ٱلْفَصْلُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ: مَرْحَلَةُ ٱلْإِعْدَادِ ٱلرُّوحِيِّ قَبْلَ نُزُولِ ٱلْوَحْيِ.
(السِيرَة النَبَوية
العَطِرَة فِي حَلَقَات)
الكتاب الثَانِي: مِنْ وِلاَدَة ﷺ الرَسُول حَتَى مَبْعَثِهِ ﷺ
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الفصل السادس والعشرون: مرحلة الإعداد الروحي قبل نزول الوحي
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
انتهينا حين وصل سن الرسول ﷺ الى الثامنة والثلاثون، وبدأت آخر مرحلة من مراحل اعداد الرسول ﷺ لأعظم مهمة في التاريخ كله، وهي مهمة انقاذ البشرية، وهذه المرحلة
هي مرحلة الاعداد الروحي، وزيادة الطاقة الروحية للرسول ﷺ.
في هذه الفترة حُبِّبَ الخلاء للرسول ﷺ، يعنى أصبح الرسول ﷺ يحب أن يكون بمفرده، ويحب أن يذهب
الى مكان بعيد عن الناس ويظل في هذا المكان بمفرده
ولم يكن الرسول ﷺ يقضي بمفرده ساعة أو ساعتين، بل كان يظل بعيدًا عن
الناس عدة أيام، فكان الرسول ﷺ يذهب الى غار حراء، ويظل فيه عدة أيام.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° وصف غار "حراء"
الجبل الذي فيه غار حراء، وهو الجبل الذي أطلق عليه بعد
ذلك "جبل النور" وهو يبعد عن مكة حوالى خمسة كيلو مترات، وارتفاعه حوالى
ستمائة وثلاثين مترًا، وهو جبل شديد الانحدار والوعورة، أما غار حراء فهو في قمة
الجبل.
والوصول الي غار حراء، يحتاج الى حوالى ساعة ونصف الساعة،
بالرغم من أن الطريق تم تعبيده الآن نسبيًا، وفيه بعض الاستراحات البدائية.
وهو من الداخل يتسع لحوالى تسعة أشخاص جلوسًا، وارتفاعه
ارتفاع قامة الانسان المتوسطة
هذا هو وصف غار حراء الذي كان يقصده الرسول ﷺ قبل البعثة بعامين فينعزل عن كل الناس، ويتعبد فيه
أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت "أَوَّلُ
مَابُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ
لاَيَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثم حبب إليه
الخلاء،وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ (أي يتعبد) اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ, قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ
إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ
فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا"
والمقصود باللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، أي الأيام
الكثيرة، فكان الرسول ﷺ يأخذ طعامه وشرابه ويتجه الى جبل النور، ويصعد الى غار حراء هذه
المسافة الكبيرة، ويظل في غار حراء عدة أيام، ثم يعود الى بيته، ويتزود بالطعام
والشراب، ثم يعود الى غار حراء مرة أخري وهكذا.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
عبادة الرسول ﷺ في غار حراء
وكانت عبادة الرسول ﷺ في غار حراء هي عبادة التفكر، فكان الرسول ﷺ يتفكر في خلق السماوات والأرض والكون، وكان المشهد من
غار حراء يساعد على هذا التفكر، لأن الغار يطل على جبال شاهقة ووديان واسعة، وفضاء
كبير، وأفق واسع.
والتفكر من العبادات التى نغفل عنها، ولا يمارسها الى
القليل جدًا، يقول أبو الدرداء "تفكر ساعة خير من قيام ليلة"
ويقول عمر بن عبد العزيز "التأمل في نعم الله أفضل عبادة"
جبل النور وغار حراء في قمة الجبل
غار حراء من الخارج
المشهد من غار حراء°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
أين السيدة خديجة من ذلك؟
كانت السيدة خديجة تأتي وتظل مع النبي ﷺ بضعة أيام، يعنى مثلًا لو ظل الرسول ﷺ في غار حراء عشرة
أيام، تأتي السيدة خديجة وتظل معه يومين أو ثلاثة، بالرغم من أن عمرها في ذلك
الوقت خمسة وخمسون سنة
لماذا ؟
أولًا: من شدة حبها للرسول ﷺ ورغبتها في أن تظل معه والى
جواره.
وثانيًا: حتى لا تكون هناك فجوة بينها وبين زوجها.
وهذه نقطة هامة للزوجات: لا تكوني في وادي وزوجك في وادي،
فيختفي التفاهم، وتعيشون أغراب تحت سقف واحد، شاركي زوجك في اهتماماته، طالما أنه
أمر غير محرم، فما المانع أن تشاركيه في اهتماماته وهواياته.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تمهيد للرسول ﷺ قبل نزول الوحي.
قبل نزول الوحي بستة أشهر، كان هناك تمهيد للرسول ﷺ لنزول الوحي.
لأن الرسول ﷺ سيقابل "جبريل" وهو أعظم كائن في الوجود،
ومقابلة جبريل واستقبال الوحي من السماء ليس أمرًا هينًا، وهو أمر يحتاج الى تمهيد.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
من التمهيد للرسول ﷺ الرؤيا الصادقة
فكان من التمهيد للرسول ﷺ الرؤيا الصادقة، روي البخاري عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ أَنَّهَا قَالَتْ
"أَوَّلُ مَابُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ
الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَيَرَى رُؤْيَا
إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"
يعنى أن الرسول ﷺ يري -مثلًا- أن فلان يزورهم في البيت، وكان معه كذا،
ويقولون كذا، ويحدث كذا، فتتحقق الرؤيا كما رآها بالضبط، فشعر الرسول ﷺ أن هناك شيء غريب وغير عادي
ثم كان التمهيد الثاني، والواضح جدًا هو تسليم الحجر والشجر على
الرسول ﷺ.
كان الرسول ﷺ يمشي في مكة فيسمع صوتًا يصدر من الحجر
والشجر يقول "السلام عليك يا رسول الله" فيلتف فلا يجد شيئا.
وأحيانًا يري الرسول ﷺ الحجر ويسمعه وهو يقول
"السلام عليك يا رسول الله"
روي مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ
"إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث إني
لأعرفه الآن"
كان الحجر والشجر يسلم على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°نعود مرة أخري الى غار حراء.
كان الرسول ﷺ لا يزال يتردد على غار حراء، ويظل هناك عدة أيام، وحتى بلغ الرسول ﷺ أربعون عامًا.
وفي شهر رمضان، وفي ليلة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، يبدأ
نزول الوحي على الرسول ﷺ
وهذا سيكون حديثنا في الجزء الثالث ان شاء الله تعالى.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°