Untitled Document

عدد المشاهدات : 898

الحلقة (285) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (66) الى (70) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائتين (285) (ص 89)
تدبر الآيات من (66) الى (70) من سورة "النِسَاء"

  ❇        

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) 
  ❇        

(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)
يقول تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ) يعنى لو فرضنا على المؤمنين أن يقتلوا أنفسهم، كما أمرنا بذلك بنى اسرائيل، بعد أن وقعوا في ذنب عبادة العجل، أو لو فرضنا أن يتركوا أوطانهم الى لأوطان  أخري
(مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) يعنى لن يمتثل الى هذا الأمر الا القليل مِنْهُمْ.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ) ولو امتثلوا لأوامر الله تعالى ونواهيه.
(لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) لَكَانَ ذلك خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا للإيمان في قلوبهم، لأن الايمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

  ❇        

والمعنى لو شددنا التكاليف على الناس، كأن نأمرهم بقتل النفس أو الخروج من الأوطان، فلن يفعله الا القليل منهم، فلما لم نفعل ذلك رحمة منا بعبادنا، بل اكتفينا بأمور سهلة لا مشقة فيها، فعليهم أن يلتزموا بها.
وهذا مثلما تقول لإبنك، أنت المفروض أن تفعل كذا وكذا، ولكنى لأن أطلب منك كل ذلك، وانما أطلب منك فقط كذا، فالتزم بما آمرك به.

  ❇        

روي أنه لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ‏) قَالَ رَجُلٌ‏ من الصحابة:‏ لَوْ أَمَرَنَا لَفَعَلْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا‏.‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَ‏:‏ "إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ أَثْبُتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي"
  ❇        

(وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)
قال المفسرون الأجر العظيم هو الجنة
وقوله تعالى (مِنْ لَدُنَّا) أي مِنْ عندنا، اشارة الى أن هذا الأجر العظيم لا يقدر عليه الا الله.
يقول الفخر الرازي، وصف تعالى هذا الأجر بالعظيم ، والشيء الذي وصفه أعظم العظماء بالعظمة لا بد وأن يكون في نهاية الجلالة.

  ❇        

(وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) 
أي وَلَهَدَيْنَاهُمْ الى طريق الايمان الموصل الى الجنة
والهداية الى الصراط المستقيم هي أعظم نعمة من الله تعالى على عبده، بدليل أن هذا هو الدعاء الذي أرشدنا الله -تَعَالي- اليه أن ندعوه بها في كل يوم على الأقل سبعة عشر مرة.
والذي يسير على الصراط المستقيم يكون مرتاحًا في حياته، لأن الخط المستقيم –كما يقول أهل الهندسة- هو أقرب خط بين نقطتين، وطالما أنه أقصر طريق فلابد أنه أكثر الطرق راحة.

  ❇        

(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) 
هذه الاية الكريمة تفسر الآية في سورة الفاتحة، قول الله -تَعَالي- (إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ)
فالذين أنعم الله -تَعَالي- عليهم هم: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
(النَّبِيِّينَ) وقرأت: (النَّبِيّئِينَ) والأنبياء هم خير البشر وأعالهم درجة في الجنة، وقد جاء في حديث رواه أبو داوود أن عددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي.
(وَالصِّدِّيقِينَ) وهم أفاضل أصحاب الأنبياء.
(وَالشُّهَدَاءِ) وهم القتلى في سبيل الله -تَعَالي-، وقيل هم العلماء.
(وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) وَحَسُنَ هؤلاء رفقاء وأصحاب في الجنة.
الرفيق من الرفق ولين الجانب.
قال عكرمة : النبيون ههنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، والصديقون أبو بكر، والشهداء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم "والصالحين": سائر الصحابة رضي الله عنهم 

  ❇        
روي في سبب نزول الآية عن عدد كبير من الصحابة أنهم جائوا الى الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا له نحن نراك في الدنيا، فاذا كان يوم القيامة كنت مع الأنبياء ولا نراك وكان الصحابة الكرام يحزنون لذلك، وكان الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أيضًا يحزن لذلك.
من ذلك –مثلًا- أن ثوبان كان عبدًا اشتراه الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعتقه، وكان من اليمن، فرفض أي يعود الى وطنه وظل مع الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخدمه، تقول الرواية أن "ثوبان" كان شديدَ الحب لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قليلَ الصَّبرِ عَنْهُ، فجاءه يومًا وقد تغيَّر لونه ونحل جسمه، فقال له الرسول: «يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ»؟ فقال: يا رسول الله ما بي من وجع، ولكنى ذكرتُ الآخرة وأنك تُرْفَعُ مع النبيين، فلا اراك ولا أصل اليك"  فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) 
فاذا كنت تحب الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحب الأنبياء وَالصَّالِحِينَ وتريد أن تكون معهم، فعليك بطاعة الله -تَعَالي- ورسوله، عليك العمل بكتاب الله -تَعَالي- وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تكون معهم يوم القيامة.

  ❇        

(ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)
يعنى هذا الثواب، وهو أن نكون مع النَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، هذا الثواب فضل من الله تعالى على من أطاعه، لأننا لا نستحق هذا على أعمالنا.
روى مسلم في (صحيحه) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ فَقِيلَ : وَلَا أَنْتَ  يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ : وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ"

  ❇        

وقد جاء في الخبر أن رجل عاش في جزيرة في البحر يعبد الله -تَعَالي- خمسمائة سنة لم يعص الله طرفة عين، ودعا الله أن يموت ساجدًا فمات ساجدًا، يقول الخبر: فنجده في العلم يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول تعالي لملائكته أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: رب بعملي، فيقول: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي. فيقول الله لملائكته: زنوا نعمي عليه بعمله، فلما وضعوا نعمة البصر رجحت على عمله خمسمائة سنة، فقال تعالى: أدخلوا عبدي النار، قال: فيجر إلى النار فينادي رب أدخلني الجنة برحمتك، فيقول تعالى: ردوه فيوقف بين يديه فيقول: يا عبدي ، من خلقك ولم تك شيئا ؟ فيقول: أنت يا رب، فيقول تعالى: من قواك لعبادة خمس مائة عام ؟ فيقول: أنت يا رب، من كذا من كذا حتى يقول تعالى: فذلك برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة، أدخلوا عبدي الجنة، فنعم العبد كنت يا عبدي.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇