Untitled Document

عدد المشاهدات : 660

الحلقة (362) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (75) و(76) و(77) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ....

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (362)
تدبر الآيات (75) و(76) و(77) من سورة "المائدة" (ص 120)

        

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) 
        

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) 
يذكر الله تعالى حقيقة المسيح –عليه السلام- فيقول تعالى (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ) يعنى منتهي أمر المسيح –عليه السلام- أنه رسول، وهي أعلى درجة يمكن أن يصل اليها أحد من البشر.
وقوله تعالى
(الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) تذكير بأنه ولد من أم، كما ولد جميع الأبناء من أم، وهذه من صفات البشر وليس من صفات الخالق.

        

 (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) يعنى قَدْ مضت مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.
يعنى كان هناك قبل عيسي –عليه السلام- رسل ، وهو –عليه السلام- واحد من هؤلاء الرسل، فلماذا هذا الرسول بالتحديد الذي قلتم أنه اله ؟
بالرغم من أن عيسي –عليه السلام- لم يجئ بشيء زائد على ما جاء به الرسل .
فكما أن عيسي –عليه السلام- جاء بالمعجزات الدالة على صدق رسالته، فان الله أيد الرسل من قبله بالمعجزات الدالة على صدق رسالتهم، واذا كان من معجزات عيسي –عليه السلام- أنه أحي الموتى بإذن الله، فان الله أحيا العصي لموسي وجعها حية تسعي، وربما معجزة موسي أعظم من معجزة عيسي، لأن عيسي أحيا أناس كانوا أحياء من قبل، أما موسي فقد حول جماد الى كائن حي، واذا كان عيسي قد جاء من غير أب، فان آدم جاء من غير أب ولا أم، فالاعجاز في خلق آدم أعظم من الاعجاز في خلق عيسي.

        

(وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) وَأُمُّهُ السيدة مريم (صِدِّيقَةٌ) والصِدِّيقَةٌ صيغة مبالغة من الصدق مع الله تعالى، وهي الدرجة التي تلى الأنبياء. 
وهذا هو أيضًا منتهي أمر السيدة مريم، وهو انها صِدِّيقَةٌ، وهذه –أيضًا- أعلى درجة يمكن أن يصل اليها امرأة من البشر.

(كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) يعنى كان السيد المسيح والسيدة مريم يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ، وهذا أمر لا يستطيع النصارى انكاره.
مثلًا في انجيل لوقا الاصحاح 22 نقرأ "ولما كانت الساعة اتكا والاثنا عشر رسولا معه، وقال لهم: شهوة اشتهيت ان اكل هذا الفُصْحَ معكم قبل ان أتألم (الفُصْحَ يعنى الخروف)
يقول تعالى (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) وما داما يأكلان الطعام فهما في حاجة الى غيرهما، وما داما في حاجة الى غيرهما فيستحيل أن يكونا آلهة، لأنه يستحيل أن يحتاج اله الى غيره.
وجه آخر قوله تعالى (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) تعبير مهذب يشير الى أنهما كانا يقضيان حاجتهما، وهذا أمر لا يليق باله.

        

(انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) 
يُؤْفَكُونَ يعنى يصرفون.
كانت العرب تقول: أَفَكَه  يعنى صرفه
.
كان النصارى كانوا اذا قيل لهم كيف يكون المسيح الهًا وهو يأكل ويشرب، ومادام يأكل ويشرب فهو محتاج الى غيره.
كانوا يردون ويقولن أن المسيح كان يأكل بناسوته لا بلاهوته
مع أن كتبهم المقدسة لم تأت لا بلفظ ناسوت ولا لاهوت ولا أقانيم، وكل هذا من الفلسفات اليونانية التي تأثروا بها.
فقال تعالى تعجبًا من أمرهم (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) انْظُرْ كَيْفَ نسوق لَهُمُ الأدلة الواضحة الدالة على فساد عقيدتهم، ثُمَّ انْظُرْ بعد كل هذا البيان والتوضيح كيف يصرفون عن الحق وعن الهدي.

        

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) 
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) 
يعنى: أَتَعْبُدُونَ من غير الله تعالى
والسؤال للإنكار والتعجب من حالهم.
والتعبير بقوله (مِنْ دُونِ اللَّهِ) تنبيه على أن كل شيء دونه تعالى.
يقول تعالى
(مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا)
يعني كيف تعبدون من غير الله تعالى، وهو المسيح –عليه السلام- فتقلون أنه اله، أو ابن اله، أو جزء من اله، مع أن المسيح –عليه السلام- لَا يَمْلِكُ أن يضركم، ولا يملك أن يدفع الضر عنكم، ولا يملك أن ينفعكم.
حتى أن الانسان القديم في فترات غفلته عبد مخلوقات لأنه اعتقد انها تضره او تنفعه، فعبدها حتى يتجنب شره، وحتى يستفيد منها، فعبد الانسان النار، وعبد عدد كبير من الحيوانات 
وتقوم عقيدة النصارى على أن اليهود عذبوا المسيح –عليه السلام- وضربوه وصفعوه على وجهه ووضعوا الشوك على رأسه ثم صلبوه، يعنى وصعوه على خشبة ودقوا المسامير في يديه ورجليه، وأخذ المسيح يبكي ويقول "إِلهِي، إِلهِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟" يعنى لماذا تركتني ؟ ثم ظل على الصليب يومًا كاملًا، ثم أنزلوه من على الصليب ودفنوه، فكيف يكون الها وهو لا يستطيع أن يدفع كل هذا العذاب عن نفسه ؟ وكيف يكون الاهًا وهو لا يستطيع أن ينفع نفسه ؟ 
ولذلك يقول تعالى (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) 

        

(وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
أي سَّمِيعُ لأقوالكم
عَلِيمُ بأحوالكم وأعمالكم.
وذكر الله تعالى هاتان الصفتان من صفاته تعالى في هذا الموضع، للإشارة الى أن الإله لابد أن يكون سميعًا عليمًا، حتى اذا استغاث به العبد أن يغيثه، وهذا غير موجود في عيسي –عليه السلام- ولا في غيره من المخلوقات، بدليل أنه كان جنينًا في بطن أمه وكان طفلًا لا يسمع شيئًا ولا يعلم شيئًا.  

        

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) 

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) أَهْلَ الْكِتَابِ هم اليهود والنصاري، والمقصود بأَهْلَ الْكِتَابِ هنا هم النصارى، لأن الآيات تتحدث عنهم.
(لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)  
والغُلُوُّ: هو تجاوُزُ الحدِّ.
كانت العرب تقول "غَلاَ السَّهْمُ" يعنى تجاوَزَ الهدف، ونقول "غلت الاسعار".
فالنصارى غالوا في امر عيسي فقالوا أنه اله وابن اله وجزء من اله، وهو –عليه السلام- رسول قد خلت من قبله الرسل.
(غَيْرَ الْحَقِّ) يعنى الباطل

        

(وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) 
الهوي هو الذي تميل اليه النفس، وهو من الهوي لأنه يهوى بصاحبه في النار
المقصود بهؤلاء القوم هم أساقفة النصارى، الذين كانوا يتجمعون فيما يطلق عليه المجامع المسكونية، والتي بدأت بعد ثلاثمائة سنة من حياة المسيح، وأدخلوا الى المسيحية الفلسفات اليونانية والطقوس الوثنية.
ولذلك قال تعالى (أَهْوَاءَ قَوْمٍ) يعنى أهواء علماء النصارى. 

        

فيقول تعالى (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ) وهم هؤلاء الأساقفة والرؤساء 
(قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) أي قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ مبعث الرسول ﷺ
(وَأَضَلُّوا كَثِيرًا) أي وَأَضَلُّوا كَثِيرًا من الناس.
(وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) أي وَضَلُّوا بعد بعثة الرسول ﷺ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، أي الطريق الحق، وهو طريق الاسلام.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇