Untitled Document

عدد المشاهدات : 951

الحلقة (280) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيتين (56) و (57) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثمانون بعد المائتين (280) (ص 87)
تدبر الآيتين (56) و (57) من سورة "النِسَاء"

❇        

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)
❇        

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآيات تتحدث عن اليهود الذين كفروا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع ذلك فالآية عامة في جميع الكفار.
(سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) أي سَوْفَ نشوي أجسادهم في نار جهنم.
كانت العرب تقول شاةً مَصليَّةً أي شاة مشوية.
وفي حديث الشاة المسمومة "فأهدت لهُ يهوديَّةٌ بخيبرَ شاةً مَصليَّةً" أي شاةً مشوية
فقوله تعالى (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) أي سَوْفَ نشوي أجسادهم في نار جهنم.
وكلمة (سَوْفَ) كما يقول علماء اللغة استقبال متباطيء
كأن الله -تَعَالي- يقول لهؤلاء الكفار لا تزال أمامكم فرصة للتوبة والنجاة من هذا العذاب.
(كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) أي كُلَّمَا احترقت جُلُودُهُمْ
(بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) أي بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَ الجلود التى احترقت.
(لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) أي حتى لا ينقطع عنهم ألم الْعَذَابَ.
لأن الجلد اذا احترق فلن يحس بالم الحرق، ولذلك يبدلهم الله -تَعَالي- بجلد آخر حتى يستمر الألم.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا) أي قويًا لا يغلب
(حَكِيمًا) يضع كل شيء في موضعه.
وهو تعالى (حَكِيمًا) في تأجيل عقوبتهم الى يوم القيامة.

❇        

قرأت أن القرآن العظيم فيه -حتى الآن- ألف وثلاثمائة اشارة علمية، وهذه الآية فيها اشارة علمية دقيقة.
فحتى وقت قريب كان الاعتقاد السائد أن جسم الانسان كله يحس بالألم، ومع تقدم علم التشريح، ومنذ حوالى 200 سنة، وجدوا أن المسئول عن الألم هو شبكة الأعصاب المنبسطة في جلد الانسان، فالجلد هو الذي ينقل لنا الشعور بالحرارة والبرودة والألم، أما الأنسجة الداخلية فالإحساس فيها ضعيف، ولذلك عندما تأخذ حقنةً تشعر بالوخزة لفترة قصيرة، وبعد الشعور بالوخزة لا تشعر بأي ألم، فعندما يحترق جلد الانسان فان شبكة الأعصاب التي في الجلد هي التي تحس بألم الإحراق، فاذا احترق الجلد واحترقت معه هذه الأعصاب فان الألم ينتهي.
ولذلك فان أطباء الجلدية يقولون أن حروق الدرجة الثالثة، والتي تصل فيها الحروق الى داخل الجسم لا تكون شديدة الايلام لأن الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق، بينما الحروق الأقل منها والتي يطلق عليها الحروق من الدرجة الأولى والثانية تكون أكثر ايلامًا  
ومن هنا كان هذا التعبير القرآني الدقيق (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) أي أن جلد الكافر كلما احترق بدل الله جلده بجلد جديد، فلا ينقطع عنه العذاب أبدًا

❇        

بينما يقول تعالى في موضع آخر في سورة محمد (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) والماء الحميم هو الماء المغلي، فلم يقل تعالى في هذه الآية أن هذا الماء المغلي قد شوي أمعائهم، أو أن أمعائهم ستتغير لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ.
وقد انتهي علماء التشريح حديثًا الى أنه لا يوجد أعصاب للإحساس بالحرارة أو البرودة في الأمعاء، وانما يكون الألم اذا قطعت الأمعاء ونزل ما بداخلها الى الأحشاء، ويقول الأطباء أن من أشد أنواع الألم عندما تنزل مادة غذائية من الأمعاء الى الأحشاء، ولذلك كان عذاب هؤلاء أن تقطع أمعائهم، ويحرق هذا الماء الحميم أحشائهم.

❇        

هذا كله من الاشارات العلمية التي تدل بوضوح على ان هذا القرآن العظيم والذي جاء منذ حوالى أربعة عشر قرنًا ونصف ليس صناعة بشرية، وانما هو كلام الله تعالى.
❇        

وقوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) أبلغ في التعذيب من (كُلَّمَا احترقت جُلُودُهُمْ) ، لأن النضج هو تمام الشيء ومنتهي الأمر، كما نقول نضجت الثمرة، فاذا تركتها بعد ذلك تفسد، ونقول نضج الطعام، فاذا ترك بعد ذلك فانه يفسد، ونضج الرجل، وبعد ذلك ينخفض المنحني.
فقوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) يعنى تبديل الجلد بجلد جديد يكون في المرحلة التى قبل تمام الاحتراق، لأنه اذا احترق الجلد فلن يكون هناك شعور بالألم -كما قدمنا- ويكون هناك بين احتراق الجلد، وبين التبديل بجلد جديد مهلة، وهذه المهلة وان كانت صغيرة جدًا فهي راحة للكافر، والله تعالى لا يريد أن يكون للكافر هذه الراحة، يقول تعالى (لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) ولذلك كان تبديل الجلد بمجرد النضج وليس بعد احترق الجلد.

❇        

اذن فالآية ترسم الآية مشهد مخيف من مشاهد العذاب للكافر يوم القيامة، والسؤال هو هل هناك أي شهوة في الدنيا مهما كانت تسـتاهل أن يعرض العبد نفسه لهذا العذاب. 
روي أن "عبد الله بن رواحة" كان جالسًا في بيته فبكي، فقالت له امرأته: ما يبكيك ؟ فقال ذكرت قوله تعالى (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) أي نار جهنم، فلا أدري أنجو منها أم لا.
وكان أبو ميسرة –من التابعين- إذا أوى إلى فراشه قال : يا ليت أمي لم تلدني ثم يبكي فقيل: ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ فقال : أخبرنا تعالى أنا واردوها ، ولم نخبر أنا صادرون عنها 
عن الحسن البصري قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال: نعم . قال: فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال: لا . قال: ففيم الضحك ؟ قال: فما رئي ضاحكا حتى لحق بالله
وبالجملة فان أمر النار عظيم، نسأل الله تعالى أن يقينا برحمته من النار ومن عذاب النار

❇        

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)
منهج القرآن العظيم، اذا ذكر العذاب فلابد أن يأتي بعده ذكر الثواب.
لأن البعض لا يصلحه الا التخويف والترهيب، والبعض لا يصلحه الا الترغيب، والبعض يصلحه الاثنين معًا.
وهذا أحد معاني أن القرآن العظيم "مثاني" ولذلك كره بعض أهل العلم أن يقرأ الإمام في الصلاة آيات العذاب ثم لا يقرأ بعدها آيات الرحمة.
(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ودائَما يأتي الايمان مقترنًا بالعمل الصالح، فلا ينفع الايمان بدون العمل الصالح، كما لا ينفع العمل الصالح بدون ايمان.

❇        

(سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
في الآية السابقة قال تعالى (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) وقلنا أن كلمة (سَوْفَ) تفيد الاستقبال المتباطيء، كأن الله يقول لهؤلاء الذين كفروا أمامكم فرصة سانحة للتوبة والنجاة من العذاب.
أما في هذه الآية فيقول تعالى (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
والسين تفيد السرعة، يعنى سنسرع في دخولهم النار.

❇        

(سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
وقرأت (سيُدخِلُهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
أي تجري الأنهار من تحت أشجارها ومن تحت قصورها.
وقد وصف تعالى أنهار الجنة في سورة محمد، فقال تعالى (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى)
وهكذا نزل الله -تَعَالي- من كل نهر ما يكدره، فالمياه اذا تركت فانها تأسن ويصيبها العفن، فقال تعالى (فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) واللبن اذا ترك فان طعمه يتغير، فقال تعالى (وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ) والخمر آفته أنه كريه الطعم، فقال تعالى (وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ) والعسل كان العرب يأخذونه من الجبل وكان يأتي مختلطًا بالرمال والحصي وربما أجزاء من النحل، فقال تعالى (وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى)
وقد جاء في الأثر أن أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ جَبَلِ مِسْكٍ، وروي أنها تَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ، يعنى يجري ماؤها على السطح .
يقول ابن القيم في وصف أنهار الجنة.
أنهارها في غير أخدود جرت**سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاءوا مفجـ**ـرة وما للنهر من نقصان
عسل مصفى ثم ماء ثم خمـ    **   ـر ثم أنهار من الألبان
والله ما تلك المواد كهذه  **    لكن هما في اللفظ مجتمعان
هذا وبينهما يسير تشابه ***وهو اشتراك قام بالأذهان

❇        

(خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) هذا هو الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، فنعيم الدنيا اما أن يفارقك ويذهب عنك، فان لم يفارقك فستفارقه أنت بالموت، أما نعيم الآخرة فانه لن يفارقك ولن تفارقه.
(لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي أن الزوجات والحور العين مُطَهَّرَةٌ خلقًا وخلقا، فهي مُطَهَّرَةٌ خلقًا من الحيض والنفاس والغائط والبول وجميع أقذار الدنيا، كما أنهن مطهرات من العيوب والأخلاق السيئة.
وكما أن الزوجة مطهرة، فان الزوج يكون مطهر هو أيضًا

❇        

(وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) وقرأت (وَيُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا)
أصل الظل هو الستر من الشمس، أما الظليل فهو لفظ مشتق من الظل لتأكيده، بمعنى أنه ظِلًّا كثيفًا.
وقد يكون هناك ظل ولكنه ليس ظليلًا، فاذا جلست في خيمة في الصحراء، فأنت تجلس في ظل، ولكنك تشعر بالسخونة، لأنه ظل ولكنه ليس ظليل، ثم صنعوا الآن خيمة من طبقتين في سقفها، الطبقة العلوية تتعرض للشمس، والطبقة الثانية تحجز السخونة، فاذا جلست في هذه الخيمة فسيكون الجو ألطف من الخيمة الأولى، لأنه ظل ظليل، وهذا مثل العمارات السكنية، يكون من عيوب الدور الأخير أن الجو فيه يكون حارًا أكثر من الأدوار الأخرى، ولذلك يفضل الانسان في الجو الحار أن يجلس تحت شجرة عن الجلوس تحت سقف، لأن السقف طبقة واحدة، أما الشجرة فكل ورقة ظل على الورقة التي اسفل منها، فهذه الشجرة ظل ظليل. 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا‏:‏ شَجَرَةُ الْخُلْد".‏
وفي كتب التفسير القديمة قال بعض المفسرون أن الظل الظليل هو الظل الذي ليس فيه حر ولا برد، وهو نفس النتيجة التي تصنعها المكيفات الآن، فيكون المعنى أن أهل الجنة يكونون في درجة حرارة مناسبة لهم لا هي حر ولا برد.
وقالوا في معاني الظل الظليل أنه ظل لا ينتقل كما هو ظل الدنيا.
قيل أن الظل الظليل هو ظِلُّ الْعَرْشِ، وقد ورد في الحديث أن الفردوس هو أعلى درجات الجنة، وسقف الفردوس هو عرش الرحمن

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇