Untitled Document

عدد المشاهدات : 714

قصة "هود" -عَلَيْهِ السَّلامُ- وقوم "عاد"

قصة "هود" -عَلَيْهِ السَّلامُ- وقوم "عاد"
        

بعد وقوع طوفان نوح وهلاك الكفار من قوم نوح، انتقل نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- بعد ذلك هو والمؤمنون معه الى مكة المكرمة، وعاش نوح في مكة المكرمة حتى مات ودفن هناك.
وكثر الناس -بعد ذلك- في منطقة مكة المكرمة، فلما ضاق بهم المكان، أو ضاقت عليهم الموارد الطبيعية في هذا المكان، هاجر بعضهم الى منطقة في جنوب شرق الجزيرة العربية، وهذه المنطقة في جنوب شرق الجزيرة العربية، والتي يطلق عليها "الربع الخالى" هي من أكثر الأماكن جفافًا وكحولة في العالم، وتكاد لا يوجد فيها أي نوع من أنواع الحياة.
ولكن هذه المنطقة في ذلك الوقت لم تكن جافة كما هي الآن، بل على العكس كان فيها أنهار وبحيرات وبساتين وغابات، ونعيم ليس له مثيل على وجه الأرض في ذلك الوقت.

وهؤلاء الذين هاجروا الى هذه المنطقة أطلق عليهم قوم "عاد" وقد أطلق عليهم قوم "عاد" نسبة الى أبيهم: عاد بن عُوص بن أرَم ابن سام بن نوح
وتفرق قوم (عَادٍ) بعد ذلك الى ثلاثة عشرة قبيلة سكنوا في هذه المنطقة الغنية الخصبة، والتي امتدت من عمان الى اليمن.

وكان قوم "عاد" على التوحيد، ثم عبدوا الأصنام بعد ذلك، فكان عندهم صَنَمٌ اسمه صُدَاءٌ؛ وصنم اسمه صُمُودٌ، وَصَنَمٌ اسمه الْهَبَاءُ.
وكان قوم "عاد" طوال القامة، أقوياء الأجساد، كثيري الأعداد، فكانت قبائلهم هم أقوي شعوب الأرض في ذلك الوقت، ولكنهم أفسدوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم، وقد جاء في القرآن العظيم ما يدل على ما كان لهم من قوة وجبروت وبطش، فقال تعالى في سورة الشعراء
(وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ويقول تعالى في سورة فصلت (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)
فلما زاد قوم عاد في كفرهم وظلمهم وطغيانهم بعَثَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إليهم هُود –عليه السلام- وكان ذلك في حدود 3000 سنة قبل الميلاد، يعنى من حوالي 5000 سنة من الآن
كان هود –عليه السلام- يعمل تاجرًا، وقد اشتهر بالصدق والأمانة، وكان هود –عليه السلام- صبيح الوجه، وكان أشبه الخلق بآدم -عليه السلام-
فَأَمَرَهُمْ هود –عليه السلام- أَنْ يتركوا عبادة الأصنام، وأن يعبدوا الله وحده، وأن يكفوا عن ظلمهم.
يقول تعالى
(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) 
        

واستمر هود -عليه السلام- يدعو قومه سنوات طويلة، ولم يؤمن مع هود بعد كل هذه السنوات الا القليل، وكان جميع من آمن مع هود من الفقراء والضعفاء، ولم يؤمن معه من السادة الا رجل واحد فقط واسمه "مرثد بن سعد بن عفير" وكان -مع ذلك- يكتم ايمانه خوفًا من بطش قومه به.
        

وتوعد "هود" قومه بعقاب الله تعالى ان أصروا على كفرهم، ولكن قوم "عاد" سخروا منه، وقالوا له في تحد (أْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
فعاقب الله تعالى قوم عاد على كفرهم وتكذيبهم لنبيهم وايذائهم للمؤمنين، بأن أمسك عنهم المطر ثلاثة سنوات كاملة، وكان الناس في ذلك الوقت اذا نزل بهم بلاء يتوجهون الى بيت الله الحرام، ويطلبون من الله تعالى أن يرفع عنهم هذا البلاء، لأن تعظيم بيت الله الحرام منذ آدم -عليه السلام- فلما حبس عنهم المطر، خرج وفد من قبائل عاد، وكان عددهم سبعون رجلًا من أعيانهم، وعلى رأسهم زعيمهم "قيل بن عثر" فذهبوا الى مكة، وكانت مكة في ذلك الوقت تحت حكم العماليق، وهم نسبة الى: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيدهم "معاوية بن بكر" وكانت العلاقة بين قوم عاد وبين العماليق جيدة -بالرغم من بطش قوم عاد بمن حولهم من القبائل- وذلك لمكانة العماليق من الحرم. 


        

فلما قدم وفد (عاد) على "معاوية بن بكر" وكان في خارج الحرم، أكرم نزلهم، وجاء لهم بالطعام والشراب، وجاء لهم بمغنيتان اسمهما الجرادتان، وكان ذلك أول ما عُرف الغناء، فاستمرأوا الأمر، وظلوا شهراً يأكلون ويشربون ويلهون، ولم يدخلوا مكة ليدعوا الله تعالى حتى يسقيهم، فلما راي "معاوية بن بكر" ذلك أهمه الأمر، ولكنه استحيا أن يكلمهم في ذلك لأنهم ضيوف عنده، وشكا ذلك الى الجرادتان، فقالا له: قل شعرًا نغنيه لهما، لا يدرون من قاله، لعل ذك يحركهم، فعلم الجرادتان شعرًا يغنيانه لهم، وكان فيه:
        

أَلا يَــا قَيْـلَ ويْحَـكَ! قُـمْ فَهَيْنِـمْ
 لَعَــلَّ اللــهَ يُصْبِحُنَــا غَمَامَــا

قَيْـلَ هو"قيل بن عثر"
فَهَيْنِـمْ: يعنى ادعو الله.

فَيَسْــقِي أَرْضَ عَــادٍ إنَّ عَــادًا
 قَــدَ امْسَــوا لا يُبِينُــونَ الكَلامَـا

لا يُبِينُــونَ الكَلامَـا: يعنى بلغ بهم الجهد أنهم لا يبينون الكلام.
مِــنَ الْعَطَشِ الشَّـدِيدِ فَلَيْسَ نَرْجُـو
 بِــهِ الشَّــيْخَ الكَبِـيرَ وَلا الغُلامَــا

***
وَقــدْ كَــانَتْ نِسَــاؤُهُمُ بِخَــيْرٍ
 فَقَــدْ أَمْسَــتْ نِسَــاؤُهُمُ عَيَـامَى

***
وَإنَّ الْوَحْـــشَ تَــأتِيهِمْ جِهَــارًا
وَلا تَخْشَـــى لِعَـــادِيٍّ سِــهَامَـا

***
وَأنْتُــمْ هَــا هُنَـا فِيمَـا اشْـتَهَيْتُمْ
نَهَــــارَكُمُ وَلَيْلَكُـــمُ التَّمَامَـــا

***
فَقُبِّــحَ وَفْــدُكُمْ مِــنْ وَفْـدِ قَـوْمٍ
 وَلا لُقُّـــوا التَّحِيَّـــةَ وَالسَّــلامَا

        

فلما غنتا هذا الشعر، والغناء فيه ترديد، تنبه "قَيْـلَ" وتنبه وفد "عاد" ثم دخلوا مكة، وأخذوا يدعون الله تعالى، ويقولون: اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيهم، فأنشأ الله تعالى ثلاثة سحابات: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم سمع رئيسهم (قَيْـلَ) هاتفًا من السماء يقول: اختر لنفسك ولقومك، فقال اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء، وعاد الى قومه، وساق الله السحابة الى منازل قوم عاد، فلما رأوا السحابة مقبلة فرحوا واستبشروا، قال تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) فسخر الله تعالى عليهم ريح عاصفة سبع ليال وثمانية أيام حسوما، يعنى دائمة لا تنقطع، فلم تدع أحد من عاد الا أهلكته، واعتزل هود وما معه من المؤمنين في مكان فلم تصبهم الريح كما اصابت قومهم.
(فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)


        

بقي أن نقول أن أحد مراكز البحوث في كاليفورنيا في الولايات المتحدة أصدر تقريرًا بعنوان "الرحلة عبر الجزيرة العربية" وتحت هذا الاسم كتبوا "ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها في البلاد"
وقصة هذا البحث أن وكالة "ناسا" الفضائية أرسلت مكوك فضاء للبحث عن المياه في أماكن كثيرة من العالم، فوجدوا تحت رمال الربع الخالي -وهي كما ذكرنا من أكثر المناطق جفافًا في العالم- وجدوا فيها مجريين لنهريين جافين، وهذان النهران يصبان في بحيرة عملاقة، وقالوا في تقريرهم أن هذه المناطق كانت خصبة جدًا، وكانت مغطاة بالخضرة، بل وجدوا فيها رسوم لأسود مما دل على وجود غابات في جبال هذه المنطقة، وقدر العلماء عدد الذين عاشوا في هذه المنطقة بـ 200.000 شخص وهو عدد كبير جدًا بالنسبة لهذا الوقت من تاريخ العالم، وقال البحث أن هناك آثار في هذه المنطقة لحضارة هي من أعظم وأغني الحضارات القديمة. 
        

واستعانت وكالة "ناسا" بعلماء التاريخ وعلماء الآثار وعلماء الجيلوجيا وعلماء الدين، للبحث عن إجابة لسؤال هو: ماذا يمكن أن تمثل هذه الآثار؟ فأجمعوا على أنها آثار قوم عاد الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، مع العلم أن قوم عاد، لم يأت لهم ذكر لا في التوراة ولا في غير ذلك من كتب البوذيين والهندوس، ولذلك كتبوا تحت عنوان التقرير (ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها في البلاد)
بل الأعجب أن التقرير ذكر أن هذه الحضارة العظيمة طمرتها عاصفة رملية غير عادية، وأن العلم لا يستطيع أن يفسر لنا من أين جاء هذا الكم الهائل من الرمال السافية في الربع الخالي، والذي يمثل 1000 كم من الرمال شديدة النعومة والتي يتراوح سمكها من 4 أمتار الى 20 متر، وكل ذلك يتطابق مع ما جاء في القرآن الكريم عن هلاك قوم عاد.