Untitled Document

عدد المشاهدات : 4403

الفصل السابع والستون: قصة الهجرة- الجزء السادس- هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الرابع: قصة الهجرة

الفصل السابع والستون

*********************************

قصة الهجرة- الجزء السادس

هجرة الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

*********************************

 

*********************************

أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين بالهجرة من مكة الى المدينة، وهكذا هاجر كل المسلمين، ولم يبق بمكة الا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعائلته، وأبو بكر الصديق وعائلته
فكرت قريش أنه اذا كان كل المسلمين قد هاجروا فلابد أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينتظر أن يطمئن على هجرة كل المسلمين ثم يهاجر بعد ذلك، واجتمعت قريش في دار الندوة للتشاور في هذا الأمر الخطير
ولماذا هو أمر خطير ؟ 
هو أمر خطير لأن معنى هجرة الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو بداية دولة اسلامية في المدينة، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لن يرضى بعد انشاء الدولة الإسلامية أن يترك مكة تحت حكم قريش
تعلم قريش أيضًا أن المدينة موقعها استراتيجي، لأن المدينة تقع بين مكة والشام، وهو طريق تجارة قريش، وتجارة قريش هي مصدر أموالها، هي الأجنحة التى تطير بها، والمخالب التى تفتك بها

 

*       *       *
قريش تقرر قتل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اجتمعت قيادات قريش في دار الندوة لبحث هذا الأمر الخطير: أبو جهل، أبو سفيان، أمية بن خلف، شيبة بن ربيعة، عتبة بن ربيعة، جميع قيادات قريش اجتمعوا واتفقوا في هذا الاجتماع على ضروة التخلص من الرسول –صلى الله عليه وسلم- وكان هذا الاجتماع قبل الهجرة بيوم واحد


اجتمعت قيادات قريش في دار الندوة لبحث هذا الأمر الخطير
لماذا لم يتم التخلص من الرسول –صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك، لقد ظل الرسول –صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشرة عامًا في مكة يدعو الى الاسلام، لمذا لم يقتلوه طوال تلك الأعوام الثلاثة عشر ؟ 
السبب أن كل قبيلة من القبائل كانت تخشي من قبيلة "بنى عبد مناف" وهي قبيلة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهي أقوي بطون قريش ان تأخذ بثأر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ان هي قتلت الرسول صلى الله عليه وسلم
اذن ما الجديد ؟! الجديد أن قيادات قريش، وروؤس الكفر فكروا –ولأول مرة- في أن تتولى جميع القبائل قتل الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن ترسل كل قبيلة مندوب لقتل الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهكذا يكون قرابة الرسول –صلى الله عليه وسلم- من "بنى عبد مناف" عاجزين عن الأخذ بثأر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ويقبلوا الدية، وينتهي الأمر على ذلك

قررت قريش قتل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
****************
جبريل يحذر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان هذا الاجتماع -كما ذكرنا- قبل الهجرة بيوم واحد، ولكن نزل جبريل –عليه السلام- على الرسول –صلى
الله عليه وسلم-  وحذره، وأمره ألا يبيت هذه الليلة في بيته
****************
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبر أبو بكر الصديق بالهجرة
خرج الرسول –صلى الله عليه وسلم- من بيته في وقت الظهيرة، وهو وقت لا يخرج فيه أهل مكة من بيوتهم لشدة الحرارة، وخرج وهو ملثم ليخفي وجهه، وكل ذلك كان امعانًا في التخفي، وذهب الى أبي بكر وأخبره بأنه سيكون صاحبه في الهجرة، فبكي أبو بكر من شدة الفرح، وكان بكاء "أبو بكر" لأنه سيكون ملازمًا للرسول–صلى الله عليه وسلم- عدة أيام، بالرغم من أن الرحلة فيها خطورة كبيرة على حياة أبي بكر الصديق
وكما كانت قريش تشعر أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- على وشك الهجرة بعد أن هاجر جميع أصحابه، كان أبو بكر الصديق يشعر كذلك أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- على وشك الهجرة، وكان أبو بكر كان قد استأذن الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، فقال له الرسول –صلى الله عليه وسلم-  "لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبًا" وعندما قال له الرسول –صلى الله عليه وسلم- ذلك شعر أبو بكر وتمنى أن يكون هو صاحب الرسول –صلى الله عليه وسلم- لكن عندما قال له الرسول –صلى الله عليه وسلم- ذلك لم يلح في السؤال أدبًا وتوقيرًا للرسول–صلى الله عليه وسلم 

خرج الرسول من بيته في وقت الظهيرة، وهو وقت لا يخرج فيه أهل مكة من بيوتهم 
****************
تخطيط "أبو بكر" للهجرة
ولكن –في نفس الوقت- اخذ "أبو بكر" يخطط للهجرة، كيف خطط أبو بكر وكيف استعد ؟!  اشترى راحلتين، وجعل الراحلتين عند رجل من المشركين ليرعاهما وهو "عبد الله بن أريقط"، لأنه لو ترك الراحلتين عنده سيلفت الانتباه، واتفق كذلك مع "عبد الله بن اريقط" على أن  يكون دليلهما في الرحلة من مكة للمدينة 
لماذا اختار أبو بكر "عبد الله بن اريقط" لأنه أولًا مشرك، ولا يمكن أن يفكر أهل مكة ان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يمكن أن يستعين بمشرك في مهمة شديدة الخطورة مثل الهجرة 
وثانيًا: لأنه أمين لا يمكن أن يفشى السر، وأبو بكر تاجر ويستطيع أن يفهم الناس ومعادن الناس ، والأمر الثالث انه خبير صحراء محنك ومميز جدًا، وقد أخذنا من ذلك جواز الاستعانة بالخبرات أيًا كان مصدرها
****************
عودة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى بيته لرد الودائع
عاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك الى بيته، لماذا عاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى بيته ؟ لقد كان الوقت ضيقًا جدًا، كان يمكن أن يخرج الرسول –صلى الله عليه وسلم- مع أبو بكر من بيت أبو بكر ويهاجروا، لقد عاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى بيته حتى يرتب مع "على بن أبي طالب" كيف يرد الودائع الى أهل مكة، يقول ابن كثير في كتابه "السيرة النبوية" ولم يكن بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه  الا وضعه عند الرسول –صلى الله عليه وسلم- انظر الى كل هذا التكذيب وكل هذا الايذاء ومع ذلك ليس هناك أحد يثقوا به في مكة كلها الا الرسول –صلى الله عليه وسلم 
وانظر الى الرسول –صلى الله عليه وسلم- يريدون قتله، وهو كل همه أن يرد اليهم ودائعهم، وانظر عندما يجلس مع "على بن أبي طالب" ويقول له "هذه ملك فلان" و"هذه ملك فلان" لابد أن هذا سيستهلك وقتًا كبيرًا، وبالفعل عندما أراد الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يخرج من بيته، كان البيت محاصرًا بالكامل بعشرات من الشباب الأقوياء يحملون سيوفهم ليضربوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- ضربة رجل واحد، ويتفرق دمه بين القبائل مثل الخطة الموضوعة، انظر الى أخلاق الرسول –صلى الله عليه وسلم-  لقد خاطر بحياته في سبيل ألا يخون الأمانة

حاصر عشرات من الشباب بيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
****************
على بن أبي طالب" ينام في فراش الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأمر الرسول –صلى الله عليه وسلم- على بن أبي طالب أن ينام على فراشه ويتغطى ببردته –أي عبائته-  حتى اذا نظر هؤلاء الشباب المحاصرين الى داخل البيت يعتقدون أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يزال بالبيت، وبذلك يستطيع تعطيلهم
خروج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بيته 
وخرج الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأخذ حفنة من التراب وألقاها في وجوههم وهو يتلو قوله تعالى في سورة يس ((وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)) فألقي الله تعالى
 
 
عليهم النوم وظلوا نائمون طوال الليل الى الصباح
****************
 
توجه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى أبي بكر
توجه الرسول –صلى الله عليه وسلم- بسرعة الى بيت ابي بكر الصديق وخرجا من فتحة في ظهر البيت امعانًا في الاستخفاء، والسؤال هنا هو لماذا لم يقرأ قول الله تعالى (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ) كما صنع وهو خارج من بيته، لقد كان لابد أن يأخذ بجميع الأسباب، النصرة من الله تعالى لا تأتي الا اذا أخذت بجميع الأسباب، ورحلة الهجرة كلها أخذ بالأسباب، مع عدم الارتكان على هذه الأسباب، وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكل 
وكان يمكن كما حدث في رحلة الاسراء أن يأتي البراق، ويحمل الرسول –صلى الله عليه وسلم- من مكة للمدينة، بل تحمل كل الصحابة، ولكن لو حدث هذا، فأين القدوة، وأين الدروس التى نتعلم منها في هذه الرحلة العظيمة
****************
خروج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة
خرج الرسول –صلى الله عليه وسلم-  هو وأبو بكر من فتحة في ظهر بيت ابي بكر الصديق، واتفقا مع "عبد الله بن أريقط" على أن يأتيهما بعد ثلاثة ليالى عند غار ثور، وغالبًا "عبد الله بن أريقط" هو الذي دلهم على غار ثور لأنه –كما ذكرنا- خبير صحراء 
وفي الطريق يقف الرسول –صلى الله عليه وسلم- على مشارف مكة وينظر اليها ويقول "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله عز وجل، ولولا أني أُخْرجت منك ما خرجت" 

والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله 

 

التوجه الى جبل ثور
صعد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أبو بكر الى غار "ثور" وهي مسافة كبيرة جدًا حوالى ثلاثة ساعات صعود في الجبل، وكان سن رسول الله 53 سنة، وأبو بكر 51 سنة
أثناء صعود الرسول –صلى الله عليه وسلم- نزل قول الله تعالى في سورة القصص ((وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)) الى آخر الآيات، ونزل قول الله تعالى ((إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ )) يعنى ستعود مرة أخرى الى مكة يا محمد

صعد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أبو بكر الى غار ثور
وصل الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى غار "ثور" ووقف أبو بكر أمام الغار وقال: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله، فإن كان فيه شيء فيبدأ بي 

قال "أبو بكر" والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله
دخل أبو بكر الغار ووجد فيه شقوق كثيرة، فهذه الشقوق يمكن أن تكون بيتا للحيات والعقارب، وكان معه ثوب فأخذ يمزقه ويسد هذه الشقوق، حتى سدت جميعًا وبقي شق واحد لم يسدها أبو بكر لأن الثوب الذي معه لم يكف في سد هذا الشق
ودخل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك، وجلس أبو بكر، وأسند الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه على فخذ أبي بكر لينام ويستريح، وسد أبو بكر هذه الفتحة المتبقية بكعب قدمه، ولكن بالفعل هذا الشق كان فيه حية، لدغت أبو بكر، وأخذ أبو بكر يتألم، وتنحدر دموعه من شدة الألم، ولم يرد مع ذلك أن يحرك رجله حتى لا يوقظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وتسقط دموع أبو بكر على وجه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فانتبه من نومه، وقال له: مالك يا أبا بكر؟!، قال: لدغت، فداك أبي وأمي ! فتفل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فذهب ما يجد

غار ثور من الداخل
****************
قريش تصل الى غار ثور
واقتفت قريش أثر الرسول –صلى الله عليه وسلم- وبلغوا جبل ثور، وصعدوا الجبل حتى وصلوا الى غار ثور، وأرسل الله تعالى جند من جنوده، عنكبوت ينسج بيتًا على فتحة الغار يقول تعالى (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) وجنود الله تعالى غير متناهية، لأن مقدوراته تعالى غير متناهية، هل يمكن أن يتخيل أحد أن عنكبوتًا يكون سببًا في نجاة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بل يمكن أن يكون فيروس جند من جنود الله تعالى، فيروس لا يرى بالعين المجردة يهلك جيش كامل
يقول أبو بكر: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-  "ما ظنك يا أبابكر باثنين الله ثالثهما" والحديث رواه البخاري، وفي رواية "اسكت يا أبابكر اثنان الله ثالثهما
وقفت قريش أمام باب الغار، ولم يخفض واحد منهم رأسه ونظر داخل الغار، لأن لو فعل أحدهم هذا كان سيتهم من أصحابه بالغباء، وقد يتندرون عليه في مكة، فكيف يدخل أحد الغار وهو نسيج عنكبوت على باب الغار

وقفت قريش أمام باب الغار ولم ينظر أحد داخل الغار
****************
أسماء بنت أبي بكر تحمل الزاد الى غار ثور
وظل الرسول –صلى الله عليه وسلم-  مع أبي بكر في الغار ثلاثة ايام كاملة حتى يهدأ الطلب عليه، وكانت السيدة أسماء بنت ابي بكر تحمل لهم الطعام لهم كل يوم، لماذا أسماء ؟  لماذا ليست عائشة مثلا، لماذا ليس على، وهو شابًا قويًا 23 سنة، ويتحمل هذه الرحلة الشاقة كل يوم، السبب ان "أسماء" كانت في ذلك الوقت حامل في الشهر السابع، لا يمكن أن يشك فيها أحد، انما يمكن يشكوا في "على" وبالمناسبة كانت حامل في "عبد الله بن الزبير" والذي سيصبح بعد ذلك اول مولود مسلم في المدينة، وقد ولد بعد الهجرة بشهرين فقط
ومع كل رحلة لأسماء وهي تحمل الطعام والماء، كان يمشى خلفها بغنمه"عامر بن فهيرة" مولى أبو بكر حتى يبدد آثارها، انظر دقة التخطيط في كل خطوة من خطوات الهجرة

كان "عامر بن فهيرة" يمشى بغنمه خلف أسماء

 

الإنطلاق الى المدينة
ويأتي اليهما "عبد الله بن أريقط" في موعده بعد ثلاثة ليالي، وكانت قريش بعد هذه الليالي الثلاثة قد يأست وهدأت
وسلك بهما "عبد الله بن أريقط" طريق غير معهود، لم يسر بهم في خط مستقيم بل اتجه الى الغرب ومشى بحذاء ساحل البحر الأحمر، وهو نفس الطريق اللى مشى فيه ابو سفيان بعد كده بسنتين لما أراد انه يهرب من الرسول في غزوة بدر 

طريق الهجرة
****************
خوف "أبو بكر" على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في الطريق الى المدينة جعل أبو بكر يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  :ما هذا يا أبا بكر ؟ فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك، لا آمن عليك
****************
أم معبد ووصفها للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ونفذ الزاد والماء من القوم، وكانوا أربعة: الرسول –صلى الله عليه وسلم-  وأبو بكر و"عبد الله بن أريقط" و "عامر بن فهيرة" مولى أبو بكر ومروا بامرأة تدعى "أم معبد" فطلبوا منها أن يشتروا منها لحمً وتمرًا، فلم يجدوا عندها 

ومروا بامرأة تدعى "أم معبد" فطلبوا منها أن يشتروا منها لحمً وتمرًا، فلم يجدوا عندها
فنظر الرسول –صلى الله عليه وسلم-  الى شاة في جانب الخيمة، فقال لها: ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت: خلفها الجهد عن الغنم، فقال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-  : أتأذنين أن أحلبها ؟ قالت: نعم ان رأيت بها حلبا فاحلبها، فمسح الرسول –صلى الله عليه وسلم- بيده ضرعها وسمى الله تعالى فتفاجت ودرت، تفاجت يعنى فتحت رجليها للحلب، ودرت يعني أرسلت اللبن، وحلب الرسول –صلى الله عليه وسلم-  لبنًا كثيرًا حتى ملأ الإناء ثم سقا "أم معبد" حتى رويت، ثم سقا أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم ملأ الإناء مرة أخرى، وشربوا جميعًا مرة أخرى، ثم حلبها للمرة الثالثة ومللأ الإناء وتركه عند "أم معبد" وانصرفوا
جاء زوجها بعد قليل ورأي اللبن فتعجب فقال: من اين اللبن يا أم معبد، قالت: مر بنا رجل مبارك، وحدث كذا وكذا، فقال: صفيه يا أم معبد قالت
 رأيت رجلا ظاهر الوضاءة (ظاهر الجمال والحسن) وأبلج الوجه (مشرق الوجه ومضيئه) حسن الخلق لم تعبه نحلة (من النحول يعني ليس نحيلًا)  ولم تزر به صعلة (صغر الرأس) وسيم قسيم (جميل) في عينيه دعج (شديد سواد العين وشديد بياضها) وفي أشفاره وطف (الرموش طويلة وثقيلة) في صوته صهل (البحة يعني صوته ليس حادًا)  كأن عنقه إبريق فضة وفي لحيته كثاثة أزج (دقيق شعر الحاجب مع طولهما) أقرن (متصل ما بين الحاجبين)  إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهى من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق لا هذر ولا نزر (لاهذر يعني لايتكلم كلامًا ليس له فائدة، ولا نذر ولا قليل) كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن رَبْع (ليس طويلا ولا قصيرا) لا ييأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا أمره، محفود (مخدوم) محشود (يجتمع الناس حوله) لا عابس ولا مُفنَّد 
قال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا 

هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره
 
****************
سراقة بن مالك
أعلنت قريش في قبائل العرب أن من يأتي بالرسول –صلى الله عليه وسلم- حيًا أو ميتًا فله مائة ناقة، فانتشر كثير من الأعراب في الصحراء يطاردون الرسول –صلى الله عليه وسلم-  وكان من هؤلاء "سراقة بن مالك" وهو أمير قبيلة "بنى مدلج" ورئيسهم، واستطاع "سراقة" أن يصل الى الرسول –صلى الله عليه وسلم-  فلما اقترب من الركب المبارك سمع الرسول –صلى الله عليه وسلم-  يقرأ القرآن ولا يلتفت اليه، وأبو بكر الصديق يكثر الالتفات

استطاع "سراقة" أن يصل الى الرسول –صلى الله عليه وسلم
اقترب سراقة أكثر فعثرت به فرسه وسقط على الأرض، نهض "سراقة" وعاد الى مطاردة الرسول –صلى الله عليه وسلم-  مرة أخرى، فلما اقترب غاصت يدا الفرس في الرمال حتى بلغت الركبتين، وسقط "سراقة" على الأرض مرة أخرى، ووقع الايمان في قلب "سراقة" وآمن بالرسول –صلى الله عليه وسلم- وعرض عليه الزاد والمتاع فلم يقبلها منه الرسول –صلى الله عليه وسلم-  ولكن قال له: اخف عنا، فجعل "سراقة" كلما لقى أحد من المطاردين للرسول–صلى الله عليه وسلم- يقول له: كفيتم هذا الوجه، يعنى لا تبحثوا في هذا الاتجاه لأني بحثت فيه ولم أجد أحد

و بعد أن اطمأن "سراقة" الى وصول الرسول –صلى الله عليه وسلم-  الى المدينة، أخذ يقص قصته وقصة فرسه التى عثرت مرة وغاصت يداه مرة أخرى، واشتهرت القصة بين قبائل العرب حتى كانت سببًا في اسلام البعض
وقبل أن يغادر"سراقة" الرسول –صلى الله عليه وسلم-  قال له الرسول –صلى الله عليه وسلم-  عبارة عجيبة قال له "كيف بك اذا لبست سواري كسرى" أنت الآن يا رسول الله مطارد ومطلوب حيًا أو ميتًا، وتتحدث عن سواري كسرى رئيس أكبر دولة في ذلك الوقت، وبعد ذلك بأعوام أتي عمر بن الخطاب بسواري كسرى وتاجه، فيقول أين "سراقة بن مالك" وألبسه سواري كسرى، وأخذ يطوف "سراقة بن مالك" في المدينة والناس حوله، ويقول صدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم 

كيف بك اذا لبست سواري كسرى
****************
لاحظ أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- رفض أن يأخذ زاد ومتاع من "سراقة" وعندما طلب اللحم والتمر من "أم معبد" كان بالثمن، وأبو بكر عندما قدم الراحلتين، أبي الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يركب الراحلة الا اذا دفع ثمن راحلته، لماذا كل هذا ؟! حتى يكون ذلك درسًا لحملة الدعوة ألا يكونوا عالة على أحد، واذا لم تكن أيديهم هي العليا، فلا تكن السفلى، وأنهم مصدر العطاء في كل شيء

 

وصول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى المدينة
أما في المدينة فكان الأنصار يخرجون كل صباح ينتظرون الرسول –صلى الله عليه وسلم- على مشارف المدينة، حتى وصل الرسول –صلى الله عليه وسلم- أخيرًا وخرج الجميع ليستقبل الرسول –صلى الله ع