الحلقة (190) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (32) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ....
تدبر القُرْآن العَظِيم
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾
أولًا: سبب النزول وسياق الآية:
جاءت هذه الآية بعد الآية التي تسبقها، وهي قوله تعالى:
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾
وذلك في سياق الردّ على من يدّعون محبة الله، خاصة من أهل الكتاب، لكنهم لا يتبعون النبي محمدًا ﷺ.فالآية السابقة تُبين أن محبة الله الصادقة لا تكون إلا باتباع الرسول، وهذه الآية (32) تؤكد أن الطاعة لله والرسول هي الطريق الوحيد المقبول، ومن أعرض عنها كان كافرًا لا يحبه الله.
ثانيًا: شرح مفردات الآية:
-
﴿قُلْ﴾: أمرٌ للنبي محمد ﷺ بأن يُبلّغ هذا القول للناس؛ أي اجعل هذا الكلام إعلانًا عامًا للناس جميعًا.
-
﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾: أي امتثلوا أوامر الله، وتابعوا أوامر النبي ﷺ، فطاعتهما متلازمة، لأن النبي لا يأمر بشيء من عند نفسه، وإنما بوحي من الله.
-
﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾: أي فإن أعرضوا عن الطاعة، أو رفضوا الاتباع، أو لم ينقادوا لما أمر الله به ورسوله.
-
﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾: أي إنهم بكفرهم هذا -أي الإعراض عن طاعة الله ورسوله- أصبحوا من الذين لا يحبهم الله، و"لا يحب" هنا تدل على سخط الله عليهم، وحرمانهم من رحمته، بل هي تهديدٌ بالعذاب والطرد من رحمة الله.
ثالثًا: المعنى الإجمالي:
هذه الآية تقطع الطريق على من يُزيِّن لنفسه أنه مؤمن بالله ومحبه له، لكنه يرفض اتباع النبي ﷺ.
فالله يأمر رسوله ﷺ بأن يقول: إن كنتم صادقين في دعواكم، فطاعة الله ورسوله هي الدليل.
ومن رفض هذه الطاعة، فقد أعرض عن الإيمان، وأدخل نفسه في زمرة الكافرين الذين لا يحبهم الله.
رابعًا: من دلالات الآية:
-
الطاعة الكاملة لله والرسول شرط للإيمان:
-
فالإيمان ليس فقط في القلب، بل هو تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح.
-
ومجرد الادعاء بمحبة الله لا يكفي إن لم يصحبه اتباع وسلوك وطاعة.
-
-
مكانة الرسول ﷺ في طاعة الله:
-
جاءت طاعة النبي مقرونة بطاعة الله، بل في مواضع عدة قال الله:
﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80] -
مما يدل على أن اتباع النبي ﷺ هو اتباع لله نفسه.
-
-
من أعرض عن طاعة النبي ﷺ فهو كافر:
-
الله لم يقل: "فإن تولوا فإن الله لا يحبهم"، بل قال:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ -
وهذا يدل على أن الإعراض عن طاعة الرسول كفرٌ صريح، وليس مجرد مخالفة.
-
-
الربط بين المحبة والطاعة:
-
لا يُمكن الفصل بين أن يحب الإنسان ربه، وبين أن يطيعه ويتبع نبيه ﷺ.
-
ولذلك قال بعض السلف: "زَعَمَ قومٌ أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية"، أي آية (31).
-
خامسًا: من أقوال المفسرين:
● ابن كثير:
قال:
هذا أمر من الله تعالى لكل الناس بطاعته واتباع رسوله محمد ﷺ، فمن تولّى عن هذا الأمر فهو كافر، والله لا يحب الكافرين، وهذا تهديد شديد.
● الطبري:
قال:
إن أعرض هؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم هذا القول، فلم يطيعوا الله ورسوله، فاعلم أنهم كافرون، ليسوا على شيء من محبة الله، لأن من أحب الله أطاعه.
● القرطبي:
قال:
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ إشارة إلى أن ترك طاعة الرسول كفرٌ بالله، لأن طاعته طاعة لله، وترك طاعته ترك لطاعة الله، ومن ترك طاعة الله فهو كافر.
سادسًا: تطبيق عملي في الواقع:
-
هذه الآية تُرشد المسلم إلى أن اتباع النبي ﷺ في أقواله وأفعاله وأخلاقه هو طريق الوصول إلى محبة الله ورضوانه.
-
تدعونا إلى عدم الانبهار بمن يدّعي الإيمان والمحبة لله، ولكنّه لا يعمل بشرعه، ولا يلتزم بسنة نبيه، فالإيمان عملٌ لا كلام.
-
من يعرض عن الشريعة، أو يُنكر شيئًا مما جاء به الرسول ﷺ، فهو داخل في وعيد هذه الآية، ولا يصح له أن يدّعي محبة الله.
سابعًا: خاتمة وتأمل:
هذه الآية الكريمة تبني ميزانًا دقيقًا لتمييز الصادق من الكاذب في محبته لله.
من أطاع الله ورسوله، فهو المؤمن الذي يحبه الله.
ومن أعرض وتولّى، فهو الكافر الذي لا يحبه الله.فالآية دعوة صريحة لكل مؤمن أن يُراجع علاقته بالله ورسوله، ويُقيمها على أساس الطاعة والاتباع، لا على مجرد العواطف والدعاوى.
-