Untitled Document

عدد المشاهدات : 1104

الحلقة (238) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات من (164) الى (168) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المائتين
تدبر الآيات من (164) الى (168) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) 

❇        

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
يقول تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)أي أنعَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وأحسَنَ إليهم.
(إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي بعث اليهم رَسُولًا بشرًا مثلهم، ليس بِمَلَكٍ.
(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ) يعنى يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيات القرآن العظيم.  
(وَيُزَكِّيهِمْ) الزكاة هي الطهارة، والمعنى: ويطهرهم من دنس الشرك، ودنس الأخلاق الذميمة.
(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) اي‏:‏ وَيَعْلَمُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أنزل عَلَيْهمِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ معانيه.
(وَالْحِكْمَةَ) أي وَيَعْلَمُهُمْ السنن العملية، وَالسلوك القويم، والْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
(وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أي وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ بعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ضَلَالٍ بين واضح وجاهلية.

❇        

 (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) أوَحِينَ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ، وهم القتلى الذين قتلوا يوم أحد، وكان قد قتل من المسلمين سَبْعِينَ.
(قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) أي قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا في بدر، لأن المسلمين قتلوا من المشركين في بدر سبعين، وأسروا سبعين، والأسير في حكم المقتول،لأنهم كان يمكنهم قتل هؤلاء الأسري.
أو (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) لأن المسلمين كانوا منتصرين في الجزء الأول من غزوة أحد، وقتلوا عددًا كبيرًا من المشركين، فكأن المسلمين انتصروا في معركتين وهما يوم بدر والجزء الأول من يوم أحد، مقابل انتصار واحد للمشركين في الجزء الثاني من غزوة أحد.
(قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا) قُلْتُمْ كيف تحدث لنا هذه الهزيمة، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَفِينَا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله تعالى (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) جملة معترضة، كأن أصل الكلام (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا)
(قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) قُلْ لَهُمْ يا محمد أنتم السبب في هذه المصيبة، عندما خالفتم أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وذلك حين ترك الرماة أماكنهم وقد أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدم تركها، وكذلك فرار الجيش عندما انقضت عليهم خيل المشركين، وقد أخذ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوهم بعدم الفرار.


❇        

الآية فيها إنكار لتعجب الصحابة مما أصابهم يوم أحد من هزيمة وقتل، كأن الله -تَعَالي- يقول كيف تتعجبوا مما وقع بكم في أحد، فهذه نتيجة طبيعية لمعصيتكم لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكرهم الله تعالى في جملة معترضة انتصارهم الساحق في بدر، فقال (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) لأن بضدها تتضح الأشياء، يعنى كان يجب أن تقارنوا: لماذا أَصَبْتُم مثليها من قبل، ولماذا أُصِبْتُم الآن؟ فأنتم أصبتم من المشركين في بدر، واصبتم من المشركين في الجزء الأول من أحد عندما التزمتم بطاعة الله وطاعة رسوله، ثم أصابتكم الهزيمة والقتل والجراح عندما عصيتم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
❇        

وقد استوعب الصحابة الكرام هذا الدرس، فلما نزلت الآية قال الصحابة:  أَصَابَنَا هَذَا لِأَنَّا عَصَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمِنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا كَانَ مُطَهَّرًا، رَضِينَا رَبَّنَا‏.‏
❇        

(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)
أي:والذي أَصَابَكُمْ يوم أحد من قتل وجراح، فانه بِإِذْنِ اللَّهِ -تَعَالي- وقضاءه وقدره، والله تعالى أذن له أن يقع، ولو لم يأذن الله تعالى به لما وقع.
(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) أي أن هذه الهزيمة كانت لحكمة عند الله تعالى، وهي أن يميز الله -تَعَالي- بين أهل الايمان والمنافقين.
وقلنا من قبل أن معنى (لِيَعْلَمَ) أي العلم الذي يظهره الله للناس، لأن الله -تَعَالي- من عدله لا يحاسبنا على العلم الذي يعلمه أزلًا، وانما يحاسبنا على العلم الذي يظهره لنا.
وأيضًا (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) أي وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أي ليعرف الْمُؤْمِنِينَ بعضهم بعضا.

❇        

 (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) أي وليميز الله -تَعَالي- المنافقين.
وشرح الآية أن الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما خرج بالمسلمين الى أحد، كان عدد الجيش ألف مقاتل، فلما سار الجيش قليلًا، انسحب رأس النفاق "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ" بِثُلْثِ النَّاسِ، وقال: عصاني وأطاع الولدان ‏!‏ وَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا ارجعوا أَيُّهَا النَّاسُ. فعاد مع "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ" ثلاثمائة من المنافقين.
وتبعهم بعض الصحابة، يحضوهم على القتال، وهذا هو قول الله تعالى (وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا) 
ومعنى (ادْفَعُوا) أي ادْفَعُوا العدو بتكثيركم عدد المسلمين.
أو (ادْفَعُوا) يعنى ادْفَعُوا عن أنفسكم، لأن هؤلاء المشركين لو انتصروا في القتال، فسيهاجمون المدينة وسيعتدونعليكم وعلى أموالكم واعراضكم، فتعالوا ادْفَعُوا عن أنفسكم وأموالكم واعراضكم.
(قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ) يعنى تحججوا بأنه لن يكون هناك قتال، ولو نعلم أنا سيكون هناك قتال، لخرجنا معكم. 
وهذا يناقض قول زعيمهم عندما قال: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا
(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ) وهذا يدل على عددًا منهم ليسوا كافرين بالكلية، وانما هم من أهل الريب والشك، وأنهم يتأرجحون بين الكفر والإيمان، وهذا مثل قول الله تعالى في صفة المنافقين، في سورة النساء (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ) 
فقوله تعالى (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ) يعنى حين انسحبوا من الجيش أصبحوا لِلْكُفْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ.
كأن الله تعالى برحمته ولطفه بعباده لا يريد أن يقنط هؤلاء الثلاثمائة الذين انسحبوا مع "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ" من حالهم، فلا يقول لهم أنتم كافرين، أو أنتم كفرتم حين انسحبتم، ولكن انتبهوا فأنتم لِلْكُفْرِ أَقْرَبُ مِنْكُمْ لِلْإِيمَانِ، فتداركوا أنفسكم قبل أن تقعوا في الكفر وقوعًا كاملًا.
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) 
وهذه هي صفة المنافقين، أنهم (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) 
واذا قال تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) فغالبًا تذكر عن المنافقين.
 لأن القول المفروض أن يبينما في النفس، ولكنهم يقولون وكلامهم لا يتعدي أفواههم
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) والآية فيها تحذير وتهديد لهم.

❇        

(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) 
عندما خرج الجيش الى أحد، وانسحب "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ" في الطريق، لم ينسحب وحده بل دعا الجيش كله للانسحاب، وقال –كما ذكرنا-  عصاني وأطاع الولدان ‏!‏ وَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا ارجعوا أَيُّهَا النَّاسُ. فاستجاب لعبد الله بْنُ أُبَيِّ ثلاثمائة من المنافقين، وأهل الشك، بينما لم يستجب بقية الجيش.
فلما حدثت الهزيمة، وقتل من الصحابة من قتل، قال هؤلاء المنافقون (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) يعنى لَوْ أَطَاعُونَا في عدم الخروج مَا قُتِلُوا.
فرد الله عليهم هذا الرد المفحم (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يعنى أنتم قعدتم عن الجهاد، وتخلفتم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرصًا على الحياة وخوفًا من القتل، فان إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في هذا الادعاءفَادْرَءُوا أي ادفعوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ عندما تحين آجالكم.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇