Untitled Document

عدد المشاهدات : 883

الحلقة (234) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (155) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ ع

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائتين
تدبر الآية (155) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) 

❇        

قلنا أن الآيات من سورة آل عمران من الآية (121) الى الآية (179) تتناول غزوة أحد والدروس المستفادة من غزوة أحد
وقلنا أن الخطأ في غزوة أحد كان أمران: 
الأول مخالفة الرماة أوامر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والثاني عدم ثبات المسلمين وفرارهم عندما انقض عليهم خيل المشركين.
يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) 
والمقصود بقوله تعالى (الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) هم المسلمون الذين لم يصبروا ولم يثبتوا وفروا عندما انقضت عليهم خيل المشركين، فكان منهم من صعد الى الجبل، وكان منهم من فر حتى وصل الى المدينة.
بينما لم يثبت مع النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الا نحو ثلاثين من الصحابة، فكان منهم من قتل، ومنهم من أصيب 
(يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) أي يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ الْتَقَى، جَمْعُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمْعُ الْمُشْرِكِينَ.
(إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) يعنى أوقعهم الشَّيْطَانُ في الزلل، والخطيئة.
والزلة هي العثرة.

❇        

(بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) 
أي أوقعهم الشيطان في هذه الخطيئة وهي الفرار، بسبب حرصهم على بعض ما كسبوا من متاع الحياة الدنيا.
فكأن الشيطان ذكرهم بأموالهم وما يمتلكون من متاع الدنيا، فجعل في نفوسهم الحرص على الحياة وكراهية الموت.
أو (اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) من الذنوب.
أي أنهم بسبب ذنوب ارتكبوها كانوا أكثر عرضة لوساوس الشيطان.
كأن المعصية تضعف مناعة العبد في مواجهة وساوس الشيطان، وتكون سببًا في تسلط الشيطان عليه.
أما الطاعة فهي تقوي مناعة العبد في مواجهة وساوس الشيطان.
ولذلك روى البخاري ومسلم أن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال لعمر بن الخطاب (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ )
والآية تحمل المعنيين لأن أحوال الذين فروا من المؤمنين كثيرة.

❇        

(وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) 
يبشرهم تعالى بأنه قد عَفَا عَنْهُمْ، والعفو يعنى محو الذنب بالكلية، فلا يكون منه في صحيفة سيئاته أي أثر، وينسي الله أعضائه الذنب فلا تشهد عليه يوم القيامة، وينسي الله الأرض التى ارتكب عليهاالذنب فلا تشهد عليه يوم القيامة
كمن يعفو الأثر في الصحراء فلا يترك أثر.
وهذا يدل على أنهم أخلصوا التوبة الى الله.
وكان ممن فر يوم أحد "عثمان بن عفان" فكان اذا عوتب في هذا الأمر، قال: لقد قال تعالى (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) فأنا فيمن عفا الله عنهم، فكيف تكلمنى وقد عفا الله عنى.

❇        

(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ) 
وهذه صيغة مبالغة، لأنه تعالى يغفر الذنوب الكبيرة ويغفر الذنوب الكثيرة.
(حَلِيمٌ)  
أي ذو حلم، فلا يعجل العقوبة على عباده، بل ينتظر حتى يتوبوا 
وليس هناك موضع في القرآن فيه  (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) بصيغة التوكيد هذه، الا في هذا الموضع.
هناك (واللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) بالواو في ثلاثة مواضع.
كأن الله تعالى يؤكد عفوه عن المؤمنين الذين فروا، لأن الموقف كان صعبًا، بالرغم من أنه ما كان يجب عليهم الفرار، وكان يجب عليهم أن يثبتوا مع الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن الموقف كان صعبًا لأن المشركين كانوا أكثر من أربعة أضعاف المسملين، كان المشركون ثلاثة آلاف منهم مائتين فارس، والمسلمون سبعمائة ومعهم أربعة فرسان فقط، وقد انقضت عليهم خيل المشركين واختلطت صفوف المسلمين.
ولذلك اكد الله عفوه ومغفرته وحلمه على هذه الطائفة من المسلمين الذين فروا من أرض المعركة، لأن الإسلام دين واقعي، يحترم الضعف البشري

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇