Untitled Document

عدد المشاهدات : 926

الحلقة (286) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات من (71) و (72) و (73) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السادسة والثمانون بعد المائتين (286) (ص 89)
تدبر الآيات من (71) و (72) و (73) من سورة "النِسَاء"

❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73) 
❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) يعنى خُذُوا حِذْرَكُمْ من عدوكم، وكونوا دائمًا على أهبة الاستعداد لمجابهة أعدائكم. 
وقال بعض المفسرون (خُذُوا حِذْرَكُمْ) يعنى (خُذُوا أسلحتكم) والمعنى واحد.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) لأن كل الأمم مجتمعة على عداوة الاسلام والمسلمين، منذ بعثة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحتى الآن وحتى قيام الساعة،يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" 
لماذا ؟ لأن الحياة صراع بين الخير والشر، وبين أهل الحق وأهل الباطل، منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة، والحق في هذا العالم هو الاسلام، وما سوي الاسلام فهو الباطل، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون كل الأمم في عداء مع الاسلام.
ولذلك فهذه العبارة النفيسة (خُذُوا حِذْرَكُمْ) يجب أن تكون عنوان الدولة الاسلامية، والتهاون في هذا التوجيه القرآني كان هو السبب في سقوط بغداد على يد المغول، وكان السبب في ضياع الأندلس من المسلمين، وكان سبب في ضياع الخلافة الاسلامية المتمثلة في الدولة العثمانية، وكان السبب في جميع النكبات التي مرت بها الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل، السبب أن الأمة الاسلامية لم تأخذ حذرها من أعدائها.

❇        

(فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ)
نَفَرَ: يعنى خرج بسرعة.
كما نقول: نفَر الحُجَّاجُ من مِنَى، يعنى: خرجوا مسرعين من مِنَى إلى مكّة.
فقوله تعالى: (فَانْفِرُوا) يعنى اخرجوا لقتال عدوكم بهمة ونشاط وحماسة.
(ثُبَاتٍ) الثُبَاتٍ جَمَعُ ‏"‏ثُبَةٍ‏"‏ وهي الجماعة أو الفرقة من الجيش.
يعنى اخرجوا لقتال عدوكم جماعة بعد جماعة.
(أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) يعنى أَوِ أخرجوا كلكم في جيش واحد للقاء عدوكم.

❇        

اذن معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا)
أن الله تعالى يأمر عباده المؤمنين أن يكونوا دائمًا على استعداد للقاء أعدائهم، فاذا حان وقت القتال فيجب عليهم أن يخرجوا لقتال أعدائهم مسرعين، سواء يخرجون جماعة في اثر جماعة، أو يخرجوا مجتمعين في جيشٍ واحد، وذلك على حسب الطريقة المناسبة لدحر أعدائهم والتغلب عليهم، والمهم ألا يقعدوا عن الجهاد أبدًا اذا كانت هناك الحاجة للقتال.
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلُّو"

❇        

(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)
(وَإِنَّ مِنْكُمْ) وَإِنَّ مِنْكُمْ تشمل المنافقون وضعيفي الإيمان.
(لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) وهي تحمل معنيين: يُبْطِئ هو نفسه، يعنى يتثاقل ويتخلف هو عن الجهاد، ويُبَطئ غيره يعنى يدعو غيره الى عدم الخروج للقتال.
وهذا مثلما فعل "عبد الله بن ابي سلول" رأس المنافقين، عندما دعا المسلمين الى الانسحاب في أحد وهم في طريقهم الى أرض المعركة، فانسحب ومعه ثلث الجيشمن المنافقين وضعيفي الايمان وعادوا الى المدينة.
(فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) يعنى فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ هزيمة أو قتل أو جراح في القتال.
(قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا) يقول على سبيل الفرح والشماتة، أن الله تعالى قَدْ أَنْعَمَ عليه واكرمه لأنه لم يكن حاضرًا معهم في هذا القتال.

❇        

(وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)
(وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ) أي وان انتصرتم على أعدائكم وأصبتم من الغنائم.
(لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) 
هذه جملة معترضة سنعود اليها
(يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) يعنىيَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ بالغنائم، ويكون لي نصيب من الغنائم، فهو يقول ذلك على سبيل الحسد للمؤمنين.


❇        

قوله تعالى (لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) 
قلنا أن هذه جملة معترضة، والمعنى أنهم يشمتون فيكم عندما تصيبكم مصيبة، ويحسدونكم عندما يصيبكم فضل من الله، كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ من قبل مَوَدَّةٌ أو علاقة طيبة، ولو في الظاهر.
وهذه الجملة المعترضة للتعجب من شان هؤلاء المنافقين وضعيفي الايمان.

❇        

هذه الآية تشير الى اختلال المفاهيم عند المنافقين وضعيفي الإيمان، فهم يرون تخلفهم عن الجهاد نعمة يشكرون الله تعالى عليهم، ويرون الشهادة في سبيل الله تعالى "مُصِيبَةٌ" ويرون أن الفوز بالغنائم فوزًا عظيمًا، بينما ورد في القرآن أكثر من عشرة مرات أن الفوز العظيم هو الجنة.
هذا هو اختلال المفاهيم فهو يقولون أن الفوز العظيم هو الغنائم، والقرآن يقول أن الفوز العظيم هو الجنة.
أهل الدنيا يرون أن الفوز العظيم هو متاع الدنيا، بينما الحقيقة التي يقررها القرآن أن الفوز العظيم هو دخول الجنة.

❇        

واختلال المفاهيم هو أحد فخاخ الشيطان الرجيم، وهو أن يقلب المفاهيم ويعكسها في ذهن العبد، وبالتالي يظل الانسان طوال حياته يسير في الاتجاه الخاطئ
فنجد من ينفق حياته لجمع المال، لأن مفهوم النجاح في الحياة عنده أن يكون غنيًا ذا مال، وكلما زاد ثراء الانسان كلما دل ذلك على نجاحه.
ونجد من ينفق حياته للوصول الى منصب، لأن مفهوم النجاح في الحياة عنده أن يكون ذا منصب.
ونجد من ينفق حياته للوصول الى الشهرة، لأن مفهوم النجاح في الحياة عنده أن يكون ذا شهرة.
هناك راقصة تقول العمل عبادة، وربنا بيوفقني في كل عمل، عشان باعمل استخارة قبل أي عمل، هذه عندها اختلال في المفاهيم
وكل هذا من اختلال المفاهيم في الأذهان، وهو أحد فخاخ الشيطان كما ذكرنا

❇        

هناك من الأطباء من يري أن نجاحه في ارتفاع قيمة الكشف، فكلما كانت قيمة الكشف عالية كلما كان طبيبًا ناجحًا، وهذا مفهوم معكوس للنجاح، فالطبيب الناجح هو من كانت قيمة الكشف عنده منخفضة، والدكتور مشالي –رحمه الله- الملقب بطبيب الفقراء، هو نموذج للطبيب الناجح
المرأة التي أحسنت تربية أبناءها هذه انسانة ناجحة، وليست الفنانة المشهورة.
الموظف البسيط الذي يراعي الله في عمله أو حتى الحرفي الذي يتقن عمله، هو الانسان الناجح وليس صاحب المنصب ولا المليونير.
(مِعْيِارَ النَجَاحِ فِي الحَيَاةِ هُوَ أنْ تُحْسِنَ زِرَاعَة ما تَحْصُدَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇