Untitled Document

عدد المشاهدات : 1940

خطبة: فَضِيلَة الأَذَان

فَضِيلَة الأَذَان

الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 1431- 2010

المكان: مسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 30 دقيقة

 

 

أما بعد

حديثنا اليوم -ان شاء الله تعالى- عن شعيرة من أهم شعائر الإسلام، وهي الشعيرة التي جعلها الرسول e الدليل العملى على الإنتساب الى الإسلام

نتحدث أولاً عن معنى الأذان لغة واصطلاحًا، فالأذان لغة يعنى الإعلام، يقول تعالى ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)) والخطاب هنا موجه الى ابراهيم –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- أي أعلم –يا ابراهيم- الناس بوجوب الحج عليهم

أما الأذان اصطلاحًا أو شرعًا فهو التعبد لله تعالى باعلام المسلمين بدخول وقت الصلاة بكلمات مخصوصة وذكر معين

فُرِضَ الأذان في السنة الأولي من الهجرة، طبعًا في مكة لم يكن ممكننا أن يكون هناك أذنًا، ولذلك شرع بعد الهجرة، وبعد أن اصبح للمسلمين دولتهم، فشرع في السنة الأولي من الهجرة

 

كيف شُرِعَ الأذان

يقول ابن عمر –رضى الله عنهما- والحديث في صحيح البخاري: كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس يُنَادى لها

يعني كل واحد يجتهد في تحديد وقت الصلاة، ويأتي الى المسجد ويجلس ينتظر الصلاة، طبعًا ليس هناك ساعات ولذلك الموضوع في غاية الصعوبة

يقول ابن عمر "فتكلموا يوماً في ذلك" بدئوا يناقشون الأمر، يقول ابن عمر "فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل قرن اليهود" والرسول e جالس يسمع المناقشة، واستقر الأمر في النهاية أن يكون للمسملين ناقوسًا يُضْرَب في أوقات الصلاوات، ولكن الرسول e كان كارهًا لذلك، لأنه لم يكن يحب موافقة اليهود أو النصارى، ويحب دائمًا مخالفتهما لأن المسلم له شخصيته المستقلة، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية

روى أحمد عن عبد الله بن زيد الأنصارى قال: لما أجمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أن يُضْرَب الناقوس يجمع الناس للصلاة، وهو له كاره لموافقة النصارى طاف بي طائف من الليل وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران في يده ناقوس يحمله، فقلت: يا عبد الله تبيع الناقوس ؟ قال: وما تصنع به ؟ قلت: ندعو به للصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قلت: بلى ، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح  الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم استأخر غير بعيد ثم قال: تقول إذا أقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فأخبرته فقال : إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله، ثم قال: يا بلال، قم فناد بالصلاة

بعد ذلك حدث أن جاء بلال يؤذن لصلاة الفجر، فقيل له أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  نائم، فنادى بلال بأعلى صوته "الصلاة خير من النوم" فدخلت هذه الكلمات في الصلاة

*       *       *

فضل الأذان

وقد قلنا في بداية الخطبة أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  جعل الأذان دليلاً عمليًا على الإنتساب الى الإسلام، والحديث رواه البخارى في صحيحه عن أنس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  إذا غزا قوما لم يُغِرْ حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح

ولذلك يقول العلماء أنه لا يجوز أبدًا لأهل أي تجمع كقرية مثلاً ألا يرفعوا الأذان في مواقيت الصلاة

1.  واذا تحدثنا عن فضل الأذان، فأول ما نذكره في ذلك هو قول الله تعالى ((ومن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحًا)) قيل أن هذه الآية الكريمة نزلت في المؤذنين

2.  روى أيضًا البخارى من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" والنداء هو الأذان، ويستهموا: يقترعوا

3.  روى البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"

4.  - روى أبو داود في سننه بسند صحيح أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال "يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة"

5.  وعن ابن عمر –رضى الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال"ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم حساب ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل وأم بقوم وهم به راضون، ورجل أذن في مسجد ودعا الى الله عز وجل ابتغاء وجه الله، ورجل ابتلى بالرزق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة" حديث رواه الترمذي وحسنه

6.  وعن معاوية قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يقول "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" يعنى أكثرهم تشوفًا الى رحمة الله تعالى

7.  روى أيضًا الطبراني أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال "يد الرحمن فوق رأس المؤذن، وإنه ليغفر له مدى صوته أين بلغ"

*      *      *

الترديد خلف المؤذن

هذا الأجر العظيم، وهذا الثواب الجزيل ليس للمؤذن فقط، ولكن لكل من يسمع المؤذن ويردد وراءه، فأنت اذا سمعت الأذان ورددت كلمات الأذان وراء المؤذن فقد حزت كل هذا الثواب الذي ذكرناه

-    عن أبي سعيد الخدرى أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال "إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن" حديث متفق عليه

وللأسف فان قلة قلية هى التى تعمل بهذا الحديث، القليل الذي ينصت للأذان ويردد خلف المؤذن، لدرجة أنك تجد مصلين قد أتوا مبكرين الى المسجد، ويؤذن المؤذن وهم لا يرددون خلف المؤذن، كل واحد قاعد سرحان مع نفسه، وتجد ظاهرة غريبة لا أعرف كيف بدأت ولا لماذا اعتاد الناس عليها، تجد المؤذن يؤذن ولا أحد يردد خلفه، حتى اذا وصل الى عبارة "الله أكبر الله أكبر" تلاقي كل المصلين قالوا "لا الاه الا الله" قبل ما المؤذن يقولها

المفروض أنك تردد خلف المؤذن كل عبارة يقولها، الا الحيعلتين، أي قول المؤذن "حى على الصلاة" و "حي على الفلاح" فينبغي أن تقول بعدها "لا حول ولا قوة الا بالله"

وقيل أن المؤذن في صلاة الفجر اذا قال "الصلاة خير من النوم" تقول "صدقت وبررت ونصحت بالحق" ولكن الأصح أن تقول مثل ما يقول المؤذن فتقول "الصلاة خير من النوم"

اذا كنت في المسجد ردد خلف المؤذن، اذا كنت في بيتك، أو في عملك، اذا سمعت الأذان من خلال التلفزيون أو المذياع فردد دائمًا خلف المؤذن

اذن فقلة قليلة هي التي تردد خلف المؤذن، والأقل منهم الذين يتدبرون كلمات الأذان، ويستشعرون معانيها، مع أن كلمات الأذان تزلزل القلوب، والسبب أن الأذان أصبح مألوفًا واعتدنا عليه، ولذلك فكلمات الأذان تدخل من الأذن اليمنى وتخرج من اليسرى، فلا يحرك عقولنا ولا يحرك قلوبنا

عندما يقول المؤذن "الله أكبر الله أكبر" فاستشعر هذا المعنى العظيم، وهو أنه لا شيء أكبر من الله تعالى، ولا ينبغي أن يكون هناك شيء في قلبك  أكبر من الله تعالى، والله أكبر من أي شيء يمكن أن يشغلك عن الشروع في الصلاة والوقوف بين يديه

ثم يقول المؤذن "أشهد أن لا اله إلا الله" "لا اله الا الله" يعني لا معبود بحق الا الله تعالى، لأن بعض البشر في فترات الغفلة عبدوا غير الله، بعض البشر عبد أصناماً، والبعض عبد الكواكب، والبعض عبد النار، والبعض عبد البقر، بل بعض السفهاء عبدوا الشيطان، ولكنها كانت آلهة باطلة، وهذا هو معنى أنه: لا معبود بحق إلا الله

وكلمة "أشهد" يعنى أنت شاهدت هذا الأمر، طب هل شاهدت هذا الأمر بعينى راسك ؟ اخبار الله لك أصدقك من عينيك

عندما يقول المؤذن "حى على الفلاح" مادة "فَلح" مأخوذة من فلاحة الأرض، فالحق –سبحانه وتعالى- يعطينا صورة من واقعنا المشاهد، ويستعير من فلاحة الأرض ليعبر عن فلاح المؤمن وفوزه بالنعيم المقيم في الآخرة، فالفلاح يحرث أرضه ويسقيها ويرعاها فتعطيه الحبة سبعمائة حبة، فاذا كانت الأرض المخلوقة لله تعالى تعطى كل هذا العطاء، فما بالك بالعطاء المباشر من خالق الأرض التي تعطيك

وعندما تسمع "حى على الصلاة، حي على الفلاح" تقول "لا حول ولا قوة الا بالله" يعني "لا حول عن معصيته، ولا قوة على طاعته الا به تعالى" وأنك لا تستطيع أن تقوم الى صلاتك، وحتى أن تتحرك قيد أنملة الا بحوله تعالى وقوته

*        *        *

الأعمال بعد الأذان

بعد أن تردد خلف المؤذن، وبعد أن ينتهي المؤذن من أذانه تصلى وتسلم على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم

تصلى وتسلم على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأي صيغة، ليس هناك صيغة معينة، اقلها أن تقول "اللهم صلى وسلم على نبينا محمد" والأفضل هي الصلاة الإبراهيمية، اي النصف الثاني من التشهد

فأنت اذا صليت على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  مرة صلى الله عليك بها عشرا، وصلاة الله تعالى على العبد رحمة

*       *        *

بعد ذلك يقول الحديث "ثم سلوا الله لي الوسيلة" كيف نسأل الله تعالى الوسيلة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  حديث جابر –رضى الله عنه- "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة" حديث رواه البخارى

وشفاعة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لك بشارة بدخولك الجنة، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لا يشفع الا بإذن من الله تعالى، والله تعالى لن يأذن لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بالشفاعة الا وهو يريد قبول شفاعته، ودخولك أنت الجنة

*       *        *

وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه" حديث صحيح رواه مسلم

*       *        *

بعد ذلك وبعد أن تصلى ما تشاء من سنن ونوافل، تدعو الله تعالى بما تشاء

روى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" قالوا: فماذا نقول يا رسول الله ؟ قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة

حديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن

ولذلك فأنا أتعجب من بعض المصلين، يجلس في انتظار الصلاة لا يفعل شيئًا، هو انتظار الصلاة في حد ذاته عبادة، فأنت في صلاة ما دمت في انتظار الصلاة، يعني اذا انتظرت الصلاة عشر دقائق مثلاً، فيكتب لك ثواب المصلى طوال هذه العشر دقائق، ولكن استغل وجودك في المسجد طالما أنك جالسُ تنتظر الإقامة، ارفع يديك وادعو الله تعالى بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة

*       *        *

فاذا أقام المؤذن الصلاة، فردد كذلك خلف الإقامة، فاذا قال "قد قامت الله قد قامت الصلاة" فقل: أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض

*       *        *

الخلاصة أن نعظم هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الله تعالى، يقول تعالى ((ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ))

ويقول الرسول "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه"