Untitled Document

عدد المشاهدات : 539

الحلقة (397) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (74) من سورة "الأَنْعَام" الجزء الثاني- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ...

الحلقة (397)
تدبر الآية (74) من سورة "الأَنْعَام" (ص 137)
الجزء الثاني

       

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) 
       

تحدثنا في الحلقة السابقة عن ادعاء البعض أن (آَزَرَ) ليس أبو إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وانما هو عمه، وأن اسم أبو إِبْرَاهِيمُ الحقيقي هو "تارح" كما ذكرت التوراة، وكما ذكر علماء الأنساب، وقلنا إن القرآن الكريم تعمد ان يذكر أن اسم أبو إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- (آَزَرَ) خلافًا للتوراة، ليس فقط حتى يصوب هذا التحريف في التوراة، ولكن ليدل على أن الرسول ﷺ لم ينقل قصص الأمم السابقة من التوراة أو أي من الكتب وانما هو وحي من عند الله تعالى.
       

وقلنا أن سورة الأنعام جاءت بقصة محاجة أو جدال ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأبيه ولقومه، لأن مناقشة إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه هي مناقشة لكفار قريش، لأن رسالة إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- هي رسالة الرسول ﷺ ودين قوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- هو دين كفار قريش.
       

وقلنا إن اختيار مناقشة إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه وليس غيره من الرسل لأن العرب كانت تحترم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وتحترم رسالته وتحترم نبوته، وهي تعلم أن الكعبة المشرفة والتي هي سبب سيادة قريش العرب، هي من بناء إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وبعض مناسك قريش هي من بقايا ديانة إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مثل الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والأضحية وغير ذلك.
       

يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً) 
هذه الآية تدل على أن قوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- كانوا يعبدون الأصنام، ثم تأتي آيات أخري لتدل على أنهم كانوا يعبدون الكواكب، وتصور البعض أن قوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- كانوا يعبدون الأصنام، ثم مر إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- بعد ذلك على قوم آخرين كانوا يعبدون الكواكب، أو أن قوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان بعضهم كان يعبد الأصنام والبعض الآخر كان يعبد الكواكب، والحقيقة غير ذلك، فقوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- كانوا يعبدون الأصنام ويعبدون الكواكب في نفس الوقت، وهذا الأمر له قصة:

       

أن الناس في زمن إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لاحظوا أن تغير الجو والفصول الأربعة يحدث نتيجة قرب الشمس وبعدها عن الأرض،  ولا حظوا أن الكواكب والنجوم تؤثر على ظواهر الجو الأرضي، فاعتقدوا أن هذه الأجرام السماوية هي التي تتحكم في الأرض، وبالغوا في تعظيم الكواكب، حتى قالوا أن هذه الأجرام السماوية هي التي خلقت العالم، وقالوا البعض أن الإله الأكبر هو الذي خلق الكواكب ثم ترك لها بعد ذلك تدبير أحوال العالم، وعلى كلا التقديرين فان هؤلاء عبدوا الكواكب، ثم أنهم لما رأوا هذه الكواكب تغيب عن الأبصار في كثير من الأوقات، اتخذوا لكل كوكب صنمًا، فاتخذوا صنمًا للشمس من الذهب، وصنمًا للقمر من الفضة، وهكذا عبد قوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- الأصنام حتى يتقربون بعبادتها الى الكواكب، والتي اعتقدوا أنها هي التي خلقت هذا الكون، أو أنها هي التي تدبر هذا الكون.
       

والعجيب أن بعض المسلمين –الي الآن- وغيرهم– ونحن في القرن الواحد والعشرين- لا يزالون يعتقدون أن هذه الكواكب لها علاقة بأحوال الناس ومستقبلهم وسعادتهم وتعاستهم، وهذه حماقة وغباء، وهو لا يعلمون أن ما يعتقدونه انما هو بقايا ديانات وثنية ظهرت من آلاف السنين. 


       

يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً) 
يقول تعالى (أَتَتَّخِذُ) يعنى أنت الذي اتخذت هذه الأصنام آَلِهَةً، والأصنام نفسها لم تطلب منك أن تتخذها آَلِهَةً.
والاستفهام في قوله تعالى
(أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً) استفهام للإنكار والتوبيخ، يعنى كيف تتخذ أَصْنَامًا آَلِهَةً ؟
لأن واقع الانسان في الكون أنه سيد هذا الكون، وكل الأجناس تخدم الانسان: الحيوان والنبات والجماد كلها تخدم الانسان، والحيوان يخدمه النبات والجماد، والنبات يخدمه الجماد، فكيف يعبد الانسان الجماد والذي هو يخدم خادم خادمه ؟!

       

يقول تعالي (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) كأن أبيه قال له: هل تعتقد أنك على صواب، وجميع قومك على خطأ، فقال له ابراهيم: (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
وكلمة
(أَرَاكَ) يعنى ضلالك أنت وقومك أمر واضح لدرجة أنه كالشيء المشاهد.
 
(فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) يعني: في ضلال بين واضح.

       

قبل أن نترك هذه الآية نذكر الحديث الصحيح الذي ورد في البخاري ورد عن (آزَرَ) أبو إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ-
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله "يَلْقَى إبْراهِيمُ أباهُ آزَرَ يَومَ القِيامَةِ، وعلَى وجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرَةٌ، فيَقولُ له إبْراهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لكَ: لا تَعْصِنِي؟ فيَقولُ أبُوهُ: فاليومَ لا أعْصِيكَ، فيَقولُ إبْراهِيمُ: يا رَبِّ، إنَّكَ وعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي يَومَ يُبْعَثُونَ، فأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِن أبِي الأبْعَدِ؟ فيَقولُ اللَّهُ تَعالَى: إنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ علَى الكافِرِينَ، ثُمَّ يُقالُ: يا إبْراهِيمُ، ما تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فإذا هو بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فيُؤْخَذُ بقَوائِمِهِ فيُلْقَى في النَّارِ"

       

"يَلْقَى إبْراهِيمُ أباهُ آزَرَ يَومَ القِيامَةِ" -وقلنا إن هذا دليل آخر مع ظاهر القرآن أن (آزَرَ) هو أبو ابراهيم- "وعلَى وجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرَةٌ" (وهي صفة الكفار يوم القيامة، يقول تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ)
(القترة هي سواد الدخان، والغبرة هي الغبار)
فيَقولُ له إبْراهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لكَ: لا تَعْصِنِي؟ فيَقولُ أبُوهُ: فاليومَ لا أعْصِيكَ، فيَقولُ إبْراهِيمُ: يا رَبِّ، إنَّكَ وعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي يَومَ يُبْعَثُونَ، (قال تعالى في سورة الشعراء: لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) فأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِن أبِي الأبْعَدِ؟ (يعنى أيُّ خِزيٍ وذُلٍّ أكثَرُ مِن أنْ يكونَ أبي بَعيدًا عن رَحمةِ اللهِ ومعذب) فيَقولُ اللَّهُ تَعالَى: إنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ علَى الكافِرِينَ، ثُمَّ يُقالُ: يا إبْراهِيمُ، ما تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فإذا هو بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، يعنى ينظر ابراهيم تحت رجليه فيري أبيه تحت رجليه قد مسخ (ِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ) والذيخ هو ذكر الضبع كثير الشعر، ومتلطخ يعنى متلطخ بالدم والطين، وقد مسخ ضبعًا، لأن الضبع هو أكثر حيوان غبي وأحمق تعرفه العرب، ومن حمق (آزَرَ) أنه لم يقبل نصيحة ابنه ابراهيم وهو أشفق الناس عليه (فيُؤْخَذُ بقَوائِمِهِ فيُلْقَى في النَّارِ) يعنى تأخذه الملائكة من يديه ورجليه ويلقونه في النَّارِ.


       

فإذن لا يقول أحد أبي فلان أو جدي الشيخ فلان، أو أنا من نسل الرسول ﷺ يقول الرسول ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري "يَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا."
اذن كلَّ إنسانٍ مُرتبِطٌ بعَملِه، ولا يَنفعُه نَسَبُه ولا مالُه ولا عَملُ غيرِه.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇