Untitled Document

عدد المشاهدات : 721

الحلقة (437) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" الآيات من (46) الى (51) سورة "الأَعْرَاف"(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ ….

الحلقة (437)
تفسير وتدبر الآيات من الآية (46) الى الآية (51) سورة "الأَعْرَاف" (صفحة 156)

        

(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) 


        

(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
بعد أن تحدث الله تعالى في الآيات السابقة عن أهل الجنة واهل النار، قال تعالى (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) أي بين أهل الجنة واهل النار سور، وهو السور هو الذي تحدث الله تعالى عنه في سورة الحديد فقال تعالى (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) 
        

يقول تعالى (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ)
(الْأَعْرَافِ) جمع "عُرْف" وهو المرتفع من الأرض، ومنه عُرف الديك لأنه أعلى حاجة في جسد الديك، ومنه كذلك عُرْف الفرس.
        

وبعض المفسرون على أن الأعراف هي أعلى السور الذي بين الجنة والنار.
يقول تعالى
(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) يعنى بين أهل الجنة واهل النار سور. 
(وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ) يعنى وعلى أعراف هذا السور يعنى أعلاه يوجد أهل الأعراف.
        

وقال البعض أن السور الذي بين أهل الجنة واهل النار شيء، وأن الأعراف هي تلال وجبال بين الجنة والنار.

يقول تعالى (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) أي بين أهل الجنة واهل النار سور  
(وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ) وهناك تلال وجبال بين الجنة والنار عليها أهل الأعراف.
        

من هؤلاء الرجال الذين على الأعراف؟
وللعلماء أقوال في أصحاب الأعراف أوصلها بعض المفسرين إلى اثني عشر قولا: 
أشهرها أن أصحاب الأعراف قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم.
وقال بعض المفسرون أن أهل الأعراف هم قوم قتلوا في سبيل الله ولكنهم كانوا عصاة لآبائهم في الدنيا، يعنى قوم خرجوا للغزو في سبيل الله، وقتلوا في سبيل الله، ولكنهم كانا عصاة لآبائهم، فلم يدخلوا الجنة بسبب معصيتهم لآبائهم.
سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال : "هُمْ قَومٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيةِ آبَائِهِمْ ، فَمَنَعَهُمْ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنِ النَّارِ، ومنعهم مَعْصِيَةُ آبَائِهِم أَنْ يَدْخُلُواْ الجَنَّةَ"
وقيل إنهم قوم كان عليهم دين، وقيل إنهم قوم كان فيهم عجب، وقيل إنهم أهل الفترة، وقيل إنهم أطفال المشركين.
والراجح أن أهل الأعراف أصلًا هم رجال مؤمنون تساوت حسناتهم وسيئاتهم، ولا يمنع أن يكن بينهم من مات شهيدًا وهو عاق لوالديه، ومن كان عليهم دين، أهل الفترة، وأن يكون فيهم أطفال المشركين.

        

يقول أمية بن أبي الصلت:
وَآخَرُونَ عَلَى الأعْرَافِ قَدْ طَمِعُوا ** 
فِي جّنَّةٍ حَفَّهَا الرُّمَّانُ والخَضِرُ.
و" أمية بن أبي الصلت" كان شاعرًا جاهليًا من ثقيف، وكان حنيفيًا موحدًا، وهذا يدل على أن ذكر الأعراف وأصحاب الأعراف قد ذكر في الكتب السابقة.

        

(يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) 
السيما عند العرب هي العلامة الدالة على الشيء
يعنى أن أصحاب الأعراف يعرفون أصحاب الجنة ويعرفون أصحاب النار، بالعلامات التي وصفهم الله تعالى بها في الدنيا، مثل قوله تعالى:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَة * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)

        

(وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)
إذا راي أهل الأعراف أهل الجنة نادوهم وقالوا لهم: "سَلامٌ عَلَيْكُمْ".
أي سلمتم من عذاب الله.

(لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)
يعنى لَمْ يَدْخُلُوا الجنة بعد وَهُمْ يَطْمَعُونَ في دخول الجنة.
لأنهم عاينوا رحمة الله تعالى.


        

)وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
يعنى: وإذا ما اتجهت أبصار أصحاب الأعراف إلى جهة أَصْحَابِ النَّارِ، فانهم يقولون مستغيثين بالله تعالى: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
والتعبير بالمبنى للمجهول في قوله تعالى (وَإِذَا صُرِفَتْ) يفيد بأن نظرهم لأهل النار بدون رغبة منهم، وأنهم يكرهون النظر إليهم.

        

وقد وردت الآثار أن الله تعالى يدخل أهل الأعراف الجنة بعد ذلك بفضله ورحمته، ورد عن ابن عباس وغيره: أن أهل الأعراف إذا صُرفت أبصارُهم تلقاء أصحاب النار قالوا: رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، فبينما هم كذلك يطلع إليهم الله تعالى فيقول: قوموا ادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم، فيُنْطَلق بهم الى نهر يقال له "نهر 
الحياة" حافتاه من الذهب واللؤلؤ، ترابه من المسك والزعفران، فيغتسلون فيه، ويقال لهم تمنوا، فيتمنون فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا، فيدخلون الجنة، وهم آخر من يدخل الجنة، يسمَّون مساكين الجنة.


        

(وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) 
(وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)

يعنى وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا من أهل النار من الجبارين ورؤساء الكفر (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) يعنى يَعْرِفُونَهُمْ بعلاماتهم.
(قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ)
قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ أي مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ للأموال والثروة في الدنيا، أو (جَمْعُكُمْ) يعنى اجتماعكم وكثرتكم وأعدادكم.
(وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) يعنى وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن أهل الايمان والطاعة.
        

(أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
يعنى يقول أصحاب الأعراف لرؤساء الكفر والجبارين: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كنتم تستهينون بهم في الدنيا وتحتقرونهم، لفقرهم وضعفهم، وكنتم تقسمون أنهم لن يدخلوا الجنة.
(أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ) يعنى أَقْسَمْتُمْ أنهم لن يدخلوا الجنة، والسؤال سؤال توبيخ وتبكيت وتعيير.
لأنهم كانوا يقولون إنهم أعلى منزلة منهم في الدنيا، فيجب أن يكونوا أعلى منزلة منهم في الآخرة.
كما قال تعالى في سورة الكهف (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا)

        

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) يعنى يقول أهل الأعراف لأهل الجنة: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
يعنى: فلا خوف عليكم من أمر يستقبلكم، ولا أنتم تحزنون على أمر فاتكم.
أو أن هذا من كلام الله تعالى لأهل الأعراف
(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) 
كأن الله تعالى كافأ أصحاب الأعراف لفرحهم بأصحاب الجنة وتوبيخهم اهل النار بأن أدخلهم الجنة.


        

(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) 

يقول تعالى (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ) أي من ماء الجنة ولذلك لشدة عطشهم 
(أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) أي من الطعام وذلك لشدة جوعهم.
(قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) يعنى قالوا لهم إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الطعام والشراب عَلَى الْكَافِرِينَ
        

وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ قال: أفضل الصدقة الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا: (أفيضوا علينا من الماء)
وقال أحدهم: من كثرة ذنوبه وأراد أن يغفرها الله له فعليه بسقيا الماء، ألم تر أن الله قد غفر لبغي سقت كلبًا


        

(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
يذكر الله بعض جرائم هؤلاء الكافرين فقال تعالى (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ الذي أمرهم الله بالإيمان به سخريةً وَلَعِبًا
(وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) يعنى وخدعتهم الْحَيَاةُ الدُّنْيَا. 
(فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) 
(فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ) يعنى فَالْيَوْمَ نتركهم في العذاب ونهملهم.
(كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) كما تركوا وأهملوا الاستعداد للقاء الله في هذا اليوم.
(وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)
وَبسبب مَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَكذبونَ

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇