Untitled Document

عدد المشاهدات : 1603

الحلقة (225) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (139) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- -تَعَالي- وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الخامسة والعشرون بعد المائتين
تدبر الآية (139) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

 وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)

 ❇        

هذه الآية الكريمة ورقمها (139) حتى الآية (154) مواساة من الله تعالى لصحابة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الهزيمة في أحد، وما أصابهم من القتل والجراح في هذه المعركة. 
حتى قال بعض المفسرون أن الله تعالى لم يواسي أمة من الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ بأحسن ما واسي به صحابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في هذه الآيات

❇        

يقول تعالى:
(وَلَا تَهِنُوا) الوهَن أو الوهْن، بفتح الهاء أو سكونها، هو الضعف.
كما قال تعالى عن زكريا عليه السلام ( قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي‏)
والمقصود هنا هو ضعف النفس وضعف العزيمة والإرادة عن الجهاد وقتال الأعداء.
(وَلَا تَحْزَنُوا) يعنى ولا تسترسلوا في الحزن بسبب الهزيمة، أو بسبب ما أصابكم من القتل، لأن هؤلاء القتلى شهداء، وهم في أسمي منزلة، وهم أحياء عند ربهم يرزقون.
وقد نهي الله تعالى عن الحزن في أكثر من موضع في القرآن العظيم
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)
يقول تعالى (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) 
وكان الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعيذ بالله تعالى من الحزن فيقول (اللهم انا نعوذ بك من الهم والحزن)
والنهي من الله تعالى عن الحزن، ليسًا نهيًا عن الوقوع في الحزن، لأن الحزن أمر يقع للإنسان رغمًا عنه، ولكن النهي عن الحزن هو نهي عن الاسترسال في الحزن وديمومته، وعدم محاولة الخروج من دائرة الحزن.
وهذا ما يفسر لنا الروايات التى تبدو متعارضة في صفة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد روي عن "هند بن ابي هالة" في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان "متواصل الأحزان" وفي نفس الرواية كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "دائم البشر" وروي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يري الا مبتسمًا.
وليس هناك تعارض بين هذه الروايات، فقد كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يصيبه الحزن، لأن الأنبياء أكثر الناس ابتلاءًا، ولكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يترك نفسه أبدًا فريسة للحزن، وكان لا يلبث أن يتغلب على أحزانه.
ولذلك نهي الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التعزية فوق ثلاثة أيام.
وفي غزوة أحد عاد الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المعركة ونام ثم انتبه على صوت بكاء نساء الأنصار، فقال  "ويحهن مازلن يبكين منذ اليوم، مروهن فليرجعن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم"

❇        

هذا الاسترسال في الحزن –والذي نهي عنه القرآن العظيم- هو ما أُطْلِقَ عليه حديثًا مرض الاكتئاب، لأن تعريف الاكتئاب هو أن يعاني الشخص من الحزن والمشاعر السلبية لفترات طويلة.
ويقول علماء النفس أن أساس علاج الاكتئاب هو "العلاج الذاتي للاكتئاب" والذي يعنى: التحكم في الأفكار السلبية، وهو ما عبر عنه القرآن في كلمة واحدة فقال (وَلَا تَحْزَنُوا) يعنى ولا تسترسلوا في الحزن.

❇        

(وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) يعنى أَنْتُمُ من ستكون له العاقبة وتكون له الغلبة والنصر.
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعنى ستكون لكم العاقبة والغلبة والنصر بشرط صدق الإيمان بالله تعالى.
اذن الشرط واضح، وهذا الشرط موجود في أكثر من موضع في القرآن العظيم: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فأنتم الأعلون، وان لم تكونوا مُؤْمِنِينَ فلن تكونوا الأعلون، ان التزمتم بدين الله تعالى فأنتم الأعلون، وان قصرتم في ذلك فلن تكونوا الأعلون

❇        

قيل في سبب نزول هذه الآية الكريمة: أنه بعد هزيمة المسلمين في أحد، انسحب المسلمون الى أحد شعاب جبل أحد، فحاولت كتيبة فرسان المشركين بقيادة "خالد بن الوليد" أن تعلو الجبل فوق المسلمين، فقال النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اللَّهُمَّ لَا يَعْلُونَ عَلَيْنَا" فانطلق جماعة مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وكان على رأسهم "عمر بن الخطاب" واخذوا يرمون خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بالسهام، ويقاتلونهم حتى انسحبوا، وعلا المسلمون الجبل فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏ تعالى ‏(‏وَأَنْتُمِ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، فالآية وعد من الله تعالى بالنصر والظفر، بشرط صدق الايمان بالله تعالى.
وقد حقق الله تعالى وعده للمؤمنين  فلم يخرج المسلمون في معركة بعد أحد في عهد الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان في الجيش واحد من الصحابة، الا كان لهم النصر على أعدائهم.
يقول القرطبي في تفسيره أن في هذه الآية بيان فضل هذه الأمة; لأنه –تعالى- خاطبهم بما خاطب به أنبياءه; لأنه قال لموسى في سورة طه: "إنك أنت الأعلى" وقال لهذه الأمة: "وأنتم الأعلون".
يقول الفرطبي كذلك: وهذه اللفظة مشتقة من اسمه "الأعلى" فهو سبحانه العلي, وقال للمؤمنين: "وأنتم الأعلون".

❇        

قلنا أن هذه الآية الكريمة ورقمها (139) حتى الآية (154) مواساة من الله تعالى وتسرية وتسلية وتعزية لصحابة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الهزيمة في أحد، وما أصابهم من القتل والجراح في هذه المعركة. 
فهذه الآية الكريمة وما بعدها تتناول ما يعرف الآن في الطب النفسي بعلاج وتأهيل الحالات بعد الحرب، وهو تخصص طبي مستقل، وهو الطب النفسي العسكري Military Psychiatry . 
وهو أمر لم يكن موجودًا حتى سبيعينات القرن العشرين، ولذلك فالقرآن العظيم سبق في تناول هذا التخصص الطبي بأربعة عشر قرنًا

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇