Untitled Document

عدد المشاهدات : 7241

الحلقة الثامنة: تدبر إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ- تدبر القُرْآن العَظِيم
تدبر القُرْآن العَظِيم

 الحلقة  الثامنة

    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  تدبر: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قلنا من قبل في فضل فاتحة الكتاب أن بعض أهل العلم قالوا أن الله تعالى أنزل كتباً -قيل أنها مائة وأربعة كتاب- وجمع هذه الكتب كلها في ثلاثة، هي: (الزبور، والتوراة، والإنجيل)، ثم جمع هذه الثلاثة في القرآن، وجمع القرآن في الفاتحة، وجمعت الفاتحة في "إياك نعبد وإياك نستعين"

 وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : الْفَاتِحَةُ سِرُّ الْقُرْآنِ ، وَسِرُّهَا هَذِهِ الآية 

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
والسبب أن جميع الكتب تدور حول أصلين وهما: عبادة الله والتوكل عليه، وهذا موجود في قول الله تعالى) : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ : " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَا مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ تُصْرَعُ تَضْرِبُهَا الْمَلَائِكَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا ". 
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 "العبادة" في اللغة تعنى "الذلة والطاعة" فالعرب تقول "بعير معبد" يعنى "بعير مطيع" فتقول "جمل معبد" أو "حصان معبد" يعنى "مطيع" ونحن نقول "طريق معبد" يعنى مذلل للمارة

فاياك نعبد يعنى: اللَّهُمَّ لَكَ نَخْشَعُ وَنَسْتَكِينُ وَنَذِلُّ 
يقول ابن كثير أن العبادة: كلمة تجمع بين كمال  المحبة والخوف والخضوع 
ولكما ازداد الإنسان ذلة وخضوعًا لله تعالى، ازداد بعدًا ورفعة عن عبودية الآخرين، وكلما ازداد رفعة أمام الآخرين
ولذلك في أعلى مكان تكريم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) كأن أعلى درجات التكريم أن جعله عبداً.
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 واياك نستعين يعنى نسعين بك يا الله في العبادة وغير العبادة

وأفضل طلب للإستعانة هو طلب الإستعانة على الطاعة
ولذلك كان دعاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد كل صلاة، قبل السلام أو بعد السلام "اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" 
ولذلك جائت "إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" بعد "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" يعنى نحن نعبدك يارب، ونستعين بك على عبادتك
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هناك في اللغة ما يطلق عليه "غائب" يعنى غير موجود في لحظة الحديث، ولذلك نقول "غابت الشمس" أو نقول "فلان غائب" مثل: "هي متفوقةٌ" أو "هو يَعْمَلُ سائقاً"

الكلام من أول سورة الفاتحة بأسلوب الغائب "الحمد لله" أسلوب غائب "رب العالمين" أسلوب غائب "الرحمن الرحيم" أسلوب غائب "مالك يوم الدين" أسلوب غائب،  كل بأسلوب الغائب، لأن الإيمان بالغيب من أساسيات العقيدة 
وكان السياق اللغوي يقتضى أن يقال "اياه نعبد" و"اياه نستعين" 
ولكن الله تعالى غير السياق، ويطلق عليه علماء اللغة "الإلتفات" فانتقل من الغيب الى حضور المخاطب، بكاف الخطاب فقال ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))
لسببين:
أولًا: لأنه لَمَّا أَثْنَى عَلَى اللَّهِ فَكَأَنَّهُ اقْتَرَبَ وَحَضَرَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالي
ثانيًا: أن ايمانك بالغيب –وهو من أساسيات العقيدة- يجب أن يكون من القوة والثبات في القلب، كأنك تري هذا الغيب بعينيك
فايمانك بالله تعالى غيب، ولكن ايمانك بالله يجب أن يكون من القوة والثبات في القلب، وكأنك تري الله –عز وجل- بعينيك، وتخاطبه  
ولذلك عندما تكلم الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن مقام الإحسان في العبادة قال: أن تعبد الله كأنك تراه
ذات يوم شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صحابته وكان اسمه الحارث، فقال له: 
- كيف أصبحت يا حارث ؟ 
فقال: أصبحت مؤمنا حقا 
قال الرسول: فانظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ 
قال الحارث: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، (يعنى يتصايحون فيها). 
قال النبي "يا حارث عرفت فالزم"
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 فاذا قال قائل لماذا لم يأت السياق من أول السورة بضمير المخاطب، كأن يقول تعالى: الحمد لك

نقول –كما ذكرنا- أن الله تعالى يريد أن يرسخ أولًا أن الإيمان بالغيب من أساسيات العقيدة، فتحدث باسلوب الغائب، ثم بعد ذلك يلتفتك الى أن هذا الإيمان بالغيب ينبغي أن يكون من القوة وكأنك تراه بعينيك، فتحدث بعد اسلوب الغائب باسلوب المخاطب بكاف الخطاب
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 كلمة "اياك" في اللغة تفيد الخصوصية

فاذا قلت لإنسان: أني سأقابلك، فهي تعنى أنك قد تقابله وحده، وقد تقابله ومعه آخرين
ولكن اذا قلت: اياك سأقابل، فهذا يعنى أنك ستقابله وحده
كذلك اذا قلت: نعبدك يا رب، فهذا يعنى –لغة- انك يمكن أن تعبد الله وحده، ويمكن أن تعبد معه غيره
ولكن اذا قلت: اياك نعبد، فهذا يعنى قصر العبادة على الله تعالى فقط
ولذلك يقول علماء اللغة، أن "اياك" مانعة للعطف، يعنى لا يجوز أن تقول اياك اقابل وفلان أو اياك نعبد وكذا 
كذلك قول الله تعالى "واياك نستعين" يعنى لا نطلب العون الا من الله وحده، لأن الأمر كله لله تعالى، لا أحد يملك معه مثقال ذرة
اذن "اياك نعبد واياك نستعين" يعنى لا نعبد الا الله ولا نستعين الا بالله
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وتقديم العبادة على الإستعانة تقديم لحق الله تعالى على حق عباده، وهذا من الأدب مع الله تعالى 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 الترتيب الطبيعي للجملة الفعلية أن تأتي بالفعل ثم الفاعل ثم المفعول به 

مثال: قرأ الطالبُ الدرسَ
ولكن هنا تقدم المفعول به وهو "اياك" على الفعل "نعبد" أيضًا من الأدب مع الله تعالى، لأنك قدمت الله على نفسك
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قال تعالى ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) لم استعمل الجمع، ولم يقل إياك أعبد واياك أستعين

أولًا: لأن المقام مقام تواضع وذلة لله تعالى، فحين تقول "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" يعنى أنا عبد واحد وسط ملايين العبيد لك يارب، وهذا أكثر تواضعًا من قولك "اياك أعبد"
ثانيًا: ليلفتنا أن الأصل هو صلاة الجماعة وليست صلاة الفرد
ثالثا: ليلفتنا الى أن وحدة الأمة هو الأصل، وهو الذي يرضى الله تعالى، وهو الذي يحث عليه الله تعالى، وشواهد ذلك كثيرة لا حصر لها، مثل الحث على صلاة الجماعة، ووجوب صلاة الجمعة، والنهي على أن يقطع العمود في المسجد الصف الا اذا لم يكن هناك مكان في المسجد، والنهي عن صلاة المنفرد خلف الصف الا اذا لم يكن هناك مكان في الصف الأخير، وهنا يقول تعالى "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" ليلفتنا مرة الى أهمية وحدة الأمة
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  *********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

 *********************************