Untitled Document

عدد المشاهدات : 825

الحلقة (277) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات (44) و(45) و(46) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السابعة والسبعون بعد المائتين (277) (ص 86)
تدبر الآيات (44) و(45) و(46) من سورة "النِسَاء"

 ❇        

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) 
 ❇        

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)
(أَلَمْ تَرَ) يعنى ألم تعلم
مثل قولك: أَلَمْ تَرَ الى فلان ماذا قال اليوم ؟ يعنى ألم تعلم ماذا قال اليوم ؟
وهو سؤال للتعجب والاستنكار.
 (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) يعنى إِلَى الَّذِينَ أعطوا مقدارًا من علم الكتاب، وهم أحبار اليهود، لأن التوراة التى كتبها موسى ضاع أكثرها، فلم يصل اليهم الا بعض التوراة التى لم تضيع.
(يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ) 
يعنى بدلًا من أن يكون العلم الذي معهم سببًا لهدايتهم، وصفة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التى معهم سببًا لهدايتهم، فانهم اختاروا طريق الضَّلَالَةَ وتركوا طريق الهداية.
والتعبير بيَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ يدل على حرصهم على الضلالة لأن الإنسان لا يشتري ويدفع أموالًا الا ما يحرص عليه 
ولذلك كان السؤال –كما قلنا- للتعجب والاستنكار، لأن المفروض أن العلم الذي معهم من الكتاب يهديهم الى الطريق الحق، وكان المفروض أن العلم الذي معهم من صفة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تجعلهم أول من يؤمن بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل كان يجب أن يكونوا هم الذين يدعون العرب الي الايمان بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنهم بدلًا من ذلك آثروا الكفر على الايمان واشتروا الضلالة.
(وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)
 يعنى وَيُرِيدُونَلكم أيها المؤمنون أن تكفروا وتضلُّوا طريق الهدى مثلهم.

 ❇        

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) 
يعنى وَاللَّهُ تعالى أَعْلَمُ منكم بِأَعْدَائِكُمْ، وهو تعالى أَعْلَمُ بمن يتظاهرون بصداقتكم ويضمرون لكم الحقد والكراهية، وهو تعالى أَعْلَمُ بأحوال أعدائكم وأعمالهم وبما يكيدون به لكم في الخفاء.

 ❇        

(وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)
يعنى الله يكفيكم لكي يتولى أموركم، و الله يكفيكم لكي ينصركم على أعدائكم.
فلا تطلبوا النصر الا من عند الله تعالى، واكتفوا بولايته ونصره
وفي هذا تطمين للمسلمين، يعنى اطمئنوا أيها المسلمون، فالله تعالى ذو علم بأعدائكم، وهو تعالى يتولى أموركم، وهو تعالى ينصركم، وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا.
وكان يمكن أن يقول تعالى (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَنَصِيرًا)
ولكنه تعالى كرر الفعل (كَفَى) ليلقي الطمأنينة أكثر في قلوب المؤمنين.

 ❇        

(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)


(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) 
(مِنَ) كما يقول علماء اللغة تبعيضية، يعنى بعض اليهود، لأن هناك من اليهود من قد اسلموا مثل "عبد الله بن سلام" و"كعب الأحبار" و"مخيرق" والسيدة "صفية".
وهذا التبعيض هو من انصاف القرآن العظيم، وهو يعلمنا الموضوعية في أمورنا كلها، لأن التعميم من العمى، وإطلاق الأحكام من ضيق الأفق.
أو أن (مِنَ) بيانية، لأن الآية السابقة تقول ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً) فالمعنى ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) أو (وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً* مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾

 ❇        

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) يعنى يحرفون كلام الله الذي في التوراة.
وكلمة التحريف مشتقة من الحرف، لأنهم كانوا يغيرون الحروف والكلمات التي في التوراة.
وهذا التحريف اما تحريفًا لفظيًا سواء بالحذف، أوالزيادة، أو التبديل، فقد حرفوا صفة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمثلًا بدلًا من صفته التى كانت في التوراة أنه رُبْعَة من الرجال، أي ليس بطويل ولا قصير، وأنه أبيض مشرب بحمرة، كتبوا أنه طويل آدم يعنى طويل القامة أسمر اللون
وقد أثبت كثير من العلماء، ومنهم من علماء اليهود أنفسهم أن النسخة التي كتبها موسى عليه السلام قد فقدت، وأن النسخة الموجود الآن لا يمكن أن تكون بحال هي النسخة التى كتبها موسى عليه السلامـ وذكروا الكثير من الشواهد على تحريف التوراة، منها –مثلًا- أن هناك الكثير من الألفاظ البابلية في التوراة، وهذا يدل تدل على أنها كتبت بعد سبي البابليين لبني إسرائيل. 

 ❇        

وقد يكون التحريف بتعمد تفسير آياته تفسيرًا خاطئًا ليوافق هوي نفوسهم.
يقول القس الألماني "مارتن لوثر" مُطلق عصر الإصلاح في أوروبا "لم يكتفي اليهود بتحريف الكتاب المقدّس من الدفة الى الدفة، بل فسروا محتوياته حسب أهوائهم وشهواتهم".
وهذا أمر يجب أن ننتبه نحن المسلمون له، لأن القرآن العظيم لا يمكن تحريف كلماته بحفظ الله له، ولكن تحريف القرآن الآن من بعض المنتسبين للإسلام يكون بتفسيره تفسيرًا خاطئًا.
يأتي أحدهم فيقول، يقول تعالى ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ هذا يعنى أن المرأة تتكشف كما تريد، والا ما الذي نغض أبصارنا عنه ؟ يأخي الله تعالى أمر المرأة بالحجاب، فاذا كانت هناك امرأة غير ملتزمة بذلك فعليك أنت أن تغض بصرك.
اذن يجب أن ننتبه حتى لا نقع فيما وقع فيه اليهود، والقرآن العظيم مليء بذكر أخطاء بنى اسرائيل، وهذا ليس بهدف التشنيع عليهم، ولكن حتى لا نقع نحن فيما وقعوا فيه من الأخطاء.
وهذا –كما يقول علماء التربية- أسلوب التربية الغير مباشر، وهو أوقع وأشد تأثيراً

 ❇        

(وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) يعنى ويقول هؤلاء اليهود الكارهين للإسلام للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سَمِعْنَا) أي سَمِعْنَا كلامك وسنطيعك فيه، ثم يقولون بينهم وبين أنفسهم (وَعَصَيْنَا) أي وَعَصَيْنَا أمرك.
(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) يعنى وَيَقُولُونَ للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديثهم اليه (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) وهذه عبارة طيبة كانت العرب تستخدمها تأدبًا في الحديث، وهي تعنى: اسْمَعْ كلامي، وأنت غير مأمور بأن تسمع، كما كانوا يقولون "افعَلْ غيرَ مَأمُور" كما نقول نحن الآن "فضلًا لا أمرًا"
فكانوا يقولون ذلك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) وهم لا يقصدون هذا المعنى الطيب، ولكنهم يقصدون (َاسْمَعْ) اسمع كلامنا (غَيْرَ مُسْمَعٍ) يعنى لا أسمعك الله، وهو دعاء بالصمم أو بالموت،  أو أن لا يُستجاب الى دعوتك الناس.

 ❇        

(وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) وكلمة (رَاعِنَا) تحمل كذلك وجهين، فهي تعنى الرعاية ونحن نستخدم هذه الكلمة وخصوصًا في البيع والشراء، وتعنى في لغتهم العبرانية الرعونة والطيش.
يقول تعالى (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) يعنى كانوا يلوون ويميلون ألسنتهم بالكلمة حتى توافق اللفظ الذي يتسابون به في لغتهم والتي تعنى الرعونة والطيش.

 ❇        

(وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) 
يعنى كانوا يقولون ذلك حتى ينفثوا عن كراهيتهم وحقدهم على الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
وأيضًا بقصد الطعن في الدين، لأنهم كانوا يقولون لأصحابهم من ضعيفي الإيمان: لو كان محمّد رسولاً لعلم ما أردنا بقولنا، ففضحهم الله بهذه الآية
يقول ابن عطية في تفسيره -وقد عاش في القرن الخامس الهجري- وهذا موجود حتى الآن في اليهود، وهم يحفظون أولادهم الصغار ما يخاطبون به المسلمين مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير

 ❇        

(وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ)
يعنى وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا عند مخاطبة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) بدلًا من قولهم (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وقالوا (وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا) بدلًا من قولهم (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا) 
(لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ) أي لكان ذلك القول خيراً لهم عند الله وأعدل وأصوب 
(وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ)
يعنى ولكنهم لم يقولوا ما هو خير لَهُمْ وَأَقْوَمَ، فاستحقوا أن يلعنهم الله، وذلك (بِكُفْرِهِمْ) أي بسبب كُفْرِهِمْ.
(فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) 
فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا ايمانًا ضعيفًا لا يعتد به ولا ينجيهم من العذاب، فهم يؤمنون بموسي ولا يؤمنون بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا بعيسي –عليه السلام- ويؤمنون بالله ولكنهم يقولون عزير ابن الله، ويؤمنون باليوم الآخر ولكنهم يقولون لن يعذبنا الله الا أيامًا معدودات.
أو المعنى أن القليل منهم هو الذي يؤمن منهم، فلم يؤمن منهم في عهد الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الا أعدادًا قليلة جدًا، ولم يدخل منهم في الاسلام على مر القرون الا  القليل منهم جدًا.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇