Untitled Document

عدد المشاهدات : 1475

الفصل الخامس والستون: قصة الهجرة- الجزء الرابع- بيعة العقبة الثانية

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الرابع: قصة الهجرة

الفصل الخامس والستون

*********************************

قصة الهجرة- الجزء الرابع

بيعة العقبة الثانية

*********************************

 

*********************************

المسلمون في المدينة يتحدثون بضرورة هجرة الرسول اليهم

انتشر الاسلام في المدينة، وأصبح المسلمون في خلال عامين فقط هم الأغلبية في المدينة

وكان المسلمون في المدينة يعلمون ما يلاقيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو والمسلمون من أذي شديد، فبدء المسلمون في المدينة يتحدثون في ضرورة أن يقدم عليهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في المدينة وأن يترك مكة، وكانوا يقولون:

-        حتى متى نترك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يطرد في جبال مكة  

وهكذا لم يطلب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل المدينة أن يهاجر اليهم، مع أن هذا هو ما كان يبحث عنه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويسعي اليه، بل ترك أهل المدينة هم الذين يقررون هذا الأمر بأنفسهم، لأنه أمر له تبعات كثيرة وخطيرة، أولًا من الناحية الإقتصادية لأن المهاجرين سيمثلون عبئًا على أهل المدينة، وثانيًا: وهذا هو الأصعب: أمنيًا لأن معنى هجرة الرسول وبناء الدولة الاسلامية معاداة قريش، القبيلة القوية، بل معاداة كل القبائل العربية

 

حتى متى نترك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يطرد في جبال مكة

قدوم وفد "يثرب" للحج

اذن في السنة الثالثة عشرة من النبوة كان الرأي في المدينة هو ضرورة أن يترك  الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة، وأن يقدم عليهم في المدينة، فارتحل الى مكة في موسم الحج من هذا العام وفد "يثرب" وفيهم خمسة وسبعون من المسلمون: 73 رجل وامرأتين

وكان وفد "يثرب" فيه مشركون الى جانب المسلمون، لأن أهل المدينة لم يكونوا قد أسلموا جميعهم، بل كان هناك من لا يزالون على شركهم، حتى بعد هجرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظل بعض أهل المدينةعلى شركهم

وصل وفد المدينة الى مكة، وتمت بعض الاتصالات السرية بين المسلمين من أهل "يثرب" وبين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتم الاتفاق على أن يقابلهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفس مكان البيعة الأولى، عند عقبة منى، في ليلة الثالث عشر من ذي الحجة، وهي آخر ليلة من ليالي الحج، حتى لا تجد قريش فرصة لاعتراضهم اذا اكتشفت أمر هذه البيعة

بيعة العقبة الثانية

كان الاتفاق ايضًا على ان يكون اللقاء بعد الثلث الأول من الليل، بعد أن يكون قد نام الجميع، وخرج المسلمون متسللين، واحد واحد، أو اثنين اثنين، حتى لا يشعر بهم المشركون من أهل "يثرب" حتى اجتمعوا في ذلك الشعب وجلسوا ينتظرون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان معه أبو بكر وعلى وعمه "العباس" مع أن العباس كان لا يزال على الشرك، ولكن أراد أن يتأكد من حماية الأنصار للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووقف "أبو بكر" على رأس الشعب، ووقف "على بن ابي طالب" على مدخل الشعب الآخر

وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين ألا يرفعوا أصواتهم، وألا يطيلوا الكلام، ثم طلب الأنصار من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتكلم وأن يطلب ما يريد، وقالوا علام نبايعك ؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم"

فكان أول من مد يده وبايع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو "البراء بن معرور" وكان من سادة أهل المدينة، فمد يده للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول  "بايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلقة –السلاح- ورثناها كابر عن كابر"

 

بايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب

 في رواية أخري أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله, لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة"

 

مكان البيعة في "مسجد البيعة" بمنى

"عبادة بن الصامت" الثابت على البيعة

وقد كان ممن حضر هذه البيعة "عبادة بن الصامت" ولذلك عندما كان "عبادة" في الشام في زمن "عمر بن الخطاب" وكان "معاوية" هو والى الشام، قام أحدهم يمدح معاوية، فقام "عبادة بن الصامت" بتراب في يده ووضعه في فم هذا الذي يمدح، فغضب معاوية، ونهر "عبادة" فقال له عبادة: اسكت أنت لم تكن معنا عندما بايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن نقول في الله, لا نخاف في الله لومة لائم، وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِذا رأَيتم المداحين، فاحثوا في أفواههِم التراب" وطرده "معاوية" من الشام، وعاد "عبادة" الى المدينة، وعلم عمر فأعاد عبادة الى الشام مرة أخري وقال له "ارحل الى مكانك، فقبح الله أرضًا لست فيها وأمثالك، فلا أمرة له عليك"

 

اختيار النقباء

هكذا بايع الأنصار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أطلق على هذه البيعة "بيعة العقبة الثانية" ثم طلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك أن يختار الأنصار من بينهم اثنى عشر رجل، أسماعهم النقباء يكون كل واحد منهم مسئول عن عدد من المسلمين، فتم ذلك، ثم أمرهم بالإنصراف الى رحالهم

 

قريش تكتشف أمر البيعة

برغم كل هذه السرية التى فرضها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الا أن أخبار هذا اللقاء وصل الى مسامع قريش، فلما كان الصباح جاء جمع من كبار قريش الى وفد يثرب يسألوهم عما بلغهم من بيعتهم للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعوتهم اليه للهجرة، فحلف المشركون من الأوس والخزرج بأنهم لم يفعلوا، والمسلمون لا يتكلمون وينظر بعضهم الى بعض

ثم أراد المسلمون تمويه الموضوع، وكان أحد رجال قريش اسمه "الحارث بن هشام" يلبس نعلًا –حذاءًا- جديدًا فقال "كعب بن مالك" لأحد الأنصار: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من سادتنا مثل نعلى هذا الفتى من قريش ؟ فخلع الحارث نعليه من رجليه ورمي بهما الى "كعب بن مالك"

فقال أبو جابر: مه أحفظت والله الفتى، فاردد اليه نعليه

قال كعب: لا والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنه

انطلق الأنصار بعد ذلك الى "يثرب" لأن بيعة العقبة –كما قلنا- كانت في آخر أيام الحج، وكان هذا مقصودًا –كما ذكرنا- حتى تضيق الفرصة أمام قريش في أي رد فعل اذا اكتشفت أمر البيعة، وقد كان أمر متوقع وهذا ما حدث بالفعل

تأكد زعماء مكة من حقيقة البيعة فخرجوا يطاردون الأنصار، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول اليهم الا "سعد بن عبادة" فقط، وكان سيد الخزرج، فأخذوه الى مكة وأخذوا يضربونه، حتى استطاع أن يتخلص منهم بعد ذلك والعودة الى "يثرب"

 

خرج أهل مكة يطاردون الأنصار

ليس هذا فحسب، بعد البيعة ثارت ثائرة قريش، واشتد جدًا ايذائها للمسلمين، فأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه بالهجرة، وبدأت قريش تحاول منع المسلمين من الهجرة

وهذا سيكون حديثنا في الفصل القادم

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

 

*********************************