى اقتلهم ونكل بهم تنكيلًا يفزع ويخيف ويفرق ويبدد (مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ) يعنى غيرهم  من الكفرة والمجرمين.
(لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ): يعنى لَعَلَّهُمۡ يتعظون فيرتدعوا.
يعنى: عاقبوا الذين ينقضون معكم العهد عقابًا، ونكلوا بهم تنكيلًا بحيث يكونوا عبرة لغيرهم، ولا يجرؤا أحد على نقض العهد معكم أبدًا.
يقول المثل العامي: "اضرب المربوط يخاف السايب".
سُئل أحد الفرسان المعروفين: كيف صار الفوارس يخافونك؟ قال: إذا ظفرت بفارس ضربته ضرباً منكراً ليخاف من وراؤه فلا يجترئوا أحدهم عليَّ!! 


         

(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ ﴿٥٨﴾
هذه توجيهات من الله تعالي للرسول ﷺ خاص بامور الحرب والسياسة: فيقول تعالى
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَة) يعنى اذا كان هناك هدنة أو عهد أو مسالمة بينك وبين غيرك، ثم خشيت أن ينقضوا هذه الهدنة، بسبب دلائل وامارات ظهرت لك تدل على أنهم قد ينقضوا هذه الهندنة.
(فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ) يعنى لا تنتظر حتى ينقضوا العهد، لأتك اذا انتظرت فقد يفاجئوك الهجوم، ولكن بادر أنت (فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ) النبذ هو الطرح والرمي.
يعنى قم بإلغاء هذا المعاهدة الذي بينك وبينهم.
وقوله تعالى
(عَلَىٰ سَوَآءٍۚ) يعنى أعلمهم بانهاء هذه المعاهدة، بحيث تكونوا على سواء في العالم بها.


         

قد يقول قائل: كيف يأمر الله تعالى نبيه بنقض العهد بمجرد الظن ودون يقين، يقول تعالى (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَة) (تَخَافَنَّ) يعنى غير متأكد.
نقول لم يقل تعالى (فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ) وسكت، ولكن قال تعالى (فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ) يعنى تعلموهم بإنهاء العهد الذي بينكم، بحيث تكونون أنتم وهم متساويين في العلم بإنهاء العهد، فلا يكون عنصر المفاجأة لا في أيديكم ولا أيديهم. 
اذن من قواعد السياسة في الإسلام أن الله تعالي رخص للمسلمين انهاء العهد مع غيرهم إذا توقعوا منهم الغدر، ولكن بشرط أن يعلموهم بإنهاء هذا العهد.
يقول أبو جعفر النحاس وهو أحد أئمة اللغة والتفسير في القرن الرابع الهجرى:
هذا من معجز ما جاء في القرآن، مما لا يوجد في الكلام مثله، على اختصاره وكثرة معانيه.

         

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ) 
روى البيهقي ان النبي ﷺ قال: "ثلاثةٌ المسلمُ والكافر فيهن سواء، من عاهدتَه فَوَفِّ بعهده، مسلماً كان او كافرا، فإنما العهد لله، ومن كانت بينك وبينه رحِم فصِلْها، مسلما كان او كافرا، ومن ائتمنك على أمانة فأدّها اليه، مسلما كان او كافرا"

         

(وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ ﴿٥٩﴾
 يعنى وَلَا يظن هؤلاء الكافر ٱلَّذِينَ نجوا من القتل في يوم بدر، أنهم قد (سَبَقُوٓاْۚ) يعنى فلتوا ونجوا من العقاب 
(إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ) كانت العرب تقول: أعجز فلان يعنى لم يقدر عليه.
فقوله تعالى
(إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ) يعنى أنهم لن يخرجوا عن قدرة الله تعالى، وسوف يأتيهم العذاب سواء في معركة تالية أو بانقضاء الأجل.

         

فمن يرتكب جريمة أو خيانة أو معصية وينجو منها، ويكون سعيدًا أنه قد نجا منه، نقول له أنت لم تفلت بجريمتك، بل  أنت في قبضة الله تعالى، وتحت مشيئته وقهره، وستعاقب على جريمتك اما عاجلًا أو آجلًا.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇