ٱلْفَصْلُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ (حِبُّ رَسُولِ ٱللَّهِ ﷺ)

أُحِبُكَ نَبِي
(السِيرَة النَبَوية العَطِرَة فِي حَلَقَات)
الجُزْءُ الثَانِي: مِنْ وِلاَدَة الرَسُول حَتَى مَبْعَثِهِ ﷺ
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
ٱلْفَصْلُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ (حِبُّ رَسُولِ ٱللَّهِ ﷺ)
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
اختطاف زيد بن حارثة
من القصص الهامة التى وقعت قبل البعثة هي قصة "زيد بن حارثة"
كان "زيد حارثة بن شراحيل" طفلًا عمره ثمانية سنوات، عندما خرجت به أمه "سُعدى بنت ثعلبه" لزيارة قبيلتها "بني معن" وفي أثناء الزيارة، أغارت على "بنى معن" قبيلة أخري، وكان من نتائج هذا الهجوم أن أخْتُطِف الطفل الصغير "زيد"
وهكذا أصبح "زيد" هذا الطفل الصغير عبدًا بعد أن كان حرًا، وهكذا كانت الحياة في الجزيرة العربية قبل بعثة النبي 
عادت أم "زيد" الى أبيه "حارثة بن شراحيل" مسرعة وأخبرته بالفاجعة، فخرج على الفور يبحث عن ابنه في كل أنحاء الجزيرة، ويسأل القبائل والقوافل، ويكتب الشعر، لينتشر في الجزيرة، لأن الشعر كان هو وسيلة الاعلان في ذلك الوقت، وأصبحت قضية حياته هي أن يعثر على ابنه المخطوف.

أغارت على بنى معن قبيلة أخري

وخرج أبوه يبحث عنه في الجزيرة
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
زيد بن حارثة في مكة
أما الطفل "زيد" فقد عرض للبيع، في سوق "حُبَاشَة" وهو أحد الأسواق الشهيرة التى كانت تقام كل عام قريبًا من مكة، واشتراه رجل من قريش اسمه "حكيم بن حزام بن خويلد" وهو ابن أخ السيدة "خديجة بنت خويلد" بمبلغ 400 درهم
جاء "حكيم" بزيد الى مكة، ثم أهداه الى عمته السيدة "خديجة" وظل "زيد" عبدًا في بيت السيدة "خديجة" حتى تزوجت من النبي 
وأهدت السيدة "خديجة" زيد الى الرسول فأصبح مولى للرسول بعد أن كان مولى لخديجة
وقص "زيد" على الرسول قصته، وتأثر بها الرسول ، فكان يعطف علي "زيد" ويحسن معاملته، وكان له بمثابة الأب، وأحب "زيد" الرسول حبًا شديدًا، وتعلق به. 

بيع زيد عبدًا في أحد الأسواق

وجاء حكيم بزيد الى مكة
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
زيد يختار الرسول على أبيه وأمه.
وبعد سنوات، وكان الرسول في بداية الثلاثينيات من عمره الشريف، وفي أثناء موسم الحج، جاء رجال من قبيلة "زيد" الى مكة ورأوا "زيد" وعرفوه، وتحدثوا اليه، وتأكدوا الفعل أنه "زيد بن حارثة بن شراحيل" ونقلوا اليه لوعة أبيه، فقال لهم زيد:
-        أخبروا أبي أني هنا مع أكرم والد.
ثم عادوا وأخبروا "حارثة بن شراحيل" بمكان "زيد" وأنه عبدًا عند رجل من قريش بمكة اسمه "محمد بن عبد الله" ففرح "حارثة" وباع ممتلكاته وجمع الأموال ليفتدي ابنه، ويشتريه من الرسول  وهو يتوقع أن يطلب فيه الرسول  مبلغًا كبيرًا جدًا من المال
ورحل "حارثة بن شراحيل" ومعه أخوه الى مكة، وأخذوا يسألنون عن "محمد بن عبد الله"، فدلهم التاس عليه، وكان عند الكعبة فجلسا اليه، وقالا له:
-        يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا، فامنن علينا، وأحسن في فدائه.
(يعنى لا تطلب فيه مبلغًا مبالغًا لا نقدر عليه)
قال لهما النبي : 
-        فهل لكما في شئ خير من ذلك ؟  أدعوه لكم، وأخيره، فإن أختاركم فهو لكم، وإن أختارني فما أنا بالذي يرغب عن من اختاره. 
(يعنى سأخير "زيد" بين أن يبقي معي أو يذهب معكما، فان اختاركما فخذوه بلا مقابل، وان اختارني فليس من أخلاقي أن أرفض من يريدني)
فنظر "حارثة" واخيه الى بعضهما غير مصدقين، وقالًا:
-        قد زدتنا على النصف وأحسنت
(يعنى هذا زيادة العدل واحسان منك )
جاء "زيد" وعرف أبوه وعمه، ثم جاءت اللحظة الحاسمة، وخير زيد بين أن يظل عبدًا عند الرسول أو أن يعود الي أبيه وأمه وعشيرته وترد اليه حريته، فكانت المفاجأة التى لم يتوقعها أحد، أن اختار "زيد" ألا يظل عبدًا عن الرسول  ولا يعود الى أبيه وأمه وعشيرته.
نظر زيد الى وجه حبيبه ﷺ وقال:
-        بل أبقي معك، أنت لى بمنزلة الأب والعم، ولا أختار عليك أحدًا أبدًا.
ولم يصدق أبوه أذنيه وقال:
-        ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!
فقال زيد وهو لا يزال ينظر الى وجه الرسول :
-        نعم لا أختار عليه أحدًا أبدًا.

جئناك في ولدنا، فامنن علينا
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الرسول يتبنى زيد.
ورق الرسول  لوالد "زيد" فقال له "قم معي" ثم أخذ "زيد" من يده، وذهب به الى حجر اسماعيل، حيث قريش مجتمعة، ونادي: 
"يا معشر قريش، اشهدوا من اليوم زيد ابنى يرثني وأرثه"
(وكان التبنى بمعنى أن يحمل الإبن اسم الأب، وأن يرثه موجودًا عند العرب حتى أبطله الإسلام)
تقول الرواية "فطابت نفس أبيه"
لماذا؟
لأن مشكلة أبيه ليس أن يكون زيدًا معه، لأن "زيد" كان قد كبر وأصبح شابًا وبلغ السن الذي ينفصل فيه عن أبيه وتكون له أسرته وحياته.
ولكن ما كان يحزن أبيه هو أن يعيش ابنه عبدًا، فلما وجد أن الرسول  قد أعتقه، بل وتبناه وأصبح ابنا له يرثه ويرثه، اطمئن وعاد الى قبيلته مسرورًا.
انصرف أبو "زيد" وعمه، وقد اطمئنا على زيد، وأصبح "زيد" منذ ذلك الوقت بين قريش حرًا وليس عبدًا، وأصبح اسمه  "زيد بن محمد" وليس "زيد بن حارثة"
وكان عمر الرسول  في ذلك الوقت اثنين وثلاثين سنة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
قصة زيد من علامات النبوة
كيف كان يتعامل رسولنا العظيم  مع هذا الطفل حتى يحبه كل هذا الحب ؟
لو كان هذا الموقف بعد البعثة لقلنا لعله أراد أن يكون في بيت رسول الله.
ولكن هذا الموقف الفريد كان بعد البعثة.
فكيف كان يتعامل الرسول معه حتى يفضل أن يظل عبدًا في بيته، على أن يكون حرًا في عشيرته وبيت أبيه وأمه؟
لذلك كان اختيار زيد للرسول علامة من علامات النبوة
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
حب الرسول لزيد بن حارثة
وأحب الرسول "زيد بن حارثة" حبًا شديدًا، لدرجة أن الصحابة أطلقوا عليه "حِب رسول الله" يعنى حبيب رسول الله.
وعندما تزوج زيد وأنجب "أسامة" أحب الرسول "أسامة بن زيد" أيضًا، وأطلقوا عليه "الحب بن الحب"
ويقول له الرسول
"يا زيد أنتَ مولايَ ومني وإليّ وأحَبّ القَوْم إليّ"
تحكي لنا السيدة عائشة أن الرسول  كان في بيتها، وكان قد أرسل "زيد بن حارثة" في سرية، وعاد"زيد" وطرق الباب على الرسول وعلم الرسول أنه "زيد" فقام مسرعًا يجر ثوبه (يعنى من شدة اشتياقه لزيد لم ينتظر حتى يكمل ارتداء ملابسه) ثم فتح له الباب واحتضنه وقبله.
وبعد استشهاد "زيد بن حارثة" في معركة "مؤته" رأي الرسول ابنة لزيد ابن حارثة، فلما رأت الفتاة الرسول بكت في وجهه، فبكي الرسول حتى انتحب (يعنى على صوته بالبكاء) فتعجب الصحابة لأنهم لم يروا الرسول ﷺ يبكي هكذا من قبل، فقالوا: 
-        ما هذا يارسول الله؟
فقال النبي :
-        هذا شوق الحبيب إلى الحبيب .
وحدث في أيام خلافة "عمر بن الخطاب" أنه كان يقسم العطايا، فكان دائمًا يعطي لإسامة بن زيد أكثر من ابنه "عبد الله بن عمر" مع أن "عبد الله بن عمر" كان من السابقين الى الإسلام، فسأله عبد الله:
-        يا أمير المؤمنين تعطي لأسامة أكثر مما تعطيني !
فقال له عمر: 
-        لأنه كان احب لرسول الله منك، وأبوه كان أحب لرسول الله من أبيك.
أي أن الرسول كان يحب أسامة أكثر من "عبد الله بن عمر"، وكان يحب أبوه "زيد بن حارثة" أكثر من "عمر بن الخطاب"
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
اعداد الرسول لزيد بن حارثة.
وبالرغم من أن "زيد بن حارثة" كان مولى لرسول الله  الا أن الرسول  وجد أنه يمتلك مواهب قيادية، فبدء الرسول ينمي هذه الموهبة عند زيد، ويعمل دائمًا على أن يحمله مسئوليات كبيرة.
وهكذا نشأ "زيد بن حارثة" شخصية قيادية وقادرة على تحمل المسئولية، ونحن اذا أرنا النهضة لهذه الأمة، فلابد أن نعد جيلًا صلبًا قادرًا على تحمل المسئولية، ولو كان هناك جيلًا مدللًا فليس هذا الجيل الذي ستتحقق النهضة على يديه.
وبعد الهجرة عين الرسول "زيد بن حارثة" أميرًا على تسعة جيوش ارسلها الرسول
تقول السيدة عائشة: "ما بعث رسول الله زيدَ بن حارثة في جيش قطّ إلا أمّرَهُ عليهم ولو بقي بعده استخلفه"
أي أن أي جيش يرسله الرسول ويكون فيه "زيد بن حارثة" لابد أن يجعل الرسول "زيد بن حارثة" هو أمير هذا الجيش
ولو لم يمت "زيد بن حارثة" قبل وفاة الرسول لجعل الرسول "زيد بن حارثة" هو خليفته.
والذي يقول هذا الكلام هو عائشة بنت أبو بكر، خليفة الرسول

ما بعث الرسول زيدَ بن حارثة في جيش قطّ إلا أمّرَهُ عليهم
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
سيرة الصحابي الجليل "زيد بن حارثة" غنية وعظيمة، ولكن نكتفي من سيرته -رضى الله عنه- بهذا القدر الضئيل.

مقام زيد بن حارثة