Untitled Document

عدد المشاهدات : 609

الحلقة (404) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيتين (93) و(94) من سورة "الأَنْعَام" (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى...

الحلقة (404)
تدبر الآيتين (93) و(94) من سورة "الأَنْعَام" (ص 139)

❇        

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)


❇        

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ (
تتناول الآية قضية الذين يدعون النبوة، وهؤلاء ظهروا قبيل وفاة الرسول ﷺ وبعد وفاته ﷺ ثم استمر ظهورهم حتى وقتنا الحالي.
يقول تعالى
(وَمَنْ أَظْلَمُ (يعنى ليس هناك أحد أظلم، والمقصود به ظلم النفس بالمعصية
يقول تعالى
(مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) يعنى مِمَّنِ كذب على الله، يعنى قال إن الله تعالى قال كذا وهو تعالى لم يقل.
يقول العلماء ان من صور ذلك الذي يفتى ويقول أمر تعالى بكذا وكذا وهو تعالى لم يأمر، فهذا من الكذب على الله تعالى.
يقول تعالى
(أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) يعنى أدعي أن الله تعالى قد بعثه نبيًا، وأنه الله تعالى قد أوحي اليه.
وقد ظهر الكثيرين ممن أدعو النبوة، في آخر حياة الرسول ﷺ أي قبل وفاته، وبعد وفاته ﷺ ولا يزال يظهر الى الآن -في عصرنا الحديث- من يخرج الى الناس ويدعي النبوة.

والذي يلفت النظر أن هؤلاء يجدون لهم اتباع، وطريقتهم في جذب الأتباع واحدة، وهي تخفيف أحكام الدين، يعنى -مثلًا- ظهر في الإسكندرية منذ حوالي 40 سنة طبيب مصري اسمه "صلاح شعيشع" -وقد قبض عيه سنة 1985 م- هذا الرجل ادعي النبوة، وكان له أتباع من أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة ومتعلمون والسبب انه كان يسقط عن أتباعه فروض الصلاة والصيام والحج والزكاة.

❇        

يقول تعالى (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) وَمَنْ قَالَ إنه سينزل قرآنا مثل القرآن الذي نزل على محمد ﷺ
روي أن عمرو بن العاص مر بمسيلمة الكذاب، وكان ذلك قبل اسلام "عمر بن العاص" بأيام قليلة، فسال "عمرو" عن الكتاب الذي أنزل عليه، فأخذ "مسيلمة" يقرأ عليه كلمات ركيكة، مثل (الفيل وما أدراكَ ما الفيل له خرطوم طويل وذيل قصير) وسورة أخري اسمها سورة الضفدع، فقال له "عمرو بن العاص": والله إنك تعلم أني أعلم أنك كذاب.

❇        

وقد قيل إن قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) نزلت في مسيْلِمَة الكذاب، وكان في "اليمامة" والأسود العنسي وكان في "صنعاء" وامرأة اسمها "سَجَاح" من "بنى تَغْلُب" وهؤلاء ادعوا النبوة في حياة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد تزوج الأسود العنسي من سَجَاح، وكان مهرها، أن يضع صلاة الصبح والعشاء عن قومها لمدة عشرين سنة.
وهؤلاء وجدوا لهم اتباع من قبائهم عصبية ورغبة في ملك العرب، وأيضًا لأنهم كانوا يجذبون الناس بتخفيف أحكام الدين عليهم.

❇        

وقيل أن قوله تعالى (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ( نزلت في "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ" وكان يكتب الوحي للرسول، فلما نزلت سورة المؤمنون أرسل اليه الرسول ﷺ وأملي عليه قول الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ) فلما أملي عليه الرسول ﷺ ذلك انفعل لها "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" فقال  (تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) فقال له الرسول ﷺ أكتبها كذلك نزلت، فلما قال له الرسول ﷺ ذلك غرته نفسه وقال: ان كان محمد صادقًا فقد أوحي اليَّ كما أوحي اليه، وان كان كاذبًا فقد قلت كما قال.
يعنى اما أن يكون صادقًا فأنا يوحي اليَّ مثله، واما أن يكون كاذبًا فأنا أستطيع أن آتي بقرآن مثل الذي يأتي به.
ثم ارتد عن الاسلام وعاد الى مكة -وكان من قريش- ونزل فيه قول الله تعالى (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ( فلما فتح الرسول ﷺ مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وبعد أن أمن أهلها، أمر الرسول ﷺ بقتل "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" ، هو وعشرة آخرين، حتى لو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، وكان  "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" أخو "عثمان بن عفان" في الرضاعة، فذهب الى بيت عثمان واختبأ به، وطلب منه أن يشفع له عند الرسول ﷺ ، فقال له عثمان: بل تأتي معي، فذهب به عثمان ودخل على الرسول ﷺ وقد أخذ بيد "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" فأقبل عُثمان على النبي ﷺ وقال يا رسول الله إن أمه كانت ترضعني وتقطعه وتحملني وتمشيه و تلطفني وتتركه فهبه لي يا رسول الله، وأكب عُثمان على الرسول ﷺ يُقبل رأسه وهو يقول فداك أبي وأمي يا رسول الله، فصمت النبي طويلًا ثم قال: نعم. فبايعه الرسول ﷺ فلما انصرفا: التفت الرسول ﷺ الى أصحابه وقال لهم: ما صَمَتُّ إلا ليقوم إليه أحدكم فيضربَ عُنُقَه. فقال "عباد بن بشر" فهلاّ أومأت إلي يا رسول الله ؟ فوالذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إلى فـأضرب عُنقه، فقال الرسول ﷺ "إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين".
ثم أن "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" لم يكن يظهر وجهه للرسول بعد ذلك خجلًا منه، وكان اذا قابله يسلم عليه وهو يضع راسه في الأرض، لا يستطيع أن يضع عينه في عين الرسول ﷺ فقال له "عثمان بن عفان" بأبي أنت وأمي يا رسول الله أما تري ابن أبي السرح يفر منك كلما رآك، فتبسم الرسول ﷺ وقال "ألم أبايعه ؟" قال عثمان: نعم ولكنه يتذكر عظيم جرمه، فقال له الرسول ﷺ "الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله". فأخبر عُثمان "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" فكان "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سَرْحٍ" يأتي للرسول وحسن اسلامه، وشارك في الفتوح، وولاه عمر صعيد أو جنوب مصر، وولاه عثمان بن عفان جميع مصر، وفي مدة ولايته كانت له فتوح في النوبة والسودان وليبيا وتونس، وهو قائد المسلمين في "معركة ذات الصواري" الشهيرة وهي أول معركة بين الأسطول المسلم وأسطول العملاق للدولة الرومانية وكان عدد سفن المسلمين 200 سفينة وسفن الروم 100 سفينة وكانت بقيادة الامبراطور نفسه، وانتصر المسلمون فيها انتصارًا ساحقا.
وكان يدعو ويقول: اللَّهُمَّ اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح، فصلي يومًا الصبح، ثم سلم عن يمينه، فلما أراد أن يسلم عن يساره قبض الله روحه.

❇        

اذن قول الله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) نزلت فيمن ادعي النبوة في حياة الرسول وهم "مسيلمة الكذاب" و"الأسود العنسي" و"سُجَاح" وقوله تعالى (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) نزلت في "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ" والآية عامة في كل من يكذب على الله تعالى، أو يدعي النبوة.


❇        

(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)
(وَلَوْ تَرَى) 
(لَوْ) أداة شرط و(تَرَى) فعل شرط، وجواب الشرط محذوف، وقد حذف جواب الشرط للتهويل، لأن ذكر جواب الشرط يحصر الأمر في دائرة منطوقه، اما إذا لم يذكر جواب الشرط فانه يترك لتقدير السامع، كما تقول: لو رأيت فلان كيف فعل به.
ولذلك قال العلماء تقدير جواب الشرط: لرأيت أمراً هائلًا عظيماً. 
يقول تعالى
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ) الظَّالِمُونَ هم الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية: الذين كذبوا على الله، والذين أدعوا أنهم قد أوحي إليهم، والذين قالوا سننزل مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ 
(فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)  
الغَمَرَاتِ: جمع غمرة، وهي الشدة، وأصله: الشيء يغمر الشيء يعنى يغطيه، كما نقول غمرته المياه يعنى غطته، ثم استعملت في الشدائد، كانت العرب تقول "غَمَرات الحرب" 
يقول ابن عباس: غمرات الموت يعنى سكرات الموت.
وهذا تعبير دقيق لسكرات الموت، لأن الموت عندما يأتي للإنسان فانه يغطي جميع حواسه، ولذلك لم نجد انسانًا حين معالجته لسكرات الموت يتحدث ويقول لك أنا أري كذا وأحسن بكذا، بل جميع حواسه تكون مستغرقة فيما هو فيه
فقوله تعالى (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) يعنى في سكرات الموت وأهواله وشدائده وكرباته.
ولم يقل "غمرة" وانما (غَمَرَاتِ) لشدتها ولتعددها

❇        

(وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ)
(وَالْمَلَائِكَةُ) أي ْمَلَائِكَةُ العذاب.
(بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ) بسط اليد يعنى مدها، والمعنى يبسطون إليهم أيديهم بالضرب والعذاب، ولذلك نقول في التعبير الدارج، "لا تمد يدك" يعنى لا تضرب.
وفي الأنفال (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ)
(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) يعنى تقول لهم الملائكة (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) يعنى أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ من بين أيدينا، وأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ من العذاب الذي وقع بكم، كما نقول: أخرج نفسك من هذه المشكلة.

❇        

يقول تعالى (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)
هذا من كلام الْمَلَائِكَةُ إليهم وهم يقبضون أرواحهم، فتقول لهم الْمَلَائِكَةُ: (الْيَوْمَ) يعنى هذا الْيَوْمَ، وهو يَوْمَ الاماتة وقبض الروح.
(تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) يعنى تُجْزَوْنَ بسبب أعمالهم عَذَابَ الْهَوان والذلة والصغار.
كما قال تعالى في سورة الأنفال (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) وليس هناك إهانة أكبر من الضرب على الوجه والضرب على المؤخرة.
يقول تعالى
(بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)


❇        

وقد ورد في الاثر إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة -وفي رواية: المطمئنة- اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها... وإن العبد الكافر -وفي رواية الفاجر- إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة -غلاظ شداد- سود الوجوه، معهم المسوح -من النار- فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود -الكثير الشعب- من الصوف المبلول، -فتقطع معها العروق والعصب-
❇        

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
يعنى يقال لهؤلاء الظالمين يوم القيامة (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)
يعنى سيقفون أمام الله تعالى يوم القيامة للحساب، واحدًا واحدًا، منفردًا عن أمواله وأولاده ومنصبه وجنوده.
(كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعنى كما خرجتم من بطون أمهاتكم.
روى الشيخان عن ابن عباس أن الرسول ﷺ قال" يا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إلى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا"

❇        

يقول تعالى (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) 
(وَتَرَكْتُمْ) يعني وَتَرَكْتُمْ في الدنيا 
(مَا خَوَّلْنَاكُمْ) يعنى مَا أعطيناكم وملكناكم.
والمعني تَرَكْتُمْ جميع ما أعطيناكم وملكناكم في الدنيا من أموال ومتاع.
لأن مالك وكل ممتلكاتك ليست ملكك في الحقيقةـ ولكن الله تعالى ملكك إياها في الدنيا.

(وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ) هذا تقريع لهم وتوبيخ، كما تقول لأحدهم: أنا لا أري الذين كنت تتقوي بهم 
يقول تعالى
(وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ) يعنى الأصنام التي كانوا يعبدونها مع الله تعالى، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام ويقولون إنها ستشفع لهم عند الله تعالى. 
وقوله تعالى
(الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ) يعنى زَعَمْتُمْ أنهم شُرَكَاءُ في خلقكم وفي رزقكم.
(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) يعنى تَقَطَّعَ ما بَيْنَكُمْ وبين هذه الأصنام من الصلات 
(وَضَلَّ عَنْكُمْ) أي ذهب عَنْكُمْ.
(مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) يعنى مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ من رجاء شفاعة هذه الأصنام.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇