Untitled Document

عدد المشاهدات : 1259

الحلقة (275) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات (40) و(41) و(42) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (ان اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائتين275 (ص 84)
تدبر الآيات (40) و(41) و(42) من سورة "النِسَاء"

❇        

(ان اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) 
❇        

(ان اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
مر بنا أن "عبدِ اللهِ بن مَسعودٍ" رضِي اللهُ عنه، قال: "إنَّ في سورة النِّساء لخمسَ آياتٍ، ما يسرُّني بهنَّ الدُّنيا وما فيها:
مر بنا الآية 31 (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)
ثم هذه الآية 40 (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)

❇        

يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)
المِثْقَالَ هو الوزن
أما الذَرَّة فقد قال بعض المفسرون أن الذَرَّة هي أصغر أنواع النمل، وقال البعض أنها رأس النملة، وقيل أنها بيضة النمْلة، وقالوا أنها الغبار التى يتطاير في الهواء، والصحيح أن المراد من الذَرَّةٍ أنها أصغر ما يدرك من الأجسام.
والمعنى أن الله تعالى لا يمكن أن ينقص شيئًا من ثواب العمل الصالح مهما صغر هذا العمل، كما قال تعالى في سورة الزلزلة (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)
فلو رأيت على سجادة المسجد قشة طولها سم فأخذتها فسوف تكفأ على هذا العمل.
لو كنت جالسُا تأكل ومرت بك قطة فأعطيتها لقمة فستكافيء على ذلك. 
لو ابتسمت في وجه رجل الأمن وأنت تدخل الى عملك صباحًا فستكافيء على ذلك.
روي مسلم من حديث أَبي ذرٍّ أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ "
وفي الموطأ : أن مسكينا سأل السيدة عائشة، وكانت تأكل عنب، ولم يتبق الا عنبة واحدة، فقالت لأحد عندها، خذ هذه الحبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب; فقالت : أتعجب ! كم في هذه الحبة من مثقال ذرة .

❇        

(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) 
وأصل ((تَكُ)  تكن فحذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال .
والمعنى: وَإِنْ تُوجَدْ حَسَنَةٌ.

❇        

(يُضَاعِفْهَا) 
أي يضاعف ثوابها. 
كم يضاعف الله ثواب الحسنة ؟
ورد أن الله تعالى يضاعف ثواب الحسنة الى عشرة أمثالها، وورد أنه تعالى يضاعفها الى سبعمائة ضعف، وورد أنه يضاعفها الى ما فوق ذلك لمن يشاء، قال تعالى (وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ)
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة الطويل، وفيه "فيقول الله عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه أدني أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار" فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول أبو سعيدالخدري اقرءوا قول الله تعالى (اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)

❇        

(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)  ويعطي مِنْ لَدُنْهُ أي من عنده
اذا قيل لك أن فلان سيعطيك هدية، فانك ستتوقع الهدية التي تتناسب مع قدرته، فاذا كان صديق لك فستتوقع أنها هدية عادية، واذا كان غنيًا فستتوقع أنها هدية قيمة، واذا كان غنيًا جدًا فستتوقع هدية قيمة جدًا، وان كان أميرًا أو ملكًا فستتوقع هدية تتناسب مع قدرته، فاذا قيل لك أن الأجر من عند الله تعالى، فلابد أن هذا الأجر يتناسب مع قدرته تعالى، وقدرته تعالى مطلقة وغير محدودة، ولذلك فعطائه تعالى غير محدود، وذلك قال تعالى (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)
قال أكثر المفسرين أن الْأَجْرُ الْعَظِيمُ هو الْجَنَّةُ‏.‏
وقد أخبرنا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

❇        

 (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) 
يخوف الله تعالى الكفار بهذا الموقف من مواقف يوم القيامة، فيقول تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً)
والشهيد هو الشاهد الذي سيشهد على كل أمة، وهذا الشاهد هو نبيهم الذي ارسله الله اليهم، فيشهد هذا النبي أنه قد ابلغ قومه رسالة ربه، وأدي ما عليه من أمانة.
والمعنى ماذا سيصنع الكفار، وكيف سيكون حالهم في هذا الموقف من مواقف يوم القيامة، عندما نأتي بالأنبياء، فيشهد كل نبي على أمته أنه قد أبلغ رسالة ربه.
(وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً) يعنى وَجِئْنَا بِكَ يا محمد فتشهد على قومك بأنك قد أبلغتهم رسالة ربك.

وهذه الآية هي التي ورد في الصحيحين أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكي عندما سمعها، يقول "عبد الله بن مسعود": قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقرأ علىَّ شيئا من القرآن، فقلت يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : نعم إني أحب أن اسمعه من غيرى، يقول: فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "حسبك الآن" يقول: فإذا عيناه تذرفان.
لماذا بكي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند هذه الآية ؟ لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعر هول وعظمة هذا اليوم، وهول وعظمة هذا الموقف. 
يقول الإمام محمد عبده، اذا كان هذا هو حال الشهيد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما يتذكر هذا اليوم، أنه يبكي، فالأولى أن يعتبر المشهود عليهم وهم المسلمون فيبكون لتذكر هذا اليوم كما بكي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 


❇        

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)
كان يكفي أن يقول تعالى (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) لماذا قال تعالى (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) ؟
قال تعالى (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) ليبين أهمية طاعة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليدل على أن معصيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفر، وهذا مثل هذه الفرقة الضالة والتي يطلق عليها "القرآنيون" والذين يرون أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع، وينكرون سنة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهؤلاء لا يستحقون هذه التسمية الشريفة، لأنهم لو كانوا قرآنيين بحق، لأطاعوا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللتزموا بسنته الشريفة لأنه القرآن العظيم يقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)
يقول تعالى  (يَوْمَئِذٍ) أي في يوم القيامة (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ) يعنى: يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ.
وليس المقصود بالرسول هنا هو نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن المقصود جنس الرَسُول.
يعنى يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ الذي أرسل اليهم.

❇        

(لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) والمعنى أن تبتلعهم الأرض، أو المعنى أن يصيروا جزءًا من الأرض، وأصلها أن يكونوا هُمْ وَالْأَرْضُ سَوَاءً.
يقول ابن عباس في تفسير هذا المشهد: أن الله تعالى في يوم القيامة يغفر الذنوب الكثيرة للمؤمنين، ولا يغفر تعالى للمشركين، فلا يجد المشركون أمامهم فرصة للنجاة الا أن يكذبوا ويقولوا أنهم لم يكونوا مشركين، فيقولوا كما ذكر تعالى (قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم الله تعالى على أفواههم، ويأمر جوارحهم أن تتكلم وأن تشهد عليهم، فتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وجلودهم وألسنتهم وكافة جوارحهم على كفرهم وعلى أعمالهم.
فعند ذلك يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، يعنى أن تبتلعهم الأرض، أو أن يكونوا هم والأرض سواء، فيكونون جزءًا من تراب الأرض، وهذا مثل قوله تعالى في سورة النبأ (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا‏)

❇        

(وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) يعنى الحال أنهم لا يستطيعون أن يكتمون شيئًا من أعمالهم عن الله تعالى، لأن جوارحهم هي التي ستشهد عليهم.
❇        

قوله تعالى (تُسَوَّى) لها ثلاثة قراءات: 
(تُسَوَّى) بضم التاء
(تَسَوَّى) بفتح التاء
(تَسَّوَّى) بفتح التاء وتشديد السين.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇