Untitled Document

عدد المشاهدات : 4823

الفصل السادس والأربعون: الهجرة الثانية للحبشة

 

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة - مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة

الفصل السادس والأربعون

*********************************

الهجرة الثانية الى الحبشة

*********************************

 

*********************************  

تحدثنا في الفصل السابق عن الهجرة الأولى الى الحبشة، وقلنا أنه بعد ثلاثة شهور فقط وصلت أخبار غير صحيحة للمسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد دخل أغلبهم في الاسلام، فقرر المسلمون العودة الى مكة

 

الحبشة هي أثيوبيا واريتريا الآن

ولكن عندما عاد المسلمون الى مكة وجدوا ان الوضع كما هو لم يتغير


عاد المسلمون الى مكة فوجدوا ان الوضع كما هو لم يتغير

وبدأ المسلمون في الهجرة الى الحبشة مرة ثانية، ولم تكن هجرتهم هذه المرة دفعة واحدة، وانما جماعات متفرقة، وعلى فترات متباعدة، حتى وصل عدد المسلمين في الحبشة الى 103 منهم "جعفر بن ابي طالب" ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانوا   78 رجلا و 17 امرأة و 8 من الأبناء


بدأ المسلمون في الهجرة الى الحبشة مرة ثانية

*********************************  

استقرار المسلمون في الحبشة

وافق النجاشي ملك الحبشة على اقامتهم في مملكته، وأعلن حمايته لهم، وبدأ المسلمون يعملون بالتجارة والصناعة والزراعة، وعمل البعض في المصنوعات الجلدية، وسلكوا في حياتهم ومعاملتهم سلوكا طيبا واحترموا قوانين البلاد وأهلها، وفي المقابل أحبهم الأحباش وعاملوهم في المقابل معاملة طيبة 


بدأ المسلمون يعملون بالتجارة والصناعة والزراعة

*********************************  

محاولة قريش استرداد المسلمين

ووصلت الأنباء من الحبشة الى مكة أن المسلمين في أمن واستقرار وحياة طيبة، كما وصلت الى قريش قصيدة أحد المهاجرين المسلمين والتى يتحدث فيها عن سعادته هو والمسلمون في أرض الحبشة، فاغتاظت قريش، وقررت أن ترسل اثنين من دهاتها لمقابلة النجاشي ومحاولة اقناعه بأن يطرد المسلمين من الحبشة ويردهم الى مكة مرة أخري

أرسلت قريش "عبد الله بن أبي ربيعة" و "عمرو بن العاص" وكان "عمرو بن العاص" على علاقة سابقة قوية بالنجاشي، والنجاشي كان اسمه " أَصْحَمَةَ بن أبجر" والنجاشي هو لقب لكل من يملك الحبشة، وهي دولة أثيوبيا وأريتريا الآن، كما ان "قيصر" هو لقب كل من يملك الروم، وكسري لقب كل من يملك فارس، و"المقوقس" لقب من يملك مصر وهكذا

أرسلت قريش "عبد الله بن أبي ربيعة" و"عمر بن العاص" وأرسلت معهما الكثير من الهدايا القيمة للنجاشي  وحاشيته، وانطلقا، وكان هذا بالطبع تحت سمع وبصر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

وفد "قريش" يتحدث الى النجاشي

وصل وفد قريش الى الحبشة، ووزعوا الهدايا على حاشية النجاشي، فقبل كل منهم الهدية ووعد خيرًا

ثم تقدما الى النجاشي، ووضع الهدايا بين يديه، وقالا له

أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان منا سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم

بالطبع أيدت حاشية النجاشية التماس الرجلين، وقالوا: أيها الملك قومهم أعلم بهم

ولكن النجاشي رفض أن يتخذ أي قرار دون أن يسمع دفاع المسلمين على هذا الكلام، فأمر باستدعاء رجال منهم، ودعا أساقفة من الكنيسة، فجاء وفد من المهاجرين، وقد اتفقوا على أن يتولي الكلام مع النجاشي "جعفر بن ابي طالب" وهو ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول عن جعفر أنه أشبه الناس به خلقًا وخلقا


طلب وفد قريش من النجاشي استراد المسلمين

وفد المهاجرين يتحدث الى النجاشي

دخل وفد المهاجرين المسلمين على النجاشي، ولم يسجدا له، كما هي العادة مع الملوك في ذلك الوقت، ثم سألهم النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل

تحدث جعفر بن عبد المطلب وقال 

أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الاصنام، وناكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الارحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف

 فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الامانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات

فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا.

فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الاوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث.

فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك


تحدث "جعفر بن أبي طالب" الى النجاشي

اعجب النجاشي بكلام "جعفر بن ابي طالب" ثم قال له: هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ 

فقرأ عليه جعفر أوائل سورة مريم   كهيعص   ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا   إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا    ، إلى الآيات:   وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا   فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا   قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا   قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا    

فبكي النجاشي حتى ابتلت لحيته وبكي جميع الحضور من الأساقفة، ثم قال النجاشي إن هذا الذى سمعت، والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة

 انصرف عمر بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وانصرف وفد المسلمون وهم سعداء 


بكي النجاشي حتى ابتلت لحيته

*********************************  

عمرو بن العاص يكرر المحاولة

ولكن لم ييأس "عمر بن العاص" فقرر أن يحاول مع الملك مرة أخري، وقال لعبد الله بن ابي ربيعة

والله لآتين النجاشي غدًا وأخبره أنهم يزعمون أن عيس بن مريم عبد  

وبالفعل ذهب "عمرو بن العاص" في اليوم التالي الى قصر الملك، واستأذن في الدخول، ثم قال بعد أن حي الملك

أيها الملك انهم يقولون في عيسي بن مريم قولًا عظيمًا

فغضب الملك غضبًا شديدًا واستدعي المسلمون مرة أخري، وقال لهم: ماتقولون في عيسي بن مريم ؟

أجاب جعفر:  نقول والله ما قال الله وما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول 

فأمسك النجاشي قشة من سواكه، وقال: والله ما زاد المسيح على ما تقولون قدر هذا العود.

ثم قال: اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي، من سبكم غرم، وما أحب أن لي جبلا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم.

ثم التفت إلى حاشيته وقال وهو يشير إلى وافدي قريش: ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه


ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها

*********************************  

فشل محاولة قريش ورجوعهم الى مكة

هكذا رجع وفد مكة خائباً من الحبشة ، وتمتع المسلمون بالأمن والأمان ومارسوا شعائر دينهم في حرية تامة، وكأن محاولة قريش لرد المسملين الى مكة عادت بالفائدة على المسلمون

نتائج محاولة قريش 

وكان من نتائج هذه الزيارة هي دخول النجاشي نفسه فى الاسلام، بل ودخول "عمرو بن العاص" نفسه في الاسلام بعد ذلك، لأن النجاشي كان صديقًا لعمرو بن العاص كما ذكرنا، فأسلم عمرو بن العاص بعد ذلك على يد النجاشي 

من هو الصحابي الذي أسلم على يد تابعي ؟

ولذلك من الألغاز التى تقال كثيرًا: صحابي أسلم على يد تابعي، فالصحابي هو "عمر بن العاص" أسلم على يد النجاشي، وهو من التابعين لأنه لم يرَ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يأخذ منه، ولكنه رأي صحابة وأخذ منهم، ولذلك يعتبر من التابعين، بل من سادات التابعين 


أسلم "عمرو بن العاص" على يد النجاشي

الأحداث بعد فشل قريش في استعادة المسلمين

وكان من نتائج دخول النجاشي في الاسلام، أن حدث في الحبشة ما يمكن أن نطلق عليه الآن ثورة داخلية، أو انقلاب عسكري، لأن الحبشة على النصرانية، ولم يقبلوا أن يكون النجاشي على الاسلام

وكادت أن تحدث مواجهة عسكرية، وقبل هذه المواجهة جهز النجاشي سفن للمسلمين، وأمر المسلمين أن يركبوا في هذه السفن، وقال لهم أنه اذا هزم في المعركة يغادروا الحبشة، واذا انتصر يظلوا في الحبشة

ولكن لم تحدث هذه المواجهة العسكرية لأن النجاشي تحدث الى المعارضين له، وقال لهم كلام فهموا منه أنه لا يزال على النصرانية، وهكذا اختار النجاشي أن يكتم اسلامه ، وقبل منه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك

*********************************  

ظل المسلمون في الحبشة، وعملوا هناك –كما ذكرنا- بالتجارة والصناعة والزراعة، وظلوا هناك حتى هجرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى المدينة، فبدأوا في التوجه للمدينة على جماعات، ولم يتوجهوا للمدينة كلهم بعد الهجرة مباشرة لأن الأحوال الاقتصادية في المدينة لم تكن مستقرة، ولكن بعد فتح خيبر في السنة السابعة بدأت الأحوال الاقتصادية للمسلمين في الاستقرار، فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعودتهم، فعادت آخر جماعة منهم في السنة السابعة من الهجرة، وكانوا ستة عشر رجلًا

بعد أن ترك جميع المسلمين الحبشة، مات النجاشي، وكأنه مات بعد أن أدي دوره في حماية المهاجرين المسلمين الى الحبشة، وبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وفاة النجاشي، فقال "مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ

*********************************  

هذه هي قصة هجرة المسلمين الى الحبشة

سنعود في الفصل القادم ان شاء الله تعالى الى مكة ونري كيف جرت الأمور بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين هناك 

*********************************  

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************