Untitled Document

عدد المشاهدات : 3173

الحلقة (19) من (تدبر القرآن العظيم) تدبر الآية (9) من سورة البقرة- قول الله تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة  التاسعة عشر
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 تدبر الآية رقم (9) من سورة البقرة

قول الله تعالى
(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ)
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 أصل "الخدع" الْإِخْفَاءُ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ : انْخَدَعَ الضَّبُّ فِي جُحْرِهِ، يعنى اختفي داخل جحره، ونحن نقول المخدع، على المكان الذي ننام فيه 

ونقول: فلان خدعنى: أو فتاة تقول: هذا الشاب خدعنى، يعنى أظهر أمرًا بخلاف الحقيقة، ليخفي إرادته الحقيقية، وهذا هو عين النفاق، لأن المنافق يظهر الإيمان ويخفي الكفر 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 جملة (يُخَادِعُونَ اللّهَ) تدل على غباء المنافق وجهله، لسببين:

السبب الأول: أنهم يعتقدون أنهم كما يخدعون بعض المؤمنين، يستطيعون أن يخدعوا الله تعالى، يعنى ينافقون الله تعالى، فيظهرون له الإيمان ويبطنون الكفر، لأنهم لا يعلمون صفات الله تعالى، فلا يعلمون ان من صفته "العلم" وأنه "سميع" وأنه "بصير" وأنه –تعالى- لا تخفي عليه خافية في السماوات والأرض، وأنه تعالى يعلم ما في انفسهم، وأنه تعالى أقرب اليهم من حبل الوريد
كما قال تعالى في سورة المجادلة (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ)
يعنى يوم القيامة سيحلفون لله أنهم مؤمنون ويعتقدون بذلك أنهم سينجون
وفي سورة الحديد ( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 
الدليل الثاني لغباء المنافقين وجهلهم، أن قولهم هذا دليل على أنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن الاسلام هو الدين الحق، بدليل أنهم يعتقدون أن اظهارهم الإيمان سينجيهم من النار ويدخلهم الجنة، ومع ذلك يصرون على الكفر
 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 يقول تعالى (يُخَادِعُونَ اللّهَ) والمخادعة مفاعلة بين شخصين، فهل يستطيع أحد أن يخدع الله تعالى ؟

نقول ليس معنى خداعهم لله تعالى ان الله تعالى قد انخدع لهم
هم خدعوا الله تعالى، ولكن هل معنى هذا أنهم قد نجحوا في خداعهم ؟ وأن الله تعالى قد انطلي عليه خداعهم ؟
 كما نقول زيد كذب على سعيد، فهذا معناه أن زيد قد أتي بفعل الكذب على سعيد، ولكن ليس معناه أن سعيد قد انطلى عليه كذب زيد، أو أنه قد صدق سعيد في كذبه
فكذلك (يُخَادِعُونَ اللّهَ) معناه ان المنافقون قاموا بفعل الخداع لله تعالى، فأظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وهم يعتقدون –كما قلنا لغبائهم وجهلهم- أن خداعهم سينطلى على الله تعالى، ولكن الله تعالى لم ينخدع لهم، ولم ينجحوا في هذا الخداع، لأن الله تعالى لا تخفي عليه خافية في السماوات والأرض

 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا)

قال تعالى (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) فلم يكرر الله تعالى الفعل ويقول (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَيخادعون الَّذِينَ آمَنُوا) وانما قال (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) كأن خداع المؤمنين خداع لله تعالى 
ونحن هنا أمام تفضل كبير وكريم من الله تعالى، حيث جعل الله تعالى عدوهم عدوه، وما يوجه اليهم من مكر موجهًا اليه تعالي
وهذا أولًا يسكب في قلب المؤمنين طمئنينة لا حد لها، وهو في نفس الوقت تهديد رهيب لمن يحاولون خداع المؤمنين وايصال الأذي لهم، بأن معركتهم ليست مع المؤمنين وحدهم ولكن هي معركة مع الله القوي الجبار القهار
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم) 

وهو كما تقول لأحدهم "أنت تضحك على نفسك"
فالله –تعالى- عليم بخداعهم، والمؤمنون في كنف الله يحفظهم من هذا الخداع
أما المنافق فهو الخاسر من كل هذا لأنه أوهم نفسه بأنها ستنجو بهذا النفاق وتربح وتكسب، وهي حقيقة الأمر "فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هناك علاقة عجيبة بين كلمة "النفاق" وكلمة "الخداع" 

قلنا أن أصل كلمة النفاق من "نَّافِقَاءُ اليربوع" لأن حيوان اليربوع، يبنى جحره من غرفتين، غرفة أمامية اسمها "الْقَاصِعَاءُ" وغرفة خلفية اسمها "النَّافِقَاءُ" وهذه الغرفة الخلفية بينها وبين ظاهر الأرض قشرة رقيقة، حتى لا تظهر أو يعرف مكانها، فاذا هاجمه عدو، يدفع هذه القشرة برأسه ويهرب
فسمي المنافق بهذا الإسم، نسبة الى "نافقاء اليربوع" لأن هذه الغرفة ظاهرها يخالف باطنها، فظاهرها تراب كالأرض وباطنها جحر، وكذلك المنافق ظاهره ايمان وباطنه كفر
أما كلمة "الخداع" فهي أيضًا ارتبطت بتصرف حيوان، وهو حيوان "الضب" وهو حيوان يشبه السحلية ولكنه ضخم، حتى أنه يشبه التمساح أو الديناصور الصغير، وهناك علاقة تعايش بين الضب وبين العقرب السوداء، حيث يوفر العقرب الحماية للضب من أعدائه كما أن الضب يوفر المأوى وبعض الفرائس للعقرب.
وكانت العرب تصيد هذا الحيوان بغرض الأكل والتداوي، فاذا طارد الصياد الضب هرب الى داخل حجره، فتقول العرب: انْخَدَعَ الضَّبُّ فِي جُحْرِهِ
فارتبطت كلمة الخداع بتصرف حيوان وهو حيوان "الضب" كما ارتبطت كلمة النفاق بتصرف حيوان وهو حيوان "اليربوع"

حيوان الضَّبُّ

هناك علاقة تعايش بيت الضَّبُّ وبين العقرب الأسود

جحر الضَّبُّ
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (وَمَا يَشْعُرُونَ) يعنى وَمَا يَدْرُونَ أَنَّهُمْ قد خدعوا أنفسهم وأنهم قد ضَرُّوا أَنْفُسَهُمْ 

أحياناً يقول القرآن "مَا يَشْعُرُونَ" وأحيانًا يقول "مايعلمون" وأحيانا "مايعقلون" كل كلمة في موضعها، لأن المتكلم هو الله تعالى
ما الفرق بين هذه الكلمات ؟ "الشعور" و"العلم" و"العقل" كلها وسائل ادراك
الشعور: هو أن تدرك بأحد الحواس، كما تقول شعرت بالألم، شعرت بالجوع، وهكذا
العلم: هو أن تدرك قضية لم تدركها أنت بنفسك، ولكن أدركها سواك، ثم تعلمتها أنت منه، فالتلميذ يذهب الى المدرسة ويتعلم عشرات ومئات النظريات العلمية، فهل اكتشف تلك النظريات بنفسه ؟ 
يعقلون: هو أن يستنبط الأمر بعقله، ولم يتعلمها عن طريق أحد
اذن أعلى مراتب الإدراك، هي العقل، فاذا لم يعقل يمكن أن يعلم، واذا لم يعلم يمكن أن يحس
مثل رجل استطاع أن يخترع برنامج كمبيوتر "سوفت وير" يرنامج الوورد مثلًا، فهذا أعلى مرتبة، ثم يمكن أن يتعلم هذا البرنامج أحدهم فهذه مرتبة ثانية، وأدنى مرتبة هو الذي لم يتعلم البرنامج ولم يشعر به 
فحين ينفي الله تعالى عنهم الشعور فهو ينفي أول مراتب الإدراك وهو الإدراك الحسي
فاذا نفي عنهم الشعور فقد نفي عنهم كل مراتب الإدارك، فهم لا يعلمون ولا يعقلون
وقد قلنا أن كل كلمة من هذه الكلمات تأتي في موضعها، فلماذا قال القرآن "مَا يَشْعُرُونَ" في هذا الموضع، ولم يقل "مايعلمون" ولم يقل "ما يعقلون" ؟ 
هنا قال تعالى "مَا يَشْعُرُونَ" لسببين:
لأن فقد الشعور هو أدنى مراتب عدم الإدراك، والمنافق هو ادنى مراتب الكفر، كما قال تعالى في سورة النساء (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ( 
أيضًا لأن الله تعالى قال عنهم في الآية قبل السابقة (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) يعنى وسائل الإدراك عندهم معطلة، فناسب ذلك أن نقول (وَمَا يَشْعُرُونَ) لأن عدم الشعور هو فقد الإحساس عن طريق وسائل الإدراك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 ملخص تدبر الآية

(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ)
يعتقد المنافقون أنهم يستطيعوا أن يخدعوا الله تعالى كما يخدعون بعض المؤمنين، وهم في حقيقة الأمر يخدعون أنفسهم، (وَمَا يَشْعُرُونَ) يعنى وَمَا يَدْرُونَ أَنَّهُمْ فد خدعوا أنفسهم وضَرُّوا أَنْفُسَهُمْ 

 *********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

 *********************************