Untitled Document

عدد المشاهدات : 590

الحلقة (393) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (63) الى (67) من سورة "الأَنْعَام" قول الله -تَعَالي- ((قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ...

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (393)
تدبر الآيات من (63) الى (67) من سورة "الأَنْعَام" (ص 135)

        

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) 


        

قلنا أن المقصد الأساسي لسورة الأنعام هو تثبيت العقيدة الاسلامية، وفي سبيل ذلك فان سورة الأنعام تناقش وتواجه وتحاج المشركين، ولذلك فأن سورة الأنعام هي أكثر سورة في القرآن تكرر بها كلمة (قُلْ) لأن السورة تلقن الرسول ﷺ الحجة في مواجهة المشركين.
        

يقول تعالى (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) 
قال المفسرون أن المقصود بالظلمات هو الشدائد والأهوال، كانت العرب تقول يوم أسود أو يوم مظلم يعنى يوم شديد.
فالمعنى: قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ الشدائد والأهوال التي تصيبكم في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وكم في الأرض من شدائد وكم في البحر من شدائد

أو أن هذا مثال ضربه الله تعالى على حقيقته، يعنى إذا ضل أحدكم في الصحراء ودخل عليه ظلام الليل، أو ركب البحر وضل في البحر وغشيته ظلمة الليل والبحر، وكان العرب كثيري الأسفار ويتعرضون لمثل هذه المواقف العصيبة.

        

ويمكن أن يسأل أحد ويقول هناك كوارث جديدة في عصرنا هي كوارث الجو؟ وقذ قال تعالى (ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ولم يقل ظُلُمَاتِ الجو.
ونقول أن الغلاف الجوي المحيط بالأرض هو جزء من الأرض، فجو البر هو جزء من البر، وجو البحر هو جزء من البحر، فقوله تعالى (ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) تشمل –كذلك- الشدائد التى يمكن أن يتعرض لها الانسان في الجو.

        

يقول تعالى (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا) التضرع هو السؤال بذلة واستكانة وانكسار 
(وَخُفْيَةً) وقرأت (خِفْيَةً) من الخفاء يعنى سرًا، والمعنى أن الدعاء يكون باستحضار وخشوع قلب، لأن القلب لا يطلع عليه أحد غير الله تعالى.  
والمعنى أنكم عند الشدائد وفي المواقف العصيبة لا تلجئون الا الى الله تعالى، وتدعونه وتتضرعون له وتخلصون له في الدعاء.
وبل وتعاهدون الله تعالى وتقولون
(لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)  
(لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ) يعنى مِنْ هَذِهِ الضائقة والمصيبة. 
(لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الشكر هو القيام بحق النعمة، يعنى سنكون مِنَ المؤمنين الطائعين.

        

(قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)
(قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا) قُلِ يا محمد لهؤلاء المشركين أن اللَّهُ تعالى يُنَجِّيكُمْ مِنْ هذه الشدة.
(وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) بل الله يُنَجِّيكُمْ مِنْ جميع الكُرُبَات، والكرب هو الغم الشديد.
(ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ثُمَّ أَنْتُمْ بعد ذلك، أي بعد الأمن، تعودون الى الشرك، وتعبدون مع الله آلهة أخري لا تنفع ولا تضر.

        

(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) 
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) 
قُلْ لهم يا محمد أن الله تعالى قَادِرُ عَلَى أَنْ يرسل عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ، يعنى من السماء، كما فعل مع قوم نوح، وقوم عاد، ومع أصحاب الفيل، وكما فعل مع قوم لوط
(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) 
يعنى أَوْ يرسل عليكم عَذَابًا من الأرض، كما فعل مع قارون، حين خسف به وبداره الأرض، أو فرعون حين أغرقه هو وجنوده في البحر.
وقيل أن قوله تعالى
(عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) هو حبس المطر والنبات
وقال بعضهم (عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) يعنى حاكم جائر أو أي شخص متسلط (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) يعنى سفهائكم، والفئات التي تعيش أسفل السلم الاجتماعي.
يمكن أن يكون العذاب من رئيسك في العمل، ويمكن أن يكون العذاب من العام الذي يعمل عندك.

وتصوير العذاب بأنه آت من أعلى أو من أسفل أشد وقعا في النفس من تصويره بأنه آت من جهة اليمين أو الشمال، لأن الآتي من اليمين أو الشمال قد يتوهم أنه يمكن دفعه، أما العذاب الذي يأتي من أعلى أو من أسفل فهو عذاب لا يمكن مقاومته.


        

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) 
(يَلْبِسَكُمْ) يعنى يخلطكم، يقال: لبست الأمر يعنى خلطته، ولذلك نقول: هذا الأمر في لبس، يعنى الأمر مخلوط لا تستطيع أن تتبينه.
فقوله تعالى
(أَوْ يَلْبِسَكُمْ) يعنى أَوْ يخلطكم ببعض
(شِيَعًا) جمع شيعة، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وقوله تعالى (يَلْبِسَكُمْ) يعنى يخلطكم 
فمعني قوله تعالى (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) 
يجعلكم طوائف وفرق متعادية يحارب بعضكم بعضا ويقتل بعضكم بعضا.

وهو ما نطلق عليه الآن في مصطلح السياسة الحروب الأهلية، في آخر مائة عام اندلعت حوالي مائة حرب أهلية وراح ضحيتها الملايين.


        

(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) 
يعنى انْظُرْ يا محمد كَيْفَ ننوع لهم الْآَيَاتِ بالوعد والعيد، ونكرر لهم الحجج، ونضرب لهم الأمثلة (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) الفقه هو الفهم، يعنى لَعَلَّهُمْ يعقلون ويفهمون ويهتدون الى الحق

        

وقد روي في الصحيح أن نزول هذه الآية شق على الرسول ﷺ فلما نزلت قام وصلى صلاة الضحى وأطالها فقيل له: ما أطلت صلاة كاليوم، فقال ﷺ إِنَّهَا صَلاَةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُجِيرَنِي مِنْ أَرْبعٍ فَأَجَارَنِي مِنْ خَصْلَتِينِ وَلَمْ يُجِرْنِي مِنْ خَصْلَتَينِ: سَأَلْتُهُ أَلاَّ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِعَذَابٍ مِنْ فَوقِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَومِ نُوْحٍ، وَبِقَومِ لُوطٍ فَأَجَارَنِي، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يَهْلِكَ أُمَّتِي بعذَاب مِنْ تَحْتِ أَرْجلِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَارُونَ فَأَجَارنِي، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يُفَرِّقَهُمْ شِيَعاً فَلَمْ يُجِرْنِي، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يُذِيقَ بَعْضَهُم بَأْسَ بَعْضٍ فَلَمْ يُجِرْنِي" ثم نَزَلَ عَلَيه النبي ﷺ قَولُ الله تعالي في سورة العنكبوت (الم أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ)
        

(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) 
(وَكَذَّبَ بِهِ) أي بالقرآن، أو بالوعيد الذي جئتهم بكم، والمعنى واحد.
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) وهم قريش، وقال تعالى (قَوْمُكَ) يعنى المفروض أنهم الذين ينصرونك.
يقول تعالى (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
كما قال الشاعر الجاهلي "طرفة بن العبد"

وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً. 
عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ 

(وَهُوَ الْحَقُّ) يعنى وهذا القرآن مشتمل على القول الحق وهو الصدق  
(قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) يعنى قُلْ لهم أنا لست مسئولًا عن ايمانكم فأخاف من تبعة عدم ايمانكم.
لأن قريش كانوا يعتقدون أنهم يغيظون الرسول ﷺ بسبب عدم ايمانهم، فأمره تعالى أن يقول لهم أنا (لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) انما انا منذر، وليس على الا البلاغ، ولست مسئولًا عن ايمانكم فأخاف من تبعة عدم ايمانكم 


        

(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)
(لِكُلِّ نَبَإٍ)
النبأ هو الخبر الهام الجلل.
كما نقول "أهم الأنباء" يقول تعالى (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)

(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ)
 لِكُلِّ حدث سيحدث (مُسْتَقَرٌّ) يعنى وقت استقرار وحدوث 
(وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) يعنى وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أنه حق حين يقع العذاب، وهذا فيه تهديد ووعيد.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇