Untitled Document

عدد المشاهدات : 1206

حلقة تليفزيونية (برنامج رقائق الفتح- الحلقة الثامنة عَشْرَةِ) مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَةِ

رقَائِقُ الْفَتْحِ

الْحَلَقَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَ- مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَةِ

*********************************

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ

*********************************

 فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرَ الضَّرَاعَةِ وَالِابْتِهَالِ، دَائِمُ السُّؤَالِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُزَيِّنَهُ بِمَحَاسِنِ الْآدَابِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ كَمَا أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَحَسِّنْ خُلُقِي» وَكَانَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ».

فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدَّبَهُ وَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَأَدَّبَهُ بِهِ، فَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  خُلُقَهُ الْقُرْآنُ.

يَقُولُ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ: سألت عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عَنْ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى: قَالَتْ: كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ.

ما معن: كان خلقه القرآن ؟

يعنى ما من خلق حث عليه القرآن الا كان الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكمل الناس تخلقا به

وما من خلق نهى عنه القرآن، الا كان الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد الناس اجتنابًا له

وَإِنَّمَا أَدَّبَهُ الْقُرْآنُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ((خُذْ الْعَفْوَ وَائْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين))

وَقَوْلِهِ ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))

وَقَوْلِهِ ((وَلِمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ عَزْمِ الْأُمُورِ))

وَقَوْلِهِ ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))،

وَقَوْلِهِ ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ))

وَأَمْثَالُ هَذِهِ التَّأْدِيبَاتِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ لَا حَصْرَ لَهَا، وَالرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ، ثُمَّ مِنْهُ يُشْرِقُ النُّورُ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ، فَإِنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُدِّبَ بِالْقُرْآنِ وَأَدَّبَ الْخَلْقَ بِهِ.

ثُمَّ رَغِبَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ:

      روي الترمذي عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال "أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"

 

ويقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا".

 

      وذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ فَقَالُوا: إِنَّهَا تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَكِنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ، تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا،

فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّار"

 

وسال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: "أَحْسَنُهمْ أَخْلَاقًا" يَعْنِي كُلُّ النَّاسِ تُصَلِّي وَتُزَكِّي وَتَصُومُ، فَمَنْ هُوَ أَفْضَلُهُمْ؟ قَالَ أَحْسَنَهُمْ أَخْلَاقًا.

 

      وَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ يَكُونُ لَهَا زَوْجَانِ فِي الدُّنْيَا، فَتَمُوتُ وَيَمُوتَانِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لِأَيِّهِمَا هِيَ تَكُونُ؟ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا، كَانَ عِنْدَهَا فِي الدُّنْيَا، يَا أُمَّ حُبَيْبَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"

      يَقُولُ عَلَيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- لَمَّا جِيءَ بِسَبَايَا طَيْءٍ وَقَفَتْ جَارِيَةٌ فِي السَّبْيِ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخْلِي عَنِّي، وَلَا تُشَمِّتَ بِي قَوْمِي، وَإِنَّ أَبِي كَانَ يَحْمِي الذِّمَارَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُفْشِي السَّلَامَ، وَلَمْ يَرُدْ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ الطَّائِيِّ، فَقَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَا جَارِيَةُ، هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لِتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا، فَإِنَّ أَبَاهَا يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ"

فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ دِينَارَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اللهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ؟ فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا حَسِنَ الْخُلُقِ"

*          *          *

·     وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: إِنَّ الْعَبْدَ لِيَبْلُغَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ غَيْرُ عَابِدٍ، وَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلُ دَرْكٍ فِي جَهَنَّمَ وَهُوَ عَابِدٌ.

·     وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنْبِهٍ: مَثَلُ سَيِّءِ الْخُلُقِ كَمَثَلِ الْفِخَّارَةِ الْمَكْسُورَةِ، لَا تُرَقَّعُ وَلَا تُعَادُ طِينًا.

·     وَقَالَ الْفُضَيْلُ: لِأَنَّ يَصْحَبَنِي فَاجِرٌ حَسَنُ الْخُلُقِ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَنِي عَابِدٌ سَيِّءُ الْخُلُقِ0

ساعات للأسف تجد بعض المسلمين يفضلون معاملة غير المسلم، لأن أخلاقه أفضل، واحد يكون عنده شقة بيأجره، يقولك أؤجرها لأجنبي عشان يحافظ على الشقة، وبيبقي ملتزم بدفع الإيجار في موعده، هيه دي: لِأَنَّ يَصْحَبَنِي فَاجِرٌ حَسَنُ الْخُلُقِ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَنِي عَابِدٌ سَيِّءُ الْخُلُقِ0

 

·     وَصَحِبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ رَجُلاً سَيِّءَ الْخُلُقِ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَحْتَمِلُ مِنْهُ وَيُدَارِيهِ، فَلَمَّا فَارَقَهُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَكَيْتُهُ رَحْمَةً لَهُ، لَقَدْ فَارَقْتُهُ وَخُلُقُهُ مَعَهُ لَمْ يُفَارِقْهُ.

*          *          *

تَعَالَوْا نَسْتَعْرِضُ لَقَطَاتٍ مِنْ أَخْلَاقِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإن عنوان الحلقة اليوم هي لَقَطَاتٍ مِنْ أَخْلَاقِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

حِلْمُهُ

كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْلَمُ النَّاسِ.

     َجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ لَهُ "أَحْسَنَتُ إِلَيْكَ"، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا وَلَا أَجْمَلْتَ، فَغَضِبَ لِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَامُوا إِلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ كُفُّوا، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَزَادُهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ "أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ" قَالَ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا.

 

      مِنْ حِلْمِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمَّا تَكَاثَرَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فِي أُحُدٍ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، قَالَ "اللَّهُمَّ اهد َوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَوْلَهُ ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)).

 

     هناك قصة يرويها "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" و "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" كان مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ

يقول "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ": مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرِفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ

لأن "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" كان –كما قلنا- مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، يعنى من علماء اليهود، وصفة الرسول –صلى الله عليه وسلم- مذكورة في التوراة –قبل تحريفها- بمنتهي الدقة

لذلك يقول تعالى في سورة البقرة ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) شوف دقة التعبير القرآني "كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ"  انت تعرف ابنك يمكن أكتر من نفسك، بتشوفه أكتر ما بتبص لنفسك في المراية، وبتشوفه من ساعة ما كان عمره يوم، أو حتى ساعة

الحاجة الوحيدة اللي غير مذكورة في التوراة هي نسب الرسول –صلى الله عليه وسلم- اللى هيه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف حتى اسماعيل –عليه السلام- دي مش مذكور في التوراة، لذلك اعتقد اليهود وطمعوا ان يكون نبي آخر الزمان من نسل اسحق، يعنى منهم، لأن جميع الأنبياء من بعد ابراهيم كانوا من نسل اسحق

طيب مرة أخري يقول "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ": مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرِفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، فيه حاجتين مش متأكد مهم، : يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا

يعنى ايه: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ ؟ يعنى ما بيفقدش أعصابه أبدًا، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، كل ما اللى قدامه يزداد في الجهالة ويزاد في سوء الأدب، يزداد الرسول –صلى الله عليه وسلم- حلمًا وأدبًا

 

يقول زيد: فَكُنْتُ أَلْطَفُ لَهُ إِلَى أَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ، يعنى بحاول يكون بينى وبين الرسول معاملة عشان أقدر اتبين هذه الصفات فيه، لأنها ليست صفات خلقية، هي صفات خلقية لا تظهر الا بالمعاملة

يقول زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا مِنْ الْحُجُرَاتِ –يعنى من بيته- وَمَعَهُ "عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" فَأَتَاهُ رَجُلٌ بَدَوِيٌّ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ بِقُرْبِي قَرْيَةَ بَنِي فُلَانٍ قَدْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمْ الرِّزْقُ رَغْدًا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنْ الْغَيْثِ، يعنى هذه القرية أسلمت على يد هذا البدوي، وهو يدعوهم للإسلام قال لهم أنهم اذا أسلموا أَتَاهُمْ الرِّزْقُ رَغْدًا، والقاشية حتبقي معدن، ويصبحوا أغنياء، ولكن حدث غير هذا: أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنْ الْغَيْثِ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلَتَ، فَنَظَرَ إِلَى "عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، ما فيش حاجة عندنا خالص

قَالَ "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ لَكَ أَنْ تَشْتَرَيَ مِنِّي تَمْرًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، يعنى عرض عليه يبيعله تمر بالأجل، الرسول –صلى الله عليه وسلم- اتفق معاه وأخذ التمر وأعطاه الى هذا البدوي

يَقُولُ "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ": فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلَّ الْأَجَلِ بثَلَاثَة أيام، "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" عاوز يستفز ِ الرسول –صلى الله عليه وسلم- عمل ايه ؟ ذهب اليه قَبْلَ مَحَلَّ الْأَجَلِ بثَلَاثَة أيام، وكان مع الرسول أَبُي بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ونَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَاءِهُ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ وَقَلْتُ لَهُ: أَلَا تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ بَنِي عَبْدِ الْمَطَّلِبِ لَمُطْلٍّ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ، لَمُطْلٍّ  يعنى تماطلون في الحقوق، يعنى عيلة نصابة وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ، يعنى أنا عارفكم طول عمركم نصابين

أنا عاوزك تتخيل هذا الموقف: أولًا الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو رئيس الدولة، ونبي الأمة، سيبك من رئيس الدولة، هو نبي الأمة، ووسط أصحابه، وهذا الرجل يهودي، ويمسكه من ملابسه بهذه الطريقة، ويسبه بجده وكل قرابته، وأصلًا ليس له أي حق في المطالبة بدينه، لأن أجل الدين لم يحل بعد

كان مين واقف ؟ سيدنا عمر، يقول "زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" وَنَظَرْتٌ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ أَتَقَوَّلُ لِرَسُولِ اللهِ مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى، ثُمَّ أَمْسَكَ سَيْفَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنِي فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ َوتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ الطلب

هوه مين اللى حيأمرك يا رسول الله ؟ عمر ؟! طب ده هوه أصلًا لم يحل أجل الدين

هيه دي "يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا" هذه الصفة مكتوبة هكذا في التوراة قبل تحريفها

 ثم يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رَوَّعْتُهُ، قَالَ زَيْدٌ، فَذَهَبَ بِي عُمْرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رَوَّعْتُكَ، قَالَ: يَا عُمَرُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرِفْتَهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ نَظَرْتْ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَقَدْ اخْتَبَرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رِبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنْ شَطْرَ مَالِي -فَإِنِّي أُكْثِرُهَا مَالًا- صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، قَالَ عُمْرُ: أوْ عَلَى بَعْضِهِمْ فَإِنَّكَ لَا تَسَعْهُمْ، قُلْتُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ. فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أنك رسول الله

"زَيْدٌ بْنُ سَعْنَةَ" صاحب الرَسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ.

 

شَجَاعَتُهُ

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْجَعَ النَّاسِ.

مِنْ شَجَاعَتِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ كَانَ الشُّجَاعُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ هُوَ أَقْرَبُهُمْ لِلرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبُهُمْ لِلْعَدُوِّ.

المعارك في هذا الوقت، القريب من العدو هو الأكثر شجاعة، واللي في الصفوف الأخيرة أقل شجاعة، فالصحابة مقياس الشجاعة عندهم: الأقرب لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه دائمًا الأقرب للعدو

عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ: كَانَ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ لُذْنَا بِرَسُولِ اللهِ.

 

يَقُولُ عُمْرَانُ بْنُ حَصِيْنَ:مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتِيبَةً إِلَّا كَانَ أَوَّلُ مَنْ يَضْرِبُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصَفُ فِي الْقِتَالِ بِأَنَّهُ شَدِيدُ الْبَطْشِ

 

فِي يَوْمِ حُنَيْنَ، عِنْدَمَا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ وَقَفَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَامَ جَيْشِ الْكُفَّارِ وَحْدَهُ أَمَامَ عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، وَنَزَلَ عَنْ بَغْلَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ" حَتَّى تَجَمَّعَ الْمُسْلِمُونَ مَرَّةً أُخْرَى، وَكُتِبَ لَهُمِ النَّصْرُ.

 

سَخَائُهُ

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ وَأَكْثَرَهُمْ سَخَاءً.

وَكَانَ الرَّسُولُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُسَأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ.

مَثَلًا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنَ كَانْتِ الْغَنَائِمُ كَثِيرَةً جِدًّا، لِدَرَجَةٍ أَنَّ نَصِيبَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغَنَائِمِ كَانَتْ أَغْنَامٌ تَمْلَأُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَجَاءَ رَجُلٌ وَقَالَ: مَا هَذَا؟ يَعْنِي يَتَعَجَّبُ مِنْ كَثْرَةِ الْغَنَمِ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتُعْجِبُكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، فَقَالَ الرَّسُولُ: هِيَ لَكَ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : يَا مُحَمَّدُ أَتَصْدُقَنِي؟ فَمَضَى الرَّجُلُ بِهَا وَهُوَ يَنْظُرُ خَلْفَهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمُ اسْلَمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ.