Untitled Document

عدد المشاهدات : 2136

الحلقة (222) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" - تدبر الآيات من (130) الى (133) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَا

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثانية والعشرون بعد المائتين
تدبر الآيات من (130) الى (133) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)

❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
قلنا أن سورة "آل عمران" 200 آية، وقد قُسمها العلماء الى قسمين: القسم الأول من الآية (1) الى الآية (120) تتناول الرد عليهم على وفد نصاري نجران وغيرهم من النصارى، والآيات من (121) حتى آخر السورة الآية (200) تتناول غزوة أحد، والدروس المستفادة من غزوة أحد.
ولكن في وسط الآيات التي تتناول غزوة أحد جائت بعض الآيات التى تتناول قضية الربا، ثم عادت الآيات مرة أخري لتتحدث عن غزوة أحد، فما الذي جاء بآيات الربا وسط آيات غزوة أحد ؟
قال العلماء أن الله تعالى ذكر في سورة البقرة أن الذي يتعامل بالربا فانه يحارب الله ورسوله، يقول تعالى (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) فكيف ترجوا أن ينصرك الله في القتال مع العدو وأنت تحارب الله ورسوله ؟
أمر آخر أن الذي يجعل الناس تتعامل بالربا هو الحرص على المال، وكذلك السبب في هزيمة أحد، ومخالفة الرماة لأوامر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الحرص على المال.

❇        

يقول تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) بدأت الآية بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ" اشارة الى أن أكل الربا ليس من شأن المؤمنين
(لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) 
(لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا) يعنى لاَ تَأْخذواْ الرِّبَا، ولا تتعاملوا بالربا.
وصور الله –تَعَالَي- من يتعامل بالربا بأنه يأكل الربا، للإشارة الى جشع من يتعالم بالربا، فصوره برجل شره نهم يلتهم المال التهامًا.
(أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) هذا شرح وتعريف لهذه المعاملة التي كانت في الجاهلية، حتى لا تكون هناك معاملة أخري ليست بالربا، ويطلق على الناس أنها ربا، ويسقطوا عليها أحكام الربا
وهذه المعاملة التي كانت في الجاهلية، والتي أطلق عليها العرب وأطلق عليها القرآن لفظ الربا، هي أنهم كانوا يَتَبَايَعُونَ بالأجَلٍ، يعنى يبيع أحدهم سلعة ويتفق مع المشتري على أن يسدد له ثمنها في أجل معين.
فاذا حل الأجل ولم يستطع المدين –المشتري- أن يسدد ما عليه، يقول له الدائن –البائع- زدنى في المال حتى أزيد في الأجل. 
وكان ربما يتكرر هذا الأمر، يعنى اذا حل الأجل الجديد، يزيد في القيمة والأجل مرة أخري، وهكذا الى عدة آجال.
وبذلك يزيد أصل المبلغ الى ضعفه أي الى مثله، أو الى عدة أمثاله. 
ولذلك قال تعالى (لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا) أي زيادة في القيمة الى ضعفه أي الى مثله.
وقوله (مُّضَاعَفَةً) يعنى تكرار الزيادة كلما حل الأجل 
وفي الغالب كان لا يضطر الى ذلك إلا معدم محتاج، ولذلك حُرِّمت هذه المعاملة تحريمًا شديدًا، لأن فيه استغلال لحاجة الفقير، ومش شأنه أن يزيد الغنى غنى والفقير فقرًا.
وهذا ليس ما يطلق عليه الآن الفائدة المركبة، لأن الفائدة المركبة تعنى أخذ فائدة على الفائدة

❇        

وللفقهاء في موضوع الربا، وموضوع المعاملات البنكية مباحث طويلة.
ولكن يجب على العلماء والباحثين حين يتناولون قضية الربا، ألا يكون همهم هو ذكر الآيات والأحاديث التي تثبت أن الربا محرم، لأن هذا أمر لا خلاف عليه.
فالذي يقول أن التعامل في دفتر التوفير –مثلًا- أمر مباح ولا شيء فيه، فهو لا يقصد أن التعامل بالربا مباح، ولكنه يقصد أن التعامل في دفتر التوفير ليس ربا، لأنه يختلف –من وجة نظره- عن المعاملة التي كانت موجودة في الجاهلية ووقت نزول القرآن، والتي أطلق عليها العرب، وأطلق عليها القرآن لفظ الربا.
ولذلك يجب على كل من يدلى دلوه في قضية الربا، أوالفتوي في المعاملات البنكية، أن يجتهد أولًا في تحديد: ما هو الربا ؟ وهل المعاملة التي كانت في الجاهلية ووقت نزول القرآن، والتي أطلق عليها العرب، وأطلق عليها القرآن لفظ الربا، هل هي نفس المعاملة التي تتعامل بها البنوك والمصارف مع عملائها أم لا ؟
هل المعاملة التي كانت في الجاهلية ووقت نزول القرآن، والتي سماها العربب الربا، هي نفس المعاملات المصرفية وهي نفس الأوعية الادخارية الموجودة في البنوك الآن سواء ودائع أو دفتر توفير أو شهادات ادخار أو شهادات استثمار أو أذون خزانة أو غير ذلك.

❇        

 (وَاتَّقُواْ اللَّهَ) أي وَاتَّقُوا اللَّه فِي أَمْرِ الرِّبَا 
(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( يعنى اذا أردتم الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة فعليكم بتقوي الله –تَعَالَي-   
وتفلحون من فلاحة الأرض، لأن الفلاحة تقوم على تعب في أول الأمر ثم حصاد في آخره 

❇        

 (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)
قوله تعالى (وَاتَّقُواْ النَّارَ) يعنى اجعلوا بينكم وبين النار وقاية وحجاب، والخطاب هنا لا يزال للمؤمنين.
والمعنى وَاتَّقَوْا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أن تدخلوا النار الَّتِي أَعْدَدْتُهَا لِلْكَافِرِينَ، وذلك بِأَكْلِكُمُ الرِّبَا.
يقول أبو حنيفة أن هذه هي أخوف آية في القرآن، لأن الله تعالى أوعد المؤمنين بالنار المعدة للكافرين.
وقال البعض أن الله تعالى قد توعد أكلة الربا في هذه الآية الكريمة بنار الكفرة، اذ أن النار سبع طبقات، العليا منها وأخفها للعصاة، ثم خمس طبقات للكفرة، ثم الدرك الأسفل للمنافقين. فأكلة الربا لا يعذبون بنار العصاة، وانما يعذبون بنار الكفرة.
قوله تعالى (أُعِدَّتْ) يدل على أن النار موجودة الآن، وهذا منتهي الزجر والتخويف، فالله –تعالى- لا يتوعدهم بشيء سيكون، ولكنه يتهددهم بعذاب كائن الآن وموجود.

❇        

 (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ132) )
الخطاب لا يزال للمؤمنين، فيقول تعالى: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ-أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- فِيمَا نهيتم عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا.
وقال البعض أن هذه الآية هي بداية معاتبة المؤمنين من الرماة ألذين خالفوا أوامر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتركوا أماكنهم يوم أحد. 
(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي كي يرحمكم الله .

❇        

(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ 133)
(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) 
دائمًا في أمر الاخرة يكون الأمر بالمسارعة والمسابقة
يقول تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) ويقول تعالى (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) ويقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ"
أما في أمر الرزق والدنيا، فليس هناك أمر بالمسارعة، يقول تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ)
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)
كأن الله تعالى يقول أليست الجنة التي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ تستحق أن تسارع اليها.
وهنا شبه الله عرض الجنة بأوسع شيء علمه الانسان، وذكر العرض ولم يذكر الطول، لأن طول الشيء أكبر من عرضه.
كأن الله تعالى يقول اذا كان هذا هو عرضها، فكيف يكون طولها.
وهذا كقوله تعالى في سورة الرحمن (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق) حتى تقول اذا كانت البطانة من استبرق فكيف الظواهر. 
يقول ابن عباس (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) أي: لِرَجُلٍ واحدٍ مِن أوليائه.
وفي مسلم من حديث أبو سعيد الخدري، أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنى ويتمنى حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى : لك ذلك وعشرة أمثاله"
روي في مسند الإمام أحمد أن هرقل  قيصر  الروم كتب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار".
(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وهذا غاية الترغيب، يعنى الجنة موجودة الآن ومعدة لعباد الله المتقين.

❇        

ثم ذكر الله تعالى خمسة صفات للمتقين، وهذا سيكون حديثنا في الحلقة القادمة.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇