Untitled Document

عدد المشاهدات : 8846

الفصل العشرون بعد المائتين: فتح مكة- الجزء الأول- قريش تنقض صلح الحديبية

   أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

   الجزء الثامن عشر: فَتح مكة

 الفصل العشرون بعد المائتين

 *********************************

 فتح مكة- الجزء الأول

   قريش تنقض صلح الحديبية

  *********************************

  

 *********************************

 دخول "خزاعة" في حلف الرسول، و"بنو بكر" في حلف قريش بعد الحديبية

 تم عقد صلح الحديبية بين المسلمين وبين قريش في "ذي القعدة" من السنة السادسة من الهجرة، وكان من بنود صلح الحديبية: 

- من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه
والأحلاف في الجزيرة العربية كانت أحد صور الحياة السياسية في الجزيرة العربية، لأن العرب قبل الإسلام مروا بفترات جهل وتعادي وتنافر واقتتال بين القبائل، فكانت كل قبيلة تعتدي على غيرها من القبائل الأضعف منها، مما أدي الى أن القبائل المتجاورة تتحالف وتتناصر مع بعضها البعض
فمعنى الحلف أن يكون هناك بلغة العصر الآن "اتفاقية دفاع مشترك" بين دولتين، بمعنى اذا حدث اعتداء على أحد الدولتين يكون اعتداء على الدولة الأخري، ويجب على هذه الدولة بموجب هذا الحلف أن تنصر الدولة التى وقع عليها الاعتداء
وهكذا كان التحالف عند العرب يقضي بأن يدافع كل طرف عن الطرف الآخر إذا ما تعرض ذلك الآخر إلى أيِّ اعتداء.
وبعد الحديبية دخلت "خزاعة" في حلف الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن العلاقة بين الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين "خزاعة" كانت قوية، لأن هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" و"بنى هاشم" التى منها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستخدمهم كعيون له، بالرغم من أنهم كانوا حتى ذلك الوقت على شركهم، ولكن "خزاعة" لم تدخل في حلف مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خوفًا من قريش، فلما كان صلح الحديبية، دخلت "خزاعة" في حلف مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فلما دخلت "خزاعة" في حلف الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخلت "بنو بكر" في حلف قريش، لأن بين "خزاعة" وبين "بنو بكر" حروب قديمة وعداوات وثارات، وكان هناك قتلى من "بنى بكر" قتلتهم "خزاعة" فأرادت "بنو بكر" أن يكونوا في الحلف المعاكس، مع أن العلاقات بين "بنو بكر" وبين قريش ليست قوية، لدرجة أن قريش حين خرجت لحرب المسلمين في بدر كانت تخشى من غزو بني بكر لمكة

 خريطة القبائل العربية بالجزيرة ويظهر موضع "خزاعة"

  ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 "خزاعة" تعتدي على "بنو بكر" وقريش تشترك معها في الاعتداء

 وفي أثناء هدنة صلح الحديبية، وفي السنة الثامنة من الهجرة، كان بعض "خزاعة" عند بئر قريب من مكة اسمه "الوتير" فأرادت "بنو بكر" أن تأخذ بثأرها القديم من "خزاعة" فأغاروا عليهم، وكان ذلك بقيادة أحد فرسانهم واسمه "نوفل بن معاوية" –وقد اسلم بعد ذلك- 

وأعانت "قريش" بنو بكر بالسلاح والدواب، بل واشترك في القتال من قريش بعض فرسانهم، منهم "عكرمة بن ابي جهل" و"صفوان بن أمية" و"سهيل بن عمرو" مع أن "سهيل" هذا هو الذي كتب بنود معاهدة الحديبية مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

اشترك في القتال من قريش بعض فرسانهم

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 "خزاعة" تدخل الحرم و"بكر" تستمر في الاعتداء

فلما رأت "خزاعة" أنهم يهزمون وقتل منهم بعض رجالهم، دخلوا الى الحرم، وكانت العرب لا تقتل لا في الحرم ولا في الأشهر الحرم، وكان الرجل يري قاتل أبيه داخل الحرم فلا يستطيع أن يقترب منه حتى يخرج من الحرم
فلما دخل رجال خزاعة الحرم قالت بكر: 
- يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك ! 
فقال "نوفل بن معاوية الدِّيلِيّ" كلمة عظيمة: 
- لا إله له اليوم، يا "بني بكر" أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون وتسرفون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟ 
واستمر جيش بكر بمعاونة قريش في قتل "خزاعة" حتى دخلوا منزل رجل من خزاعة موجود في مكة وهو "بديل بن ورقاء" ودار مولى له اسمه "رافع"  
وكانت نتيجة هذا الإعتداء هو مقتل عشرون رجلًا من "خزاعة" 
وكان هذا نقضًا واضحًا وصريحًا لصلح الحديبية، ليس من "بنى بكر" فقط ولكن من قريش أيضًا لأنها أعانت "بنو بكر" بالسلاح، بل واشتركت ايضًا في القتال
ولو كانت قريش لم تفعل ذلك لأكتفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعقاب "بنو بكر" فقط، كما أرسل الكثير من السرايا العقابية للقبائل التى اعتدت على بعض الصحابة

كانت نتيجة هذا الإعتداء هو مقتل عشرون رجلًا من "خزاعة" 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 "خزاعة" تطلب نصرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

فلما وقع هذا الاعتداء، انطلق فورًا من خزاعة أحد شعرائهم وهو "عمرو بن سالم الخزاعي" في أربعين راكبًا حتى قدموا على الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسجده بين أصحابه، فوقف "عمرو بن سالم" وقال شعرًا: 
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
أنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
هم بيتونا بالوتير هجـــدا       وقتلونا ركــــعــا ً وسجدا
الى آخر ثمانية أبيات، يطلب فيها نصرة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعمل بما يقتضيه الحلف
الذي بين المسلمين وبين خزاعة، فلما انتهي من قصيدته، قال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوة وحزم:
-  نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ
أي أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرر أن ينتقم لخزاعة من "بني بكر" ومن "قريش" لإعتدائهم عليهم، ونقضهم صلح الحديبية، ودخل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيته ولم يحدد كيف يكون هذا الإنتقام وكيف يكون هذا العقاب

وقف "عمرو بن سالم" وقال شعرًا يطلب فيه نصرة الرسول
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرر غزو مكة، وأسباب هذا القرار

قرر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الوقت أن يقوم بغزو مكة، ولكنه لم يصرح برغبته تلك لأي أحد، حتى لوزيره الأول "أبو بكر الصديق" 
وسبب هذه القرار أن الرَسُولُ يريد فتح مكة في أسرع وقت، لأن مكة بيت الله الحرام، ولا يجوز أن يكون تحت حكم المشركين، ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة، ولا يجوز أن يطوف البعض بالبيت عرايا، ولا يجوز أن يكون في مكة بيوت دعارة، وهناك بصفة عامة أوضاع كثيرة غير مقبولة في مكة
كما أن مكة لها مكانتها الرمزية المعروفة بين العرب، فلو فتحها المسلمون لدخلت الجزيرة العربية كلها في الإسلام، وهذا ما حدث بالفعل كما قال تعالى ((اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا))
والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلم أن غدر قريش ونقضهم صلح الحديبية أمر قد لا يتكرر مرة أخري، لأن قريش تعلم جيدًا أن موازين القوي أصبحت في ذلك الوقت -في السنة الثامنة من الهجرة- في صالح المسلمين تمامًا، وكان هذا الإعتداء من جانبهم على خزاعة تهورًا وتصرفًا أحمقًا غير مبرر، فلا هم في عداء أو نزاع أصلًا مع "خزاعة" ولا هم علاقتهم بهذه القوة مع "بنو بكر" ولو تكرر هذا الموقف مائة مرة لما تهورت قريش وأقدمت على ما هي اقدمت عله  
فلو أضاع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الفرصة، فمعنى هذا أن ينتظر ثمانية سنوات أخري، وهي المدة الباقية من صلح الحديبية، حتى يمكن أن يكون هناك أي تحرك عسكري لفتح مكة، لأن المسلمون يحترمون تعهداتهم، ولا يمكن أن ينقض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العهد أبدًا 


كان الرَسُولُ يريد فتح مكة في أسرع وقت، لأنه لا يجوز أن تكون مكة تحت حكم المشركين، ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 "قريش" تبحث عن حل للمشكلة التى أوقعت نفسها فيها

في ذلك الوقت كانت قريش تبحث عن حل لهذه المشكلة التى أوقعت نفسها فيها، وهي نقضهم الصلح مع المسملين، لأن قريش هي أيضُا تعلم جيدًا أنها الآن أضعف كثيرًا من المسلمين، وتعلم جيدًا أنه اذا كانت القوة كانت متعادلة بين الفريقين في السنة السادسة من الهجرة، عند توقيع صلح الحديبية، فان القوة الآن في صالح المسلمين بعد عامين فقط في السنة الثامنة من الهجرة
فقد رأت قريش أن المسلمون قد انتصروا بعد "الحديبية" في معركتين من أصعب المعارك، وهما "خيبر" و"مؤتة" و"خيبر" بحصونها وكثرة مقاتليها أقوي من قريش وفي مؤتة ثبت المسلمون أمام جحافل الإمبراطورية الرومانية 
وتعلم قريش أن الجيش الإسلامي مدرب تدريبًا جيدًا، لكثرة المعارك التى خاضها في فترة قصيرة جدًا، وتعلم أن الروح المعنوية للجيش مرتفعة جدًا
من جهة أخري تضاعفت أعداد المسلمين، ودخلت كثير من القبائل بل والممالك في الإسلام، فاليمن دخلت في الإسلام، وعمان دخلت في الإسلام، ودخلت كثير من القبائل في حلف الرَسُولُ بينما أحلاف قريش قليلة جدًا وغير قوية، وتكاد تكون محصورة في ذلك الوقت في "بنى بكر" فقط
شيء آخر وهو تناقص أعداء المسلمين، وضعفت شوكتهم، فاليهود انتهي خطرهم تمامًا، وغطفان التى كانت القوة الأكبر في حصار المدينة في الأحزاب انتهي خطرها كذلك وجاءت وفودها تعلن الإسلام

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قريش تقرر أن ترسل سفيرًا للإعتذار وطلب العفو

كانت قريش تعلم كل ذلك، ولذلك اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التى أوقعت نفسها فيه، وهي نقضها لبنود صلح الحديبية وبالتالى احتمال دخولها في حرب جديدة مع المسملين، بل وغزو المسلمين لمكة
وقررت قريش في هذا الإجتماع أن ترسل سفيرًا الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للإعتذار وطلب العفو، وتجديد العهد، بل وطلب مد مدة الهدنة
وانتهت قريش الى أن يكون هذا السفير هو "أبو سفيان بن حرب" نفسه سيد قريش، ولا شك أن هذا الأمر فيه تنازل كبير عن كرامة قريش وكبرائها، وهذه هي أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل، ولكن قريش رأت أن تقدم هذا التنازل وتخسر هذه الخسارة خير لها ألف مرة من خسارة أكبر كثيرًا لو قام المسلمون بغزو مكة، وهذا يدل على مدي الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش من المسلمين


اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التى أوقعت نفسها فيه

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  ما الذي حدث بعد ذلك 

هذا سيكون حديثنا في الفصل القادم

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************