ٱلْفَصْلُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ: "عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" فِي بَيْتِ ٱلنَّبِيِّ ﷺ

 أُحِبُكَ نَبِي

(السِيرَة النَبَوية العَطِرَة فِي حَلَقَات)

ٱلْكِتَابُ الثَانِي: مِنْ وِلاَدَة الرَسُول  حَتَى مَبْعَثِهِ

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

ٱلْفَصْلُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ: "عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" فِي بَيْتِ ٱلنَّبِيِّ ﷺ

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


"على بن أبي طالب" ينتقل الى بيت الرسول
عندما كان عمر الرسول  ستة وثلاثون عامًا، أصاب المنطقة قحط، ومرت قريش بأزمة غذائية كبيرة، وتأثر بهذه الأزمة كثيرًا فقراء مكة، وكان منهم "أبو طالب" عم النبي  لأن "أبو طالب" كان مثقلًا بالتزاماته كسيد من سادات قريش، وأهمها "الرفادة" يعنى كان هو المسئول عن اطعام الحجيج، وكان كذلك كثير العيال، ففكر الرسول  أن يساعد عمه "أبو طالب" بأن يحمل عنه عبأ بعض أبناءه، وذلك بأن يأخذ أحد أبناء "أبو طالب" ليربيه في بيته.
ولم يكتف الرسول  بذلك بل ذهب الى أكثر أعمامه مالًا، وهو عمه العباس، وقال له: 
-        يا عباس إن أخاك كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى، فانطلق حتى نخفف عنه من عياله.
يعنى أن يأخذ كل واحد منا أحد أبناء "أبو طالب" لينشأ في بيته، ويكون هو المسئول عن الانفاق عليه.
وكان هذا حلًا عمليًا، يحفظ لأبو طالب كرامته، لأن أبو طالب من سادة بنى هاشم، وليس معقولًا أن يمد يده الى أحد، ولو كان أخيه أو ابن أخيه.
وبالفعل ذهبا الى "أبي طالب" وعرضا عليه الأمر، فوافق أبو طالب، ولكنه قال: "اتركوا لي عقيلا و خذوا من شئتم" لأن "أبو طالب" كان شديد الحب لإبنه "عقيل" وهو أكبر أبناءه.
وهكذا أخذ الرسول  "على بن أبي طالب" وأخذ العباس "جعفر بن أبي طالب" 
أصاب المنطقة قحط، ومرت قريش بأزمة كبيرة
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
"على" يتحدث عن حياته مع الرسول
كان عمر "على بن أبي طالب" حين انتقل الى بيت الرسول  ستة أعوام
ويتحدث على –رضى الله عنه- عن حياته في بيت الرسول  فيقول
"كان رسول الله  يضمنى الي صدره، ويكتنفني في فراشه"
(يعنى كان ﷺ يأخذه في حضنه وهو نائم)
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
موقف في أحد دور الأيتام
كنت ألقي محاضرة في أحد دور الأيتام عن الإمام على، وبعد المحاضرة سألت الأطفال: 
-        ما هو الموقف الذي كنت تتمنى أن تكون فيه في حياة الإمام على ؟ 
وكانت الإجابات رائعة، وقال كثير منهم:
-        كنت أتمنى أن أنام على فراش الرسول  في ليلة الهجرة حتى أفدي الرسول بنفسي.
وقال لى أحدهم في خجل:
-      كنت أتمنى أن يضمنى الرسول الى صدره في فراشه، كما كان يضم "على بن ابي طالب"
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
عاش "على بن أبي طالب" في بيت الرسول ، ورباه وأدبه الرسول  وأمنا السيدة خديجة، ولذلك كان"على" بعد ذلك هو هذه الشخصية الفذة العظيمة.
وفي نفس الوقت لم يكن "على" منعزلًا عن أبيه "ابو طالب" وأمه العظيمة السيدة "فاطمة بنت أسد" لأن بيت الرسول كان عند منطقة المروة، وهو قريبًا جدًا من بيت أبو طالب.
كذلك كان أخيه "جعفر بن أبي طالب" وهو في بيت "العباس" قريبا من أبيه وأمه، لأن بيت العباس في شعب أبي طالب، وبيت أبو طالب في رأس الشعب، فكأنهما في شارع واحد.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
فضائل شخصية الرسول في ضم على
وحين ضم الرسول  ابن عمه الي بيته كشف عن عدة فضائل في شخصية الرسول 
أولًا: فضيلة الشعور بمعاناة الآخرين: لأن الرسول لم يتأثر كثيرًا بالأزمة التى كانت فيها قريش، ومع ذلك لم ينس أن عمه "أبو طالب" فقيرًا وكثير العيال، وأنه لا شك يعاني من هذه الأزمة، فبادر لمساعدته بطريقة تحفظ له كرامته، وهذه فضيلة عظيمة، وهي فضيلة الاحساس بمعاناة الآخرين.
تجد مثلًا فتاة لها صديقات، وكلهن يحلمن بالاستقرار والزوج الصالح، وعندما تتزوج تنسي صديقاتها، ولا تفكر في أن تساعدهن في الزواج عن طريق أصدقاء زوجها مثلًا، وتقول "امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة" وهذا منطق أناني.
تجد مجموعة من الشباب تخرجوا في الجامعة، ووفق الله تعالى أحدهم  في عمل جيد، فينطلق في حياته وينسي أصحابه، ولا يفكر في أن يساعدهم في العمل مثلًا في الشركة التى عمل فيها.
هذه الأثرة والأنانية ليست من أخلاق الإسلام، فالمسلم يجب أن يشعر بمعاناة الآخرين، يقول الرسول ﷺ:
"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به"
يعنى الذي لا يشعر بمعاناة جاره ناقص الإيمان، وصورته أن ينام شبعان وجاره جائع.
ويقول الرسول  "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"
يعنى الذي يعيش مغلقًا على نفسه باب بيته، ولا يهتم الا بنفسه وعياله، ليس هو النموذج الصحيح للمسلم


ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وحين ضم الرسول  ابن عمه "على" الي بيته يكشف أيضا عن فضيلة "رد الجميل"
لأن "أبو طالب" عم النبي  ضم النبي  الى بيته منذ كان عمر الرسول  ثمانية أعوام، وظل في بيته حتى تزوج وعمره خمسة وعشرون عامًا، فرد الرسول  هذا الجميل الى عمه، وأخذ ابنه "على" وعمره ستة أعوام ليربيه هو أيضًا في بيته.
للأسف هناك من اذا اسديت اليه أي معروف، يتهرب منك لأنك تذكره بحالة من حالات ضعفه واحتياجه، ولذلك قالوا "اتق شر من أحسنت اليه"
 °°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
وحين ضم الرسول  ابن عمه الي بيته يكشف أيضا عن فضيلة "الإيجابية"
فالرسول  لم يكتف بأن يأخذ أحد أبناء أبو طالب، ولكن ذهب أيضا الى عمه العباس ودعاه الى نفس الأمر.
والايجابية فضيلة عظيمة جدًا، ونهضة الأمم لا تتحقق الا بالشخصيات الإيجابية، والشخص المتدين السلبي لا يفيد الاسلام بشيء.
والرسول  عندما قال "اللهم أعز الاسلام بأحب العمرين اليك" يعنى عمرو بن هشام –أبو جهل- أو عمر بن الخطاب، لأن الصفة المميزة في كليهما هي الايجابية،
 °°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الآن في بيت الرسول  والسيدة خديجة:
"هند" ابن السيدة خديجة من زوجها الأول، و"هالة" ابن السيدة خديجة الثاني من زوجها الثاني، وبنات الرسول ﷺ من خديجة: زينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، ويوجد أيضًا "زيد بن حارثة" وكان اسمه وقتها "زيد بن محمد"، والآن "على بن أبي طالب"، وفي البيت أيضا "بركة بنت ثعلبة" مربية الرسول.
 °°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
درس جديد من دروس سيرة الرسول
والآن يقترب الرسول  من سن الأربعون، وهو السن الذي سيبدأ فيه نزول الوحي على الرسول
أربعون سنة كاملة من الإعداد للرسول من أجل ثلاثة وعشرون سنة من الدعوة، لأن المهمة التى سينهض بها الرسول هي أعظم مهمة في التاريخ، وهي مهمة أصلاح وانقاذ البشرية.
وهذا درس هام جدًا من دروس سيرة الرسول وهو أنك حتى تحقق هدفك فلابد من الاعداد الجيد لتحقيق هذا الهدف، أما الاستعجال في الوصول للهدف فهذا سيعيدك الى نقطة الصفر، أو الى ما وراء نقطة الصفر.
آفة كثير من الشباب هو الاستعجال، أذكر أن أحد رجال الأعمال قال لي أن الفارق بيننا وبين الألمان هو أن الذي نقوم به في ثلاثة دقائق ينجزونه في ثلاثة أيام.
ولذلك تجد أن طفولة الانسان هي أطول مرحلة طفولة بين المخلوقات، فالحيوانات طفولتها لا تتعدي شهور أو أسابيع، وكثير من الأسماك والحشرات ليس لها مرحلة طفولة، لأن مهمة الانسان هي الأصعب، ولذلك يحتاج الى أطول فترة اعداد، أي يحتاج الى اطول مرحلة طفولة.
 أقول للشباب أنت الآن في سن الاعداد، والسن من عشرة الى عشرون عامًا هو أفضل سنوات التحصيل، عليك أن تبذل اقصى جهد وأنت في هذا السن، لا تضيع دقيقة من وقتك، وكل العظماء مثل أحمد زويل ومجدي يعقوب وغيرهم، بذلوا جهدًا جبارًا في سن الشباب حتى تحقق لهم النجاح بعد ذلك.


طفولة الانسان هي أطول مرحلة طفولة بين المخلوقات
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الآن وصل الرسول الى سن الثامنة والثلاثون، وهو في آخر مرحلة من مراحل الاعداد، وهي مرحلة الاعداد الروحي، وزيادة الطاقة الروحية  للرسول وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم ان شاء الله تعالى.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°