الفصل السابغ: أصحاب الفيل
أُحِبُكَ نَبِي(السِيرَة النَبَوية العَطِرَة فِي حَلَقَات)
الكتاب الأول: أحداث هامة قبل وِلاَدَة الرَسُول ﷺ
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الفصل السابع: أصحاب الفيل
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
,احتلال الحبشة لليمن.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
ذكرنا في فصل سابق قصة أصحاب الأخدود.
وقلنا أن "ذو نواس" (والذي كان ملكًا على منطقة "نجران" وهي المنطقة الموجودة الآن في جنوب المملكة السعودية في حدودها مع اليمن) قام بقتل عِشْرِينَ أَلْف من النصاري حرقًا.
وهي القصة التى ذكرها الله -تعالى- في سورة "البروج"
ولم ينج من هذه المذبحة الا رجلًا واحدًا اسمه "دَوْس ذُو ثُعْلُبَان"
واتجه "دَوْس" بعد هروبه مباشرة الى روما.
واستطاع أن يصل الى مقابلة قيصر.
وكان اسمه في ذلك الوقت "جستنيان الأول" وقص عليه ما حدث.
وكان قيصر وروما على النصرانية.
فغضب قيصر غضبًا شديدًا.
ولكنه لم يستطع أن يحرك جيشًا الى جنوب الجزيرة العربية، لبعد المسافة، وخظورة ذلك على جيشه.
وكانت الحبشة في ذلك الوقت على النصرانية وتابعة للإمبراطورية الرومانية.
فأرسل قيصر مع "دَوْس" رسالة الى "النجاشي" ملك الحبشة يأمره بأن يتحرك الى أرض نجران وينتقم لما حدث للنصاري هناك.
وتحرك الجيش بالفعل تحت قيادة رجل اسمه "أرياض"
وكان من قادة الجيش رجل طموح اسمه "أبرهة""
وحدث القتال بين جيش الحبشة تحت قيادة "أرياض" وجيش نجران تحت قيادة "ذو نواس"
وانهزم جيش "ذو نواس" وانتحر "ذو نواس" غرقًا، بعد أن اقتحم بفرسه في البحر، واختفي فيه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أبرهة ينقلب على أرياط
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أصبحت منطقة نجران واليمن تابعة للحبشة.
وأصبح "أرياط" هو حاكم اليمن أو والى النجاشي على اليمن.
وكان ذلك في عام 525 م
وظل "أرياط" حاكمًا على اليمن لمدة سبعة أعوام.
وكان من قادة الجيش الذي فتح اليمن -كما قلنا- قائدًا طموحًا اسمه "أبرهة"
Abramus
واسمه كاملًا: أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح
وقام أبرهة بانقلاب عسكري ضد "أرياض"
حيث قاد "أَبْرَهَة" مجموعة من الجيش وأراد أن يستولى على الحكم.
ولكن تصدي له "أرياض" ومجموعة أخري من الجيش موالية له.
وانقسم الجيش الى فرقتين:
فرقة بقيادة "أرياض" وفرقة ثانية بقيادة "أَبْرَهَة"
وتقابل الجيشان.
وخشى "أَبْرَهَة" على نفسه الهزيمة.
فأرسل الى "أرياط" يقول له بدلًا من قتال الجيشين، اجعل بيننا مبارزة فمن يقتل الآخر يستقل بالملك.
فوافق "أرياط" على الفور، لأنه كان أقوي من "أَبْرَهَة" ويعلم أنه يستطيع أن يهزمه.
ولكن "أَبْرَهَة" كان يضمر الخداع.
فجعل أحد أتباعه الأقوياء خلفه، فاذا كاد "أرياط" أن ينتصر يحمل عليه تابعه ويقتله.
وبدأت المبارزة.
وحمل "أرياط" على "أَبْرَهَة" وكاد أن يقتله.
وضربه بالسيف في وجهه ضربة قطعت أرنبة أنفه، (يعنى مقدم أنفه)
ولذلك أطلق عليه بعد ذلك "أَبْرَهَة الأشرم"
لأن "شَرِمَ" في اللغة يعني: قطع، فيقال: شرم أنفه يعنى قطع أرنبة أنفه.
فلما رأي تابعه ذلك حمل على "أرياط" وقتله.
وهكذا أصبح أَبَرْهَة حاكمًا على بِالْيَمَنِ.
ولكن كانت عند "أَبْرَهَة" مشكلة أخري، وهي النجاشي في الحبشة.
لأن "أَبْرَهَة" قد قتل واليه على اليمن.
وبالفعل عندما وصلت الأخبار الى النجاشي بما حدث استشاط غضبًا وأقسم أن يطأ أرض اليمن بقدمه، ويجز ناصية "أَبْرَهَة"
يعنى أنه سيخرج بنفسه لقتال "أَبْرَهَة" وسيحلق مقدم شعر "أَبْرَهَة"، وهذه كناية على أنه سيقوم بإذلاله .
وعلم "أَبْرَهَة" بذلك فأرسل الى النجاشي بهدايا كثيرة، ورسالة فيها الكثير من الاعتذار.
وأرسل اليه أيضًا جرابًا فِيهِ مِنْ تُرَاب الْيَمَن، وَجَزَّ نَاصِيَته فَأَرْسَلَهَا مَعَهُ.
وَقال فِي كِتَابه لِيَطَأ الْمَلِك عَلَى هَذَا الْجِرَاب فَيَبَرّ قَسَمه، وَهَذِهِ نَاصِيَتِي قَدْ بَعَثْت بِهَا إِلَيْك.
وأعجب النجاشي بما فعله "أَبْرَهَة" فرَضِيَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَله.
وواجه "أَبْرَهَة" بعد ذلك ثورات وحروب وتحديات تغلب عليها ووسع سلطانه.
ووصل الى مرتبة كبيرة حتى أن ملوك فارس وروما كانوا يرسلون مبعوثين اليه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
"أبرهة" يطمح في حكم الجزيرة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وكان "أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح" - كما قلنا- رجلًا طموحًا، فلم يقنع بحكم اليمن فقط، ولكن أراد أن يكون له الزعامة في الجزيرة العربية كلها.
وحتى يحقق هذا كان لابد أن يحمل العرب على اعتناق المسيحية.
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره الى أن يبني كنيسة عظيمة وأن يدعو العرب للحج اليها بدلًا من الحج للكعبة.
وقام "أَبْرَهَة" بالفعل ببناء كنيسة عظيمة في عاصمة بلده "صنعاء"
وكانت الكنيسة هَائِلَة عالية بها كثير من الزخارف لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا.
حتى أطلق عليها "الْقُلَّيْس" لِارْتِفَاعِهَا، لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا.
(القلنسوية ما نطلق عليه الآن الطاقية)
وأرسل "أَبْرَهَة" وفود من عنده الى قبائل الجزيرة العربية يدعوهم الى الحج الى كنيسته "الْقُلَّيْس"
ولكن لم يستجب اليه أحد من العرب.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره هذه المرة الى أن يقوم بهدم الكعبة، حتى يصرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس"
وانتهز "أَبْرَهَة" فرصة أن أحد العرب دخل الى كنيسته وقضى فيها حاجته، فافتعل الغضب وأَقْسَمَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا.
وهكذا كان هذا الحادث هو الحجة أوالسبب المباشر لقرار "أَبْرَهَة" هدم الكعبة.
بينما كان السبب الحقيقي هو صرف العرب عن الحج الى الكعبة والحج بدلًا من ذلك الى الكنيسة.
وهكذا دائمًا تفعل الدول الإستعمارية الغازية، حيث تقوم باعلان سبب للغزو تجمل به نفسها، وتخفي به أطماعها الاستعمارية وأسبابها الحقيقية.
فمثلًا عندما احتلت انجلترا مصر عام 1882 كان السبب المعلن هو حماية حقوق الدائنين.
بينما كان السبب الحقيقي هو الطمع في خيرات مصر وفي قناة السويس والحد من توسعات مصر في أفريقيا.
وكذلك كانت مشكلة الديون هي السبب المعلن لفرنسا لاحتلال الجزائر.
وهكذا دائمًا المستعمر له سببًا معلنًا، وسببًا آخر حقيقيًا.
وهكذا كان "أَبْرَهَة" عنده سبب معلن وهو الرد على أن أحد العرب أحدث داخل كنيسته "الْقُلَّيْس"
بينما السبب الحقيقي هو العمل على صرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس" بدلًا من الكعبة المشرفة.
وحتى يحقق لنفسه الزعامة الروحية، ثم بعد ذلك الزعامة الكاملة على جزيرة العرب.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
خروج أبرهة لهدم الكعبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أعد "أَبْرَهَة" جيشًا كثيفًا ضخمًا قوامه عشرون ألف مقاتل.
وكان هذا العدد بالنسبة للعرب عددًا ضخمًا جدًا.
واستصحب معه أيضًا فِيلًا ضخمًا كَبِير الْجُثَّة لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَال لَهُ "مَحْمُود" كان مشهورًا عندهم بضخامته.
وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشة لهذا الغرض وهو هدم الكعبة.
وَيُقَال كَانَ مَعَهُ أَيْضًا ثَمَانِيَة أَفْيَال وَقِيلَ اِثْنَا عَشَر فِيلًا غَيْره، حتى يستعين بهم في هدم الْكَعْبَة، بِأَنْ يَجْعَل السَّلَاسِل فِي الْأَرْكَان، وَتُوضَع فِي عُنُق الْفِيل، ثُمَّ يُزْجَر لِيُلْقِيَ الْحَائِط جُمْلَة وَاحِدَة.
ساق أبرهة معه فيلًا ضخمًا لهدم الكعبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°ولما سمع العرب في الجزيرة بهذا الأمر، خرج رجل من أشراف اليمن اسمه "ذو نفر"
ودعا قومه والعرب الى حرب "أَبْرَهَة" والدفاع عَنْ بَيْت اللَّه.
فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "ذو نفر" أسيرًا.
ثم مضى لوجهه فخرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ" في قومه.
وقاتلوه فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "نُفَيْل" أسيرًا
والحقيقة أن هزيمة العرب أمام "أَبْرَهَة" بهذه السهولة كان بسبب ما ذكرناه عندما تكلمنا عن الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي ﷺ من أن القبائل العربية كانت قبائل متفرقة، والقتال بين هذه القبائل منتشرًا جدًا.
فمثلًا خرج "ذو نفر" لقتال "أَبْرَهَة" ثم خرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ"
ولو كان هناك تعاون أو اتحاد بين "ذو نفر" وبين "نفيل" وبين "قريش" مثلًا و"الطائف" وغيرهم من القبائل القوية في الجزيرة، ربما كانوا قد استطاعوا هزيمة "أَبْرَهَة" وما كانوا قد انهزموا أمامه بهذه السهولة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
اقترب "أَبْرَهَة" من أَرْض الطَّائِف، والطائف بينها وبين مكة حوالى 100 كيلو متر، وكانت الطائف تحت سيطرة قبيلة "ثَقِيف"
كانت أنباء هزيمة "ذو نفر" ثم "نفيل" قد وصلت الى مسامع جميع العرب، فهاب العرب "أَبْرَهَة" جدًا وجيشه الضخم، وفيله.
ولذلك قررت "ثَقِيف" الاستسلام لأبرهة.
ليس هذا فحسب بل أرسلت معه رجل اسمه"أَبَو رِغَال" ليدله على الطريق الى مكة.
ولكن مات "أبو رغال" في الطريق قبل أن يصل الى مكة في مكان اسمه "الْمُغَمِّس"
وهذا المكان بينه وبين مكة حوالى 20 كم.
وظلت العرب بعد ذلك ترجم قبر "أبو رغال" وأصبحًا علمًا ومضرب الأمثال على من يخون قومه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أقترب "أَبْرَهَة" بجيشه من مكة.
ووصل الى مكان الذي ترعي فيه ابل مكة.
فأغار الجيش على الأبل وأخذها.
وكان في هذه الإبل مِائَتَا بَعِير لِعَبْدِ الْمُطَّلِب جد الرسول ﷺ.
حملة أبرهة لهدم الكعبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
لقاء "عبد المطلب" وابرهة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وبعث "أَبْرَهَة" يطلب أن يأتيه سيد قُرَيْش.
وبالفعل جاء اليه "عبد المطلب" سيد قريش، جد الرسول ﷺ.
فلما دخل "عبد المطلب" على "أَبْرَهَة" هابه "أَبْرَهَة" لأن "عبد المطلب" كان رَجُلًا جَسِيمًا وسيمًا حَسَن الْمَنْظَر، حتى أن "أَبْرَهَة" نزل من على عرشه، وجلس مع "عبد المطلب" عَلَى الْبِسَاط.
ثم قال أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ:
- قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟
فَقَالَ "عبد المطلب" لِلتُّرْجُمَانِ:
- إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي.
فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ:
- قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك، ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك، وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟
فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب:
- إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ.
قَالَ أبرهة:
-مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي.
قَالَ عبد المطلب:
-أَنْتَ وَذَاكَ.
ورد "أَبْرَهَة" الى عَبْد الْمُطَلِّب المائتي بعير التى كان قد أصابها.
ورَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش.
وأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة، وَالتَّحَصُّن فِي الْجِبَال، خَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَيْش.
ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة، وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش، يَدْعُونَ اللَّه.
فكان مما قاله عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة
لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْنَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك
أمر عبد المطلب قريش بالخروج من مكة والتحصن بالجبال
°°°°°°°°°°°°°°°°°
هزيمة جيش أبرهة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
تَهَيَّأَ أَبَرْهَة لِدُخُولِ مَكَّة
وَهَيَّأَ فِيله
ووَجَّهُوا الْفِيل نَحْو مَكَّة
ولكن الفيل برك وأبي أن يتحرك من مكانه.
فأخذوا يضربونه لكي يتحرك فلم يتحرك.
فلما وجهوه جنوبًا ناحية اليمن، قام يهرول.
ووجوه ناحية الشام ففعل مثل ذلك.
طال الوقت وهم يحاولون ارغام الفيل على دخول مكة
وأخذ "أَبْرَهَة" ينهر سَائِس الْفِيل وَيَضْرِبهُ لِيَقْهَر الْفِيل عَلَى دُخُول الْحَرَم بلا أي فائدة.
ثم أحضروا بقية الفيلة.
فرفضت كل الفيلة دخول مكة.
الا فيل واحد تقدم فتشجع الجيش وتأهب للدخول.
وما ان تحرك الجيش حتى بعث الله تعالى عليه قبل أن يدخل مكة طيرًا أبابيل، أي طيرًا متتابعة.
روي أن حجم الطائر كان أصغر من الحمامة.
ولون هذا الطائر أصفر وأرجله حمراء.
وكل طائر يحمل ثلاثة حجارة: حجر في منقاره، وحجرين في رجليه.
وحجم الحجر الواحد في حجم العدسة، ولكنه - كما قال تعالى- حجر من سجيل، يعنى شديد صلب.
فكان الحجر يسقط على الجنود ويخترق أجسامهم كالرصاص.
وساد الهرج والمرج في الجيش، وهاجت الفيلة.
ومات أغلب الجيش، وأصيب البعض الآخر اصابات قاتلة، وفروا في الصحراء.
وكان مما أصيب وفر "أَبْرَهَة" نفسه.
فحمل حتى وصل الى "صنعاء" عاصمة ملكه ومات هناك ذليلًا.
أرسل تعالى على الجيش طيرًا متتابعة ترميهم بحجارة صلبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
واستكمالًا لقصة أَبْرَهَة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
بعد أن مات "أبرهة" مَلَكَ بَعْده اِبْنه "يَكْسُوم"
ثُمَّ اِبْنه الآخر "مَسْرُوق بْن أَبَرْهَة"
وفي ذلك الوقت ذهب "سَيْف بْن ذِي يَزَن"
(وكان من أحفاد ملوك اليمن قبل أن يستولي عليها الحبشة)
إِلَى كِسْرَى واسْتَعَانَهُ عَلَى الْحَبَشَة.
فأرسل معه جيشًا، استطاع أن يهزم الحبشة.
وعادت اليمن الى العرب بعد أن ملكها الحبشة اثنين وسبعين سنة.
أما في مكة، فقد كانت موقعة الفيل من أعظم الأحداث التى مرت بها، حتى أن العرب أصبحت تؤرخ بهذا العام، فكانت تقول حدث كذا بعد سنة من عام الفيل، أو بعد عشرة أعوام من عام الفيل، أو حدث كذا قبل عامين من عام الفيل وهكذا.
ورفعت موقعة الفيل جدًا من هيبة قريش بين العرب، كما رفعت من شأن "عبد المطلب" جد النبي ﷺ وأصبح اسمه معروفًا ليس في جزيرة العرب فقط، ولكن في العالم القديم كله.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
سورة الفيل
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وقد سجل القرآن العظيم حادثة الفيل في سورة الفيل فقال تعالى:
(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ألم تر يا محمد ما فعل ربك بأصحاب الفيل، وهو أبرهة وجيشه.
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) ألم يجعل الله تعالى "كيدهم" وهو تدبيرهم في "تضليل" اي في ضلال فلم يحققوا هدفهم وهو تدمير الكعبة.
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) وبعث عليهم طيرًا في جماعات متتابعة يتبع بعضها بعضًا، فلا يري أولها من آخرها.
كما أن الحبشة جاءوا بأقوي الحيوانات وهي الفيلة ليهدموا الكعبة، سلط الله تعالى عليهم أضعف المخلوقات، وهي طيور أقل في حجمها من الحمام.
وكما أرادوا هدم احجار الكعبة، عذبهم الله تعالى بالحجارة.
(تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) حجارة شديدة صلبة قاسية.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) العصف هو ورق الشجر الجاف اليابس، والمأكول هو الذي أكلته الحشرات ومزقته، أو أكله الحيوان وطحن، فهذا وصف جيش أبرهة بعد أن رمتهم الطيور بالحجارة، فمزقت أجسادهم.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وولد الرسول ﷺ في عام الفيل.
وهو عام 570 ميلادية.
وكانت ولادته بعد موقعة الفيل بخمسين يومًا فقط.
وكانت قريش لا تزال تحتفل بنصر الله تعالى لها.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أُحِبُكَ نَبِي
(السِيرَة النَبَوية العَطِرَة فِي حَلَقَات)الكتاب الأول: أحداث هامة قبل وِلاَدَة الرَسُول ﷺ
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الفصل السابع: أصحاب الفيل
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
,احتلال الحبشة لليمن.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
ذكرنا في فصل سابق قصة أصحاب الأخدود.
وقلنا أن "ذو نواس" (والذي كان ملكًا على منطقة "نجران" وهي المنطقة الموجودة الآن في جنوب المملكة السعودية في حدودها مع اليمن) قام بقتل عِشْرِينَ أَلْف من النصاري حرقًا.
وهي القصة التى ذكرها الله -تعالى- في سورة "البروج"
ولم ينج من هذه المذبحة الا رجلًا واحدًا اسمه "دَوْس ذُو ثُعْلُبَان"
واتجه "دَوْس" بعد هروبه مباشرة الى روما.
واستطاع أن يصل الى مقابلة قيصر.
وكان اسمه في ذلك الوقت "جستنيان الأول" وقص عليه ما حدث.
وكان قيصر وروما على النصرانية.
فغضب قيصر غضبًا شديدًا.
ولكنه لم يستطع أن يحرك جيشًا الى جنوب الجزيرة العربية، لبعد المسافة، وخظورة ذلك على جيشه.
وكانت الحبشة في ذلك الوقت على النصرانية وتابعة للإمبراطورية الرومانية.
فأرسل قيصر مع "دَوْس" رسالة الى "النجاشي" ملك الحبشة يأمره بأن يتحرك الى أرض نجران وينتقم لما حدث للنصاري هناك.
وتحرك الجيش بالفعل تحت قيادة رجل اسمه "أرياض"
وكان من قادة الجيش رجل طموح اسمه "أبرهة""
وحدث القتال بين جيش الحبشة تحت قيادة "أرياض" وجيش نجران تحت قيادة "ذو نواس"
وانهزم جيش "ذو نواس" وانتحر "ذو نواس" غرقًا، بعد أن اقتحم بفرسه في البحر، واختفي فيه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أبرهة ينقلب على أرياط
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أصبحت منطقة نجران واليمن تابعة للحبشة.
وأصبح "أرياط" هو حاكم اليمن أو والى النجاشي على اليمن.
وكان ذلك في عام 525 م
وظل "أرياط" حاكمًا على اليمن لمدة سبعة أعوام.
وكان من قادة الجيش الذي فتح اليمن -كما قلنا- قائدًا طموحًا اسمه "أبرهة"
Abramus
واسمه كاملًا: أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح
وقام أبرهة بانقلاب عسكري ضد "أرياض"
حيث قاد "أَبْرَهَة" مجموعة من الجيش وأراد أن يستولى على الحكم.
ولكن تصدي له "أرياض" ومجموعة أخري من الجيش موالية له.
وانقسم الجيش الى فرقتين:
فرقة بقيادة "أرياض" وفرقة ثانية بقيادة "أَبْرَهَة"
وتقابل الجيشان.
وخشى "أَبْرَهَة" على نفسه الهزيمة.
فأرسل الى "أرياط" يقول له بدلًا من قتال الجيشين، اجعل بيننا مبارزة فمن يقتل الآخر يستقل بالملك.
فوافق "أرياط" على الفور، لأنه كان أقوي من "أَبْرَهَة" ويعلم أنه يستطيع أن يهزمه.
ولكن "أَبْرَهَة" كان يضمر الخداع.
فجعل أحد أتباعه الأقوياء خلفه، فاذا كاد "أرياط" أن ينتصر يحمل عليه تابعه ويقتله.
وبدأت المبارزة.
وحمل "أرياط" على "أَبْرَهَة" وكاد أن يقتله.
وضربه بالسيف في وجهه ضربة قطعت أرنبة أنفه، (يعنى مقدم أنفه)
ولذلك أطلق عليه بعد ذلك "أَبْرَهَة الأشرم"
لأن "شَرِمَ" في اللغة يعني: قطع، فيقال: شرم أنفه يعنى قطع أرنبة أنفه.
فلما رأي تابعه ذلك حمل على "أرياط" وقتله.
وهكذا أصبح أَبَرْهَة حاكمًا على بِالْيَمَنِ.
ولكن كانت عند "أَبْرَهَة" مشكلة أخري، وهي النجاشي في الحبشة.
لأن "أَبْرَهَة" قد قتل واليه على اليمن.
وبالفعل عندما وصلت الأخبار الى النجاشي بما حدث استشاط غضبًا وأقسم أن يطأ أرض اليمن بقدمه، ويجز ناصية "أَبْرَهَة"
يعنى أنه سيخرج بنفسه لقتال "أَبْرَهَة" وسيحلق مقدم شعر "أَبْرَهَة"، وهذه كناية على أنه سيقوم بإذلاله .
وعلم "أَبْرَهَة" بذلك فأرسل الى النجاشي بهدايا كثيرة، ورسالة فيها الكثير من الاعتذار.
وأرسل اليه أيضًا جرابًا فِيهِ مِنْ تُرَاب الْيَمَن، وَجَزَّ نَاصِيَته فَأَرْسَلَهَا مَعَهُ.
وَقال فِي كِتَابه لِيَطَأ الْمَلِك عَلَى هَذَا الْجِرَاب فَيَبَرّ قَسَمه، وَهَذِهِ نَاصِيَتِي قَدْ بَعَثْت بِهَا إِلَيْك.
وأعجب النجاشي بما فعله "أَبْرَهَة" فرَضِيَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَله.
وواجه "أَبْرَهَة" بعد ذلك ثورات وحروب وتحديات تغلب عليها ووسع سلطانه.
ووصل الى مرتبة كبيرة حتى أن ملوك فارس وروما كانوا يرسلون مبعوثين اليه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
"أبرهة" يطمح في حكم الجزيرة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وكان "أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح" - كما قلنا- رجلًا طموحًا، فلم يقنع بحكم اليمن فقط، ولكن أراد أن يكون له الزعامة في الجزيرة العربية كلها.
وحتى يحقق هذا كان لابد أن يحمل العرب على اعتناق المسيحية.
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره الى أن يبني كنيسة عظيمة وأن يدعو العرب للحج اليها بدلًا من الحج للكعبة.
وقام "أَبْرَهَة" بالفعل ببناء كنيسة عظيمة في عاصمة بلده "صنعاء"
وكانت الكنيسة هَائِلَة عالية بها كثير من الزخارف لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا.
حتى أطلق عليها "الْقُلَّيْس" لِارْتِفَاعِهَا، لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا.
(القلنسوية ما نطلق عليه الآن الطاقية)
وأرسل "أَبْرَهَة" وفود من عنده الى قبائل الجزيرة العربية يدعوهم الى الحج الى كنيسته "الْقُلَّيْس"
ولكن لم يستجب اليه أحد من العرب.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره هذه المرة الى أن يقوم بهدم الكعبة، حتى يصرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس"
وانتهز "أَبْرَهَة" فرصة أن أحد العرب دخل الى كنيسته وقضى فيها حاجته، فافتعل الغضب وأَقْسَمَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا.
وهكذا كان هذا الحادث هو الحجة أوالسبب المباشر لقرار "أَبْرَهَة" هدم الكعبة.
بينما كان السبب الحقيقي هو صرف العرب عن الحج الى الكعبة والحج بدلًا من ذلك الى الكنيسة.
وهكذا دائمًا تفعل الدول الإستعمارية الغازية، حيث تقوم باعلان سبب للغزو تجمل به نفسها، وتخفي به أطماعها الاستعمارية وأسبابها الحقيقية.
فمثلًا عندما احتلت انجلترا مصر عام 1882 كان السبب المعلن هو حماية حقوق الدائنين.
بينما كان السبب الحقيقي هو الطمع في خيرات مصر وفي قناة السويس والحد من توسعات مصر في أفريقيا.
وكذلك كانت مشكلة الديون هي السبب المعلن لفرنسا لاحتلال الجزائر.
وهكذا دائمًا المستعمر له سببًا معلنًا، وسببًا آخر حقيقيًا.
وهكذا كان "أَبْرَهَة" عنده سبب معلن وهو الرد على أن أحد العرب أحدث داخل كنيسته "الْقُلَّيْس"
بينما السبب الحقيقي هو العمل على صرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس" بدلًا من الكعبة المشرفة.
وحتى يحقق لنفسه الزعامة الروحية، ثم بعد ذلك الزعامة الكاملة على جزيرة العرب.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
خروج أبرهة لهدم الكعبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أعد "أَبْرَهَة" جيشًا كثيفًا ضخمًا قوامه عشرون ألف مقاتل.
وكان هذا العدد بالنسبة للعرب عددًا ضخمًا جدًا.
واستصحب معه أيضًا فِيلًا ضخمًا كَبِير الْجُثَّة لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَال لَهُ "مَحْمُود" كان مشهورًا عندهم بضخامته.
وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشة لهذا الغرض وهو هدم الكعبة.
وَيُقَال كَانَ مَعَهُ أَيْضًا ثَمَانِيَة أَفْيَال وَقِيلَ اِثْنَا عَشَر فِيلًا غَيْره، حتى يستعين بهم في هدم الْكَعْبَة، بِأَنْ يَجْعَل السَّلَاسِل فِي الْأَرْكَان، وَتُوضَع فِي عُنُق الْفِيل، ثُمَّ يُزْجَر لِيُلْقِيَ الْحَائِط جُمْلَة وَاحِدَة.
ساق أبرهة معه فيلًا ضخمًا لهدم الكعبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
ولما سمع العرب في الجزيرة بهذا الأمر، خرج رجل من أشراف اليمن اسمه "ذو نفر" ودعا قومه والعرب الى حرب "أَبْرَهَة" والدفاع عَنْ بَيْت اللَّه.
فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "ذو نفر" أسيرًا.
ثم مضى لوجهه فخرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ" في قومه.
وقاتلوه فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "نُفَيْل" أسيرًا
والحقيقة أن هزيمة العرب أمام "أَبْرَهَة" بهذه السهولة كان بسبب ما ذكرناه عندما تكلمنا عن الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي ﷺ من أن القبائل العربية كانت قبائل متفرقة، والقتال بين هذه القبائل منتشرًا جدًا.
فمثلًا خرج "ذو نفر" لقتال "أَبْرَهَة" ثم خرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ"
ولو كان هناك تعاون أو اتحاد بين "ذو نفر" وبين "نفيل" وبين "قريش" مثلًا و"الطائف" وغيرهم من القبائل القوية في الجزيرة، ربما كانوا قد استطاعوا هزيمة "أَبْرَهَة" وما كانوا قد انهزموا أمامه بهذه السهولة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
اقترب "أَبْرَهَة" من أَرْض الطَّائِف، والطائف بينها وبين مكة حوالى 100 كيلو متر، وكانت الطائف تحت سيطرة قبيلة "ثَقِيف"
كانت أنباء هزيمة "ذو نفر" ثم "نفيل" قد وصلت الى مسامع جميع العرب، فهاب العرب "أَبْرَهَة" جدًا وجيشه الضخم، وفيله.
ولذلك قررت "ثَقِيف" الاستسلام لأبرهة.
ليس هذا فحسب بل أرسلت معه رجل اسمه"أَبَو رِغَال" ليدله على الطريق الى مكة.
ولكن مات "أبو رغال" في الطريق قبل أن يصل الى مكة في مكان اسمه "الْمُغَمِّس"
وهذا المكان بينه وبين مكة حوالى 20 كم.
وظلت العرب بعد ذلك ترجم قبر "أبو رغال" وأصبحًا علمًا ومضرب الأمثال على من يخون قومه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
أقترب "أَبْرَهَة" بجيشه من مكة.
ووصل الى مكان الذي ترعي فيه ابل مكة.
فأغار الجيش على الأبل وأخذها.
وكان في هذه الإبل مِائَتَا بَعِير لِعَبْدِ الْمُطَّلِب جد الرسول ﷺ.
حملة أبرهة لهدم الكعبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°لقاء "عبد المطلب" وابرهة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وبعث "أَبْرَهَة" يطلب أن يأتيه سيد قُرَيْش.
وبالفعل جاء اليه "عبد المطلب" سيد قريش، جد الرسول ﷺ.
فلما دخل "عبد المطلب" على "أَبْرَهَة" هابه "أَبْرَهَة" لأن "عبد المطلب" كان رَجُلًا جَسِيمًا وسيمًا حَسَن الْمَنْظَر، حتى أن "أَبْرَهَة" نزل من على عرشه، وجلس مع "عبد المطلب" عَلَى الْبِسَاط.
ثم قال أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ:
- قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟
فَقَالَ "عبد المطلب" لِلتُّرْجُمَانِ:
- إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي.
فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ:
- قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك، ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك، وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟
فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب:
- إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ.
قَالَ أبرهة:
-مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي.
قَالَ عبد المطلب:
-أَنْتَ وَذَاكَ.
ورد "أَبْرَهَة" الى عَبْد الْمُطَلِّب المائتي بعير التى كان قد أصابها.
ورَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش.
وأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة، وَالتَّحَصُّن فِي الْجِبَال، خَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَيْش.
ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة، وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش، يَدْعُونَ اللَّه.
فكان مما قاله عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة
لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْنَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك
أمر عبد المطلب قريش بالخروج من مكة والتحصن بالجبال
°°°°°°°°°°°°°°°°°هزيمة جيش أبرهة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
تَهَيَّأَ أَبَرْهَة لِدُخُولِ مَكَّة
وَهَيَّأَ فِيله
ووَجَّهُوا الْفِيل نَحْو مَكَّة
ولكن الفيل برك وأبي أن يتحرك من مكانه.
فأخذوا يضربونه لكي يتحرك فلم يتحرك.
فلما وجهوه جنوبًا ناحية اليمن، قام يهرول.
ووجوه ناحية الشام ففعل مثل ذلك.
طال الوقت وهم يحاولون ارغام الفيل على دخول مكة
وأخذ "أَبْرَهَة" ينهر سَائِس الْفِيل وَيَضْرِبهُ لِيَقْهَر الْفِيل عَلَى دُخُول الْحَرَم بلا أي فائدة.
ثم أحضروا بقية الفيلة.
فرفضت كل الفيلة دخول مكة.
الا فيل واحد تقدم فتشجع الجيش وتأهب للدخول.
وما ان تحرك الجيش حتى بعث الله تعالى عليه قبل أن يدخل مكة طيرًا أبابيل، أي طيرًا متتابعة.
روي أن حجم الطائر كان أصغر من الحمامة.
ولون هذا الطائر أصفر وأرجله حمراء.
وكل طائر يحمل ثلاثة حجارة: حجر في منقاره، وحجرين في رجليه.
وحجم الحجر الواحد في حجم العدسة، ولكنه - كما قال تعالى- حجر من سجيل، يعنى شديد صلب.
فكان الحجر يسقط على الجنود ويخترق أجسامهم كالرصاص.
وساد الهرج والمرج في الجيش، وهاجت الفيلة.
ومات أغلب الجيش، وأصيب البعض الآخر اصابات قاتلة، وفروا في الصحراء.
وكان مما أصيب وفر "أَبْرَهَة" نفسه.
فحمل حتى وصل الى "صنعاء" عاصمة ملكه ومات هناك ذليلًا.
أرسل تعالى على الجيش طيرًا متتابعة ترميهم بحجارة صلبة
°°°°°°°°°°°°°°°°°واستكمالًا لقصة أَبْرَهَة
°°°°°°°°°°°°°°°°°
بعد أن مات "أبرهة" مَلَكَ بَعْده اِبْنه "يَكْسُوم"
ثُمَّ اِبْنه الآخر "مَسْرُوق بْن أَبَرْهَة"
وفي ذلك الوقت ذهب "سَيْف بْن ذِي يَزَن"
(وكان من أحفاد ملوك اليمن قبل أن يستولي عليها الحبشة)
إِلَى كِسْرَى واسْتَعَانَهُ عَلَى الْحَبَشَة.
فأرسل معه جيشًا، استطاع أن يهزم الحبشة.
وعادت اليمن الى العرب بعد أن ملكها الحبشة اثنين وسبعين سنة.
أما في مكة، فقد كانت موقعة الفيل من أعظم الأحداث التى مرت بها، حتى أن العرب أصبحت تؤرخ بهذا العام، فكانت تقول حدث كذا بعد سنة من عام الفيل، أو بعد عشرة أعوام من عام الفيل، أو حدث كذا قبل عامين من عام الفيل وهكذا.
ورفعت موقعة الفيل جدًا من هيبة قريش بين العرب، كما رفعت من شأن "عبد المطلب" جد النبي ﷺ وأصبح اسمه معروفًا ليس في جزيرة العرب فقط، ولكن في العالم القديم كله.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
سورة الفيل
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وقد سجل القرآن العظيم حادثة الفيل في سورة الفيل فقال تعالى:
(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ألم تر يا محمد ما فعل ربك بأصحاب الفيل، وهو أبرهة وجيشه.
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) ألم يجعل الله تعالى "كيدهم" وهو تدبيرهم في "تضليل" اي في ضلال فلم يحققوا هدفهم وهو تدمير الكعبة.
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) وبعث عليهم طيرًا في جماعات متتابعة يتبع بعضها بعضًا، فلا يري أولها من آخرها.
كما أن الحبشة جاءوا بأقوي الحيوانات وهي الفيلة ليهدموا الكعبة، سلط الله تعالى عليهم أضعف المخلوقات، وهي طيور أقل في حجمها من الحمام.
وكما أرادوا هدم احجار الكعبة، عذبهم الله تعالى بالحجارة.
(تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) حجارة شديدة صلبة قاسية.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) العصف هو ورق الشجر الجاف اليابس، والمأكول هو الذي أكلته الحشرات ومزقته، أو أكله الحيوان وطحن، فهذا وصف جيش أبرهة بعد أن رمتهم الطيور بالحجارة، فمزقت أجسادهم.
°°°°°°°°°°°°°°°°°
وولد الرسول ﷺ في عام الفيل.
وهو عام 570 ميلادية.
وكانت ولادته بعد موقعة الفيل بخمسين يومًا فقط.
وكانت قريش لا تزال تحتفل بنصر الله تعالى لها.
°°°°°°°°°°°°°°°°°