Untitled Document

عدد المشاهدات : 667

الحلقة (383) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (19) و(20) و(21) من سورة "الأَنْعَام" قول الله -تَعَالي- (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً...

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (383)
تدبر الآيات (19) و(20) و(21) من سورة "الأَنْعَام" (ص 130)

❇        

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)


❇        

قلنا أن المقصد الأساسي لسورة "الأنْعَام" هو تركيز العقيدة الاسلامية، وفي سبيل ذلك فان سورة "الأنعام" تناقش وتحاج وتواجه وتهدد المشركين، فيقول تعالى في هذه الآية الكريمة:
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)
سبب نزول هذه الآية الكريمة أن أهل مكة قالوا: يا محمد أرنا من يشهد أنك رسول الله، فقد سألنا عنك اليهود والنصارى فقالوا أنه ليس لك عندهم ذكر
فقال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً) يعنى قُلْ لهؤلاء المشركين أنتم تطلبون من يشهد لي بالنبوة، فمن هو أَكْبَرُ وأعظم من يشهد لي بالنبوة ؟
يقول تعالى (قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُم) قُلِ لهم يا محمد أن أَكْبَرُ وأعظم من يشهد لي بالنبوة هو الله تعالى. 

(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) 
يعنى وقد شهد الله لي بالنبوة بأن أوحي الىَّ هَذَا القرآن، وهو معجزة تثبت صدق نبوتي
(لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) لِأُنْذِرَكُمْ بِهذا القرآن عقاب الله تعالى.  
 (وَمَنْ بَلَغَ) أي وأنذر أيضًا من بلغه القرآن وبلغته دعوة الاسلام.من غيركم الى يوم القيامة.

❇        

اذن فالمعنى أن قريش طلبوا من الرسول ﷺ من يشهد له بالنبوة، وقالوا له أنهم قد سألوا عنه اليهود والنصارى فقالوا لهم أنه ليس له عندهم ذكر، فقال تعالى أن أعظم من يشهد للرسول ﷺ بالنبوة هو الله تعالى، وقد شهد الله تعالى للرسول ﷺ بالنبوة بأن أوحي اليه ﷺ هَذَا القرآن العظم الذي تحدي به الرسول ﷺ العرب –وهم أهل  الفصاحة والبيان- أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو حتى بسورة واحدة من مثله.
يقول تعالى (أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى) قل يا محمد لهؤلاء المشركين هل أنتم تَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى
وهذا استفهام توبيخ وتقريع.واستنكار. 

(قُلْ لَا أَشْهَدُ) قُلْ يا محمد، أنا لَا أَشْهَدُ بما تشهدون به من أن مع الله آلهة أخرى.
(قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) قل لهم يا محمد أن ما أشهد به أنه إِلَهٌ وَاحِدٌ لا اله الا هو، لا شريك له.
(وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) وَإِنَّنِي بَرِيءٌ من كل شريك تعبدونه مع الله.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية ان المستحب لمن دخل في الاسلام حديثًا أن ينطق بالشهادتين، ثم يتبرأ من كل دين سوي الاسلام.

❇        
(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) 
قلنا أن كفار قريش قالوا للرسول ﷺ أنهم سالوا عنه علماء اليهود والنصاري، فقالوا لهم أن صفة النبي الخاتم المذكورة في كتبهم ليست هي صفة محمد ﷺ
فرد الله تعالى عليهم أنهم يكذبون بذلك كذبا فاحشًا، وأنهم يجدون صفته ﷺ في كتبهم واضحة وضوح الشمس في كبد السماء.
يقول تعالى
(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) وهم  علماء اليهود والنصاري.
(يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ) يَعْرِفُون الرسول ﷺ بصفته المذكورة في كتبهم بمنهي الدقة كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ
وليس هناك تشبيه أقوي من هذا التشبيه، لأن الانسان ينظر الى ابنه كل يوم، بل وينظر الى ابنه أكثر مما ينظر الى نفسه في المرآة، ويري ابنه منذ كان عمره ساعة واحدة، بل يراه قبل أن يولد، ليس هذا فحسب بل ان الانسان من حبه لإبنه يكثر النظرالى وجهه.


❇        

يقول "عبد الله بن سلام" وكان أحبار اليهود من "بنى قينقاع" لما قدم الرسول ﷺ المدينة انجفل الناس اليه –يعنى أسرع الناس اليه- فذهبت مع الناس، فلما تبينت وجهه علمت أنّ وجهه ليس بوجه كذاب.
فلما أسلم "عبد الله بن سلام" سأله "عمر بن الخطاب" وقال له: إن الله أنزل على نبيه بمكة: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ) فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا عمر، لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابنى، ومعرفتي لمحمد أشد، فقال عمر: كيف ذلك؟ فقال: أشهد أنه رسول الله حقاً ولا أدرى ما تصنع النساء".

❇        

روي أن رجل من أحبار اليهود واسمه "زيدِ بنِ سَعْنَةَ" قال: ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، يقول: فكنت أتلطف له لأن أخالطه، حتى أعرف حلمه وجهله، يقول: فخرج رسول الله ﷺ يومًا من الحُجُرات، ومعه عليُّ بن أبي طالب، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، إنَّ قومي بني فلان قد أسلموا، وكنت قد أخبرتهم أنهم إن دخلوا في الإسلام أتاهم رزقهم رغداً، وقد اصابتهم شدة وقحط، واني  يا رسول الله أخشي أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخوله طمعا، فان رأيت يا رسول الله أن تعينهم بشيء فافعل، فالتفت الرسول ﷺ الى على بن أبي طالب، وقال له: هل عندنا شيء، قال على: لا والله يا رسول الله ما عندنا شيء، يقول "زيدِ بنِ سَعْنَةَ" فدنوت منه، وقلت يا محمد أبيعك تمر كذا وكذ الى أجل كذا وكذا، فقال نعم، فأخذ التمر ودفعه الى الأعرابي، يقول "زيدِ بنِ سَعْنَةَ" فلما كان قبل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج الرسول ﷺ في جنازة رجل من الأنصار، ومعه أبو بكر وعُمَر، وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صَلَّى على الجنازة أتيته، فَأخَذْتُ بمجامَع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غَلِيظٍ وقلت: ألا تقضي يا محمد حَقِّي؟ فواللّه ـــ ما علمتكم يا بني عبد المطلب ـــ لقوم مُطْل. قال: فنظرت فاذا عمر عيناه تدوران في وجهه، ثم قال: أيْ عَدُوَّ اللّه، أتقول لرسول الله ما أسمع! وتفعل به ما أري، مرني يا رسول الله فلأضرب عنقه، يقول فنظرت الى الرسول ﷺ فاذا به ينظر في سكون وهدوء ثم قال: "يَا عُمَرَ، أَنَا وَهُوَ أَحْوَجُ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ؛ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ القَضَاءِ، وتأمره بِحُسْنِ الطلب، ثم قال اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مَكَانَ مَا رَوَّعْتَهُ"  فلما ذهبت مع عمر قلت له والله يا عمر ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين: يسبق حلمه جهله،ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، أما وقد خبرتهما فاني أشهد أن لا اله الا الله، وأن محمدًا رسول وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثر اليهود مالاً- صدقة على أمة محمد. فقال عمر: أو على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر وزيد إلى رسول الله، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وحسن اسلام "زيدِ بنِ سَعْنَةَ" وشهد مع النبي ﷺ مشاهدَه. واستشهد في غَزوة تَبُوك مقبلًا غير مُدبر.

❇        
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من أهل الكتاب 
بأن اهلكوها وأدخلوها النار.
وخسروا الجنة ومساكنهم في الجنة 

(فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
يعنى سبب خسارتهم لأنفسهم وتضييعها واهلاكها هو عدم ايمانهم بالقرآن العظيم وبالرسول ﷺ

❇        

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)
(وَمَنْ أَظْلَمُ) استفهام تقريري
يعنى ليس هناك أكثر ظلمًا، وليس هناك أعظم ذنبًا.

(مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أي مِمَّنِ اختلق الكذب على الله فقال: إن في التوراة و الإنجيل كذا وكذا وهو ليس فيها.
(أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ) أَوْ كَذَّبَ بآيات التوراة والانجيل التي فيها صفة الرسول ﷺ
(إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي أن الله لا يكتب الفلاح والنجاح للظَّالِمُونَ الذين يكذبون بآيات الله، ويكتمون صفة الرسول ﷺ في كتبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇